في اليوم التالي لحفل ميلاد الأميرة، كانت مييل منهمكة منذ الصباح الباكر.
ورغم أن إرهاق الأمس لم يزل عنها بعد وكانت تتوق للنوم حتى وقت متأخر من الظهيرة، فإنها لم تكن تملك رفاهية الراحة.
‘ لأنني سأخرج غدًا للبحث عن كنوز والدي.’
بل إنها قد لمّحت إلى توروي بذلك بالأمس في الحفل، لذا كانت تنوي أن تكرّس هذا اليوم بالكامل للاستعداد للرحلة.
راودها شعور بالقلق، فعادت تقرأ مرارًا وتكرارًا الكتاب الذي تركه لها والدها.
كما جمّعت حاجياتها بوفرة تحسّبًا لطول الرحلة.
“ لا تزال هذا الحقيبة هي الأفضل.”
ابتسمت مييل وهي تنظر إلى حقيبتها.
كانت تبدو عادية من الخارج، لكن بفعل سحر خاص من برج السحر، يمكنها احتواء ضعف ما يمكن لحقيبة عادية أن تحمله.
وضعت فيها ملابس شتوية وكتاب كنوز كاريلادين.
وبعد أن انتهت من توضيب أمتعتها، ذهبت لتوديع رفاقها المقرّبين من برج السحرة وهم فووك، شولاين، لولو، لالا، وحتى سيلا.
وعندما أخبرتهم بأنها ستغيب في مهمة سرّية، بدا عليهم جميعًا الأسف.
‘ على أي حال، ربما لن تستغرق الرحلة وقتًا طويلًا.’
فمن البداية، لم تكن رحلة البحث عن الكنوز مخططة لتدوم لأشهر أو سنوات.
لأن الكنوز كانت موزعة في أنحاء متفرقة من العالم، فكانت الخطة أن تبحث عن كل كنز وتعود إلى البرج بعد كل مرة.
‘ بهذا لن أشعر بالإرهاق، وسيمكنني أيضًا متابعة شؤون البرج بين الحين والآخر.’
ومع انشغالها طوال اليوم بالتحضيرات، وجدت نفسها أخيرًا قد حلّ عليها الليل.
كانت قد انتهت من الاستعداد للنوم واستلقت في سريرها.
‘ لكن كلما حاولت النوم، كلما طاردتني الأفكار…’
تفكيرها في الرحلة التي ستبدأ غدًا شتّت ذهنها.
“ ماذا لو لم يكن سولو هناك؟“
ثم تلتها مخاوف أخرى، مثل احتمال نفاد الطعام أو تأخّرها في الاستيقاظ…
لكنها شعرت أيضًا بالحماسة.
فإذا استطاعت جمع الكنوز واحدة تلو الأخرى، فقد تتمكن من رؤية والدها بعد غياب طويل.
ومع كل تلك الأفكار، صار من المستحيل أن تغفو.
نهضت في النهاية من سريرها.
وضعت على ثوب نومها كارديغانًا طويلًا وخرجت من الغرفة بهدوء.
كانت خطواتها ساكنة، إلى أن وصلت إلى أحد الحدائق السحرية الموجودة داخل برج السحر.
ففي بعض طوابق البرج توجد حدائق داخلية، وقد توجهت إلى أقرب واحدة منها.
وحين فتحت باب الحديقة، لاحت لها قبة زجاجية تنهمر منها أشعة ضوء القمر، وتزينها نجوم لا حصر لها.
وكانت الحديقة مليئة بنباتات سحرية غريبة الجمال، تحلّق بينها الفراشات وتفوح منها روائح الزهور.
‘ هذا المكان جميل في كل مرة أزوره فيها.’
تمتمت مييل بصوت خافت وتقدّمت إلى الداخل تتبع الرائحة العطرة المنتشرة في الهواء.
ثم جلست على المقعد الواقع في وسط الحديقة.
رفعت رأسها تنظر إلى السماء.
‘ ستبدأ الرحلة غدًا… هل سأكون بخير؟‘
أغمضت عينيها بلطف.
لكن الحقيقة أن الحديقة لم تكن خالية، فقد سبقها شخص آخر إلى هنا.
كان يرتدي ثوب نوم أيضًا، وفوقه عباءة سوداء طويلة… إنه جايد.
منذ لحظة دخول مييل، وهو يراقبها من بعيد.
‘ يبدو أنني أتيت في وقت غير مناسب…’
أضاع توقيت التحية، وخاصة لأنها دخلت بالحالة التي هي عليها.
‘ لمَ يبدو مظهرها بملابس النوم… يبعث بالسكينة ولطيفًا إلى هذا الحد؟‘
كان جايد يراقبها بصمت، ثم اقترب منها ببطء.
“ يبدو أنكِ لم تستطيعي النوم.”
صوته لم يفاجئ مييل.
فقط فتحت عينيها بهدوء، وحركت نظراتها نحوه دون أن تدير رأسها.
“ أنت أيضًا، أليس كذلك يا معلمي؟“
“ أنا معتاد على المجيء إلى هنا من وقت لآخر.”
اقترب جايد أكثر، حتى وصل إلى المقعد الذي تجلس عليه.
جلس إلى جانبها، تاركًا مسافة بسيطة بينهما، وأسند ظهره ورفع ساقًا فوق الأخرى.
“ لم أكن أزور هذه الحديقة كثيرًا، لكن يبدو أنها أجمل مما توقعت.”
قالت مييل وهي لا تزال تنظر إلى السماء.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي جايد.
“ أليس كذلك؟ في الليل تكون أكثر هدوءًا، ولا أحد يأتي عادة. الأزهار تمنحك شعورًا مختلفًا، حتى عبيرها قادر على تهدئة الروح.”
أومأت مييل برأسها ببطء، بينما كان جايد يحدّق في جانب وجهها بصمت، ثم قال بصوت خافت…
“ يبدو أن رحلة الغد تشغل بالكِ كثيرًا.”
“… نوعًا ما، نعم. أشعر بالحماس والقلق في آنٍ واحد. وأتساءل إن كنت قد أخطأت في تحديد الموقع.”
“ على كل حال، لن نعرف حتى نذهب ونتأكد. وحتى لو كنتِ مخطئة، فلن تكون هناك كارثة. الأمر لا يتعلق بالحياة أو الموت إن لم نجد الكنز خلال أيام قليلة.”
نظرت مييل إلى جايد عند سماع كلماته.
‘ هل هو أكثر رقة في الليل؟‘
لم تستطع منع نفسها من التفكير بذلك.
“ ما أحاول قوله هو ألا تقلقي كثيرًا. حتى لو واجهتنا مخاطر، فأنا سأحميك.”
وما إن قال ذلك حتى بدا عليه الارتباك فجأة، ثم أسرع ليضيف:
“ أعني… لأنك تلميذتي، لا أكثر.”
ابتسمت مييل ابتسامة خفيفة عند سماع ذلك.
“ نعم… هذا يبعث على الطمأنينة.”
قالتها ببساطة، دون أن تعني بها شيئًا خاصًا، لكن كلماتها القليلة تلك جعلت قلب جايد يرتجف بشدة.
“ حسنًا، سأسبقكِ إذًا. حاولي النوم باكرًا.”
أسرع جايد في مغادرة الحديقة السحرية كما لو كان يهرب.
وما إن عاد إلى مكتبه حتى وضع يده على صدره.
‘ لكنني فحصت نفسي بنفسي ولم يكن هناك أي خطب في قلبي…’
لم يفهم مطلقًا سبب ما يشعر به.
* * ^
في صباح اليوم التالي.
كانت مييل قد نامت بشكل متقطع، لكنها رغم ذلك شعرت بأنها بخير.
حالتها كانت مناسبة للانطلاق في الرحلة.
وقبل الموعد المحدد، أعادت تفقد حقيبتها بعناية.
“ ملابس احتياطية، معطف، قفازات، الكتب… كلها موجودة.”
كما أضافت بعض المؤن الاحتياطية تحسّبًا لأي طارئ.
وبعد أن استحمت وبدّلت ملابسها، أمسكت بحقيبتها وتوجهت بسرعة إلى ردهة البوابة الخلفية لبرج السحرة.
“ ها أنتِ هنا يا مييل. هل نمتِ جيدًا؟“
كان جايد في انتظارها هناك.
مدّ يده نحوها بطبيعية، في إشارة إلى أنه سيحمل عنها الحقيبة.
‘ عادةً لا يُبدي أي اهتمام إن كنتُ أحمل شيئًا ثقيلًا… يبدو أنه متوتر أيضًا بشأن هذه الرحلة.’
فكرت مييل هكذا وهي تسلمه الحقيبة.
تقدم جزيد نحو المخرج، وسارت خلفه.
اتجها معًا نحو البوابة الخلفية للبرج.
عادةً ما يستخدم السحرة الردهة الرئيسية، لكن في حالات المهمات السرّية، كانوا يغادرون عبر البوابة الخلفية بعيدًا عن أنظار البقية.
وهناك كانت عربة خاصة بسيد البرج تنتظرهما.
فتح جايد باب صندوق الأمتعة ووضع فيه حقيبة مييل.
وكان الصندوق الخاص بالعربه فارغًا تمامًا.
‘ ألم يجلب سيدي شيئًا؟ لا، لا بد أنه احتفظ بأغراضه في أدواته السحرية الخاصة.’
“ حسنًا، فلننطلق الآن.”
قالها جايد وهو يفتح باب العربة.
وفي اللحظة التي همّت فيها مييل بالتحرك، توقفت فجأة.
“ آه، لحظة واحدة من فضلك.”
“ هم؟ ماذا هناك؟ هل نسيتِ شيئًا؟“
هزّت مييل رأسها نفيًا، وحين همّ جايد أن يسألها عمّا بها، لاحظ شيئًا ما في الأفق.
“… ما هذا؟ “
كان حصانًا يعدو بسرعة عبر الصحراء، يثير وراءه سحابة من الرمال، وفوق الحصان كان هنالك فارس مألوف.
كلما اقترب، أصبحت ملامحه أوضح.
شعره الذهبي يلمع تحت ضوء الشمس، وعيناه الزرقاوان تعكسان عزيمة لا تخفى.
“… ولي العهد؟“
ما إن تعرّف جايد على هوية الراكب، حتى انقبضت ملامحه.
‘ ما الذي جاء بهذا الرجل إلى هنا؟‘
توقّف الحصان فجأة بجانبهم، ونزل توروي بخفة.
“ آنسة مييل، آه…”
كان يهمّ بتحيتها بلطف، لكن ما إن وقعت عيناه على جايد، حتى تجمد وجهه واتخذ نفس تعبيره.
“ ما الذي جاء بك إلى البرج في هذا الوقت، يا صاحب السمو؟“
قال جايد بسخرية ظاهرة.
“ وأنت، يا سيد البرج، ما الذي تفعله خارجًا في هذا الوقت المبكر؟“
ثم تحوّلت أنظارهما معًا إلى مييل، التي كانت الوحيدة بينهما التي لا تزال تحتفظ بتعبيرها الهادئ.
_____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
رابط الجروب : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 33"