معلمي قد جُنّ [ الفصل 46 ]
إلرون قرية الإلف العريقة، التي عاشوا فيها واستقروا منذ مئات السنين، متآلفين مع طبيعة الغابة كما لو كانوا جزءًا منها.
“واو …”
انفلتت من مييل تنهيدة دهشة وهي تحدّق في المكان.
لقد كانت إلرون بحق قرية نبتت من رحم الغابة نفسها.
أشجار عملاقة تنتشر في أرجاء المكان، وفي أعالي أغصانها الغليظة بُنيت البيوت.
وكان عدد هذه الأشجار من الكثرة بحيث بدت وكأنها غابة مستقلة.
“ هذه هي قرية الإلف… مذهلة.”
“ حقًا مشهد فريد.”
قال جايد وتوروي بدهشة، بينما اكتفت لورا بابتسامة هادئة وهي تراقب وجوههم المتفاجئة.
“ تفضلوا بالدخول. لم تطأ قدم بشر هذا المكان منذ زمن بعيد، باستثناء كاريلادين.”
حلّق كوسيليكو بحماس، مستديرًا في الهواء مرتين وهو يعبّر عن إعجابه.
“ يا له من مكان جميل… لكن يبدو أن آثار التلوث وصلت حتى هنا.”
كما قال، بدا على بعض الأشجار أثر السواد، علامة على التلوث الذي استشرى في الغابة.
“ لكن بالمقارنة مع الخارج، فإن قريتنا لا تزال في حال أفضل.”
قالت لورا بنبرة حزينة وهي تتأمل المكان بعينين يملؤهما الأسى.
في تلك اللحظة، بدأ بعض سكان القرية من الإلف بالتجمع بعدما لاحظوا وجود الغرباء.
“ لورا، من هؤلاء البشر؟“
“ آه، رائحة البشر هنا!”
أطلق بعض الإلف كلمات نفور صريحة وهم يبتعدون عن مييل ومرافقيها، مما دفعها للعبوس دون أن تنبس بكلمة.
لكن سرعان ما تدخل بيهين وسامويل ليشرحوا الأمر.
“ هؤلاء ليسوا بشرًا عاديين. لقد أنقذوا حياتي، وهذه الفتاة بالتحديد… هي ابنة كاريلادين.”
“ صحيح، لقد رأينا قوتها بأعيننا. لا شك في أنها ابنته.”
في لحظات، تبدّلت ملامح الإلف من الحذر والرفض إلى المفاجأة والانبهار.
“ ماذا؟ ابنة كاريلادين؟!”
“ أحقًّا؟!”
“ تعالوا بسرعة! ابنة كاريلادين جاءت إلى قريتنا!”
وفجأة، خرج العشرات من الإلف من بيوتهم، وتحلقوا حول مييل ورفاقها.
“ هي هذه؟ صغيرة جدًا.”
“ كاريلادين لم يكن يمزح إذًا…”
“ ومن هؤلاء البشر معها؟“
ازدادت الأصوات من حولهم، كلٌّ يعلّق بما يجول في خاطره.
قالت لورا لتشرح:
“ هؤلاء رفاق مييل. لقد ساعدونا، وهم موضع ثقة.”
لحسن الحظ، بدّد هذا التوضيح النظرات الحادة التي كانت موجّهة إلى جايد وتوروي.
“ أوه، ما داموا من مرافقي ابنة كاريلادين، فمرحبًا بهم.”
“ لم أظن أنني سأشعر بطاقة كاريلادين من جديد بعد كل هذه السنوات.”
“ أترى؟ لم تكن مثل باقي البشر.”
تجمّع الإلف أكثر، يتأملون مييل ويتحدثون بانبهار، وكأنهم يرون أسطورة تتحرك أمامهم، وقد استعادوا شعورًا قديمًا بالطاقة التي لطالما حملها الحكيم العظيم.
“ آه! هذا متعاقد كاريلادين أليس كذلك؟ ما ألطفه!”
“ هاه! وأخيرًا هناك من يقدّرني!”
راح كوسيليكو يتلقى كلمات الإعجاب بسرور بالغ، ليس بسبب مظهره فحسب، بل لأن هالته كانت تنبض بطاقة كاريلادين بوضوح.
“ حسنًا، كفى! دعوا ضيوفنا يرتاحون، لا داعي لإرباكهم.”
تدخلت لورا لتصرف الإلف، فانفضّ الجمع على مضض.
تنهدت مييل بارتياح.
“هاه …”
لم تكن معتادة على هذا الكم من الانتباه والاهتمام، خصوصًا كونها فتاة خجولة بطبعها.
“ والآن، فلنواصل طريقنا.”
اتسعت عيناها قليلًا.
“ إلى الداخل؟“
“ بالطبع، لا بد أن تري نبع الحياة… والشجرة الأم، شجرة العالم.”
ابتسمت لورا وهي تقودهم إلى أعماق القرية.
“ أما نحن، فسنأخذ قسطًا من الراحة.”
قالها بيهين وسامويل مودّعين، ثم توجها إلى بيوتهما الخاصة.
تابعت مييل وجايد وتوروي السير خلف لورا.
قالت لورا وهي تشير إلى المسار:
“ نبع الحياة في الجهة الداخلية من القرية. أما نظرات الإلف لكِم، فلا تأبهي لها. فأنتِ أول من يزورنا من خارج عالمنا منذ زيارة كاريلادين.”
ضحكت ضحكة خفيفة وهي تتابع، في حين أحاطت بنظرات المارّين التي كانت تتبعهم بصمت فضولي.
كم هو محرج…
رغم ذلك، حاولت مييل أن تبدو طبيعية وهي تواصل المشي.
مرّوا عبر ممر ضيق، يتسرّب منه شيء من الطاقة.
“ إنه الماجي، لا شك في ذلك.”
قال جايد بصوت منخفض، فأجابت لورا دون أن تلتفت:
“ صحيح. نبع الحياة قد تلوّث بالكامل.”
ولم يمضِ وقت طويل حتى وصلوا إلى النبع.
كان أشبه ببحيرة واسعة، تتفرع منها مجارٍ صغيرة تتجه إلى أنحاء الغابة.
لكن النبع الذي يُفترض أن يكون رمزًا للنقاء، كان غارقًا في السواد.
منظره وحده كان كافيًا ليشدّ الوجوه.
“ التلوّث خطير جدًا.”
اقترب جايد من النبع وأخذ يتأمله، فيما بدا على وجه لورا شيء من الحزن.
“ نعم… حاولنا بكل الطرق، لكن سحرنا لم يكن كافيًا لتنقيته.”
مدّ جايد يده مجرّبًا تعويذة تطهير.
للحظة، بدا أن المياه بدأت تصفو، لكن الماجي كان أعمق من أن يُزال بهذه البساطة، فسرعان ما عاد السواد يطغى.
“ الأمر أسوأ مما توقعت.”
“ النبع متصل مباشرة بشجرة العالم. وإذا كانت الشجرة ملوثة، فالماء أيضًا سيكون كذلك. تعالوا، سأريكم الشجرة.”
تابعوا السير بمحاذاة جدول الماء المتفرع من النبع.
كلما تقدّموا زاد الظلام وازداد المنظر كآبةً.
‘ كأنها غابة ميتة…’
فكرت مييل وهي تحدّق فيما حولها، إلى أن ظهرت لهم شجرة ضخمة.
كان طولها يتجاوز العشرة أمتار، وشكلها شامخ، لكنها كانت سوداء بالكامل.
الجذع، الأغصان، حتى الجذور… كلها توحي بالمرض والموت.
“ هذه هي شجرة العالم…”
حتى الأرض المحيطة بالشجرة، كانت مكسوّة بعشبٍ أسود يابس.
قالت لورا بهدوء:
“ شجرة العالم تقف على حدود العالم، في أقصى الجنوب. من هنا تبدأ نهاية الأرض.”
ثم أردفت:
“ لطالما كانت هذه الشجرة حامية لنا من تسلّل الماجي. لكنها بدأت تضعف قبل عشر سنوات تقريبًا… ولا نعرف السبب.”
‘ الماجي… ما هو هذا الشيء فعلًا؟‘
تساءلت مييل في سرّها.
لقد واجهت الكثير من الوحوش، لكن لم تفهم أبدًا مصدر هذا الشر.
فكل ما قيل في الكتب أنه مجرد طاقة سحرية فاسدة.
قالت لورا:
“ الوقت متأخر الآن. لنعد إلى منزلي لتستريحوا قليلاً.”
أومأت مييل بصمت، لكن عيناها ظلّتا على الشجرة، تفكر.
‘ هل أستطيع إعادة النقاء إلى هذه الشجرة؟ بتلك القوة… ربما…’
شدّت قبضتها للحظة، ثم أرخَتها ببطء.
***
بعد قليل…
وصلت المجموعة إلى بيت لورا.
كان منزلها مبنيًا في أعالي إحدى أضخم الأشجار في القرية.
“ ها نحن ذا. اصعدوا من هنا.”
أشارت لورا إلى درج خشبي صغير منحوت في جذع الشجرة.
وبينما كانت تصعد، كانت مييل تتأمل البناء بانبهار.
كان يبدو صغيرًا من بعيد…
لكن حين وصلت، فوجئت بضخامته.
ربما يكون أكبر منزل في القرية كلها.
ف
تحت لورا الباب وقالت:
“ ادخلوا، البيت فيه عدة غرف. يمكنكم الراحة بارتياح.”
من الداخل، كان البيت مصنوعًا بالكامل من الخشب، بأثاث بسيط دافئ.
غرفة معيشة لطيفة، وسُلّم يصعد إلى الطابق العلوي حيث تظهر عدة أبواب للغرف.
يبدو وكأنه منزل من قصص الخيال.
دخلت مييل وهي تبتسم.
“ لا بد أنكم جائعون. اجلسوا على الطاولة، سأحضر الطعام.”
اتجه الثلاثة إلى المائدة وجلسوا، يرمقون المكان بإعجاب.
قالت مييل بلطف:
“ منزلكِ جميل للغاية يا لورا.”
أجابت مبتسمة:
“ شكرًا. معظمنا يعيش هكذا، لذلك قد يبدو مختلفًا عن بيوت البشر.”
بعد قليل، عادت لورا وهي تحمل أطباقًا خشبية كبيرة، وضعتها على الطاولة.
كانت تحوي أنواعًا مختلفة من الخبز والسلطات.
كل ما على المائدة… نباتي بالكامل.
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 46"