وعند نافذة تلك العربة، التي خُتمت بخاتم برج السحر، كانت فتاة صغيرة تسند وجهها إلى الزجاج.
كانت تحدق إلى الخارج بوجه خالٍ من التعابير، وعيناها الذهبيتان اللامعتان كالعسل تعكسان مشهد النباتات الكثيفة التي تمر بها.
شعرها الفضي الذي يصل حتى ذقنها، كان يتمايل بنعومة مع نسيم الصباح، وشفاهها الحمراء اللامعة تهمس بأغنية بلا معنى.
“كان المنظر جميلاً في السابق… أما الآن، فقد صار مملاً.”
تمتمت مييل، مقاطعة همهمتها. لا شك أن المنظر خارج النافذة كان رائعاً.
من منظور موضوعي، كان جماله لا يُنكر. لكن حتى أبهى المشاهد تُصبح مملة إن تكررت كثيراً.
ومييل لم تكن استثناءً.
‘عندما أدركت لأول مرة أن هذا العالم ما هو إلا داخل كتاب… بدا كل شيء مدهشاً. أما الآن، فلم أعد أشعر بشيء.”
راحت تستعيد ذكرياتها.
فهي لم تكن من هذا العالم أصلاً.
كانت من أولئك الذين قرأوا هذا العالم كقصة في كتاب.
لا تتذكر حياتها السابقة بكل تفاصيلها، لكنها كانت على يقين من شيء واحد:
لقد ماتت… ثم وُلدت من جديد داخل رواية، رواية من نوع الرومانسية الخيالية.
في البداية، لم تكن تتذكر محتوى الرواية الأصلية جيداً.
فلقد مرت أكثر من عشر سنوات على ولادتها في هذا العالم، وليس من السهل الحفاظ على تلك الذكريات طيلة هذه المدة.
لكنها، ولسببٍ ما، شعرت هذا الصباح بوميض من التكرار، وكأنها اختبرت هذا من قبل. فقد عادت إلى ذهنها فجأة تفاصيل من حبكة الرواية الأصلية التي قرأتها منذ زمن بعيد.
لم تكن تهتم بتلك الرواية سابقًا، لذا لم تحاول حفظ أحداثها.
ولم تكن بحاجة لذلك، إذ لم تكن تنوي التدخل في مجريات القصة بأي شكل.
ولكن… لماذا الآن؟ لماذا بدأت تتذكر فجأة كل هذا؟
تسللت الشكوك إلى عقل مييل.
كان هناك شيء مقلق في الأمر. صحيح أن تذكر القصة لم يكن أمرًا سيئًا في حد ذاته…
بل قد يكون نافعًا، إذ يمكنها تفادي الأحداث التي تعرف نهاياتها مسبقًا.
‘أجل، أفضل من أن أجهل كل شيء.’
تنهدت بخفة، ثم أعادت استحضار أحداث الرواية الأصلية.
العالم الذي وُلدت فيه كان رواية خيالية رومانسية بعنوان “زهرة الفارس“.
قصة تدور حول صراع عنيف بين رجلين من أجل امرأة واحدة.
رواية تعتمد على كليشيهات معتادة، لكنها كانت تحظى بشعبية كبيرة.
تبدأ الحكاية حين تلتقي ابنة كونت ذات قوة مقدسة، بكلا من قائد فرسان الإمبراطورية، وسيد برج السحر.
وسرعان ما يقعون جميعًا في دوامة من الانجذاب لا يمكن مقاومته.
تتردد البطلة لوين بين الرجلين، غير قادرة على الحسم.
حتى يأتي اليوم الذي تقع فيه في خطر، فينقذها البطل ريهارت، لتبدأ شرارة الحب بينهما.
وبين لقاءات مشحونة ومشاهد حب جريئة، يتطور حبهما بشكلٍ عميق ومكثّف.
‘لماذا لا أتذكر إلا هذه المقاطع؟‘
حاولت مييل استبعاد الأجزاء المثيرة من القصة لتتذكر الحبكة نفسها. وكما هو متوقع من رواية مليئة بالكليشيهات، كانت هناك حفلات، ومهرجانات صيد، وغيرها من الأحداث المتكررة.
ولم تكن الشخصيات الرئيسية وحدها في القصة، بل كان هناك أيضًا شخصية البطل الثانوي الشرير، واسمه جايد.
جايد سويلوف، أقوى ساحر في عصره، وسيد برج السحر الحالي.
كان يشكّل عقبة في طريق البطلين، لكنه في بعض الأحيان كان يظهر كمنقذ للبطلة.
لكنه لم يكن المختار من قِبل البطلة، ومع الوقت أصبح حبه هوسًا، وتحول ذلك الهوس إلى جنون دمّره.
وفي نهاية الرواية، يختطف جايد البطلة ويحاول قتل البطل، لكنه يفشل.
وفي النهاية، يُهزم بقوة الحب المقدّسة التي جمعت الحبيبين، ويلاقي مصيره المحتوم.
وهكذا انتهت الرواية. وقد نُشرت لاحقًا فصول إضافية تُصوّر حياة البطلين السعيدة بعد ذلك.
‘ولكن… لماذا أتذكر هذه الأحداث فجأة؟‘
لقد مضت ثمانية عشر عامًا منذ وُلدت في هذا العالم.
لم تكن تتذكر سوى الشخصيات الرئيسية والخلفية العامة للرواية وبعض الأدوار الثانوية.
ومع مرور السنين، صارت التفاصيل باهتة في ذاكرتها.
حتى بداية الرواية نفسها لم تتذكرها إلا اليوم.
‘الرواية لا تبدأ إلا بعد نصف عام… فَلِمَ تذكّرتُها الآن؟‘
ما السبب يا ترى؟ تساءلت مييل في نفسها.
‘هل يمكن أن يكون هذا تَكريمًا لي من هذا العالم؟ أهذه هدية أخيرًا بعد كل ما عانيته تحت يد ذلك الذي يسمونه معلمي؟‘
راقتها الفكرة، فابتسمت برضى وأومأت لنفسها.
‘أجل، لا شك في ذلك… إنها هدية.’
حين تبدأ الرواية، ويجنّ معلمها بحب البطلة، ستكون فرصتها للهرب من برج السحر.
ولعل هذه الذكرى التي عادت إليها كانت لتحذيرها، حتى تبدأ بالاستعداد من الآن.
ذاكرتها التي عادت فجأة أصبحت في نظرها “هدية من هذا العالم“، وراحت تنظر إليها بسعادة وامتنان.
وفي تلك اللحظة، مرّ أمام عينيها شريط الذكريات، يستعرض حياتها في برج السحر.
لقد جاءت إلى البرج منذ عامين فقط…
منذ أن أبصرت النور، قضت مييل حياتها تجوب أنحاء العالم برفقة والدها.
لكن والدها ‘لياد‘ قرر في نهاية المطاف أن يتركها في رعاية برج السحر، ثم غادر مجددًا.
فالعالم كان واسعًا، وكان لديه الكثير مما ينبغي عليه إنجازه.
وبما أن الطريق الذي يسلكه محفوف بالمخاطر، لم يكن قادرًا على اصطحاب مييل معه.
وقد تفهمت مييل قراره، فهو ليس إلا الحكيم العظيم الذي يشيد به الجميع.
ولم يكن هناك مبرر لأن تعترض طريق رجل يسعى إلى إحلال السلام في العالم.
وفوق ذلك، كانت هناك رغبة أخرى تسكن قلبها…
فمييل كانت تتوق لرؤية جايدـ سيد البرج والساحر القوي، والذي يعد الشخصية الذكورية الثانية في القصة.
حتى وإن لم تكن تهتم كثيرًا بالأصل الذي اقتُبست منه هذه الحياة،
فقد كانت ترفض تفويت فرصة لقاء الشخصية التي طالما أحبتها.
رجل ضخم البنية، ذو شعر وعينين بلون أحمر داكن، يبعث انطباعًا متوحشًا لمن يراه.
بل وحتى أطول ببضعة سنتيمترات من البطل نفسه، إضافة إلى كونه يملك أقوى قدرات سحرية في هذا العصر.
شخصية شريرة ذات سحر مظلم وكاريزما فاسدة أسرت قلوب الكثير من الفتيات، وجمعت حولها قاعدة جماهيرية واسعة، ومييل كانت إحداهن.
لقد كان هذا الرجل في حياتها السابقة، الشخصية المفضلة لديها دون منازع.
لكن حين قابلته أخيرًا على أرض الواقع، تهشّمت صورتها المثالية له تمامًا.
صحيح أنه كان وسيمًا بحق، إلى درجة أنها وقفت مذهولة تحدق به وفمها فاغر.
لكنها نسيت للحظة أمرًا مهمًّا…
جايد كان لطيفًا فقط مع البطلة الأنثى.
أما في الحقيقة، فقد بدا شخصًا فظًّا لا يُطاق.
رغم أنه قبل بها تلميذةً تنفيذًا لوصية والدها، إلا أن الامتعاض كان جليًّا على وجهه منذ اللحظة الأولى.
لم يُعلّمها شيئًا من السحر، بل كان يطلبها باستمرار لتنفيذ المهام التي تصل إلى البرج، وكأنها مجرد موظفة.
وهكذا، مضت سنتان على هذا الحال.
جايد لم يكن سوى “أستاذ شكلي” فحسب.
أما من كان يتولى تعليمها بالفعل، فهو الشيخ شولاين، أحد كبار السحرة في البرج.
ومع ذلك، فقد تمكّنت مييل من تعلم القليل من السحر بفضله.
أما بقية وقتها، فكانت تمضيه في العمل لا غير.
هي “تلميذة” بالاسم فقط، أما المعاملة فكانت كأي ساحر عادي في البرج…
بل في الواقع، كان يكلفها بأعمال أكثر من الباقين!
ولا تعرف ما السبب، لكن بدا أن جايد لا يستلطفها أبدًا.
وإن كان لا يكرهها لدرجة طردها، إلا أن مشاعره لم تكن ودية.
وهكذا، سقط جايد من مقام الشخصية المفضلة في قلبها،
وأصبح مجرد “أستاذ لا نفع منه، ووجوده كعدمه“.
لم تعد تبالي به، ولم تحاول حتى أن تطلب منه أن يؤدي دوره كمعلم، أو أن يعلمها شيئًا.
فإن كان في قلبه نيةٌ لذلك، لكان بادر من تلقاء نفسه منذ زمن.
كل ما فعلته مييل هو تنفيذ المهام التي يطلبها منها، لا أكثر ولا أقل.
عدا ذلك، كانت حياتها داخل البرج جيدة جدًا.
العمل لم يكن مملًا، بل احتوى على الكثير من الجوانب المسلية،
وأهل البرج كانوا بمثابة عائلة ثانية لها.
لقد أصبح برج السحر بمثابة بيتها الآخر.
ومع ذلك، بقيت تشتاق لحياتها السابقة في هذا العالم، قبل دخول البرج…
كانت تشتاق للأيام التي قضتها تجوب العالم مع والدها،
تشاهد وتتعلّم وتعيش تجارب لا تُنسى.
صحيح أن العيش في البرج لم يكن سيئًا،
لكن الحياة السابقة كانت مفعمة بالسعادة.
لذلك، لطالما تمنّت مييل أن ترحل يومًا ما عن البرج وتسافر عبر العالم مجددًا.
كانت تشتاق لوالدها أيضًا.
لكنها لم تتوقع أبدًا أن تأتي تلك اللحظة بهذه السرعة.
فبحسب قانون الإمبراطورية، لا يُسمح لمن بلغ سن الرشد حديثًا بالخروج من البلاد بمفرده.
حتى بعد بلوغ الرشد، يجب أن يبقى المرء تحت رعاية ولي أمره لعدة أشهر.
وكان هذا أحد القوانين التي وُضعت لحماية المواطنين في بداية شبابهم.
والمشكلة أن ولي أمرها القانوني حاليًا هو جايد،
ولن تتمكن من مغادرة الإمبراطورية ما لم تملك وثيقة تثبت انتهاء تلك الوصاية.
وبالطبع، لم تكن تتوقع منه أن يمنحها الإذن بهذه البساطة.
فهي في نظره مجرد عاملة في البرج، لا أكثر.
لذا كانت قد بدأت تتخلى عن فكرة الرحيل.
وفي بعض الأحيان، حين تُكلف بمهام بعيدة، كانت تتظاهر بأنها رحلة.
لكن في إحدى اللحظات، تذكرت فجأة متى تبدأ أحداث القصة الأصلية…
ولدهشتها، تزامن ذلك الموعد تمامًا مع نهاية فترة وصاية جايد عليها.
كان توقيتًا مثاليًا!
والفرصة الوحيدة للنجاة من قبضته، هي عندما يُشتّت انتباهه.
فجايد دائمًا دقيق وحذر، لكن في لحظات نادرة، يضعف تركيزه.
وفي تلك اللحظة، إن نجحت في دسّ الوثائق بين الأوراق الأخرى وجعلته يوقّع عليها دون انتباه، فستنال حريتها.
وحتى لو لم تنجح تلك الخطة، فطالما هو غير منتبه، ستظل هناك فرصة للمناورة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"
شكرا علي ترجمتك الممتعه ولا تنسي تحدثي بفصول انا انتظر