عند سماعه كلمات توروي، ارتفع حاجبٌ واحدٌ من حاجبي جايد. إلا أن تروي تجاوز جايد وتقدّم نحو مييل.
“ سأنتظر تواصلك مجددًا يا الآنسة مييل.”
“ نعم، رافقتك السلامة يا سموّ الأمير.”
صعد توروي على صهوة جواده، وانطلق مسرعًا في الصحراء.
وحين اختفى تمامًا عن الأنظار، نطق جيد أخيرًا:
“ مييل، لا بد أنك متعبة، خذي قسطًا من الراحة ليومين أو ثلاثة.”
“ ح– حسنًا.”
“ وبالنسبة إلى سولو، احتفظي به جيدًا. ضعيه في ذلك الصندوق السحري الذي أعطيتكِ إياه من قبل.”
أومأت مييل برأسها بهدوء.
لقد كان جايد قد منحها في الماضي صندوقًا سحريًا لا يمكن لأحدٍ فتحه سواها.
“ حسنًا.”
“ هيا، لندخل بسرعة.”
أشار إليها بيده ودخل برفقتها إلى برج السحر.
✦ ✦ ✦
رغم مرور أيام قليلة فقط في الرحلة، شعرت مييل بإرهاقٍ شديد.
‘ حتى عندما كنت أتنقل شهورًا في مهمات مختلفة، لم أشعر بهذا التعب.’
اغتسلت بسرعة، ثم ارتدت ثياب النوم واستلقت على سريرها.
‘ ربما لأن الأمر هذه المرة يتعلق بكنزٍ ثمين.’
ورغم قصر المدة، إلا أنها كانت في حالة توتر ويقظة دائمة.
ولذلك، غرقت في النوم بسرعة.
أشرق ضوء القمر من النافذة، ونامت مييل بسلام.
أو هكذا بدا الأمر.
“هممم …”
غير أنها بدأت ترى حلمًا حيًا وواضحًا.
‘ ما هذا؟ هل أنا أحلم؟‘
استعادت وعيها في ظلمةٍ عميقة، لكنها كانت داخل حلمٍ مدرك، أو ما يُعرف بالحلم الواعي.
ثم تغيّرت ملامح المكان من حولها.
بدا مألوفًا، لكن أجواءه مختلفة.
‘ هذا المكان…’
نعم، إنه برج السحر.
لكنها لاحظت أن هيئته تختلف كثيرًا عن هيئته الحالية.
‘ لماذا عدد الغرف قليل هكذا؟‘
خلافًا لما هو عليه الآن، كان عدد الغرف في البرج بالحلم قليلًا جدًا.
‘غريب …’
وكانت هناك أشياء اعتادت رؤيتها، لكنها غابت تمامًا عن هذا المشهد.
‘… أيمكن أن يكون هذا برج السحر في الماضي؟‘
رغم أنها لم تستطع تحديد الفترة الزمنية بدقة، إلا أن حدسها أخبرها بذلك.
وبينما كانت تتجوّل في أنحاء البرج القديم، تبدّل المشهد فجأة.
‘ هذا المكان…’
عرفته فورًا.
إنها الحديقة السحرية التي زارتها منذ أيام قبل رحلة البحث عن الكنز.
وهناك على أحد المقاعد جلست امرأة إلا أن ملامح وجهها لم تكن واضحة.
وكان المقعد ذاته الذي جلست عليه مييل من قبل.
المرأة التي لم يظهر وجهها كانت ترفع رأسها إلى السماء تتأمل النجوم.
ومن مسافة ليست ببعيدة، كان هناك رجل يراقبها بصمت.
للأسف، لم يكن وجهه ظاهرًا كذلك، لكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا.
‘آه، هذا …’
لقد وقع الرجل في حبها في تلك اللحظة تمامًا.
ثم، بشيءٍ من الجرأة، اقترب منها وبدأ يتحدث معها.
لكنها لم تستطع سماع ما دار بينهما ولا رؤية وجهيهما.
الشيء الوحيد الذي تيقّنت منه مييل هو:
أن الاثنين وقعا في الحب بسرعة لا تُصدّق.
“…آه !”
استيقظت مييل فجأة، رمشت بعينيها.
كانت الليلة لا تزال في بدايتها.
‘ هل… كان حلمًا فقط؟‘
لقد بدا حقيقيًا لدرجة أنها شعرت وكأنها اطلعت على ذكرى لا تخصّها.
‘ لكن هذا الحلم…’
الرجل والمرأة اللذان ظهرا فيه… لم تكن مييل تعرف من هما.
لكن ما كانت واثقة منه، أنها لم تكن واحدة منهما.
بل كان الأمر أشبه بذكرى من زمنٍ بعيد، من داخل هذا البرج نفسه.
“ لكن… لماذا يشبه هذا الحلم ما حدث قبل أيام؟“
مثل لقائها المفاجئ بجايد في الحديقة السحرية.
‘ الفرق الوحيد أن معلمي لم يقع في الحب، على عكس الرجل في الحلم.’
ورغم ذلك، بدأ قلب مييل يخفق بقوة.
مع أن الحلم لم يتضمّنها هي ولا جايد.
أغلقت عينيها مجددًا في محاولةٍ للنوم.
لكن مع خفقان قلبها السريع، لم تستطع العودة إلى النوم بسهولة.
✦ ✦ ✦
في وقتٍ لاحق، عندما غطّت مييل في نوم عميق، وكان أغلب من في البرج قد استسلم للنوم…
في أعماق المنطقة المحظورة داخل البرج، فتح كائنٌ ما عينيه أخيرًا بعد أن كان في سباتٍ طويل.
“ هذه الطاقة… لا شك أنها تعود إلى الحكيم العظيم!”
كان ذلك الكائن يمتلك قدرة خاصة على استشعار الطاقة المتسرّبة من الكنوز السحرية.
وقد شعر بوضوح بوصول كنز كاريلادين اليوم إلى البرج.
✦ ✦ ✦
صباحًا، قصدت مييل قاعة الطعام، وتناولت طبقًا خاصًا من إعداد فووك، ثم بدأت تتجول في الممرات.
ولأنها لم تنم جيدًا الليلة الماضية، بدا التعب واضحًا تحت عينيها.
‘ لماذا رأيت حلمًا كهذا في هذا التوقيت؟‘
لم تستطع التوقف عن التفكير بجيد.
‘ تبا… إنه يثير أعصابي.’
وبينما كانت تتذمر داخليًا، وجدت قدميها تتجهان لا إراديًا نحو الحديقة السحرية.
إلا أن الوقت هذه المرة كان في وضح النهار، بعكس الحلم.
وعندما دخلت الحديقة، لاحظت تغيرًا في الأجواء.
لم يكن هناك أحد، وكانت النباتات تستحمّ في أشعة الشمس.
فرفر، فرفر…
كانت الفراشات الملونة ترفرف حولها.
‘ آه… اليوم مختلف.’
ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتيها.
لقد كانت الحديقة في وضح النهار تنبض بجو يشبه جو الأميرة روبينا.
وبينما كانت تتأمل إحدى الزهور السحرية ذات اللون الأصفر الفاتح، اقترب منها أحدهم فجأة.
“…؟ “
امتدت يدٌ كبيرة إلى رأسها، وأزالت بتلة صفراء علقت بين خيوط شعرها الفضي.
“ صرتِ تضعين هذا النوع من الزينة الآن؟“
جاءها صوته العميق العذب.
وحين التفتت، رأت جايد واقفًا بقربها، أقرب مما اعتادت.
‘ هل رأيتُ وجهه عن قرب من قبل بهذا الشكل؟‘
شعرت في تلك اللحظة أن قلبها سقط فجأة.
‘ ما هذا؟ هل أنا على وشك الموت؟‘
لابد أن هناك خطبًا ما في قلبها.
فحالتها ليست على ما يرام منذ أيام.
“ ما بكِ؟ أتشعرين بمرضٍ ما؟“
سألها جايد وهو يرفع حاجبه بقلق، محاولًا أن يضع يده على كتفها.
لكنها تراجعت خطوة إلى الوراء.
“ آه، لا… لم أنم جيدًا البارحة فقط.”
“ همم، هكذا؟ أما أنا فنمت كمن فقد وعيه. لا عجب أنك مرهقة إذًا.”
أومأ جايد برأسه برفق وبدأ بمغادرة الحديقة.
“ ارتاحي جيدًا. سنخرج قريبًا مجددًا للبحث عن كنزٍ آخر، فلا بد من استعادة لياقتك.”
قالها ببرود وكأن الأمر عادي، ثم مضى في طريقه.
أما مييل، التي بقيت وحدها، فقد شعرت بقلبها يخفق مجددًا.
‘ لا بد أنني مصابة بمرض… لا يوجد تفسير آخر.’
✦ ✦ ✦
في القصر الإمبراطوري لهاغوران – جناح ولي العهد.
رغم عودته إلى القصر في ساعة متأخرة من الليل، بدأ توروي أعماله باكرًا في الصباح.
فالوثائق التي تراكمت أثناء غيابه كانت كثيرة.
ورغم انشغاله، ظلّت صورة مييل تتسلل إلى ذهنه وتشتت تركيزه.
‘ الآنسة مييل… كانت لطيفة حقًا.’
اللحظات القصيرة التي قضاها معها، تركت في نفسه أثرًا طيبًا.
‘ لو لم يكن سيد البرج موجودًا، لكان الأمر أفضل بكثير.’
وبمجرد أن خطر جايد في ذهنه، تبدلت ملامح توروي.
‘ الساحر العظيم، جايد سويليف.’
خلال الفترة الماضية، راقب عن كثب العلاقة بين الاثنين، ولم يبدُ له أنها مجرد علاقة بين معلم وتلميذ.
‘ لم أتوقع من سيد البرج أن يتصرف هكذا.’
لطالما ظن أن منافسته الحقيقية هي الأميرة روبينا.
لكنه أدرك الحقيقة خلال رحلة البحث عن الكنز الأول.
ولم يكن من الغريب أن يُدرك ذلك.
‘ ذاك الساحر العظيم، المتعالِ على الجميع، الذي لا يعرف للنساء سبيلًا…’
لماذا يُظهر كل هذا اللطف لامرأةٍ واحدة فقط؟
ورغم أن مييل نفسها لم تكن تدرك شيئًا، إلا أن من يراهم من الخارج كان يلحظ بوضوح.
‘ نعم، نظراته كانت واضحة.’
وقد رآها من قبل.
‘ إنها النظرات نفسها التي في عيني…’
عضّ توروي شفته دون أن يشعر، وبدأت الأوراق في يده تتجعد.
✦ ✦ ✦
عند الغروب، عادت مييل إلى غرفتها بعد تناول العشاء.
لكنها، وقبل أن تفتح الباب، شعرت بشيءٍ غريب.
‘…ما هذا؟ ‘
طاقة والدها التي كانت خافتة حين غادرت الغرفة، أصبحت الآن أقوى بشكل ملحوظ.
فتحت الباب بسرعة، وما إن دخلت حتى رأت…
طَبطَب! طَبطَب!
كان طائر أوموك أبيض صغير، يقفز بحماس فوق السرير، يتقافز بجسده الصغير اللطيف.
“…؟ “
___________
مُنافس جديد؟
ترجمة : سنو
فتحت جروب تيليجرام يضم هذه الرواية PDF وأقسام طلبات لرواياتي ومستقبلاً نسوي فعاليات وهيك قسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ♥️ .
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 40"