معلمي قد جُنّ [ الفصل 45 ]
“ آه… ما الذي جرى… ؟“
استعاد سامويل وعيه شيئًا فشيئًا، واختفت بالكامل تلك الهالة السوداء التي كانت تحيط بجسده.
“ سامويل! هل عدت إلينا؟!”
“ سامويل!!”
انهال عليه رفيقاه بالبكاء من شدّة الفرح، واحتضناه بقوة وهما يجهشان بالبكاء.
تنهدت مييل بارتياح وابتسمت بخفوت، ثم أعادت زجاجة سولو الصغيرة إلى صدرها.
عندها، بدأت عيون الإلف جميعًا، بمن فيهم سامويل، تتجه نحوها.
“ هذه الفتاة البشرية أنقذتك.”
“ نعم، لقد أنقذت حياتك. إنها صاحبة فضل علينا.”
“ هي؟ بشرية؟“
رمقتهم مييل بابتسامة خجولة:
“ هاه… مرحبًا. اسمي مييل.”
اقتربت منها الإلف الأنثى الوحيدة بينهم وقالت بلطف:
“ شكرًا لكِ يا مييل. نحن ممتنون لك.”
ثم اقترب الإلف الآخر وأومأ:
“ نعتذر لأننا أسأنا الظن بك، فقط لأنك بشرية.”
حتى سامويل وقف على قدميه وابتسم لها:
“ لقد أنقذت حياتي… لن أنسى لكِ هذا الفضل.”
ازدادت ابتسامة مييل اتساعًا أمام كلمات الامتنان الثلاثة.
“ لا داعي للشكر. أنا سعيدة لأنني استطعت المساعدة.”
قالت الإلف مبتسمة:
“ اسمي لورا، وهذا سامويل، وذلك بيهين.”
ثم سألتها لورا بنبرة فضولية:
“ لكن قولي لي يا مييل… هل لكِ صلة بكاريلادين؟“
اتسعت عينا مييل بدهشة، فـ كاريلادين هو اللقب المعروف لوالدها لياد كاريلادين، أي الحكيم الأعظم.
كان سؤالًا محوريًّا.
“ أنا أشعر بطاقة كاريلادين تخرج منكِ…”
قالت لورا متأملة.
“ نعم، بل لقد شعرتُ بها واضحة عندما استخدمتِ ذلك الإكسير لإنقاذ سامويل.”
أضاف بيهين، فأجابت مييل وقد غلبها الفضول:
“ هل… هل تعرفون والدي؟“
اتسعت أعين الإلف الثلاثة في آنٍ واحد.
“ أوه! إذًا أنتِ ابنة كاريلادين؟!”
“ انظري جيدًا يا لورا. لون شعرها وعينيها، وخصوصًا نظرتها… نسخة طبق الأصل منه!”
بينما كانت لورا وبيهين يتفحصان وجهها بدهشة، كان سامويل يحدق في كتفها.
“ مهلًا… هذا الطائر أيضًا يحمل طاقة كاريلادين. إنه متعاقد أليس كذلك؟“
عندها صاح كوسيليكو بفخر:
“ أحسنت أيها الإلف! أنا المتعاقد الأول للحكيم العظيم، كوسيليكو العظيم!”
ضحكت لورا بسعادة، وأمسكت بيد مييل بحرارة.
وكان ذلك مفاجئًا لجايد تحديدًا؛ فالإلف نادرًا ما يلمسون البشر بسبب كرههم المتأصل لهم.
“ حقًا، إذًا أنتِ ابنة كاريلادين! فلا بد أنكِ جئتِ بحثًا عن كتاب العصر القديم، أليس كذلك؟“
اتسعت عينا مييل من الصدمة.
“ هاها، كما توقعت. كاريلادين أوصانا بذلك منذ زمن بعيد.”
ضحك بيهين أيضًا بحرارة.
ثم قال سامويل مؤكدًا :
“ نعم، قال لنا إنه يترك لنا هذا الكنز كهدية لابنته، التي ستأتي يومًا ما تبحث عنه.”
“ أنتم تعرفون الكتاب؟!”
***
بعد قليل…
سارت مييل بصحبة جايد وتوروي وكوسليكو خلف الإلف الثلاثة، متجهين نحو أعماق الغابة.
كانوا يتركون بعض المسافة بينهم.
سألها جايد بصوت منخفض:
“ مييل، هل يحتوي سولو فعلًا على هذه القوة؟“
“ نعم، لكنه قليل الكمية، لذا كنت أحرص على استخدامه عند الضرورة القصوى.”
قالت ذلك بابتسامة خفيفة.
رد توروي مؤيدًا:
“ حسنًا فعلتِ.”
أجابت مييل بجدية:
“ لكنني لم أستطع تجاهل من كان يحتضر أمامي.”
هز جايد رأسه موافقًا:
“ لقد أحسنتِ، لكن احرصي على عدم الكشف عن هذا النوع من الأسرار لاحقًا. في هذا العالم هناك من لا يرى إلا الطمع.”
“ صحيح، عليكِ توخي الحذر دائمًا يا آنسة مييل.”
أومأت برأسها:
“ حسنًا، سأتذكر ذلك.”
تابعوا التقدم نحو الداخل، إلى أن تسارعت خطى مييل لتلحق بالإلف وتسألهم عما يدور في ذهنها:
“ لورا، هل لي بسؤال؟“
“ بالطبع تفضلي.”
قالت لورا مبتسمة.
“ كيف عرفتم أبي؟ أعني، كنت أعلم أن الكتاب هنا، لكن لم أعلم أنكم أنتم من يحرسها…”
ابتسمت لورا وهي تسترجع الذكريات:
“ آه، إنها قصة قديمة. باختصار… كاريلادين هو منقذ الإلف. لقد أنقذ أرواحًا كثيرة منّا.”
أضاف بيهين :
“ صحيح، ولهذا فإن كل الإلف يرحبون بكِ كونكِ ابنته حتى لو كنتِ من البشر.”
قال سامويل :
“ ولهذا السبب أيضًا، لبّينا طلبه. قال لنا ذات يوم إن ابنته ستأتي باحثة عن الكتاب، فاحتفظنا به منذ ذلك الحين.”
شعرت مييل بدفء يتسلل إلى قلبها.
‘أبي …’
ابتسمت بحنين، لكنها لاحظت أن الغابة تزداد ظلمة كلما تقدموا.
في البداية بدت معتمة بعض الشيء، أما الآن، فقد تحولت النباتات نفسها إلى سواد قاتم، وكأن الحياة قد هجرتها.
“ لكن… ماذا حدث لهذه الغابة؟ كنت أسمع دائمًا أنها من أجمل الغابات؟“
تبادل الإلف نظرات حزينة، ثم قالت لورا:
“ غابتنا… تتعرض للتلوث.”
“ تلوث؟“
كررت مييل، فصمت الإلف لحظة وكأنهم يفكرون في مدى ما يمكنهم قوله، قبل أن يتحدث بيهين:
“ سنخبركِ بما أنكِ ابنة كاريلادين. في أعماق غابتنا، هناك ما يُعرف بـ نبع الحياة.”
أكمل بيهين حديثه:
“ نبع الحياة… هو ماء مقدّس يغذي الغابة، ينبع من جذور شجرة العالم التي تمدّ الأرض بالحياة.”
هذا النبع كان مصدر الحياة لكل نبات وحيوان في الغابة.
“ لكن، منذ فترة، بدأت شجرة العالم تتعرض للتلوث. ومع تلوثها، تلوّث النبع أيضًا.”
أضافت لورا:
“ صحيح أن الإلف لا يحتاجون إلى الماء للبقاء، لكن كائنات الغابة الأخرى لا تستطيع العيش بدونه.”
“ وبتلوث النبع، بدأت النباتات تموت، والحيوانات تُصاب بأعراض غريبة… والغابة تفقد نبضها شيئًا فشيئًا.”
ضغطت مييل شفتيها بأسى.
‘ يا ترى… هل كان كنز والدي علاقة بهذا؟‘
تابع بيهين:
“ وذلك المخلوق اللزج الذي واجهناه سابقًا… لم يكن سوى حيوان من الغابة، شرب من ماء النبع الفاسد… فتحوّل إلى ما رأيتم.”
سكت بيهين عند هذه النقطة، فتكلم جايد فجأة:
“ ذلك الكائن… كانت فيه طاقة مظلمة. أشبه بما نسميه الماجي. فهل لهذا علاقة بالأمر؟“
نظرت إليه لورا بتأمل:
“ همم، يبدو أنك لست بساحر عادي.”
“ أنا ساحر عظيم.”
أجابها جايد بثقة، فضحكت لورا ساخرة:
“ آه، أنت صاحب السمعة السيئة، سيد برج السحر المتغطرس إذًا.”
“ ما هذا الهراء…”
تجهم جايد قليلًا، لكن مييل وتوروي ضحكا بخفة.
ارتخى وجه جايد مع ابتسامتهما، مدركًا أن علاقته المتوترة مع الإلف لا تختلف عن تعصبهم نحوه.
قالت لورا أخيرًا:
“ نعم، ما قلته صحيح. السبب في تلوث شجرة العالم هو الماجي، أي المخلوقات الشيطانية.”
تنفست مييل بارتياح.
‘ الحمد لله… ليس للكنز الذي تركه أبي علاقة بهذا الخراب.’
لكن سرعان ما خيم عليها القلق مجددًا.
الماجي… يا لها من كارثة.
ثم سمعوا صوت بيهين من الأمام:
“ لقد وصلنا.”
رفعت مييل رأسها، وإذا بهم يصلون إلى حشائش كثيفة، أبعدها بيهين بيده ليكشف عن مشهد مدهش.
قرية اندمجت تمامًا مع طبيعة الغابة، وكأنها جزء منها.
قالت لورا بابتسامة:
“ مرحبًا بكِ يا مييل… إلى إلرون، موطن الإلف.”
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 45"