كانت مييل تتأمل الفستان بهدوء.
على الأرجح، المقاس مناسب. وإن لم يكن كذلك، فيمكن إصلاحه إلى حد ما باستخدام السحر.
فكل ما عليها هو طلب المساعدة من ساحر آخر وحسب.
“ سأرسله إلى غرفتك لاحقًا.”
“ شكرًا. إذًا دعني أكمل ما كنت سأقوله.”
أومأ جايد برأسه.
“ لكن باختصار، أنا مشغول.”
“ طبعًا. باختصار شديد، وجهتنا الأولى هي للبحث عن سولو“
“ وماذا بعد؟“
“ لكن ألم تطلب مني الاختصار؟“
عندها أومأ جايد مجددًا.
“ صحيح، فهمت.”
ثم انحنت مييل له تحيةً، وغادرت مكتبه.
وما إن بقي جايد وحده، حتى وجد نفسه يتمتم دون قصد:
“… لطيفة .”
* * *
في اليوم التالي، حلّ موعد حفلة الأميرة روبينا.
في الحقيقة، كان هذا اليوم أشبه بمهرجان يعمّ أرجاء الإمبراطورية.
لكن برج السحر كان كعادته مختلفًا.
فحتى في المناسبات الملكية، قلّما يتأثر برج السحر وكان هادئًا تمامًا.
باستثناء منطقة واحدة فقط، وهي حيث كان يتواجد الضيفان المشاركان في الحفلة.
“ واو يا سيدي! لطالما كنت رائعًا، لكن اليوم… اليوم أنيق بشكل مذهل!”
قال شولاين وهو يصفق بحماس، موجّه إعجابه لجايد بطوله البالغ 190 سنتيمترًا، بدا متألقًا مهما ارتدى من ملابس.
والآن وقد ارتدى بذلة رسمية سوداء استعدادًا للحفل، فقد بدا في غاية الجاذبية.
وبوجهه متكامل الملامح، كانت طلته ببساطة… مثالية.
“ همم، هكذا تراني؟“
قال جايد وهو ينظر إلى المرآة برضا واضح.
‘ أظن أن مييل ستعجب بي أكثر اليوم… فهي تحبني بعد كل شيء.’
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه دون أن يشعر، في حين كان شولاين يراقبه ويفكر:
‘ كما توقعت، سيدنا يعاني من نرجسية خفيفة.’
ولعله كان سيتصرف مثله تمامًا لو امتلك مثل ملامحه.
وفي تلك اللحظة، كانت مشاهد مشابهة تجري في غرفة مييل.
“ واااه! يا مييل، تبدين مذهلة!!”
قالت سيلا وهي تحتضنها بقوة.
“ حقًا! مذهلة!”
“ تشبهين الأميرات!”
أضافا لولو ولالا، وهما يندفعان نحوها بإعجاب.
“ ما بكم؟“
قالت مييل بابتسامة رقيقة، تتأمل تصرفاتهم الطفولية.
“ لكن فعلاً يا مييل أنتِ فاتنة اليوم!”
قالت سيلا وهي تبتعد قليلاً لتتأملها من جديد.
وقد كانت محقّة.
مييل التي كانت دائمًا تحمل في ملامحها هالة غامضة، ازدادت جمالًا بعد أن اعتنت بمظهرها خصيصًا لهذه الليلة.
الفستان السماوي الفاتح، والحذاء الأبيض اللامع، والعقد الذي يزين عنقها… كل شيء بدا متناغمًا معها.
“ أقسم أنها فاتنة حقًا! وليس فقط لأني أنا من وضعت لها المكياج!”
والحقيقة أن مييل لم تكن تعرف شيئًا عن التزيّن، لذا تولّت سيلا الاهتمام بكل تفاصيل مظهرها.
“ هاها، شكرًا لك يا سيلا.”
ضحكت مييل بخفّة، ثم نظرت إلى نفسها في المرآة.
لم تكن مختلفة تمامًا عن المعتاد، لكنها بالتأكيد بدت أفضل من أي وقت مضى.
“ سأذهب الآن، من المفترض أن ألتقي بمعلمي قريبًا.”
ودّعت الثلاثة، ثم خرجت من غرفتها متجهة إلى ردهة اللقاء حيث ينتظرها جايد.
وفي الطريق، كان كل من يصادفها من السحرة يبتسم تلقائيًا عند رؤيتها.
مظهرها المتأنق مع قوامها الصغير جعلها تبدو ساحرة أكثر من المعتاد.
وعندما دخلت الردهة، التفت جايد لينظر… فتوقف فجأة في مكانه.
“…!”
اتسعت عيناه بدهشة.
فمييل اليوم كانت الأجمل على الإطلاق.
‘ صحيح أنني كنت أراها جميلة دائمًا، لكن…’
شعرها الفضي المتناغم مع الفستان السماوي الذي اختاره لها، وعيناها الذهبيتان اللتان تنظران إليه بحنان، جعلت قلبه يتوقف لوهلة.
“ معلمي؟“
نادته بنبرة طبيعية تمامًا.
وظلّ يحدّق فيها بصمت لثوانٍ… بل لنصف دقيقة تقريبًا، قبل أن يستعيد وعيه أخيرًا.
“… آه، نعم. لنذهب.”
وفي تلك اللحظة، كاد أن يمد يده نحوها من تلقاء نفسه، رغم أنهما لم يصلا إلى قاعة الحفل بعد.
لكنه تمالك نفسه، وخرج معها من البرج.
كانت العربة المخصصة لهما تنتظر عند المدخل.
“ اصعدي أولاً.”
فتح لها الباب بنفسه، ومدّ ذراعه حتى لا تتعثر وهي تصعد.
فوضعت مييل يدها الصغيرة على ذراعه، ثم صعدت.
لم يكن هناك احتكاك مباشر بينهما، فالقماش كان حاجزًا بينهما، لكن…
رغم أن ذلك التلامس كان بسيطًا، إلا أن قلب جايد بدأ يخفق بسرعة.
وبعد أن صعدت مييل إلى العربة، تبعها جايد ثم انطلقت العربة تسير في هدوء.
كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، وغمر وهجها الذهبي رمال الصحراء الحارّة كأنما يلطّفها برفق.
“ آه، معلمي.”
نادته مييل وهي تحدّق بشرود عبر نافذة العربة.
ومنذ أن صعد إلى العربة، كان جايد يحدّق بها دون أن يشعر.
“ هاه؟ ماذا هناك؟“
أجابها متظاهرًا بأنه لم يكن يحدّق، لكنها لم تُعر ذلك اهتمامًا، وتابعت كلامها بهدوء:
“ سنبدأ رحلة البحث عن الكنوز بعد غد. هل يناسبك ذلك؟“
“ آه، طبعًا. سبق وقلتُ لكِ أن تقرّري كما تشائين.”
عندها فقط تذكّر جايد الأمر الذي كان قد نسيه للحظة… وهي رحلة طويلة مع مييل بحثًا عن الكنوز.
‘ هذا يعني أنني سأكون معها فقط… لأيام متواصلة؟‘
فخفق قلبه بقوة أكبر.
“… معلمي، هل أنت بخير؟“
سألت مييل بنبرة قلقة قليلًا.
بدا واضحًا أن معلمها ليس على ما يرام اليوم، وهذا تحديدًا في يوم مهم كهذا.
‘ أترى هل ينوي ارتكاب أمرٍ مُشين في حفل الأميرة؟‘
عاودت النظر إلى الخارج، بينما ثبّت هو بصره عليها مجددًا.
‘ ما الذي يحدث لي؟‘
لأول مرة، بدأ جايد يتساءل بجدية هل أصيب قلبه بمرض ما؟
وهكذا، ووسط هذا الصمت المشوب بالتوتر، واصل الاثنان طريقهما إلى قصر الحفل.
رغم أن القصر الإمبراطوري لم يكن قريبًا تمامًا، إلا أن عربة جايد، باعتباره الساحر الأكبر، كانت تسير بسرعة كبيرة فقد دعمها بسحر خاص بنفسه.
وبعد مرور بعض الوقت، بدأت معالم القصر تظهر في الأفق.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي مييل.
‘ أخيرًا، سأرى سموّ الأميرة بنفسي.’
كانت تتساءل بفضول عمّا ترتديه الأميرة اليوم، وكيف صفّفت شعرها.
كانت مشاعرها كمشجعة متحمسة على وشك لقاء نجمتها المفضلة.
وصلت العربة إلى مدخل قاعة الحفل الملكي، ونزل جايد أولًا.
“ تفضّلي بالنزول.”
مدّ ذراعه إليها كما فعل حين صعدت، وما إن أمسكت بذراعه من جديد، حتى عاد قلبه ليرتجف بشدة.
“ من الآن فصاعدًا… خذي بذراعي.”
قال ذلك بصوت هادئ.
فهمت مييل أنه يقصد أن تتشبث بذراعه كأي ثنائي يدخل حفلاً رسميًا.
فوضعت يدها على ذراعه بحذر، وحرصت على ترك مسافة كافية بينهما، كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات.
أما هي، فبدت تتصرف بأريحية تامة وكأنها في مهمة رسمية، بينما كان قلب جايد ينبض بشكل غير طبيعي مع مرور كل لحظة.
‘ لا بد أنني مريض فعلًا…’
هكذا أقنع نفسه، وهو يرافقها نحو بوابة القاعة.
ما إن اقتربا من المدخل، حتى أسرع أحد الخدم بإعلان دخولهما بصوت جهير:
“ ها قد دخل سيد البرج جايد سويلوف، والساحرة مييل من برج السحر!”
نظرت مييل حولها بسرعة، لتتفقد الحضور.
كان المكان مكتظًا بالناس، ومعظمهم من نبلاء الإمبراطورية.
وقد علت الدهشة وجوه الكثير منهم عند رؤيتهم لسيد البرج والساحرة، فظهورهما علنًا في مثل هذه المناسبات نادرًا جدًا.
“ يا للجمال! يفوقان كل ما سمعنا عنهم!”
“ صحيح الفتاة جميلة لكن سيد البرج… شيء آخر تمامًا!”
كان الهمس يدور بين بعض النبلاء، لكن لا جايد ولا مييل أبديا أي اهتمام، وتابعا طريقهما بثبات إلى داخل القاعة.
وما إن دخلا، حتى ظهرت بطلة الحفل الأميرة روبينا تندفع نحوهما بخفة، وكأنها لم تكن قبل لحظات تتحدث مع النبلاء.
ما إن اقتربت، حتى انفرج وجه مييل بابتسامة مشرقة، وسرعان ما تركت يد جايد وهرعت نحو الأميرة.
“ سموّ الأميرة!”
كانت روبينا في هذا اليوم بالذات متألقة بشكل استثنائي.
خصلات شعرها الذهبي الطويل كانت تتلألأ تحت الضوء، وعيناها الزرقاوان الصافيتان بدتا كأنهما تعكسان السماء.
أما فستانها الأصفر الباهت الذي يحيط بجسدها بأناقة، فكان أقرب ما يكون إلى ما ترتديه الجنيات.
‘ إنها فعلاً… تشبه الجنية!’
لم تستطع مييل إلا أن تفكر بذلك.
وما إن رأى جايد كيف أشرقت ملامح مييل حين اقتربت الأميرة، حتى تلبّد وجهه فجأة دون أن يشعر.
‘ أميرة أو ولي عهد… لا يوجد فرق. لا أرتاح لأيّ منهما.’
ولم تمضِ سوى لحظة حتى تحققت مخاوفه فما إن فكّر بولي العهد، حتى ظهر أمامه.
ولي العهد توروي الذي كان يتحدث إلى الإمبراطور، ثم ما لبث أن توجّه نحوهما بخطى واثقة.
كان اليوم يرتدي بذلة بيضاء فاخرة، بدت كما لو أنها مأخوذة من أحد كتب الحكايات، مما جعله يشكّل تضادًا واضحًا مع بذلة جايد السوداء.
“ لقد حضرتِ إذن يا آنسة مييل.”
قالها توروي بابتسامة أنيقة، وهو ينظر إلى مييل فقط، متجاهلًا وجود جايد تمامًا.
____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
رابط الجروب : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 31"