“ والد الآنسة مييل؟“
سأل توروي وهو يعبس ويرفع حاجبيه بدهشة، لكن دوور تابع حديثه دون أن يلاحظ حرج الموقف.
“ نعم، صحيح أن الحكيم البرج، لكنه لم يأتِ بصفته الحكيم.
بل لقد جاء بصفته والد الآنسة مييل، فقد أحضرها بنفسه إلى هنا في ذلك الوقت… أَوْه!”
توقف دوور فجأة وغطّى فمه بكلتا يديه، وقد أدرك للتو حجم الخطأ الفادح الذي ارتكبه.
“ لقد وقعت في ورطة!”
ما قاله كان سرًّا لا يعرفه سوى قلة قليلة داخل البرج، لا أحد يعلمه سوى سيد البرج، ومساعده الأقرب شولاين، وعدد محدود جدًّا من السحرة.
أما دوور فلم يكن من المفترض أن يعرف شيئًا من ذلك أصلًا، لكنه سمع الأمر مصادفةً ذات مرة، وحرص منذ ذلك الحين على كتمان السر وكأنه لم يسمع به قط.
غير أنه الآن ولسببٍ ما، أفشى هذا السر الخطير أمام من؟ أمام وليّ عهد الإمبراطورية نفسه!
حتى وإن كان يعلم أن ولي العهد يُكنّ بعض المشاعر لمييل، فهذا لا يبرر ما فعله.
“ أرجوك يا سمو الأمير، ما سمعتموه للتو… أرجو ألا تذكره لأحد…”
قال ذلك وهو ينظر إلى توروي بعينين متوسلتين، راجيًا أن يبقى الأمر طيّ الكتمان.
التقط توروي نظراته، ثم أومأ ببطء، وقال بنبرة منخفضة:
“… فهمت. والآن، أين هي الآنسة مييل؟“
“ هاه؟ سموّك لا تفكر بإخبارها بالأمر صحيح؟“
تسارع قلب دوور وكاد يتوقف.
أما توروي، فقد عبس قليلًا مجددًا.
“ هل تظنني من ذلك النوع الذي يُطلق لسانه بلا حساب؟ أنا ولي عهد الإمبراطورية.”
“ ل– لا! بالطبع لا أقصد ذلك! سأقوم على الفور باستدعائها إلى غرفة الضيوف! لا، بل تفضل أنت، وسأجلبها إليك بنفسي!”
هرول دوور بسرعة مغادرًا المكان، أما توروي وقد زار البرج عدة مرات من قبل، فقد توجه بمفرده إلى غرفة الضيافة.
‘ عندما تحدثتُ مع الآنسة مييل عن الحكيم في المرة الماضية…’
بدأ يسترجع في ذاكرته تلك المحادثة.
في ذلك الحين، بدت مييل وكأنها تعرف الكثير عن الحكيم، بل وكأنها مقرّبة منه بشكل شخصي.
‘ إذًا، كان هذا هو السبب.’
الآن فقط أصبح تصرفها آنذاك مفهومًا.
وربما… ربما تكون هي المفتاح لحل مشكلته.
لكن مع ذلك، كان هناك ما يؤرقه:
‘ صحيح أنها لا تعلم، لكنني… تعرضت للإحراج أمامها.’
“هاه …”
ومع ذلك، كان يعلم أن ما هو على وشك فعله ليس بالأمر البسيط.
فالأمر يتعلّق بمستقبله كإمبراطور ولا مجال للتراجع.
“ سموّ الأمير؟ ما الذي جاء بك اليوم؟“
دخلت مييل غرفة الضيوف بعد مرور بعض الوقت.
كانت مدهوشة قليلًا من زيارته المفاجئة.
‘ لم يمضِ وقت طويل منذ المهمة الأخيرة… فهل جاء ليطلب خدمة جديدة؟‘
تساءلت في نفسها بينما تجلس على الأريكة المقابلة له، وسرعان ما قُدّمت الضيافة، لكنّ صمتًا غريبًا ساد بينهما.
لم يكن توروي قادرًا على النظر إليها مباشرة، إذ لا تزال ذكرى ما جرى قبل أيام عالقة في ذهنه.
وفوق ذلك، لم يكن يعرف كيف يبدأ الحديث في الموضوع الحرج الذي جاء من أجله.
“ سموك؟“
نادته مييل بلطف وهي ترتشف الشاي بهدوء.
عندها فقط رفع توروي نظره نحوها.
“ آنسة مييل… أعتذر، لكن لدي طلب أرجو أن تنصتي إليه.”
عندما نطق بهذه الكلمات، اتسعت عينا مييل قليلاً من الدهشة.
‘ طلب؟ وليس مهمة؟ ومن ولي العهد شخصيًّا؟‘
لاحظ توروي اندهاشها، لكنه بالكاد تمكّن من إكمال كلامه بصعوبة:
“ هل… والدكِ يا آنسة مييل… هو الحكيم العظيم؟“
كادت مييل أن تختنق بالشاي من وقع المفاجأة، لكنها تمالكت نفسها في اللحظة الأخيرة.
“ م– ماذا؟“
تفاجأت بشدة من كلامه، إذ لم يكن أحد يعلم بحقيقة والدها سوى عدد محدود جدًّا من داخل البرج.
‘ كيف عرف؟ حتى داخل البرج لا يعرف بهذا سوى قلّة قليلة…’
أن يعرف ولي العهد شخصيًّا بهذا الأمر؟ كان ذلك صادمًا لها.
“ من أين… عرفت هذا؟“
كانت تعلم أن نفي الأمر في هذه المرحلة لن ينفع، لذا قررت أن تسأله مباشرة.
“… حصل أن عرفت بالأمر بالصدفة، أقسم أنني لم أُجرِ أي تحقيق أو أراقبكِ يا آنسة مييل.”
أومأت برأسها ببطء.
في نظرها، لم يكن توروي من النوع الذي يتجسّس على الناس.
‘ إذًا… كيف وصل الخبر إليه؟‘
وكأنه قرأ أفكارها، قال بهدوء:
“ عرفت ذلك بالمصادفة أثناء زيارتي للبرج.”
“…آه …”
أومأت مرة أخرى، فالاحتمال وإن كان ضعيفًا، لكنه موجود.
فالأمر برمّته سرّ دفنته حتى لا يسبب لها المتاعب، لا أكثر.
لكن رغم ذلك، لم تكن ترغب أن ينتشر الخبر أكثر مما هو عليه.
“ لا تقلقي، سأحافظ على سرّكِ، حتى لو كلفني ذلك حياتي.”
“ اوه… ماذا؟“
“ حتى لو هددني أحدهم بحياتي، فلن أنبس بكلمة.”
“ لا داعي لكل هذا…”
تفاجأت مييل من جدية توروي، حتى إنها شعرت بالحَرَج، ثم أومأت برأسها ببطء.
“ حسنًا، إذًا أرجو أن تُبقي الأمر سرًا.”
فكلما قلّ عدد من يعرف، كان ذلك أفضل بالنسبة لها أيضًا.
“ آه، لكن… هل جئتَ لأجلي بسبب والدي؟“
أمالت مييل رأسها بفضول، إذ لم تكن تعرف بعد سبب زيارة ولي العهد المفاجئة.
“آه، هذا …”
تردد توروي في الرد، وظل للحظة يعبث بأصابعه بقلق، ثم تكلّم أخيرًا بصعوبة:
“ في الواقع… أحتاج إلى مقابلة الحكيم العظيم.”
“… عفوًا؟“
اندهشت مييل مجددًا، لم يسبق لها أن تفاجأت إلى هذا الحد في حديث مع ولي العهد.
“ هناك تقليد عريق في العائلة الإمبراطورية، توارثناه عبر الأجيال، وهو أن يفرض الإمبراطور الحالي اختبارًا على وريث العرش.”
“آه …”
كانت مييل قد سمعت بهذا من قبل.
“ الطريقة والمعايير يحددها الإمبراطور وحده، فالإرادة الإمبراطورية هي القانون. ولأنها تقليد راسخ، فأنا ملزم بالخضوع له.”
أومأت مييل ببطء وهي تتذكر أن صعوبة هذه الاختبارات تختلف كثيرًا، فقد تكون بسيطة أو قد تصل لحد تعريض الحياة للخطر.
“ وأما الاختبار الذي فُرض عليّ…”
توقف توروي للحظة ليلتقط أنفاسه.
“ هو أن أحصل على رسالة توصية بخط يد الحكيم العظيم.”
“آه …”
عندها فقط فهمت مييل السبب الحقيقي لزيارة توروي.
لا بد أنه أثناء بحثه عن الحكيم، وصل إليه اسمها أيضًا.
“ لذا، أردت أن أعرف إن كنتِ تعرفين مكانه الآن. حسب علمي، آخر مرة شوهد فيها كان قبل عدة سنوات في برج السحر.”
“ نعم، هذا صحيح. لكن للأسف، لا أعلم مكانه الحالي.”
شعرت توروي بانقباض مفاجئ في صدره.
“آه … فهمت .”
وهكذا، عاد إلى نقطة الصفر.
بدأ رأسه يؤلمه من التوتر.
“لكن …”
قالت مييل وهي ترتشف الشاي بلطف:
“ قد أتمكن من تتبّع أثره.”
“… حقًا؟ أهذا صحيح؟“
أومأت برأسها ببطء وأجابت:
“ نعم، لكن ذلك لن يكون على الفور. لا أستطيع تحديد المدة التي قد يستغرقها الأمر، وقد أضطر إلى السفر طويلًا.”
“ السفر… ؟“
“ لا يمكنني شرح التفاصيل الآن.”
فهي لا تستطيع إطلاع ولي العهد على كل ما يتعلق بسرّ كنز كاريلادين.
“ ببساطة، ما أقصده هو أنني سأبدأ رحلة قريبة أبحث فيها عن أثر والدي، وسأعود إلى البرج بين الحين والآخر. لن أغيب لأشهر أو سنوات، فقط لفترات قصيرة.”
“ فهمت.”
“ وأثناء تتبعي لتلك الآثار، أعتقد أنني قد أتمكن من لقائه في النهاية.”
هكذا كتب في نهاية رسالته.
حين فرغت من الحديث، نظر إليها توروي بعينين تعكسان عزيمة قوية وقال:
“ في هذه الحالة، آنسة مييل… هل يمكنني مرافقتك في هذه الرحلة؟“
كانت نظراته تتوسل الموافقة، تحمل رجاءً صادقًا… وربما شعورًا آخر لم تتمكن مييل من فهمه.
“ أريد أن أساعدكِ في العثور على أثر الحكيم العظيم.”
“… لكن هذه الرحلة قد تكون محفوفة بالمخاطر.”
“ لا بأس.”
“ ثم إنها سرّية للغاية. حتى لو وافقتُ على مرافقتك لي، يجب أن تأتي دون أي حراسة. أي وحدك تمامًا.”
فأومأ توروي فورًا، دون تردد:
“ نعم، لا مانع لدي.”
_________________
تفاعلو فضلًا لاستمر في الترجمة بحماس !
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
رابط الجروب : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 29"