رغم أن مميل حذّرت شولاين مسبقًا كي لا يفزع، فإنه في نهاية المطاف أحد الشيوخ الذين قضوا سنوات طويلة في برج السحر.
بل إنها توقعت أن يوبّخها ويتهمها بالهذيان.
لكن شولاين لم يفعل ذلك.
بل اقترب منها وهمس بصوت منخفض:
“أأنتِ أيضًا شعرتِ بالأمر؟!”
“نعم؟! هل كنتَ تعلم؟!”
أومأ شولاين برأسه ثم بدلًا من الرد ناولها دفترًا صغيرًا.
كان دفتر ملاحظات يدون فيه ملاحظاته حول تصرفات سيد البرج.
نظرت مييل إلى الدفتر بحيرة، وكأنها تتساءل “ما الذي يفترض بي أن أفعله بهذا؟“
فما كان من شولاين إلا أن فتحه بنفسه أمامها.
راحت مييل تقرأه ببطء.
كانت معظم الصفحات تبدأ بعبارات مثل “تصرفات سيد البرج غريبة اليوم أيضًا“.
‘لا أصدق… كان يراوده نفس الشك مثلي!’
بل الواقع أن شولاين لاحظ تغيرات سيد البرج قبلها بزمن.
وكان الدفتر يزخر بملاحظات عن تصرفاته الغريبة مقرونةً بتحليلات شولاين الشخصية.
ياللمفاجأة ورغم بساطتها كانت تحليلاته كافية لتوضح الصورة لمييل.
“يا إلهي… أتُراه استخدم سحرًا محظورًا؟“
“إن لم يكن ذلك… فلا أرى تفسيرًا آخر لما يحدث الآن.”
“لكن… سحر محظور؟! هذا مستحيل… هذه التعويذات تم حظرها لأنها تقتل مستخدميها، أليس كذلك؟ سمعت أنها شديدة الخطورة، فهل سيد البرج مسموح له باستخدامها؟ بل، ألم يكن من المفترض أن يكون ميتًا لو فعل ذلك؟“
“صحيح. لكن بحسب ما أظن… قوة سيد البرج تتجاوز التوقعات، لذا بدلًا من أن يموت، يبدو أن أثر السحر أصاب عقله. وعلى كل حال، هو أقوى ساحر على الإطلاق، فلا يوجد ما يمنعه من استخدام السحر المحظور تقنيًا.”
ابتلع شولاين ريقه بصمت، ثم أردف قائلًا:
“السحرة الذين سبقوه في تولي البرج هم من حظروا تلك التعويذات. لذا، من الناحية النظرية، يستطيع سيد البرج الحالي أن يرفع ذلك الحظر. لكنه بذلك سيعارض إرادة أسلافه، وقد يثير تمرد السحرة الآخرين.”
“آه… هذا صحيح.”
“الخلاصة هي أننا لو أردنا الحفاظ على استقرار البرج، فيجب أن نظل متكتمين على حقيقة أن سيد البرج استخدم سحرًا محظورًا.”
هزّت مييل رأسها ببطء موافقةً على حفظ السر.
“لكن… هل هذا يعني أنه لا يمكنه العودة إلى سابق عهده أبدًا؟“
في الحقيقة، كانت مييل منزعجة بشدة من تغير معلمها المفاجئ.
كانت تفضل أن يعيدها إلى العمل كما في السابق، لا دروس ولا تعليم، فقط أوامر واضحة.
“اممم… لا يمكن القول إنه من المستحيل.”
“هل هناك طريقة؟“
لو وُجدت وسيلة لإعادته إلى حالته الطبيعية، فستبذل جهدها لذلك،
لا حبًا في سيدها، بل لأن ذلك سيعود بالنفع عليها هي ويعيد حياتها إلى بساطتها.
“أنا لا أعلم كيفية ذلك، لكن أعرف الشخص الوحيد في هذا العالم القادر على علاجه.”
“حقًا؟“
“نعم. إن كان ثمة من يستطيع فعلها، فهو ذاك الشخص. فهو من أنشأ هذه التعويذات المحظورة.”
“مَن يكون؟“
تلألأت عينا مييل فضولًا.
فهي لم تقضِ الكثير من الوقت في البرج، إذ كانت أغلب مهامها في الخارج، ولم تسمع من قبل بمثل هذه الأمور.
بل حتى حين كانت تقيم في البرج، لم تكن تدرس نظريات السحر أو تاريخه، بل كانت تعود للاستراحة فقط بعد إتمام مهامها.
ورغم أنها تلقت بضع دروس سحرية من شولاين أثناء ذلك، إلا أنها لم تتعمق في الدراسة.
لذا لم تكن تجيد سوى عدد محدود من التعويذات العملية وبعض التعاويذ البسيطة، أما تاريخ السحر فكانت تجهله تمامًا.
لذلك صُدمت حين سمعت جواب شولاين:
“إنه الحكيم العظيم، كاريلادين.”
* * *
ما إن أنهت حديثها مع شولاين، حتى غادرت مييل قاعة الطعام، فقد اقترب موعد الدرس.
لكن كلمات شولاين كانت تطنّ في رأسها ولم تبرحها.
كانت تمشي بشرود، وعيناها شاردتان من شدة الصدمة.
‘أبي… هو من أنشأ السحر المحظور؟ هذا مستحيل… لا يمكن…!’
أجل، كان من المستحيل تصديق ذلك.
فوالدها كان من أكثر الناس حبًا للسلام بين البشر.
كان من أوقف الحروب المندلعة على هذه الأرض، وكان يُنظر إليه كأحد الأبطال.
‘فلماذا؟ لماذا إذًا أنشأ سحرًا محظورًا تسبب في قتل هذا العدد من السحرة؟‘
حتى شولاين وهو شيخ من شيوخ البرج، لم يكن يعرف الظروف التي أحاطت بولادة تلك التعويذات المحظورة.
لكنه كان يعلم متى ظهرت:
تمامًا في الفترة التي سبقت مغادرة الحكيم العظيم للبرج.
وقد علم أيضًا أن الحكيم لم يمكث في البرج إلا سنوات قليلة، وقبل أن يغادر عيّن خليف له لتولي منصب سيد البرج.
وبعد رحيله، عُثر في مختبره على أحد أنواع السحر المحظور.
سارع السحرة إلى دراسة تعويذته العظيمة، بل وشرعوا في استخدامها، لكن نهايتهم كانت الموت.
وعندما علم برج السحر بتلك الحقيقة، أصدر سيد البرج حينها قرارًا بحظر سحر الحكيم العظيم، وقام بإتلاف جميع الوثائق المرتبطة به دون استثناء.
ولهذا السبب، لم يبقَ اليوم من تفاصيل تلك التعويذة شيء، وكل ما هو معروف فقط أن ما يُسمى بـ السحر المحظور قد وُجد يومًا ما.
أما حقيقة أن مبتكر ذلك السحر المحظور كان هو نفسه الحكيم العظيم، فقد تم التستر عليها بعناية،
لأن كشف الجانب المظلم من بطلٍ أسطوري أمام الجميع، كان ليهزّ هيبة برج السحر بأكمله.
وبعد مرور سنين طويلة، قال شولاين إنه ربما الوحيد الذي ما يزال يعرف هذا السر في هذا العصر، وأنه قد سمع به من سيد البرج السابق.
في الأصل، كان ينوي أن يأخذ ذلك السر معه إلى القبر، لكن بسبب ما حدث لسيد البرج الحالي، اضطر لإفشائه لمييل على مضض، وطلب منها إن صادف أن التقت بالحكيم العظيم في أي مكان أن ترجو منه المساعدة.
إلا أن شولاين لم يكن يعلم أن والد مييل هو نفسه ذلك الحكيم العظيم.
‘ليتني لم أعرف…’
هكذا فكرت مييل، وقد اختلطت في داخلها المشاعر.
والدها الذي لطالما حلم بالسلام، هو من ابتكر تعويذة أودت بحياة عدد لا يُحصى من السحرة؟ أي سبب قد يدفعه لذلك؟
حتى لو أرادت سؤاله، لم يكن بإمكانها الآن.
وفوق ذلك، لم تستطع أن تصدق.
فلا شيء في شخصية والدها يبرر فعلاً كهذا.
ولم يحدث أبدًا أن أمر أحدًا باستخدام تلك التعويذة.
السحرة هم من اطلعوا على أبحاثه، وقرروا من تلقاء أنفسهم استعمالها.
لكن… هل هذا يُبرئ والدها تمامًا؟
بالطبع لا.
فقط كونه ترك شيئًا بهذه الخطورة في البرج، كان بحد ذاته خطأً فادحًا.
شعرت مييل بضيقة في صدرها، وهزّت رأسها في حيرة.
ما من طريقة واضحة للحكم على من يتحمّل المسؤولية.
‘حتى أسمع منه بنفسي، لا أريد أن أصدق. لا… لا أستطيع أن أصدق.’
‘لكن كيف عرف المعلم عن السحر المحظور واستخدمه؟ هل انتقل إليه السر من سيد البرج السابق؟‘
راحت تفكر في الأمر بعمق وهي تمشي، حتى وجدت نفسها قد وصلت إلى سطح برج السحر، حيث يُقام الدرس.
سطح البرج الذي لا يُفتح عادة إلا في المناسبات السنوية، فُتح هذه المرة خصيصًا لأجل هذا الدرس.
“ادخلي.”
قالها جايد الذي كان قد سبقها إلى هناك، عندما شعر بقدومها.
عندها فقط قطعت مييل أفكارها، ودخلت السطح.
‘صحيح، عليّ ألا أفكر بوالدي الآن. ما حدث مضى عليه أكثر من مئة عام، ولعله كان له أسبابه. سأسأله لاحقًا حين أراه. الآن، ما يهمني هو… هذا الرجل.’
إن أرادت إعادة جايد إلى سابق عهده، فعليها أن تلتقي بوالدها.
لكن ذلك كان أقرب للمستحيل في الوقت الحالي.
لذا لم يكن أمامها خيار سوى البقاء إلى جواره حتى يحين وقت مغادرتها للبرج.
كانت هذه أول حصة، لكنها شعرت بالإرهاق سلفًا.
“اجلسي.”
ما رأته أمامها كان غريبًا بعض الشيء.
في منتصف السطح الواسع، نُصبت أشياء لا تمت للمنظر العام بصلة:
منصة، طاولات، وكراسٍ.
‘بجدية؟ حصة دراسية تحت شمس الصحراء؟ أهو يريد أن يشويني حيّة؟!’
رغم تذمرها الداخلي، أطاعت مييل وجلست في مقعدها دون اعتراض.
وما إن فعلت، حتى تمتم جايد بتعويذة قصيرة، فنشأ حاجز على شكل قبة شفافة أحاط بهما، وحجب عنهما الشمس.
وبعد لحظات، بدأ نسيم عليل يداعب القبة من الداخل.
‘هاه، هكذا على الأقل يمكنني الدراسة!’
ثم تذكّرت فجأة أمرًا نسيته تمامًا بسبب انشغالها بالتفكير.
“سيدي المعلم…”
“ما بالك؟ لم نبدأ الدرس بعد وها أنتِ تسألين؟“
“سؤالي لا علاقة له بالدرس… ماذا حدث بخصوص طلب وليّ العهد؟“
فجأة ارتفع حاجب جايد الأيمن، مستاءً قليلًا.
ذكر ولي العهد خلال وقت الدرس المقدس؟ أمر غير مقبول تمامًا.
ومع ذلك، أجابها:
“قررنا أن ننجزه معًا أنا وأنتِ. فالأمر سيكون صعبًا عليك وحدك.”
“آه… حاضر.”
رائع… ليس فقط دروس، بل مهمات مشتركة أيضًا؟
بدأت تشعر بالاختناق.
“لكن لا تقلقي، لدي الكثير من الأعمال، لذا معظم المهمة ستقع على عاتقك وحدك. سأعلّمك الطريقة فقط، فلا داعي للخوف.”
حسنًا، في النهاية… ليست مضطرة للبقاء معه طوال الوقت.
تنفّست مييل الصعداء في سرّها.
“والآن، فلنبدأ الدرس.”
___________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"