معلمي قد جُنّ [ الفصل 43 ]
بعد إبحار دام بضع ساعات، توقّفت السفينة أخيرًا عند غرين فوريون.
“ لقد وصلنا، سادتي.”
“ شكرًا لك.”
حيّى مِييل ورفاقها القبطان قبل أن ينزلوا من السفينة.
لم يكن في غرين فوريون ميناء فخم أو كبير، بل مجرد مرسى صغير بالكاد تتوقف عنده السفن.
أمامهم امتدّ مشهد طبيعي رائع: حقل تغزوه الأعشاب الكثيفة، ومن بعده، غابة عظيمة على مسافة ليست ببعيدة.
“ إذًا، هذه هي غرين فوريون…”
تمتمت مِييل بصوت خافت.
عندها، تقدّم جَايْد وتْوروي ووقفا أمامها، وكأنهما يحاولان حمايتها.
“ هاه! أحسنتم، واصلوا حمايتي!”
قال كوسِيليكو بحماس، وراح يتنقّل بجناحيه الصغيرين في الحقل بفرح ظاهر.
“ إنها جميلة فعلًا.”
“ كوكو، يبدو أنك منتشي بالعودة إلى الطبيعة؟“
رسمت مِييل ابتسامة خفيفة على شفتيها لرؤية كوسِيليكو سعيد هكذا.
فأجابها جَايْد، وهو يزيح الأعشاب بسحره ليفتح طريقًا أمامهم، فيما كان توروي يفعل الشيء نفسه بسيفه:
“ المألوف أن الأرواح التعاقدية تولد من سحر الساحر، وبما أن مصدر السحر هو الطبيعة، فمن الطبيعي أن يتفاعل معها هكذا.”
بفضلهما، أصبح الطريق أمام مِييل أسهل بكثير.
“ هل تشعرين بطاقة والدك كما شعرتِ بها في ساينت سنو؟”
سألها جَايْد.
“ لا… ليس بعد،”
أجابت بصوت خافت.
في سايمت سنو، كانت طاقة والدها واضحة جدًّا.
لكن هنا، لا شيء.
“ كوكو، هل أنت متأكد فعلًا أن الكتاب موجودة هنا؟“
فجأة، اتسعت عينا كوسِيليكو بدهشة وقال:
“ مِييل! هل تشكّين بي؟!”
“ لا، ليس الأمر كذلك… لكن الشعور مختلف عمّا كان عليه في المرة الماضية. حينها، أحسست بوضوح بطاقة أبي.”
“ هفف، لعلها مخبّأة في مكان أعمق هذه المرة!”
رغم انزعاجه، لم يستطع كوسِيليكو إنكار منطق مِييل.
فهبط على كتفها الأيسر وقال بإصرار:
“ هو موجود هنا، هذا مؤكد! صدّقيني فقط!”
“ حسنًا، حسنًا. وإن لم يكن هنا، سنبحث مجددًا لا بأس.”
“ هو موجود! أقول لك، موجود!”
ضحكت مِييل على انفعالات كوسِيليكو.
صوت ضحكتها جعل جَايْد وتْوروي، اللذين كانا يسيران أمامها، يلتفتان في الوقت ذاته.
“… ؟ ما الأمر؟“
سألتهم.
لكن الاثنين أعادا بسرعة النظر للأمام، وقد احمرّت أطراف آذانهما قليلاً.
واصلت المجموعة الثلاثة والطائر الصغيرالسير نحو الغابة.
وعندما اقتربوا منها، التفت جَايْد إلى الخلف وألقى تعويذة حماية على مِييل وكوسِيليكو.
“ مجرد احتياط.”
تْوروي الذي لم تصله الحماية سأل:
“ وهل أنا خارج الحسابات؟“
ابتسم جَايْد بازدراء وقال:
“ أعتقد أن جلالتك قادر على النجاة بنفسه. وإن كنت خائفًا، لا بأس، سأُلقيها عليك.”
عقد تْوروي حاجبيه، ثم قال بعد لحظة:
“ لا حاجة.”
ضحكت مِييل وكوسِيليكو على مشاحنتهما الخفيفة، حتى وصلوا إلى حافة الغابة.
“ من هنا تبدأ غرين فوريون الحقيقية.”
قال جَتيْد بنبرة متوجسة، ثم نظر إلى مِييل:
“ لا تبتعدي عني مطلقًا. مفهوم؟“
“ نعم يا معلمي.”
“ وأنا كذلك، سأحرص على سلامتك.”
أضاف تْوروي.
“ أشكرك يا سمو الأمير.”
كوسِيليكو مال رأسه وقال باستغراب:
“ أليس من المفترض أن تحموني أنا أيضًا؟“
فرد جَايْد ساخرًا:
“ أنت مجرد روح تعاقدية.”
أضاف توروي:
“ كونك متعاقد للحكيم الأعظم، من المفترض أن تكون قادر على الاعتناء بنفسك. أليس كذلك؟“
تلعثم كوسِيليكو ثم قال متحامل:
“ هـ… هه! بالطبع! أستطيع النجاة وحدي!”
لكن مِييل، التي شعرت بانكساره، مالت نحوه وقالت برقة:
“ لا بأس يا كوكو، أنا سأحميك.”
“ أوه، مِييل! لا أحد يفهمني سواك! حقًا، أنتِ ابنة الحكيم بحق!”
ثم لوّح بجناحيه بلطف على خد مِييل، تعبيرًا عن الامتنان.
دخلوا الغابة معًا.
“واو …”
شهقت مِييل بإعجاب، وكان من الصعب ألا تُبهر.
غابة غرين فوريون كانت ساحرة بحق.
‘ هذا المكان… لا يُصدَّق.’
الأشجار التي ملأت المكان لم ترَ مثلها حتى في برج السحر.
الأزهار والأعشاب المنتشرة كانت من أنواع لا اسم لها.
“ همم، كما توقعت… لا بد أنها غابة يقطنها الإلف.”
قال جَايْد وهو يتأمل النباتات بفضول علمي واضح.
“ العالم أوسع بكثير مما توقعت.”
تمتم تْوروي.
أما كوسِيليكو، فكان يطير نحو كل زهرة تعجبه وينقرها برقة.
“ هذا المكان فردوس حقيقي.”
قال وهو يعود إلى مِييل. فردت مِييل ممازحة:
“ إذا أعجبك إلى هذا الحد، لمَ لا تعيش هنا؟“
لكن كوسِيليكو قطّب وجهه فجأة:
“ أبدًا لا!”
ضحكت مِييل مجددًا… حتى قُطع كل شيء بصوت:
“آآغ !”
صرخة ألم جاءت من مكان غير بعيد.
أسرع الثلاثة نحو مصدر الصوت، وهناك رأوا مشهدًا غريبًا:
رجلان وسيمان طويلان، من الواضح أنهما من الإلف، كانا يقاتلان مخلوقًا غريبًا يشبه كتلة سوداء من الهلام.
‘ أذنان مدببتان… إنهم إلف بلا شك.’
المخلوق الهلامي كان ضخمًا بحجم إنسان، وكان ينبض وكأنه حي، ثم أطلق منه مخالب سوداء طويلة انطلقت باتجاه الإلف.
تشااااق!
أطلق جَايْد سحرًا ضوئيًا مزّق تلك المخالب، ثم سرعان ما قَضى الإلفان على الكائن الغريب.
“ هل أنتما بخير؟“
سألهم جَايد.
لكن الإلفين رمقوهما بنظرات حادة:
“ بشريّون؟! ما الذي تفعلونه هنا؟! اخرُجوا من الغابة حالاً!”
لم يبدُ عليهما أي امتنان، بل أدارا ظهريهما واختفيا داخل الغابة بسرعة.
“ ما بهم هؤلاء؟“
تمتمت مِييل باستغراب.
ضحك تْوروي بخفة وقال:
“ لا بأس يا مِييل. صدقيني، هذا تحسّن كبير في سلوكهم.”
“ عذرًا؟“
قالت بدهشة.
أوضح جَايْد:
“ عادة، هؤلاء الإلف يهاجمون البشر فور رؤيتهم دون إنذار. كونهم شتمونا فقط، يعني أنهم نوعًا ما… ممتنون.”
رغم التفسير، بقيت مِييل غير مصدّقة.
لكن عندما تفكّرت في حقيقة هؤلاء القوم…
‘ حسنًا، لعلها طبيعتهم…’
فهم لا يكرهون البشر فقط، بل يَزدرونهم وكأنهم مخلوقات أدنى.
“ لكن يا جَايْد، ذلك الكائن الأسود… ما كان؟“
أجاب جَايْد وهو يسترجع المشهد:
“ بصراحة، لم أرَ مثله من قبل. يشبه السلايم… لكنه ليس كذلك.”
أومأت مِييل موافقة.
“ الطاقة التي شعرت بها منه… تشبه طاقة الوحوش. ولكن غريب أن الإلف هم من يقاتلونه. لنتابع السير أولًا.”
واصلوا طريقهم أعمق داخل الغابة.
وبعد نحو ساعتين من المشي، بدأت مِييل تشعر بشيء غير مريح.
‘ لماذا لا أشعر بطاقة أبي؟ كوكو أكدت أنه هنا…’
لكنها لم تكن الوحيدة.
فجأة، توقّف كل من جَايْد وتْوروي.
تبادلا نظرات متفهمة، ثم قالا في الوقت ذاته:
“ مِييل.”
قال جَايْد:
“ يبدو أننا كنا ندور في نفس المكان.”
“ ماذا؟!”
اتسعت عيناها بدهشة.
أشار توروي إلى شجرة قريبة:
“ تلك الشجرة ذات التجويف، أنا وضعت العلامة عليها قبل ساعة تمامًا… والآن عدنا إليها.”
“إذًا …”
“ نعم يا مِييل.”
فهم كوسِيليكو الأمر، وارتفع في السماء قائل:
“ لقد وقعنا تحت تأثير سحر ما.”
__
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : p
التعليقات لهذا الفصل " 43"