“……..”
أربك الرد السريع من توروي الإمبراطور كاروت.
بدا واضحًا أنه رفض قبل أن يسمع حتى ما سيقال، مما أوحى له بأنه يفكر في أمر آخر تمامًا.
“ يبدو أن سمو ولي العهد يفكر بطريقة مختلفة عني… لم أكن أنوي الحديث عن الزواج أصلًا.”
“… عذرًا؟“
تنهد الإمبراطور بتصنّع، بينما بدا على توروي الارتباك الشديد.
لم يخطر بباله للحظة أن الأمر ليس متعلقًا بزواجٍ طالما سمع عنه مرارًا.
“ أعتذر يا صاحب الجلالة. لقد تسرّعت في الرد.”
“ لا بأس. لا داعي للقلق، كنت أمازحك لا أكثر.”
“… نعم، مفهوم.”
رغم شعوره بالارتياح، لم يستطع منع نفسه من التذمر داخليًا.
كان الأمر كذلك دائمًا.
فوالده، إلى جانب كونه الإمبراطور، كان يميل للمزاح أكثر منه.
ومع أنه اعتاد على طباعه، فإن لقب الإمبراطور ظلّ يفرض عليه هيبة ثقيلة.
“ أما السبب الحقيقي الذي دعوتك لأجله اليوم، فهو أنني بدأت أفكر جديًا في التنحي عن شؤون الحكم.”
“إذن …”
“ صحيح. عليك أن تبدأ بالاستعداد.
للاستعداد لحمل عبء هذا الوطن.”
اتّسعت عينا توروي من الدهشة.
كان يعلم أنه سيرث العرش يومًا ما، لكنه لم يظن أن ذلك اليوم سيكون قريبًا إلى هذا الحد.
وأن يُسلَّم العرش وهو لم يتزوج بعد؟
توقع أن يتم استخدام العرش كوسيلة لإجباره على الزواج.
لكن ما قاله الإمبراطور بعد ذلك، كان خارجًا تمامًا عن توقعاته.
“ كأول أبنائي، وولي عهدي، سأُصدر لك أمرًا إمبراطوريًا.”
“… أمر إمبراطوري؟“
“ نعم، وفقًا لتقاليدنا القديمة.”
فقد كان من التقاليد الراسخة في الإمبراطورية هاغوران، أن يخضع ولي العهد لاختبار يحدده الإمبراطور، للتأكد من أهليته لوراثة العرش.
وكان تحديد نوع الاختبار وشروطه من صلاحيات الإمبراطور وحده.
فالإمبراطور هو القانون وكلمته لا تُرد.
وكان على ولي العهد أن يُذعن للأمر دون نقاش.
بعض تلك الاختبارات كانت بسيطة، والبعض الآخر بلغ من الصعوبة حدًّا كاد يهدد الحياة.
قبض توروي يده من التوتر.
لم يعرف ما الذي سيُطلب منه، لذا لم يستطع أن يخفي قلقه.
وأخيرًا نطق الإمبراطور:
“ اذهب إلى الحكيم العظيم، واحصل منه على وثيقة بخط يده، يُوصيك فيها كوريث للعرش القادم.”
انتهى الإمبراطور من حديثه، لكن توروي لم ينبس بكلمة.
ظلّ في مكانه يتساءل إن كان قد فهم الكلام بشكل صحيح.
لاحظ الإمبراطور حيرته، فأعاد كلامه بحزم:
“ يبدو أنك لم تستوعب جيدًا. سأكرّرها لك.”
“ اذهب إلى الحكيم العظيم، واطلب منه وثيقة مكتوبة بخط يده، يوصيك فيها كخليفة للعرش.”
عندها فقط، استوعب توروي الموقف وهتف:
“ لكن يا صاحب الجلالة!”
“ هل نسيت؟ كلمتي هي القانون.”
توقّف توروي عن الكلام فورًا.
في هذا الاختبار، الإمبراطور هو من يضع القواعد، وأي رفض يعني التخلي عن العرش.
وهو بصفته وليًا للعهد، لم يكن أمامه أي خيار.
في النهاية، لم يجد سوى أن يقبل الأمر.
“… مفهوم. سأذهب للحصول عليها.”
“ جيد. لا مهلة محددة… وإن كان من الأفضل أن تعود بها قبل أن أودّع هذا العالم.”
ضحك الإمبراطور عاليًا، أما توروي فظلّ جادًا بلا أي تعبير.
عندها خفتت ضحكة كاروت تدريجيًا ثم قال:
“ يمكنك الانصراف.”
“ أمرك، يا صاحب الجلالة.”
انحنى توروي احترامًا، ثم غادر مكتب الإمبراطور.
وخلفه، كان كاروت يتأمله بصمت.
فالإمبراطور هو رمز العظمة في القارة، وشخصٌ يتطلع إليه الجميع.
وكان توروي يمتلك كل صفات الحاكم المثالي.
عدا صفة واحدة فقط، كانت تنقصه…
أن يمتلك قلبًا واسعًا يحتوي جميع رعاياه.
فشعب الإمبراطورية لا يقتصر على أهل البلاط الملكي فقط، بل يشمل الجميع ومنهم سكان برج السحر.
لكن توروي لم يكن يطيق برج السحر.
بل كان يتحاشاهم، وينوي إقصاءهم.
ولو بقي الوضع على ما هو عليه، فلن يتغير حتى بعد اعتلائه العرش.
وإذا ساءت العلاقة بين العرش وبرج السحر في الجيل التالي، فقد تتزعزع استقرار الإمبراطورية نفسها.
لذلك قرر الإمبراطور أن يبعثه إلى الحكيم العظيم.
علّه يتعرف عليه، وعلى برج السحر عن قرب فيبدأ قلبه بالانفتاح تدريجيًا.
“ ومع مرور الوقت، سيغدو حاكمًا عظيمًا.”
كاروت لم يشك لحظة أن ابنه سيصبح ملكًا يُحتذى به يومًا ما.
* * *
خرج توروي من مكتب الإمبراطور والارتباك بادٍ عليه.
لم يكن يرغب في القيام بأي شيء له علاقة ببرج السحر سوى التعامل مع مييل.
لكن الأمر لم يصدر من أي شخص عادي… بل من الإمبراطور نفسه.
وكان ذلك امتحانًا لا بدّ منه ليحصل على العرش.
“ اللعنة…”
تمتم ساخطًا، ثم توجّه فورًا إلى مقر السحرة التابعين للقصر.
ففي الجهة الغربية من القصر، كان يوجد البرج الذي يضم مساكن السحرة، ومختبراتهم التي يكرّسونها لخدمة البلاط الإمبراطوري.
تفاجأ السحرة من ظهور ولي العهد المفاجئ.
فبعضهم أسقط قارورة تجارب من يده، وآخرون أسقطوا جرعات سحرية على كتب الأبحاث، وقد دبّ الهلع في المكان.
كيف لا، وقد جاء إلى البرج الغربي شخص ليس كأي أحد… بل ولي العهد نفسه!
فهو لا يُخفي كراهيته لمن له صلة ببرج السحر.
ولأن معظم سحرة القصر الإمبراطوري ينتمون أصلاً إلى ذلك البرج، فقد كانوا يهابونه كثيرًا.
إذ لا أحد منهم يعلم متى قد تسقط رؤوسهم إن أصبح ولي العهد إمبراطورًا.
أحنَوا رؤوسهم أمامه مرتجفين من الخوف، وعندها فُتح فمه أخيرًا ونطق:
“ أين هو كاريلادين الحكيم العظيم الآن؟“
سؤال مفاجئ جعل العيون تتسع والشفاه تصمت.
لم يتخيل أحد أن ولي العهد، الذي يكره كل ما يتعلق بالبرج، سيسأل عن الحكيم.
ولما طال صمتهم نطق ببرود:
“ هل أرعبكم سؤالي إلى هذا الحد؟“
“ ن– نعتذر سموّك!”
حينها فقط استعاد السحرة رشدهم، وهرعوا يقلبون الأوراق المتناثرة في أرجاء المختبر.
لكنهم وجدوا أن المعلومات عن الحكيم العظيم نادرة جدًا.
فهو معتزل منذ زمن طويل، ومعظم ما يخصه طيّ الكتمان.
وبينما بدأ الملل يتسلل إلى وجه ولي العهد، اقترب منه أحد السحرة الذين بدوا أقدمهم سنًا ومقامًا.
“ نعتذر يا سموّ ولي العهد، لكننا لا نملك في المختبر إلا معلومات قليلة عن الحكيم.”
“ اختصر، وقل الحقيقية فقط.”
قال الساحر المسن وهو يرتجف، محاولًا نقل ما استطاع معرفته.
وهي إن أراد أحد معرفة المزيد عن الحكيم، فلا بد أن يقصد برج السحر بنفسه.
ثم أضاف معلومة أخرى غير مؤكدة تمامًا:
“ هناك إشاعة يا سموّك… تقول إن الحكيم زار البرج قبل عدة أعوام.”
“ قبل عدة أعوام؟“
“ نعم، لا نعلم التفاصيل بدقة… لكنها آخر معلومة وصلتنا عنه.”
‘ إذًا لا مفر…’
إن أراد معرفة الحقيقة، فعليه أن يذهب بنفسه إلى الصحراء حيث يقع برج السحر.
رغم محاولاته لتجنّب ذلك، لم يعد هناك طريق آخر.
“ ابحثوا لي عن أي معلومات إضافية بشأنه.”
قالها قبل أن يغادر البرج الغربي متجهًا فورًا إلى خدمه، ليأمرهم بالاستعداد للانطلاق نحو برج السحر.
لم يمضِ سوى ثلاثة أيام منذ أن حصل على أداة الترجمة من مييل، وها هو يعود مجددًا إلى هناك.
راوده شعور خفيف بالفرح لمجرد أنه سيرى مييل مجددًا، لكنه تلاشى بسرعة.
ركب عربة العائلة الإمبراطورية، وأسند رأسه إلى النافذة غارقًا في التفكير.
لم يغب عن ذهنه ذلك الموقف المُحرج الذي تعرض له أمام مييل.
فكلما تذكّره، شعر بالإحراج لدرجة أنه قد يستيقظ من نومه فزعًا.
كان يلوم نفسه على حديثه عن الحكيم في ذلك اليوم.
‘ ومن بين كل المواضيع، لمَ الحكيم تحديدًا؟‘
لقد أهدى تفاحة من أجود الأنواع، ثم نال خزيًا أمامها… فتلاشى شعوره بالثقة تمامًا.
ومع ذلك، لم يكن بوسعه تأجيل هذه الرحلة، لأنها ليست مسألة شخصية فقط، بل تتعلق بمستقبل الإمبراطورية.
ولذلك، ظلّ طوال الطريق عاجزًا عن تهدئة نفسه.
* * *
“ سموّ ولي العهد!”
كان باب البرج مفتوحًا حتى قبل أن تصل العربة.
وقد كان دوور بانتظاره عند المدخل.
لقد تكررت زيارات ولي العهد مؤخرًا، فصار دوور شخصًا مألوفًا بعض الشيء.
ولوّح له توروي بخفة وهو يقترب منه.
“ يشرفنا أن تزورنا مرة أخرى! هل ترغب أن أستدعي مييل كالمرّة السابقة؟“
كلما جاء توروي إلى البرج، كان يطلب مييل تحديدًا، لذا بادر دوور بعرض الأمر تلقائيًا.
لكن توروي أوقفه.
“ ليس هذه المرّة. جئتُ فقط لأستفسر عن أمر ما.”
“ آه، فهمت. إن كانت لديك أسئلة عن البرج، فيمكنك سؤالي. فأنا أسمع كل شاردة وواردة بحكم عملي في استقبال الزوّار.”
ابتسم دوور بمرح، لكن ابتسامته لم تكن توحي بالكثير من الثقة.
ومع ذلك، لم يكن لدى توروي ما يخسره، فطرح عليه السؤال:
“ هل زار الحكيم البرج قبل عدة أعوام؟“
“ سمعتَ تلك الإشاعة إذًا؟! لكن في الواقع، من زار البرج آنذاك لم يكن الحكيم العظيم.”
قالها دوور بعينين ناظرتين إلى الأرض بأسف خفيف.
“ من جاء في ذلك الوقت… كان والد مييل.”
اتسعت عينا توروي قليلًا عندما سماعه اسمها.
كأنه بدأ يلمح طرف الخيط.
___________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
لينك : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 28"