‘ عناقٌ مع مييل … ؟ ‘ ( تفكير توروي )
ساد الصمت في غرفة الاستقبال بعد مغادرة روبينا، فسارعت مييل إلى إخراج مفكرتها وريشة الكتابة.
تنهد توروي بهدوء حين رأى هذا المشهد.
‘ كما توقعت… لا يبدو أن بيننا سوى الأحاديث المتعلقة بالمهام.’
شعر بشيءٍ من الحزن، لكن رغم ذلك، كانت هذه اللحظات ثمينة بالنسبة له.
“ سموّ الأمير.”
“ نعم يا آنسة مييل؟“
أجابها توروي بابتسامة مشرقة وكأن شيئًا لم يحدث.
“ هل تعرف أحدًا داخل الإمبراطورية يتحدث بلغة مملكة تارت؟“
“ نعم أعرف. لِمَ تسألين؟ هل تحتاجين لذلك؟“
“ نعم. كما أوضحت من قبل، نحن بحاجة إلى استخراج المعرفة من أحد المتحدثين بتلك اللغة.”
“ آه، فهمت. وكم عدد الأشخاص الذين تحتاجينهم؟ عشرة؟ أم عشرين؟“
كالعادة، كان تصرف ولي العهد خارجًا عن المألوف.
فحتى الشخص العادي يستطيع إدراك أن عددًا كبيرًا كهذا ليس ضروريًا.
تفكيره دائمًا يميل إلى التوسّع المفرط.
ابتسمت مييل بخجل وأجابت:
“ شخص واحد فقط.”
“… كحـم. فهمت. حسنًا، سأحرص على إرساله إلى برج السحر غدًا.”
أخذ توروي يسعل حرجًا بعد أن شعر بالإحراج.
كما حدث عندما أغدق عليها بكمية من الجواهر من قبل، فقد أصبح ينفق بسخاء كبير في كل ما يتعلق بمييل.
ولأن ذلك لم يكن يشكّل أي عبء عليه، لم يتردد في الدعم.
لكن بعد لقائه بها لعدة مرات، أدرك أنها إنسانة متواضعة.
لذلك قرر أن يتصرّف معها بحذر، كي لا تشعر بأي عبء أو ضغط.
“ وإذا احتجتِ لأي مواد أو أشخاص إضافيين، فلا تترددي في التواصل معي. سأتكفّل شخصيًا بدعم هذا المشروع، فلا داعي للقلق أو التردد.”
“ نعم، أشكرك جزيل الشكر يا سموّ الأمير. أظن أن العمل سيكتمل خلال شهر ونصف إلى شهرين تقريبًا.”
وقتٌ يمكن اعتباره قصيرًا أو طويلًا بحسب وجهة النظر.
وخلاله، كان عليه أن يجد طريقة ليراها أكثر.
بدأ توروي يراجع جدوله ذهنيًا.
“ هل لديك أي تعليمات إضافية؟ كأن تكون الأداة خفيفة لتسهيل استخدامها، أو سهلة الحمل مثلاً؟“
“ لا شيء محدد في الوقت الحالي. يمكنكِ العمل بأريحية. وإذا احتجتِ شيئًا، فسآتي إلى البرج بنفسي.”
“ آه، حسنًا. فهمت.”
طرق، طرق.
مع انتهاء الحوار، سُمع صوت طرق على الباب، ودخل أحد الخدم ليُبلغهم بأن سيد البرج بانتظارها.
لقد حان وقت مغادرة القصر.
“ إذًا، سموّ الأمير، أستأذن بالانصراف.”
نهضت مييل من مكانها أولاً، فنهض توروي كذلك ولحق بها.
تقدّمها بخطى واسعة حتى وصل إلى مدخل غرفة الاستقبال.
“ سأرافقك حتى بوابة القصر اليوم.”
“ آه… شكرًا جزيلاً.”
أن يُرافق ولي العهد أحدًا إلى خارج القصر كانت أمنية يتمناها الكثيرون.
لكن مييل لم تفكر فيه، بل فكرت في شخص آخر… إنها الأميرة الجنيّة.
كانت من الشخصيات التي نادرًا ما ذُكرت في الرواية، حتى أن مييل كادت تنساها.
لكن بعد أن قابلتها وجهًا لوجه، وجدتها صغيرة ولطيفة للغاية.
لو أنها عاشت في زمنٍ مختلف، لربما أصبحت من أشدّ معجبيها.
“ إذن إلى اللقاء يا سمو الأمير، آمل أن نلتقي مجددًا قريبًا.”
حين وصلت إلى المدخل، انحنت مييل بأدب لتحيّي توروي.
رغم أنه كان يرغب في البقاء معها لوقت أطول، إلا أنه لم يكن بوسعه فعل شيء.
خرجت مييل من قصر ولي العهد، وسارت نحو طرف الحديقة حيث تنتظرها العربة.
كان داخل العربة ينتظرها جايد وهو يقرأ كتابًا بينما ينتظر وصولها.
وما إن دخلت، حتى أغلق الكتاب وسألها:
“ مييل، هل ضايقك ذلك الرجل بشيء؟“
كانت في نبرة صوته نبرة خافتة من التهديد موجهة نحو ولي العهد.
لكن الحقيقة هي أن جايد لم يكن يدرك من هو خصمه الحقيقي بعد.
“ لا، لم يحدث شيء.”
أجابت مييل باختصار وجلست في مقعدها، وبدأت العربة بالتحرك ببطء.
‘ أفهم لماذا يكره المعلم سموّ ولي العهد… لكن لماذا يظن أنني سأتعرّض للمضايقة أيضًا؟‘
حين التقت مييل بولي العهد لأول مرة، كان لديها شعور مشابه.
في الحقيقة، فكرة المضايقة بدت لها مبالغًا فيها، وكل ما توقّعته أنه قد يكون شخصًا باردًا فحسب.
لكن بعد أن خاضت التجربة بنفسها، تبيّن لها أنه غريب نوعًا ما، لكن طيب القلب.
“ حقًا؟ هل أنتِ واثقة؟“
“ نعم، أنا واثقة. كل ما تحدثنا عنه كان بشأن المهمة فقط.”
“… هذا جيد إذًا. كنت قلِقًا من أن يسيء إليكِ بشيء.”
حين سمعت مييل تلك الكلمات، كادت لا تصدق أذنيها.
‘ قلِق؟ هل قال قلِق للتو؟ هل هذا المعلم قلِق عليّ؟‘
كلمة قلِق… لم تكن أبدًا من الكلمات التي تتماشى مع شخصية سيد البرج كما عرفته من قبل.
بدأ الأمر يتجاوز الجنون.
“ بالمناسبة، عندما كنتُ في طريقـي إلى قصر ولي العهد، التقيت بالأميرة. سألتني إن كان بإمكانها زيارة برج السحر في المستقبل… قالت إنها ترغب برؤيتكِ.”
استدارت مييل بسرعة من النافذة وقد لمع بريق حاد في عينيها.
“ حقًا؟ سموّ الأميرة ستزورنا؟“
“ أجل. يبدو أنكِ التقيتِ بها اليوم.”
“ نعم! التقيت بها بالفعل!”
بدأت مييل تتحدث بحماس شديد عن لقائها اليوم بالأميرة الجنية.
كانت الأميرة التي التقتها للمرة الأولى في حياتها جميلة كالجنيات وطيبة القلب.
وسرعان ما شعرت معها بألفة جعلتها ترغب في التقرب منها أكثر.
بينما كانت تروي تلك القصة بحماسة، تغيرت ملامح جايد دون أن يشعر.
لم يرَ مييل بهذا القدر من السعادة من قبل… لم يسبق له أن رأى ذلك منها في حضوره قط.
وها هي الآن تفيض بالحماسة لمجرد الحديث عن الأميرة.
‘ لا بد من دعوة الأميرة إلى البرج في أقرب وقت…’
ليتمكن من رؤية هذا الوجه المبتهج لمييل أكثر.
“ على أية حال… هذا ما حصل.”
أنتبهت مييل فجأة إلى مدى حماستها المفرطة، فقطعت حديثها بعد أن شعرت بالإحراج.
‘ مهما كنتُ سعيدة، كيف أفرط في الحديث بهذا الشكل أمام المعلم؟‘
شعرت بالخجل الشديد، لكن لحسن الحظ، لم يعلّق جايد بشيء.
‘ الحمد لله…’
تنفست مييل الصعداء في سرّها، وأعادت نظرها إلى النافذة بصمت.
وظلّ الاثنان صامتين حتى وصلا إلى برج السحر.
* * *
“ لقد انتهى أمري!”
رمت مييل بجسدها على السرير، وانزلقت تحت الغطاء وبدأت تركله بعنف.
“ أنا فاشلة تمامًا!”
لم تكتفِ بالغطاء، بل أخذت تضرب الوسادة بقبضتيها مرارًا، ثم سقطت منهكة على السرير.
كان قد مضى أسبوعان منذ بدأت رسميًا في تنفيذ طلب ولي العهد.
نظّمت خطوات العمل، واستشارت السحرة الآخرين، ثم بدأت بحماسة عالية.
وتمكنت من استخلاص المعلومات اللغوية من المترجم الذي أرسله ولي العهد، والمتحدث بلغة مملكة تارت.
لكن التقدم كان بطيئًا بشكل مثير للقلق.
‘ لماذا لا أستطيع التقدّم… ؟‘
السحرة الآخرون الذين يعملون على أدوات الترجمة عادةً ما ينتهون من استخراج البيانات اللغوية خلال أسبوع.
أما هي، فبعد مضاعفة ذلك الوقت، لم تُنهِ المهمة بعد.
لا يزال أمامها ثلث المعلومات لتستخرجها.
شعرت مييل بالإحباط الشديد من نفسها.
‘ ياليتني لم أُولد بهذه القدرة، وأُعطيت بدلًا منها قدرات سحرية أساسية قوية!’
قدرتها الخاصة هي امتصاص طاقة الكائنات الحية من حياة وسحر وقوة بدنية.
لكنها كانت تفضّل لو أن ما تمتلكه هو سحر عادي أكثر قوة.
فهي لا تحتاج إلى تلك القوة الغريبة.
لطالما اعتبرت نفسها شخصًا قليل الطمع.
لم تسعَ أبدًا لجمع المال أو الناس حولها، ولم تكن تطمح بشيء كثير.
كل ما أرادته هو أن تمتلك ما يكفي من القوة لحماية نفسها حين تنطلق في رحلاتها المستقبلية.
ولهذا السبب، لم تكره يومًا قدرتها الغريبة، بل اعتبرتها مفيدة بطريقتها الخاصة.
لكن مع مرور الوقت ومع تعمقها في الدروس تحت إشراف معلمها ومع تنفيذها لمهام ولي العهد، بدأت ترى بوضوح حدود تلك القوة.
أصبحت تتمنى لو كانت تمتلك قدرات سحرية أساسية أفضل.
حتى في رحلاتها في المستقبل، ستكون القدرات السحرية الحقيقية أكثر نفعًا.
‘ لا أريد هذه القوة… لا حاجة لي بها.’
دفنت مييل وجهها في الوسادة.
* * *
“ شولاين.”
“ نعم؟“
“… مييل تتصرف بغرابة مؤخرًا.”
شعر شولاين بالذهول.
كان في داخله يرغب في الرد ‘ بل أنتَ من يتصرف بغرابة يا سيدي.’
لكنه تمالك نفسه ولم يقل شيئًا.
واكتفى بضم الأوراق الموقّعة إلى صدره.
“ هل حدث شيء ما؟“
“ المشكلة أن مييل لم تعد تركز في الدروس مؤخرًا.”
في الفترة الأخيرة، بدا أن العلاقة بين المعلم والتلميذة أصبحت أقرب مما كان متوقعًا.
فقد أصبحا يتدربان كثيرًا على سطح البرج، وتكرّر مشهد الحديث بينهما داخل البرج.
وكان ذلك باعثًا للارتياح لِما بدا من انسجام بينهما.
“ ألا يكون السبب ببساطة هو ضعف تركيز مييل؟“
“ لا، مستحيل. مييل ذكية. إنها تلميذتي وأي شيء أقوله لها لا تنساه بسهولة.”
“ آه، نعم… بالطبع.”
‘ منذ متى أصبحت تلميذتك المفضّلة؟ ألم تكن تشتكي منها مؤخرًا؟‘
“ لكنها لا تركّز أبدًا مؤخرًا… لا أفهم السبب.”
____________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 ! هاي الروايه موجوده PDF بالجروب
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
او لينك : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 18"