كانت الرحلة على متن القارب تسير بسلاسة.
كلما دلّهم راين على الطريق، حرّك جايد القارب باستخدام السحر وفقًا لتوجيهاته.
ومع استمرار القارب في التقدُّم، بدأت درجات الحرارة تنخفض تدريجيًا، ما جعل مييل تلتفت فورًا لتفقد حال راين.
كان لا يزال يرتدي طبقة واحدة رقيقة من الثياب.
فخلعت معطفها دون تردد وقدّمته له.
“ ارتده يا راين.”
لكن راين هز رأسه رافضًا.
“ أنا بخير حقًا.”
“لكن …”
“ قلت إنني بخير!”
حدّقت مييل إليه بصمت.
كان يبدو فعلًا على ما يرام بخلافها التي احمرّ جلدها بمجرد نزع المعطف، لم تظهر على راين أي علامات برودة.
فترددت للحظة، ثم أعادت ارتداء المعطف.
“ رغم ذلك… لا يسعني إلا أن أقلق.”
تمتمت بخفوت، فما كان من جايد الذي كان يوجه القارب ناظرًا إلى الأمام، إلا أن استدار نحوهم.
ثم، دون أن يقطع تركيزه، مدّ يده الحرة نحو الثلاثة وأطلق سحرًا.
انبعثت من يده طاقة سحرية حمراء، وما إن لامست أجسادهم حتى شعروا بدفء يخفف من قسوة البرد.
قال جايد:
“ يبدو أننا نقترب من ساينت سنو فعلًا. فكلما اقتربنا ازدادت البرودة.”
أومأ توروي موافقًا.
وبعد لحظات، بدأت جبال الجليد تظهر في الأفق.
قال جايد وهو ينظر إلى توروي:
“ صاحب السمو، هل تتكرم بالتعامل مع هذه العقبة؟“
استلّ توروي سيفه من عند خصره وتقدّم نحو مقدمة القارب.
تشوااك–
بسيفه المشحون بالسحر، شق جبل الجليد إلى نصفين.
“ هاه، دائمًا ما تُحدث فوضى.”
قال جايد وهو يرى شظايا الجليد تتساقط على سطح القارب، ثم أطلق تعويذة حماية أحاطت بالسفينة.
وما إن تلاشى الجليد، حتى تلاشى الحاجز السحري أيضًا.
‘ كم تعويذة يستخدمها في الوقت نفسه؟‘
تساءلت مييل بقلق وهي تراقب جايد.
فحتى كبار السحرة، نادرًا ما يستطيعون الحفاظ على تعاويذ متعددة في آنٍ واحد ولمدة طويلة، فذلك يتطلب تركيزًا عاليًا وطاقة سحرية هائلة.
لكن جايد كان يفعل ذلك باستمرار، رغم أن طاقته السحرية مقيدة جزئيًا بسبب تعويذة والدها.
‘ إنه يتحكم بالقارب بسلاسة، مع أننا جميعًا على متنه…’
شعرت بإعجاب خافت يتسلل إليها.
مهما بدا غريبًا أو مزعجًا، في لحظات كهذه لا يسعها إلا أن تراه بعين التقدير.
وبينما كان توروي يواصل شق جبال الجليد التي تطوف على البحر وتعيقهم، تقدّم القارب بلا انقطاع.
وبعد مرور ساعة تقريبًا تراءت لهم اليابسة.
أرض يغمرها بياض لا ينتهي، تعصف بها عواصف ثلجية لا تتوقف.
ساينت سنو…
لقد وصلوا أخيرًا إلى ساينت سنو، حيث يُقال إن كنز كاريلادين، سولّو، مخبأ هنا.
‘ رغم أن الأمر لم يتأكد بعد، لكن…’
كان هناك احتمال كبير أن يكون الكنز في هذا المكان.
اقترب القارب شيئًا فشيئًا من الشاطئ، ثم توقف تمامًا عندما أصبح بالإمكان النزول منه بأمان.
“ هيا، انزلي يا مييل.”
قفز جايد أولًا ومدّ يده لها، فأمسكت بها ونزلت.
فعل توروي الشيء ذاته مع راين، لكن جايد سبقه بخفة.
“ واو، هذا المكان…”
حدّقت مييل حولها بدهشة مبهورة.
حتى على الساحل تراكمت الثلوج ولم يكن يُرى من الأرض شيء سوى اللون الأبيض.
وفي الأفق، ارتفعت قمة جبل جليدي شاهقة.
وكلما اقتربوا منه، اشتدت العاصفة الثلجية.
لحسن الحظ، كان الساحل أهدأ نسبيًا.
“همم …”
تفحّص جايد المكان من حوله، ثم أطلق تعويذة جديدة أحاطت بهم جميعًا، لحمايتهم من أثر العاصفة.
“ لا يمكن السماح للثلج أن يصيبنا مباشرة.”
أي أنه بات يستخدم الآن سحر التدفئة وسحر الحماية الجسدية في آنٍ واحد.
‘ منذ أن ركبنا القارب حتى الآن، وهو يُبقي تعويذتين فعّالتين في الوقت ذاته… ولفترة طويلة كذلك.’
راحت مييل تراقبه بصمت، وتأكدت من أنه لا يزال يستخدم طاقته السحرية المكبوتة.
أعجبت به دون أن تقول شيئًا، رغم طباعه المتقلبة وغرابته أحيانًا.
واصل القارب طريقه بينما توروي يفتّت العقبات الجليدية في المقدمة، إلى أن لاح في الأفق جبل شاهق مغطى بالثلج.
عندها…
“ لحظة.”
توقّفت مييل فجأة. شعرت بشيء مألوف.
“ مييل، ماذا هناك؟“
كان جايد أول من لاحظ، إذ لم يكن يكفّ عن مراقبتها أثناء السير.
“ هناك… في ذلك الاتجاه.”
أشارت إلى الجبل الجليدي.
لم تحتج لذكر الاسم، فقد فهم كل من جايد وتوروي على الفور.
هناك يوجد كنز كارلادن… سولّو.
‘أبي …’
تمتمت مييل في سرّها، وابتسامة هادئة ترتسم على شفتيها، ثم تابعت السير من جديد.
حتى وإن لم تستطع استشعار طاقة الآخرين، فإن طاقته هو تحديدًا لم يكن بالإمكان أن تخطئها.
فمنذ نعومة أظفارها، لم تفارقه للحظة، فقد كانت دائمًا إلى جانبه.
ومع هذا الشعور العميق، أسرعت مييل بخطواتها أكثر، وكلما اقتربت من الجبل الثلجي، ازداد حضور طاقة والدها وضوحًا وقوة.
وفجأة، قاطعهم صوت من الخلف:
“ انتظروا.”
نطق جايد فجأة، متوقفًا عن السير في اللحظة التي بدأوا فيها بتسلّق الجبل.
وفي التوقيت ذاته، استل توروي سيفه من عند خصره.
بدافع غريزي، سحبت مييل راين خلفها لتحميه.
كووونغ!
دوّى صوت عميق من أعماق الجبل الثلجي، وكأن شيئًا ضخمًا قد اهتز بداخله.
“ من الجانب.”
ما إن نطق جايد بذلك، حتى انبثق من جانب الجبل مخلوق ضخم أبيض بالكامل.
“ غراااااااه“
كان دبًّا عملاقًا مغطّى بفراء أبيض كالثلج، ولم يكن وحيدًا… بل ظهر معه ثلاثة آخرون، فأصبح عددهم أربعة.
جميعها تجاوزت المترين طولًا بسهولة.
باااا—
اندفع توروي على الفور نحو أحدهم، وقطع أحد الدببة إلى نصفين بضربة خاطفة من سيفه المغلف بالهالة.
وفي الوقت ذاته استخدم جايد تعويذة جديدة، رغم أنه كان يفعّل تعويذتين بالفعل.
فوووش!
اندلع لهيب شديد الحرارة من كفه، وانطلق نحو أحد الدببة، فأحرقه في لحظة.
تمكّن الرجلان من القضاء على الوحوش الأربعة بسرعة مذهلة.
كانت مييل تراقب ما حدث بانبهار، وعقدت المقارنة في نفسها.
منذ أن شاهدت توروي وهو يشق الجليد بسيفه، أدركت أنه ليس محاربًا عاديًا، فليس عبثًا أنه صنع مجده في حروب لا تُحصى.
لكن عينيها رغم كل شيء كانت تتوجه دومًا نحو جايد.
‘ كما توقعت… لا يُلقب بكبير السحرة عبثًا.’
أن يتمكن من استخدام ثلاث تعويذات في آن واحد، أمر يفوق العادة.
وبعد أن أجهزا على الوحوش، اقترب الاثنان من مييل وراين.
“ مييل، أيها الصغير، هل أصيب أحدكما؟“
“ هل أنتما بخير؟“
هزّت مييل رأسها مطمئنة.
“ نعم، أنا بخير. وأنت يا راين؟“
“ أ– أنا أيضًا بخير. أنتما مذهلان حقًا…!”
راح راين يحدّق فيهما بانبهار، وعيناه تلمعان.
“ حسنًا، طالما أنكما لم تُصابا، فهذا جيد.”
قال جايد ذلك وهو يهمّ بالالتفات، لكنه فجأة مدّ يده نحو مييل وسوّى لها غطاء رأسها الذي انزلق دون أن تنتبه.
“ لنواصل السير.”
نطقها ببرود، ثم استدار وتقدّم بخطى هادئة.
لكن لسبب ما…
نبض.
‘ هاه؟‘
شعرت مييل فجأة بقلبها ينبض بشدة.
لم تدم سوى للحظة قصيرة… لكنها شعرت بها بوضوح.
_____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
رابط الجروب: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 36"