فضلًا عن ذلك، احتوى الكتاب على أجزاء مكتوبة بلغة قديمة شبه منسيّة في العصر الحديث.
“ مييل، إذًا… هل تنوين البحث عن هذه الكنوز؟“
سألها جايد وهو يغلق الكتاب.
سارعت مييل إلى استعادته وهزّت رأسها مؤيدة.
“ نعم، بالتأكيد.”
“ لأجل الوصول إلى الحكيم العظيم؟“
“ همم، هذا جزء من السبب… لكن الأهم أن هذه الكنوز هدية خُصصت لي.”
“ هدية؟“
انعقد حاجبا جايد بتعجب.
‘ هل تقصد أن الكتاب نفسه هدية؟‘
نظر إلى مييل وقد ارتسمت الحيرة في عينيه، لكنه لم يتلقَّ منها جوابًا.
“ تقصدين أن كنوز الحكيم… كانت هدية لك؟“
“نعم .”
تفاجأ جايد قليلًا.
الكنوز التي لطالما ذُكرت كأنها أسطورة، والتي حيكت حولها الحكايات لقرون، لم تكن سوى هدية من الحكيم لابنته! كان الأمر خارجًا عن التوقعات.
“ لكن، سيدي…”
“ ماذا هناك؟“
“ سحر والدي لا يزال قائمًا عليك… هل أنت متأكد من أنك بخير؟“
نظرت إليه مييل بنظرات قلقة.
فأجابها جايد مطمئنًا وهو يومئ برأسه.
لم يكن يشعر بأي ضرر حقيقي.
صحيح أنه كان يشعر بقوة المانا مكبوتة داخله، لكنها لم تؤذه أو تُعق عمله.
لكن يبدو أن مييل لم تكن مطمئنة تمامًا، وكان التوتر ظاهرًا في عينيها.
‘ يبدو أنها قلقة عليّ حقًا…’
ابتسم جايد ابتسامة خفيفة ثم قال:
“ لا تقلقي. صحيح أن المانا مكبوتة قليلًا، لكن لا شيء خطير. لا أشعر بأي ضرر.”
“ لكن مع ذلك…”
“ لا حاجة للقلق. طالما أننا لسنا في حرب الآن، فلن يحدث أي شيء يستدعي القلق.”
هزّت مييل رأسها بخضوع.
لم تكن قلقة بسبب قوته.
فحتى إن كانت قواه السحرية مُقيّدة بفعل سحر الحكيم، فإن جايد كان لا يزال الأقوى في هذا العصر.
لكن ما كان يقلقها هو أن يصاب بأذى بسبب والدها… أو أن يموت بسببه.
هي فقط لم ترغب بأن تحمل على عاتقها ذلك الذنب.
وحين سمعت أنه بخير، شعرت أن ثقلًا قد زال عن كاهلها.
لم تعد مضطرة لأن تقلق عليه الآن.
ولكن، كان هناك أمر آخر يشغلها.
“سيدي …”
“ نعم؟“
“ أعتقد أنني سأحتاج لبعض الوقت لدراسة هذا الكتاب. لأتمكن من فك السحر عنك، ولأجد والدي في أسرع وقت… هل يمكنك إعفائي من المهام المعقدة مؤقتًا؟“
قالت ذلك بنبرة حذرة.
في الحقيقة، كانت حجتها تلك مجرد ذريعة.
هي فقط أرادت مغادرة برج السحر بأسرع ما يمكن.
ولفعل ذلك، كان عليها أولًا أن تدرس هذا الكتاب جيّدًا.
كانت تتوقع أن يرفض جايد طلبها، فهو عادةً ما يُصر على إعطائها المهام.
لكنه تغيّر مؤخرًا، وكان هناك احتمال ضئيل أن يُصغي إليها.
ولذلك تجرأت على الطلب.
وإن رفض، فلن تحزن، فقد اعتادت على ذلك منه.
لكن جايد خالف توقّعها هذه المرة.
“ حسنًا، لن أُوكل إليك مهام جديدة. ومهمة ولي العهد أوشكت على الانتهاء، أليس كذلك؟”
“ نعم، أوشكت.”
“ إذًا، ركّزي على دراسة الكنوز في الوقت الحالي.”
فور سماعها إجابته، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه مييل.
انحنت له احترامًا، ثم غادرت الغرفة بهدوء.
بعد مغادرتها، عاد جايد إلى مراجعة الأوراق التي كان يعمل عليها قبل زيارتها.
بصفته سيد برج السحر، كانت عليه مسؤولية إنجاز أعمال كثيرة.
لكنه لم يلبث أن وضع الأوراق جانبًا دون أن يُنهي حتى بضع صفحات.
فابتسامة عفوية بدأت تتسرّب إلى وجهه، إن حاول كتمها ولكن دون جدوى.
كان يشعر بسعادة حقيقية.
صحيح أن جزءًا من قواه السحرية مُقيّد، لكن قلبه كان في خفة الطير.
رحلة مع مييل فقط…!
مجرد التفكير بالأمر جعله يشعر بالحماس.
كنوز كاريلادين كانت مبعثرة في أنحاء العالم.
وقد ورد ذلك في نهاية كتاب الحكاية.
فبعد أن استخدمها كاريلادين لهزيمة قوى الظلام، قام بإخفائها في أماكن شتى من هذا العالم.
كان يظنها مجرد أسطورة قديمة، لكنها كانت حقيقية… بل وكانت هدية خُصصت لابنته!
وهذا يعني أن الكنوز لا تزال موجودة حتى اليوم.
والحكيم العظيم يرغب في أن يرافقها في رحلتها للعثور عليها.
رحلة… فقط هو ومييل.
لم يستطع منع ابتسامته وهو يفكر بذلك.
رفع يده إلى صدره، حيث قلبه ينبض بسرعة غير مألوفة.
في طريق العودة من هورو كان قد أدرك بالفعل مشاعره.
كان هناك شيء دافئ، خفيف، وحنون، يتغلغل في صدره.
ولم يكن قد شعر به من قبل.
في حياته الماضية، كانت مشاعره كلها موجّهة نحو القدر، فلم يعرف طعم الاضطراب الجميل الذي يرافق الحُب.
لكن هذه المرة… كان الأمر مختلفًا.
كان هناك إحساس جديد تجاه تلميذته العزيزة.
لم يعرف كيف يُسميه.
لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا…
أنه لم يكن شعورًا سيئًا… بل كان شعورًا جميلًا.
لأول مرة في حياته، شعر بميلٍ تجاه شخص آخر.
ذلك الإحساس الغريب والمربك جعل قلب جايد يخفق بعنف.
كانت مجرد تلميذته سابقًا، ثم أصبحت أعزّ تلميذة، والآن… تعدّت تلك المرتبة.
لم تعد فقط أعزّ تلميذة… بل—
نعم، جايد شعر أنها باتت أقرب إلى صديقة.
‘ صديقة… هكذا هو الأمر…’
الصداقة كانت مفهومًا غريبًا عنه، شيئًا لم يكن له وجود في حياته من قبل.
ومع ذلك، كانت مييل أول من أيقظ فيه مشاعر شخصية أشبه بالمودّة.
وهكذا، أصبحت مييل بالنسبة إليه صديقة، دون أن يدرك أن مشاعره بدأت تأخذ منحًى آخر تمامًا.
رغم خفقان قلبه والإحساس بالارتباك، لم يخطر بباله أنها مشاعر حب.
ظل يفسّر كل ما يشعر به على أنه مجرد إعجاب عابر أو مودة بين الأصدقاء.
* * *
“ لا حاجة للعمل اليوم؟! يا لسعادتي!”
ضحكت مييل بمرح وهي تسير نحو قاعة الطعام، وفي حضنها كتاب كنوز كاريلادن.
رغم أن الكتاب ثقيل نوعًا ما، إلا أن قلبها كان خفيفًا من الفرح.
أخيرًا يمكنها التركيز على البحث في كنوز والدها بدلًا من تنفيذ المهام.
ربما ستحصل قريبًا على فرصة للخروج من البرج.
صحيح أن والدها طلب من معلمها مرافقتها، لكنها لم تعتقد أنه سيأتي معها فورًا.
فمن غير المرجّح أن يتمكّن من لقاء والدها بسرعة.
مجرد العثور على بعض الكنوز قد يستغرق وقتًا طويلًا.
ومن المعروف أن هناك أكثر من خمسة كنوز.
ولا أحد يستطيع تقدير المدة التي سيستغرقها البحث عنها.
ومن المستحيل تقريبًا أن يبتعد سيد البرج عن منصبه لفترة طويلة، لذا على الأرجح سينضم إليها لاحقًا بعد أن تبدأ وحدها.
بالتالي، ستحظى ببعض الحرية في البداية.
‘ يجب أن أبدأ البحث في أقرب وقت… هاه؟‘
بينما كانت تتجه إلى قاعة الطعام لطلب مشروب من فووك، التفتت نحو النافذة لا شعوريًا.
وهناك، رأت عربة فاخرة تقترب، تحمل ختم العائلة الإمبراطورية.
‘ لا يمكن… هل هو سمو ولي العهد؟‘
كانت المهمة التي أوكلها ولي العهد توشك على الانتهاء.
ما بقي هو فقط استخدام السحر لتفعيل البلورة.
فهل جاء ليطلب أمرًا جديدًا؟
حدّقت بالعربة باهتمام، لكنها لاحظت شيئًا مختلفًا.
عربة العائلة الإمبراطورية القادمة نحو البرج كانت مختلفة عن عربة ولي العهد.
رغم أنها أنيقة ومهيبة، إلا أن ألوانها كانت ناعمة ودافئة.. درجات من الأزرق الفاتح والأخضر.
بدا فيها لمسة من اللطف والأنوثة.
‘لا بد أنها …!’
لمعت فكرة في رأس مييل، فانطلقت تهرول نحو الطابق الأرضي قبل أن تصل العربة.
‘ لا شك في ذلك!’
ارتسمت على وجهها ابتسامة أوسع من ذي قبل.
فقد وعدتها بأنها ستأتي قريبًا… ولم تكن لتتأخر.
“ مييل!”
وكان حدسها صحيحًا تمامًا.
في مدخل البرج، دخلت روبينا لتوّها وخلفها وقفت الوصيفات، وبجانبها وقف دوور لاستقبالها.
لكن روبينا لم تتردد واتجهت مباشرة نحو مييل التي استقبلتها بوجه مشرق.
“ سموكِ! حقًا جئتِ! هل كنتِ بخير؟“
“ بالطبع، وأنتِ؟ كيف حالكِ يا مييل؟“
أمسكت روبينا بيد مييل وتبادلت معها الحديث بوجه يفيض بالود.
بينما كانتا تضحكان وتتحادثان بودّ، أصبح وجه دوور أكثر جديّة.
‘ في السابق جاء ولي العهد، والآن الأميرة… من تكون هذه الفتاة بالضبط… ؟‘
لم يكن يلتقي مييل كثيرًا في البرج، لذا لم يتمكن من فهم مكانتها.
أما مييل، فلم تلقِ بالًا له.
“ هل سموكِ هنا لتقديم طلب إلى البرج؟“
“ لا، أتيتُ خصيصًا لرؤيتكِ، وأيضًا أردتُ إلقاء نظرة على البرج.”
بعد أن أدرك دوور أنه لا حاجة له، انسحب بهدوء.
لكنه لم ينس أن يذهب لإبلاغ شولاين بالأمر.
_____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
لينك الجروب : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 23"