فمن الطبيعي لأي مواطن في الإمبراطورية أن يُكنّ مشاعر الإعجاب لبرج السحرة، كيف لا وصاحب الفضل في جعل هاغوران أرضًا يسودها السلام كان أول سيد لهذا البرج.
بل وأكثر من ذلك، فإن البرج لطالما سعى، باستخدام السحر، إلى توفير حياة أفضل للشعب.
مثل مصابيح الشوارع السحرية المنتشرة في الطرقات، أو مخازن التبريد المصنوعة باستخدام أحجار الطاقة السحرية.
فمعظم الوسائل التي حسّنت جودة حياة المواطنين كانت من ابتكارات برج السحرة.
صحيح أن أسعار تلك الأدوات كانت مرتفعة، يصعب على عامة الناس اقتناؤها، إلا أن البرج حرص على إنتاج نسخ ميسّرة منها ليستفيد منها الجميع.
“انظر! الناس يلوّحون لنا بأيديهم!”
“فلنلوّح لهم نحن أيضًا!”
عمّت الأجواء البهجة داخل العربة، تفاعلًا مع الترحيب الحار من سكان العاصمة.
أطلوا لولو ولالا برأسيهما من النافذة وبدأوا في التلويح بسعادة.
ولما لوّح الأطفال بأيدهم الصغيرة، دوّت صيحات الابتهاج في أرجاء الشوارع، وانطلقت الهتافات احتفالًا بالظهور الظريف لهؤلاء السحرة الصغار.
“هممم.”
كان جيك يراقب الطفلين بصمت، ثم تنحنح بخفة وحرّك ناظريه نحو النافذة، وقد بدا وكأنه يرغب في الانضمام إليهما.
ومع أن حياءه بدا واضحًا، إلا أنه أخرج يده أخيرًا وبدأ يلوّح بها بخفة، فاحمرّت وجنتاه حين رأى الناس يردّون على تحيته.
أما مييل، فكانت تبتسم بهدوء وهي تراقبهم.
فقد اعتادت على مثل هذا الترحيب في كل زيارة لها إلى مدن الإمبراطورية الكبرى.
لكن بالنسبة للولو ولالا، اللتين انضمتا مؤخرًا فقط إلى البرج، كان هذا أول لقاء لهما مع هذا النوع من الحفاوة، وكذلك جيك، الذي غالبًا ما كان يتنقل خارج الإمبراطورية، لم يعش هذه التجربة كثيرًا.
وبينما كانت مييل تتأمل تصرفاتهم اللطيفة، تحوّل بصرها نحو صندوق الأمتعة في مؤخرة العربة.
كان ذلك الصندوق يحوي مواد جمعت من مناطق خطرة متفرقة داخل الإمبراطورية.
وقد كانت هذه المهمة تتعلق بجمع مكونات دواء علاجي نادر يُستخرج من الوحوش.
عادةً ما يشعر الناس بالخوف من الوحوش، نظرًا لقوتها الغريبة ومظهرها المرعب.
ولا شك أن الشخص الذي أوكل إليهم هذه المهمة يشعر بالمثل، رغم أنه يحمل دمًا نبيلًا في عروقه وقد يكون قادرًا على مواجهتها، إلا أن لقاء هذه الكائنات المخيفة وجهًا لوجه لم يكن ضروريًا بالنسبة له.
علاوة على ذلك، فإن مهمة تتطلب السفر عبر أنحاء الإمبراطورية لم تكن مناسبة لرجل بمشاغله الكثيرة.
‘لذلك لم يكن أمامه خيار سوى دفع مبلغ كبير وتسليم المهمة لبرج السحرة… خصوصًا وأن ثروته لا تنضب، كأنها كنز لا ينفد.’
ما جعل مييل تتذكّر صاحب المهمة فجأة هو أنهم كانوا قد وصلوا إلى مقرّ سكنه.
‘لكن لماذا يطلب مثل هذا الشخص مكونات لصنع دواء؟ هل يمكن أن أحد أفراد عائلته مريض؟‘
هزّت مييل رأسها سريعًا، محاولة طرد تلك الأفكار من عقلها. لا داعي للغوص في أمور كهذه، فقد تجلب لها تعقيدات لا حاجة لها بها.
بدلًا من ذلك، أخرجت رأسها من النافذة وبدأت تتمعن في ما حولها، بعد أن لاحظت تغيّر المكان.
في قلب العاصمة، ما إن تدخل البوابة الهائلة المتمركزة وسط الأسوار العالية، حتى تستقبلك مشاهد خلابة لا توصف.
المباني، التي تتلألأ في ضوء الشمس، كانت تجمع بين اللونين الأبيض والذهبي بتناغم فريد يخطف الأنظار.
وكانت جدرانها مزينة بنقوش بارزة على هيئة الأسود، رمز العائلة الإمبراطورية.
ومن فم أحد تلك الأسود المنحوتة في النافورة المركزية، انطلقت مياه عذبة باردة، تحيط بها أشجار خضراء مورقة طوال العام.
وعلى الجانبين، انتشرت أزهار موسمية تعبق بالعطر، تنمو في حدائق زُرعت بعناية وتُعتنى بها من قِبل أمهر البستانيين.
“واااه! كم هو جميل!”
“إنه ضخم! كم عدد المباني يا تُرى؟ واحد، اثنان، ثلاثة… كم هذا كثير!”
حين دخلت عربة البرج إلى القصر الإمبراطوري، لم يستطعان لولو ولالا كبح إعجابهما، وظلّا يشيران كل واحدة منهما إلى زوايا القصر بأصابع مرتجفة من الانبهار.
حتى جيك، الجالس بجوارهما، اتسعت عيناه وانشغل بتأمل روعة المكان.
وكانت مييل وحدها من بقيت هادئة داخل العربة، إذ لم تكن هذه زيارتها الأولى للقصر.
فقد زارته منذ زمن بعيد، عندما كانت تسافر مع والدها، بل والتقت بالإمبراطور وجهًا لوجه.
لذلك، لم يكن المشهد أمامها مفاجئًا، بل كان يثير في نفسها ذكريات قديمة وابتسامة دافئة.
“مرحبًا بكم.”
في تلك اللحظة، توقفت العربة وفتح الباب، وكان في استقبالهم خدم القصر.
وتقدم منهم رجل مسن بملابس أنيقة، يبدو أنه كبير الخدم، وألقى تحية مهذبة.
ثم انحنى بقية الخدم احترامًا، وردّت عليهم مييل والبقية التحية وهم ينزلون من العربة.
“لقد تعبتم كثيرًا من عناء الطريق، أيها السحرة الكرام.”
رافقهم كبير الخدم في السير، حتى أوصلهم إلى “القاعة البيضاء“، الواقعة في الجهة الشرقية من القصر.
وكما يوحي اسمها، كانت القاعة بكاملها مكسوة باللون الأبيض.
ولم تكن الجدران الخارجية فقط، بل حتى الداخل بدا وكأنه مغطى بثلج ناصع، تزيّنه من حين لآخر قطع ثمينة من كنوز العائلة الإمبراطورية، وُضعت بعناية تلفت الأنظار.
أرشدهم الخدم إلى غرفة الاستقبال داخل القاعة البيضاء، حيث كانت المائدة قد أُعدت مسبقًا بما لذّ وطاب.
وأوضح كبير الخدم أن الحلوى الفاخرة التي قُدمت أعدها رئيس الطهاة بنفسه، خصيصًا للترحيب بسحرة البرج.
وما إن غادر الخدم الغرفة، حتى اندفع لولو ولالا وجيك نحو المائدة الفاخرة، غير قادرين على مقاومة إغراء الحلوى.
ويبدو أن الجوع نال منهم، إذ أخذوا يلتهمون الكعك والبسكويت بشراهة.
أما مييل، فجلست بهدوء تحتسي الشاي، الذي تفوح منه رائحة عطرة، لكنه بدا مريرًا أكثر مما توقعت.
ربما صُنع بهذا الطعم ليوازن حلاوة الحلوى المرافقة له.
وضعت مييل الفنجان بهدوء.
ومع بقاء طعم المرارة في فمها، شعرت برغبة في حلاوة منعشة، لا تُشبه الحلوى التي أمامها.
‘…أريد أكل تفاحة.’
تخيلت في ذهنها تفاحة حمراء لامعة تنضح بالعصارة.
في حياتها السابقة، لم تتذوق شيئًا بمثل هذه الحلاوة. فالتفاح في هذا العالم بات طعامها المفضل.
وكان حبها له كبيرًا لدرجة أنها تستطيع الاستغناء عن الطعام لأيام لو كان التفاح متاحًا.
لكنها لم تأكل أي تفاحة منذ عدة أيام، فقد انطلقت مباشرة إلى القصر بعد إتمام المهمة دون المرور على أي قرية.
‘تفاحة……’
وبينما كانت مييل تكتفي بابتلاع ريقها على ذكرى التفاح، فُتح باب غرفة الاستقبال مجددًا، ودخل الخادم الذي كان قد قادهم من قبل.
“صاحب السمو قد وصل. من هو ممثل برج السحرة؟“
“أنا.”
بمجرد أن سمعت أن صاحب المهمة قد وصل، وقفت مييل من مكانها بسرعة.
واستغلت انشغال الثلاثة الآخرين بالحلوى، فجمعت الأعشاب التي جلبتها وتبعت الخادم دون تردد. كل ما أرادته هو إنهاء العمل في أسرع وقت ممكن.
‘سأنهي الأمر سريعًا، ثم أذهب لأشتري تفاحًا.’
ورغم أنها كانت تتبع كبير الخدم، فإن ذهنها ظل مشغولًا بالتفاح طوال الطريق.
* * *
كان توروي دي هاغوران، ولي عهد إمبراطورية هاغوران، غارقًا في مزاج رائق لا تشوبه شائبة.
فقد تكللت حملة إبادة الوحوش بالنجاح، ووصلته أنباء سارّة تفيد بأن المهمة التي أوكلها إلى البرج السحري، والتي كان يُفترض أن تستغرق ثلاثة أشهر، أُنجزت خلال شهرٍ واحدٍ فقط.
وبفضل ذلك، استطاعت شقيقته الوحيدة، روبينا والأميرة الوحيدة في الإمبراطورية، أن تنهض أخيرًا من فراش المرض.
كانت روبينـا ضعيفة البنية منذ ولادتها، كثيرة الإصابة بالأمراض، وغالبًا ما كانت تسقط مغشيًا عليها من شدة فقر الدم. ورغم ذلك، فإنها لم تُصب يومًا بمرض خطير.
لكن، منذ فترة، بدأت شقيـقة توروي تتدهور حالتها فجأة. أصبحت خاملة، لا تكترث لأي شيء، حتى إنها فقدت شهيتها وأمضت معظم يومها نائمة.
ولم تعد حتى تهتم بــ بيني، كلب العائلة الملكية الذي كانت تحبه كثيرًا.
استشعرت الإمبراطورة خطورة الوضع، فاستدعت الأطباء لتشخيص حالتها، لكن لم بعرف أحد السبب.
ومن اكتشف السبب في النهاية لم يكن طبيبًا، بل عالم نباتات.
قال إن روبينا قد أصيبت بمرض بسبب نبتة خطيرة تُدعى “قمر السُبات“، وهي زهرة زرقاء جذابة على شكل هلال، تبدو جميلة لكنها قاتلة.
هذه النبتة تُصيب الكائنات الضعيفة، وخاصة الأطفال، بالخمول الشديد، حتى يدخلوا في سبات عميق ويموتوا بعد عدة أشهر.
وفي الماضي، مات عدد من الأطفال الذين لم يعرفوا خطرها ولم يترددوا في لمسها.
لذلك، أمرت الإمبراطورية بإبادة تلك النبتة نهائيًا، وإحراق بذورها في كل مكان.
لكن يبدو أنها ذات قدرة مذهلة على البقاء، فقد نبتت في حديقة جناح الأميرة، دون أن يلاحظها أحد.
حين علم الإمبراطور بالأمر، غضب غضبًا شديدًا، وأصدر عقوبات صارمة بحق البستانيين المسؤولين عن جناح ابنته.
ثم استدعى عالم النباتات مرة أخرى وأجبره على الإفصاح عن طريقة العلاج.
ارتجف الرجل وهو يكتب مكونات العلاج، وكانت كلها نادرة وخطيرة، ولا تُوجد إلا في مناطق موبوءة بالوحوش.
كان توروي مستعدًا لقيادة الجنود بنفسه لجمع تلك المكونات، لكن في ذلك الوقت تحديدًا، بدأت الوحوش تهاجم القرى الواقعة على الحدود.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"