على الخريطة التي رُسمت عليها القارات العالمية والمناطق غير المستكشفة، وُضِع نجم واحد على كل قارة.
ويا للدهشة، فقد كان في كل قارة كنز واحد فقط لا أكثر.
أما الكنز المذكور في الفصل الأخير، فقد كانت المعلومات عنه نادرة للغاية.
بل في الحقيقة، لم يكن هناك ما يُدعى معلومات أصلاً…
“ المنطقة الغير مستكشفة.”
في أقصى شمال القارة، كان هناك مكان يغلفه الظلام الدامس، منطقة تسكنها مخاوف ورهبة عظيمة.
على مر القرون، قصد العديد من المغامرين هذه المنطقة، لكن لم يعُد منهم أحد.
ويُقال إن هناك وحشًا أعظم حتى من التنانين، لكن تبقى تلك مجرد شائعة.
فالأسوأ قد يكون مجهولًا حتى الآن.
“ لماذا أخفى والدي الكنز في مكان كهذا؟“
قطّبت مييل حاجبيها بشدة.
بدا الأمر وكأنه يدفعها عمدًا إلى حتفها.
فقررت أن تترك المنطقة غير المستكشفة لآخر رحلة حين لا يبقى أمامها خيار سواها.
“ على الأقل سولو أقرب من غيرها.”
كانت الكنوز موزعة في أنحاء العالم، وبشكل مبالغ فيه إلى حد يثير السخرية.
لو كانت مواقعها أقرب قليلًا، لكان جمعها جميعًا أسهل بكثير.
لكنها كانت متفرقة إلى درجة يستحيل فيها جمعها دفعة واحدة.
ولو قررت البحث عنها جميعها في جولة واحدة، فإن مقدار الجهد والموارد المُهدرة سيكون هائلًا.
لذلك قررت مييل أن تبدأ كل رحلة من برج السحر، وتختار أماكن الكنوز بحيث تكون متباعدة بمسافات مناسبة، حتى لا تضطر للانتقال لمسافات طويلة دفعة واحدة.
“ هناك كنزان على الأقل قريبان من هنا، أستطيع التوجّه إليهما واحد تلو الآخر.”
لكن لمَ اختار والدها أن يبعثر الكنوز بهذه الطريقة؟
غرقت مييل في التفكير، محاولة فهم مقصده.
‘ أو لعلّه لم يفعل؟ بعد كل هذا الوقت، ربما انتقلت الكنوز من يدٍ لأخرى، واقتيدت بعيدًا أو قُرّبت من غير قصد…’
كانت تأمل أن تكون قد اقتُربت، فلو كانت قد ابتعدت أكثر، فقد يتحوّل الأمر إلى رحلة بالغة القسوة.
كانت عيناها معلّقتين على الخريطة والكتاب، ثم حوّلت بصرها إلى التقويم.
عليها أن تضع جدولًا زمنيًا.
حفل عيد ميلاد الأميرة سيُقام بعد أسبوع، لذا من الأفضل أن تغادر بعده على الأقل.
‘ بما أني لا أعرف كم ستستغرق الرحلة، عليّ أيضًا أن أجد وقتًا لأقضيه مع لولو ولالا مسبقًا… وأحتاج لإبلاغ السيد شولاين أيضًا…’
وبعد لحظات من التفكير العميق، رفعت مييل قلمها ووضعت علامة على التقويم.
تم تحديد موعد الرحلة الأولى… بعد عشرة أيام.
* * *
راح يدندن دون وعي، وأصابعه الطويلة تنقر الطاولة بإيقاع منتظم ولطيف.
فقط التفكير بها يجعل مزاجه يتحسن.
حتى إن كان قد مرّ للتو بشيء مزعج، فإن تذكّر ابتسامتها النقية كفيل بمحو كل الضباب من ذهنه.
‘ هل ستعجبها؟‘
ارتسمت ابتسامة هادئة على وجه توروي. وعلى الطاولة أمامه وُضع صندوق.
وفي داخله، لم يكن هناك سوى تفاح. لكنه تفاح خاص جدًا، من النوع الممتاز الذي أُهدي إليه شخصيًا.
وهي تحب التفاح. فلا يمكن أن تكره هذا النوع من الهدايا.
‘ على سيرة التفاح، ألم تذهب روبينا إلى البرج البارحة؟‘
وبينما فكّر في مييل، قفز إلى ذهنه شقيقته.
منذ لقائهما الأول، بدا وكأن بينهما انسجامًا فوريًّا، وها هي تذهب إلى البرج خصيصًا لرؤية مييل… لا بدّ أنها تشبهه في هذا الجانب أيضًا.
طرق، طرق.
دوّى صوت طرق خفيف على الباب، ثم فُتح باب غرفة الاستقبال.
ودخلت من انتظرها طويلاً… مييل.
“ مساء الخير يا صاحب السمو.”
انحنت لتحيته بلطف، ثم جلست أمامه.
وبينما ينظر إليها مباشرة لا كخيال أو ذكرى، بل واقع ملموس…
بدأ قلبه يخفق بشدّة.
حاول أن يهدّئ نفسه، وأخفى ابتسامته التي كادت تُفضحه.
“ هل كنتِ بخير؟“
“نعم .”
“ سمعت أنكِ واجهتِ بعض المتاعب خلال المهام السابقة، لذا أحضرت لكِ هدية بسيطة.”
“ هدية؟“
تخيّل توروي مدى سعادة مييل عندما ترى الهدية، كان متأكدًا أنها ستبتسم بابتسامة جميلة لا حدود لها.
“ها هي .”
قدّم لها الصندوق المليء بالتفاح الأحمر.
فتحت مييل الصندوق بنظرة متسائلة.
وكان داخله تفاح شديد الاحمرار، يبدو لذيذًا كأنه من أفخر محاصيل هورو.
لكن وجه مييل لم يكن مشرقًا كما توقع.
‘ ما الذي يحدث؟‘
‘ شيء ما ليس على ما يرام.’
‘ مييل تحب التفاح بشدة… حتى أن روبينا قالت إنها شاركت ذات مرة في مسابقة أكل التفاح.’
“ شكرًا لك.”
قالت مييل بابتسامة مصطنعة، وقد بدا جليًّا أنها تقبّلت الهدية مجاملةً لا أكثر.
وفهم توروي على الفور أنه ارتكب خطأ.
‘ لا يُعقل… هل تكون قد شبعت من التفاح بعد تلك المسابقة؟!’
أدرك الحقيقة الواضحة متأخرًا جدًّا.
حتى التفاح الذي قدّمه مييل الآن كان من منتجات هيو الخاصة.
يا للكارثة… يا له من خطأٍ غبي!
“ آنسة مييل.”
نادى توروي بحذر. فربما… فقط ربما كان هناك سببٌ آخر، لذا أراد أن يسألها:
“ هل… هل بتِّ تكرهين التفاح؟“
“ ليس كرهًا تمامًا… فقط أكلت منه كثيرًا مؤخرًا.”
“آه …”
“ قبل فترة شاركت في مسابقة أكل التفاح، وفزت بها، فحصلت على صندوق من التفاح الفاخر من هيو.”
حتى الطعام المفضل قد يُمَلّ منه إن أُكل يوميًا.
وكان ذلك كلامًا منطقيًا.
لقد ارتكب غلطةً ساذجة.
‘تبًّا …’
أراد فقط أن يرى ابتسامتها.
لكن بما أن خطته فشلت فشلًا ذريعًا، تدلّت كتفا توروي بخيبةٍ واضحة.
فابتسمت مييل ابتسامة لطيفة وهي تنظر إليه.
“ مع ذلك، أشكرك على اهتمامك بي يا سموّ الأمير.”
رفع توروي رأسه فورًا عند كلماتها، واستقام في جلسته بعدما كان يبدو محبطًا وأجابها مبتسمًا ابتسامة مشرقة:
“ لم أقدّم لك الهدية من أجل الشكر يا آنسة.”
لكن ملامح وجهه فضحت مشاعره، ولم يتمكن من إخفائها.
“ صحيح، بالمناسبة… تفضّل، جهاز الترجمة قد اكتمل.”
وضعت مييل الكتاب الذي كانت تحمله منذ دخولها إلى غرفة الاستقبال، ثم أخرجت كيسًا حريريًّا صغيرًا.
ومن داخله، أخرجت كرة بحجم قبضة اليد، وقدّمتها إلى توروي.
راح توروي يتفحّص الكرة بين يديه.
كانت أصغر قليلًا من كرات الكريستال المعتادة، لكنها لم تبدُ مختلفة عنها كثيرًا.
وبينما كان يحدّق فيها باستغراب، قالت مييل:
“ قبل استخدامها، هل تملأها ببعض من طاقتك السحرية من فضلك؟“
فدماء العائلة الإمبراطورية بما فيهم توروي، تحتوي على طاقة سحرية بطبيعتها.
لكن هذا لا يعني أن كل أفراد العائلة قادرون على استخدام السحر، إذ إنهم يمتلكون طاقة سحرية لكنهم لا يحسنون استخدامها، فتكون بالنسبة لهم بلا فائدة.
لكن توروي كان استثناءً.
فقد اعتاد منذ صغره أن يشحن سيفه بطاقته السحرية ويقاتل بها.
وكان السيف المشبع بتلك الطاقة يتحول إلى سيف سحري يقطع كل ما يعترضه، وقد قاده إلى تحقيق العديد من الانتصارات.
وكانت مييل على علم بذلك.
ورغم أنها لم تكن تهتم بشؤون العائلة الإمبراطورية، إلا أن الصحف كانت دائمًا تذكر إنجازاته.
ولهذا لم يُظهر توروي أي دهشة، وقال بهدوء:
“ طاقتي السحرية؟“
“ نعم، الجهاز يحتاج إلى طاقة المستخدم كي يعمل.”
فوضع توروي الكرة على الطاولة ووضع يده فوقها.
ثم أغمض عينيه، وبدأ ببطء في ضخ طاقته السحرية إليها، فامتصّت الكرة جزءًا من طاقته.
“ الآن أصبحت الكرة مرتبطة بطاقة سموّ الأمير. وعندما تحتاج إلى الترجمة، كل ما عليك فعله هو ضخ بعض الطاقة إليها ولمسها وستنقل المعنى إلى ذهنك مباشرة.”
“ هوه، مدهش حقًا.”
“ سأجرب التحدث بلغة مملكة تارت، جربها أنت الآن.”
أومأ توروي برأسه، وضخ المزيد من طاقته.
امتلأت الكرة بدخان أزرق باهت، في إشارة إلى أنها باتت جاهزة.
فنطقت مييل بضع كلمات بسيطة بلغة مملكة تارت، وتوسّعت عينا توروي فجأة.
“ أوه، إنها فعّالة فعلًا.”
كان الأمر أشبه بمن يهمس له داخل ذهنه، وقد فهم المعنى فورًا دون أي جهد.
ورغم بساطة الجملة، إلا أن جودة الترجمة كانت مبهرة.
“ كعادتك يا آنسة مييل… لم تكتفِ بصنع أداة ممتازة، بل أنهيتِ العمل بسرعة أيضًا. أشكركِ.”
“ سعيدة لأنه راق لك يا سموّ الأمير. وإن حدث أي عطل في الكرة لاحقًا، فلا تتردد في زيارة برج السحر مجددًا.”
“ بالطبع.”
أجاب توروي وهو يبتسم من الأذن للأذن، غير قادر على رفع يده عن الكرة.
لكن بعد لحظات، تذكّر فجأة أنه سيضطر لمغادرة البرج قريبًا.
كان ينوي أن يأتي كثيرًا أثناء تولي مييل لمهامه داخل البرج…
لكن مهامه كولي عهد في الإمبراطورية كانت لا تُحصى، من أوراق لا تنتهي إلى تدريبات لا يمكن إهمالها.
وبالتالي، لم يتمكن من زيارة البرج بالقدر الذي كان يتمناه.
‘ ولهذا… كنت أريد أن أتحدث معها مطولًا اليوم على الأقل…’
لكن العمل انتهى بسرعة مفاجئة… وكان يأمل أن يقضيا بضع ساعات معًا على الأقل.
تنهد توروي ببطء، ثم لفت نظره شيء ما في أطراف الغرفة…
__________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
رابط الجروب : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 26"