ارتدت ملابس ثقيلة لتدفيها من البرد، ثم نزلت إلى الطابق الأول من النُزل.
ولأن النُزل كان يضم مطعمًا أيضًا، فقد كانت تنوي تناول الإفطار هناك.
لكن اتضح أن هناك من سبقها.
“استيقظتِ؟“
“صباح الخير آنسة مييل.”
كان كل من جايد وتوروي قد وصلا قبلها، لكن كل منهما يجلس على طاولة مختلفه ويتناولان إفطارهما بصمت.
“آه نعم صباح الخير. هل نمتما جيدًا؟“
سألت مييل باختصار، ثم طلبت إفطارها واقتربت من الاثنين.
“لكن، لماذا يجلس كل منكما وحده؟“
لم يجبها أحد.
في الحقيقة، خرج الاثنان من غرفتيهما في الوقت نفسه، ووصلا إلى المطعم معًا، بل وطلبا الطعام في اللحظة نفسها، مما جعل كليهما يشعر بنوع من الضيق، ففضّلا الجلوس على طاولتين منفصلتين.
أخذت مييل طعامها، ووقفت للحظة تتأملهما بصمت.
“تعالي واجلسي هنا يا مييل.”
“آنسة مييل، طلبت نقانق هل تحبينها؟“
نظرت إليهما للحظة ثم فكّرت:
‘طفوليان… حقًا.’
ثم جلست وحدها على طاولة ثالثة وبدأت تناول إفطارها بهدوء.
تبادل الرجلان النظرات نحوها بصمت، ثم تابعا تناول طعامهما دون كلمة.
وبعد أن أنهوا الإفطار، خرج الثلاثة معًا من النزل.
“على حد علمي، فإن سنولاند لم تتواصل مع ساينت سنو منذ زمن طويل.”
ردّ جايد قائلاً:
“ساينت سنو أساسًا شبه معزولة عن العالم.”
“لذلك فكرت أن نقسّم جهودنا، كلٌ منا يبحث بمفرده، ونلتقي مجددًا أمام النزل.”
“فكرة جيدة يا آنسة مييل.”
وافق توروي ثم انطلق كل منهم في طريقه لجمع معلومات عن ساينت سنو.
“عذرًا، هل يمكنني أن أسألك شيئًا؟“
توجهت مييل فورًا إلى سكان القرية القريبين منها، لكن معظمهم لم يكونوا ودودين، ولم يُرحّبوا بأسئلتها.
بل بدا أن لا أحد يرغب في الحديث عن ساينت سنو.
‘يا إلهي ماذا أفعل الآن؟‘
ولم تكن مييل وحدها من واجه هذا الصد.
حتى جايد وتوروي واجها الأمر نفسه، رغم أن بعض النساء اقتربن منهن أولًا بسبب مظهرهما اللافت، إلا أن أي سؤال عن ساينت سنو كان يقابل بالصمت.
“هممم…”
وقفت مييل تتأمل القرية متفكرة، تحاول أن تجد حلاً للوضع.
وفجأة، سمعت صوتًا قادمًا من أحد الأزقة القريبة.
صوت طفل صغير.
“لن يجيبك الناس هنا… أبدًا.”
كان صبي في حوالي الثالثة عشرة من عمره بشعر بني أشعث واقفًا هناك يراقبها.
اقتربت مييل منه وانحنت لتكون في مستوى نظره، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة بالكاد تُرى وقالت:
“مرحبًا، اسمي مييل.”
أجابها الصبي مترددًا:
“…راين.”
“تشرفت بلقائك يا راين ولكن… ألا تشعر بالبرد؟“
كان الصبي يرتدي ثيابًا خفيفة وممزقة، وكأن البرد لا يؤثر فيه.
نظرت إليه مييل للحظة، ثم خلعت قفازَيها وألبسته إياهما.
“أنا بخير…”
“لا، ارتدهما. لا أريد أن تتجمد يداك.”
راح راين يتحسس القفازَين الدافئَين بين يديه، ثم رفع رأسه ونظر إلى مييل.
“لماذا تسألين عن ساينت سنو يا أختي؟“
“آه، لأنني أريد الذهاب إلى هناك.”
“لكن… لماذا؟“
“هناك شيء أبحث عنه.”
اتسعت عينا راين قليلًا، لكنه ما لبث أن استعاد هدوءه.
“فهمت… لكن الحقيقة أن أهل هذه القرية لا يحبون الحديث عن ساينت سنو. لأنهم يعتقدون أن هناك وحشًا سكن تلك الأرض منذ زمن، وقد قضى على معظم سكانها.”
“ماذا؟ ومتى حدث هذا؟“
“منذ ثلاثين أو أربعين عامًا تقريبًا. عدد قليل فقط نجا من المجزرة، وهم يعيشون الآن هنا. أما أغلب سكان سنولاند فهم أقرباء لأولئك الذين ماتوا في ساينت سنو. لهذا السبب، لا أحد منهم يريد التحدث عن الأمر.”
أدركت مييل عندها السبب الحقيقي وراء القطيعة بين ساينت سنو والقارة.
“فهمت… شكرًا لأنك أخبرتني يا راين.”
“لابأس…”
انحنى الصبي باحترام، ثم ركض مبتعدًا واختفى عن الأنظار.
وقفت مييل في مكانها لبعض الوقت تفكر، ثم سارت عائدة إلى النزل بخطى هادئة.
“مييل.”
“آنسة مييل.”
كان جايد وتوروي قد عادا أيضًا.
“يبدو أن الناس هنا لا يرغبون في الحديث عن ساينت سنو.”
“صحيح يا آنسة مييل. الجميع بالفعل تهرّب من الحديث.”
“آه، في الواقع، سمعت القصة من أحد الأطفال.”
ثم روت مييل ما سمعته من راين، فأومأ الرجلان برأسيهما وكأن الأمور أصبحت واضحة لهما الآن.
“هكذا إذًا… الآن فهمت لماذا كان أهل القرية متحفظين إلى هذه الدرجة.”
“لكن، ما العمل الآن؟ لا يبدو أن لدينا وسيلة مناسبة للمضي قدمًا.”
وبينما كانت ملامح مييل وجايد يكسوها القلق، تكلّم توروي فجأة:
“في الحقيقة، لم نخرج خاليي الوفاض تمامًا. فقد تمكنت من استئجار قارب صغير من إحدى نساء القرية.”
“حقًا؟!”
“نعم، آنسة مييل تعالي سأريكما.”
ما إن أشرقت ملامحها فرحًا، حتى ابتسم توروي وقادها معه، ولحق بهما جايد بعد أن عقد حاجبيه باستياء.
لم تمضِ إلا لحظات حتى ظهر القارب أمامهم، كان صغيرٌ نسبياً لكنه يسع ما يقارب خمسة عشر شخصًا.
“السؤال الآن، كيف سنقوده؟“
قالت مييل، فتقدّم جايد على الفور وقال:
“أنا من سيقوده.”
أطلق القليل من سحره، فبدأ القارب يتحرك من تلقاء نفسه واقترب من الساحل وكأنه يدعوهم إلى الصعود.
“المشكلة الحقيقية ليست في القيادة، بل في تحديد الطريق.”
قال جايد ذلك، فتبدلت ملامح مييل وتوروي على الفور.
لم يكن لدى أيٍّ منهم معرفة حقيقية بالملاحة أو الطرق البحرية.
صحيح أن جايد يمكنه قيادة القارب بسحره بمهارة، لكن إن لم يعرفوا الطريق فلن يصلوا إلى شيء.
“ألَا يمكنك معرفة الطريق باستخدام سحرك؟“
“حتى بالنسبة لي، فالأمر صعب. البحر شاسع بشكل يفوق الوصف، وتحديد المسار أثناء القيادة قد يعرّض القارب للخطر. فكل من القيادة والملاحة يتطلبان تركيزًا سحريًا عاليًا.”
“…فهمت.”
سادت لحظة من الصمت والتفكير، لكن عندها اقترب منهم ظل صغير.
“أيمكنني… الذهاب معكم؟“
“آه راين؟“
ابتسمت مييل عندما رأت الصبي، فتقدم منها وأمسك بطرف معطفها قائلًا:
“خذوني معكم، أنا أعرف الطريق.”
“ماذا؟ ماذا تقول؟!”
تفاجأ الثلاثة من كلماته.
“أيها الصغير، أهذا صحيح؟“
لكن جايد لم يُخفِ شكوكه، ونظر إلى راين نظرة حذرة.
“أنا لا أكذب. أقسم.”
وقفت مييل بين الاثنين بسرعة، وقالت:
“سيدي، هذا هو الطفل الذي أخبرني بكل ما عرفته.”
“ماذا؟ هذا الصغير؟“
تأمل جايد راين قليلًا، ثم تنهد وقال بنبرة لا تخلو من التردد:
“حسنًا… لنقل إن بإمكانه مشاركة المعلومات. لكن كيف يمكن لصبي صغير أن يعرف طريقًا بحريًا معقدًا؟“
“أنا حقًا أعرفه. كنت أريد أن أزور ذلك المكان يومًا ما، فحفظت الطريق عن ظهر قلب من الخرائط القديمة قبل أن تختفي. أعدكم أنا لا أكذب!”
قالها راين بانفعال، وكأنه يدافع عن حلمه.
“سيد البرج، أظن أن الطفل لا يكذب.”
“هاه… حسنًا، سنأخذه معنا. لا ضرر من المحاولة، فما من خيار أمامنا على أي حال.”
كان جايد يدرك أن لا حلول أخرى لديهم، فوافق على مضض.
“أعتمد عليك يا راين.”
“أجل… سأبذل جهدي!”
أضاءت عينا راين فرحًا.
وبذلك، لم يعد عددهم ثلاثة، بل أربعة.
حين صعدوا جميعًا إلى القارب.
“مييل، خذي يدي.”
كان جايد أول من صعد، ثم مدّ يده نحو مييل التي أمسكت بها بلا تردد.
فهي قد أمسكت بيده سابقًا، لذا لم يكن الأمر غريبًا عليها.
أما توروي الذي كان يراقب هذا المشهد، لم يغِب عنه ما حدث، لكن لم يكن بوسعه الاعتراض فصعد إلى القارب بصمت وهو يساعد راين.
“أرِنا الطريق بدقة، أيها الصغير.”
“نعم! في البداية عليكم فقط أن تتقدموا في هذا الاتجاه…!”
بدأ جايد تشغيل سحره، وبدأ القارب يشقّ طريقه بهدوء عبر الماء.
بدا الأمر وكأنه بسيط للغاية، لكن مييل كانت تعرف الحقيقة جيدًا.
إن بدا الأمر سهلًا في عيون الآخرين، فذلك يعني أن من يقوم به يمتلك مهارة استثنائية.
كانت تدرك أن جايد الآن يستخدم سحره بكفاءة عالية رغم أن طاقته السحرية كانت لا تزال متأثرة بسحر والدها، مما يحدّ من قدرته.
ومع ذلك كان يقود القارب بكل هدوء وسلاسة حاملاً أربعة أشخاص في عرض البحر.
قال راين وهو يحدّق في جايد بعينين لامعتين:
“رائع! أنت ساحر بالفعل! مذهل!”
حين أدرك راين أخيرًا هوية جايد الحقيقية، تلألأت عيناه باندهاش.
وإزاء براءة الطفل الصادقة، لم يتمالك جايد نفسه فرفع كتفيه باسترخاء، وكأنه يفتخر بالأمر دون أن يشعر.
_______________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"