نعم، كان الجو غائمًا في هذه اللحظة.
لم تكن السحب كثيفة إلى حدّ الظلام التام، لكن الغيوم الرمادية كانت تملأ السماء وكأن المطر على وشك الهطول.
“ صحيح، أنا في الواقع أحب هذا النوع من الطقس. ليس مشمسًا، لكنه ليس ماطرًا أيضًا. الجو منعش ومريح.”
لكن الطقس لم يكن هو المهم حقًا، بل من يرافقك فيه.
ورغم أنه تفاجأ قليلًا من غيوم السماء، لم يسمح لتفاؤله أن يتلاشى.
“ أجل، لا بأس بنزهة قصيرة في هذا الجو.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي توروي.
نزهة مع الآنسة مييل؟ تمامًا كما تمنى.
قادها خارج القصر إلى الحديقة الخلفية، التي لا تقل جمالًا عن الحديقة الأمامية.
في الواقع، دخول الحديقة الخلفية يتطلب إذنًا خاصًا من أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، لذا نادرًا ما يتردد عليها أحد.
‘ همم… ليس وكأنني أضمر نية سيئة، بل لأنه مكان هادئ، وهذا كل ما في الأمر.’
أما مييل، فلم تلاحظ أنها في مكان خاص أو أن الحديقة خالية تمامًا من الناس.
بل كانت مأخوذة بجمال المنظر.
عبروا قوسًا مغطى بأزهار لا تعرف أسماءها، لتنكشف أمامها لوحة طبيعية أخاذة.
انتشر عبير الزهور في الهواء، وتراقصت ألوانها أمام عينيها تلامس قلبها برقة.
كانت الحديقة الأمامية جميلة… لكن هذه أجمل.
‘ حقًا، القصر الإمبراطوري مكان غاية في الروعة.’
الآن فقط استطاعت فهم مشاعر التوأمين حين أبديا إعجابهما به مرارًا.
“ الحديقة الأمامية كانت جميلة، لكن الحديقة الخلفية مذهلة.”
“ يسعدني أنها نالت إعجابك.”
كان توروي يحدّق في مييل، وقد غمرها سحر المكان.
وبخلاف طباعه المعتادة، لم يستطع كبح الابتسامة التي فلتت منه.
“ آه، صحيح!”
تذكرت مييل فجأة سبب مجيئها، بعد أن شغلتها الزهور لفترة.
“ لقد أتيت بسبب الطلب، وانشغلت بالتجول فقط… أعتذر يا سموّ الأمير.”
“ لا بأس، لا داعي للاعتذار. استمتعي بوقتك كما تشائين.”
“ مع ذلك… فلنواصل الحديث ونحن نتمشى.”
واصلا السير بعد توقف قصير.
وكان توروي لا يُصدّق أنه يمشي إلى جانبها…
مجرد التحدث معها يسعده، فماذا لو أصبحت هذه الأيام دائمة؟ يا له من حلم!
“ سموّ الأمير، أي لغة تحتاجها؟“
سألت مييل وهي تحدّق في الزهور، ثم أخرجت مفكرتها لتدوين ما يلزم.
“ مملكة تارت. مملكة صغيرة تقع جنوب الإمبراطورية.”
‘ آه، تارت؟ اسمها لذيذ.’
كتبت اسم المملكة، لكنها لم تستطع إلا أن تفكر في الحلوى الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته.
بسببها لقد فتحت شهيتها.
كان توروي يتأملها بصمت، من همساتها الصغيرة إلى حركتها وهي تكتب في مفكرتها الصغيرة.
بدت له وكأنها سنجاب صغير يتحرك بخفة.
‘ هل هذا هو ما يسمّونه بـ اللطافة؟‘
أدرك فجأة مشاعر جديدة لم يختبرها من قبل.
اتضح له أن الناس يمكن أن يكونوا ظرفاء.
“ سموّ الأمير!”
صاحت مييل بدهشة.
“ انظر! هناك جنية!”
“ لكن الجنية تقف بجانبي بالفعل…”
خرجت منه الكلمات دون وعي، مبتسمًا بمكر،
لكن مييل لم تكن تشير إليه.
لا كانت تشير بأتجاه الطرف الآخر من الحديقة الخلفية.
وهناك، ظهرت هيئة مألوفة تقترب بهدوء.
دخيلة لم تكن في الحسبان.
“أخي !”
إنها روبينا.
تنهّد توروي في نفسه:
‘تبًّا …’
أما مييل، فقد انبهرت بالفتاة التي كانت تقترب من بعيد.
لم يسبق لها أن رأت شخصًا يشبه الجنّيات بهذا الشكل.
شعرها الذهبي يتراقص حتى خصرها، وعيناها الزرقاوان تشعّان بنقاء السماء، جسدها الصغير ملفوف بثوب وردي مزيّن بطبقات من الدانتيل.
كان ينقصها فقط أجنحة لتصبح جنية حقيقية.
عينا مييل تألقتا، واحمرّت وجنتاها كلما اقتربت الجنية منها أكثر.
“ أخي! كنت هنا إذًا!”
“ روبينـا، ماذا تفعلين هنا؟“
على عكس مييل المتحمّسة، بدت ملامح توروي باهتة وجافة.
أخفى مشاعره الحقيقية واقترب منها بهدوء.
“ أتيت لرؤيتك، وسمعت أنك مع ضيفة من برج السحر، فقررت اللحاق بكما!”
“ فهمت، تأخرت في التعريف.”
شهقت مييل بهدوء.
‘ هل يعقل أنها جاءت لرؤيتي؟!’
خفق قلبها بسرعة.
الجنيّة أتت لرؤيتها!
“ آنسة مييل.”
“ ن– ن– نعم؟“
تلعثمت مييل في ردها على مناداة ولي العهد.
شعرت وكأنها تقف أمام نجم شهير. لا، بل أمام قدوتها الجديدة… الجنية التي باتت من هذه اللحظة مثلها الأعلى.
قال ولي العهد بابتسامة وهو يشير برفق إلى الفتاتين:
“ هذه شقيقتي الصغرى، الأميرة الوحيدة في الإمبراطورية، روبينا. وهذه الآنسة مييل، من برج السحر.”
التقت نظرات مييل وروبينا، وبينما كانت مييل تحدق مأخوذة بجمالها، انحنت بسرعة وهي تقول بتوتر:
“ ل– لي الشرف بلقائك، يا صاحبة السمو. اسمي مييل.”
“ يا إلهي! سررت بلقائك يا مييل!”
اقتربت روبينا بحماس ومدّت يدها، فما كان من مييل إلا أن أمسكت بها بكلتا يديها.
عندها ابتسمت الأميرة ابتسامة مشرقة.
“ سمعت عنكِ. أنت من أحضرت لي الأعشاب الطبية، صحيح؟ أنا مدينة لك. بفضلك شعرت بتحسّن كبير.”
“ لـ– لا شكر على واجب. كنت فقط أنفذ طلب صاحب السمو ولي العهد.”
حاولت مييل تهدئة خفقان قلبها.
‘ إذن، كانت الأميرة هي من احتاجت إلى الدواء!’
كانت تتوقع أن يكون أحد أفراد العائلة المالكة، لكنها لم تتخيل أن تكون هي بالذات.
صحيح أنها سمعت من قبل عن ضعف صحة الأميرة، لكنها لم تكن تعلم أن حالتها قد ساءت إلى هذا الحد.
ومع ذلك، كانت سعيدة لرؤيتها الآن بصحة جيدة.
قالت روبينا بنبرة لطيفة وابتسامة دافئة:
“ بسبب الاضطرابات في الإمبراطورية، لم نعلن عن مرضي. لكنني رغبت بشدّة في لقاء من أنقذني، فجئت بنفسي.”
شعرت مييل بفيض من المشاعر في قلبها.
لم تشعر بهذا القدر من الرضا منذ وقت طويل.
فأجابت بابتسامة صادقة:
“ أنقذتك؟ أنتِ تبالغين يا صاحبة السمو.”
وبعد أن انتهت التحية القصيرة، دخل الثلاثة إلى جناح ولي العهد بناءً على اقتراح روبينا لتناول الشاي معًا.
وفي غرفة الاستقبال، كانت الطاولة معدة بشاي دافئ وحلويات شهية.
لو كانت مييل في موقف عادي، لبدأت فورًا في تناول الكعك، لكنها اليوم كانت مختلفة.
“ جربي الكعك يا مييل. إنه لذيذ جدًا.”
“ آه؟ ن– نعم، حاضر.”
أمسكت بالشوكة بعد تردد، ثم أخذت قطعة صغيرة.
وما إن ذاقت الكعكة، حتى انتشر طعمها الحلو في فمها.
“ إنه لذيذ فعلًا!”
“ أليس كذلك؟ حلويات القصر لا تُضاهى! بالمناسبة، سمعت أن شقيقي تناول كعكة لذيذة عندما زار برج السحر. يبدو أن لديكم طهاة مهرة هناك!”
“ نعم! الرجل الذي صنعها يُدعى فووك، وهو ماهر جدًا. أطباقه ممتازة، لكن الحلويات هي الأفضل على الإطلاق!”
بينما كانت الفتاتان تتبادلان الحديث والضحكات بمرح، كان توروي يعقد حاجبيه في صمت.
لم تكن روبينا مجرد مقاطعة عابرة، بل تحوّلت إلى خصم حقيقي!
هو يعلم أنها لم تأتِ عمداً لإفساد اللحظة… لكنها فعلت.
وكانت المشكلة أن مييل أعجبت بها كثيرًا!
فمييل لم تكن ممن يُظهرون تعابير الوجه بسهولة.
كانت ملامحها عادة هادئة لا تتغير حتى في وجوده… إلا حين تأكل حلوى لذيذة أو ترى منظرًا خلابًا.
لكن منذ أن ظهرت روبينا، بدت على وجهها مشاعر وانبهار واضح!
بل إن الحديث بينهما كان يسير بسلاسة تامة وكأنهما صديقتان قديمتان.
امتلأ صدر توروي بالضيق.
لم ينجح بعد في التقرّب من مييل، وها هي شقيقته تتقرب منها أولًا!
لا يمكنه أن يترك الأمور تسير بهذا الشكل.
“ آنسة مييل، أعتقد أنه حان الوقت للحديث عن موضوع التكليف.”
قال توروي فجأة، قاطعًا الأجواء اللطيفة بين الفتاتين.
عندها أدركت روبينا فورًا أن شقيقها ليس في مزاج جيد.
‘ أوه؟ الآن لاحظت… شقيقي يتحدث مع مييل بلهجة الاحترام؟ يا للعجب!’
لقد كانت مصدومة.
فهو لا يستخدم أسلوب الاحترام مع أحد، باستثناء والديهما الإمبراطور والإمبراطورة.
وفجأة أدركت الحقيقة:
‘ أها! إذن مييل هي مرشحة لتكون وليّة عهد الإمبراطورية؟‘
فهمت الصورة دفعة واحدة، فنهضت من مقعدها على الفور.
“ آه… يبدو أنني أزعجتكما في أثناء العمل.”
“ آه! صاحبة السمو، هل سترحلين؟“
“ أنا حزينة لأنني لم أتمكن من التحدث معكِ أكثر، لكنني أتطلع للقائنا مجددًا. أبواب جناحي مفتوحة دائمًا يا مييل. زوريه متى شئتِ.”
قالت روبينا ذلك وهي تشد على يدي مييل بحميمية، ثم لم تستطع كتمان مشاعرها فعانقتها بحرارة وغادرت بهدوء.
شعر توروي بشيء من الغيرة من شقيقته.
___________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟 !
اكتبو في البحث تبع التيلي :
snowestellee
او هاد اللينك : https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 17"
أشفق علي تروي للامانه يستاهل يكون البطل اكتر من صاحب البرج المتغطرس يلي فاهم الوضع بالغلط لكن بيضحكني 😂😂