لم يكن ولي العهد على دراية بأمور برج السحرة، لأنه ببساطة لم يُبدِ اهتمامًا به من قبل.
فبرج السحرة مكان يجتمع فيه السحرة فقط، ولكل منهم تخصصه الفريد.
بشكل عام، ينقسم السحرة إلى فئتين: سحرة ينفذون المهام ميدانيًا، وآخرون ينكبّون على البحث والدراسة داخل البرج.
وكانت مييل تنتمي إلى الفئة الأولى.
قالت بهدوء:
“بوسعي صناعة أدوات سحرية بسيطة، لكن ترجمة اللغات ليست من ضمن إمكاناتي. حسب معرفتي، تعويذات الترجمة تتطلب ساحرًا مُلمًّا بلغة البلد المطلوب، ليتم استخراج معرفته بتلك اللغة عبر السحر ودمجها بكرة سحرية.”
ثم تابعت بنبرة رزينة:
“الأمر يبدو بسيطًا بالكلام، لكنه بالغ التعقيد ودقيق للغاية. ولو قمتُ به بنفسي، فلا أستطيع ضمان النتيجة. من الأفضل أن تعهد بالأمر إلى خبير مختص. وإن أردت يمكنني أن أرشّح لك أحدهم.”
صمت ولي العهد بعد أن أنهت مييل شرحها، وكأن جدارًا منيعًا شُيّد خلفها.
“لكنك قلتِ إنه بإمكانك فعلها، أليس كذلك؟”
سأل متشبثًا بالأمل.
“نعم، نظريًا أستطيع… لكن لو كنتَ مكانك، لما وكلتني بالأمر. فهذا ليس مجالي. أنا لا أنسجم كثيرًا مع الأبحاث.”
‘يا للمصيبة…’
أدرك توروي أنه ارتكب خطأً آخر.
كان عليه أن يتحقق أولًا قبل أن يقدم على الطلب.
لكن الكلمة قد خرجت، ولا مجال لسحبها الآن.
لكنه لم يتراجع.
“لا بأس. حتى لو كانت نسخة تجريبية، أرجو قبول الطلب.”
أجابته مييل بمرارة:
“إن أسندتَ إليّ المهمة، على الأرجح ستقول لاحقًا: كان من الأفضل لو أنفقتُ المال على لا شيء.”
“لن أقول شيئًا كهذا. المال لدي فائض… أعني، المهم أن مييل هي من تتولى الأمر.”
شعرت مييل بالحرج الشديد.
فهي كانت على دراية تامة بقدراتها. ولو صنعت الأداة بنفسها، فالأرجح أنها ستنطق بكلمات غير مفهومة.
كان الأفضل أن يُسلَّم الطلب لساحر آخر مقابل المال ذاته.
لكن ولي العهد بدا مصممًا، ولم يُظهر نية للتراجع.
“آنسة مييل، أرجوكِ.”
قالها بصوت حنون، وقد ترقرقت عيناه الزرقاوان ببريق رقيق.
‘إنه يستعطفني؟ ما أخطر هذا الرجل!’
‘حسنًا، فكّرت، في النهاية المال ليس مالي.’
فقررت أن تتوقف عن محاولة إقناعه، وتقبل المهمة.
لكن فجأة—!!
دووووم!
انفتح الباب بقوة.
“سأتولى أنا هذا الطلب.”
دخل جايد.
اتسعت عينا مييل حين رأت معلمها يظهر فجأة.
‘ما الذي جاء به الآن؟! لا، ماذا قال؟!’
ظنت أنها لم تسمع جيدًا، ففركت أذنيها.
“أليس هذا سيد البرج بنفسه؟“
“مرحبًا بك، سمو ولي العهد. مضى وقت طويل.”
في تلك اللحظة، التقى جايد وتوروي وجهًا لوجه، بينما كانت مييل مذهولة لا تدري ما يحدث.
مد توروي يده أولًا لمصافحة جايد، لكن جايد أمسك بها بشيء من القوة.
واشتعل توتر خفي بين الاثنين.
فكل منهما كان يعلم جيدًا كم يكره الآخر.
قبل سنوات، حين استُدعي جايد إلى القصر الإمبراطوري بأمر من الإمبراطور، لم يتوانَ توروي عن السخرية منه علنًا.
ولم يصمت جايد حينها، بل ردّ عليه بالمثل.
وتشاجرا بالكلمات أمام الإمبراطور نفسه.
فإن كانت العلاقة بينهما بهذا السوء أمام الإمبراطور، فكيف ستكون أمام مييل؟
قال جايد بسخرية:
“على الرغم من كراهيتك للبرج، إلا أنك تتردد عليه كثيرًا، يا صاحب السمو.”
فردّ توروي:
“لا يوجد مكان في الإمبراطورية ممنوع على أفراد العائلة المالكة، يا سيد البرج.”
شعرت مييل وكأن شررًا يتطاير بين عينيهما، الأحمر القاني والأزرق الهادئ.
كانت على علم بسجالهما القديم، فبادرت سريعًا:
“يا معلمي، ما الذي جاء بك إلى هنا؟“
نادته أولًا، فهو الأقرب إليها.
وبمجرد أن فتحت فمها، تراجع الخصمان خطوة إلى الوراء.
تصرف توروي وكأن شيئًا لم يحدث، وراح يحتسي عصير الجزر بهدوء.
أما جايد، فحدّق فيه بغضب قبل أن يلتفت إلى مييل:
“سمعت أن سمو ولي العهد قد جاء، فنزلت لإلقاء التحية.”
ضحك توروي قائلاً:
“هاها! لستَ من النوع الذي يهتم بمثل هذه الأمور. أنا هنا من أجل مييل، لا لأراك أنتَ.”
ابتسم جايد ببرود:
“حقًا؟ لكن يبدو أنك نسيت أنني سيد هذا البرج. أي طلب لا يُنفّذ إلا بعد موافقتي.”
بدأت الجولة الثانية من المواجهة.
تنهدت مييل تنهيدة طويلة.
كانت تنوي تهدئتهما، لكنها على العكس، أشعلت الحرب بينهما.
“قلت لك، لا حاجة لك هنا.”
قالها توروي من بين أسنانه، محاولًا كبح غيظه.
“لا أظن أن هذا ضروري، أليس كذلك؟ دعني أنا أتكفّل بطلب سموّك الذي كنت تنوي إسناده لمييل خاصتنا.”
كانت نبرة “مييل خاصّتنا” التي استخدمها جايد تحمل تشديدًا خفيًّا.
رفع توروي حاجبه بتساؤل.
“خاصّتكم؟“
“نعم. فهي تلميذتي. وتلميذة أعتز بها كثيرًا.”
سأل توروي بشكّ وهو ينظر إلى مييل:
“حقًا؟ هل هذا صحيح، آنسة مييل؟“
اكتفت مييل بهزّ رأسها بإيماءة صغيرة.
وما إن فعلت، حتى هبطت كتفا توروي قليلًا بخيبة واضحة.
راقب جايد ذلك المشهد بشعور خفيّ من الانتصار، ثم فجأة، خطرت بباله ملاحظة.
‘مهلًا، هل… هل تكلّم ولي العهد مييل بلغة الاحترام؟!’
وليّ العهد الذي يعرفه كان لا يُظهر الاحترام إلا للإمبراطور أو من هم أعلى منه منزلة،
أما من سواهم سواء أكانوا من النبلاء أو غيرهم فكان يخاطبهم بصيغة الاستعلاء المعتادة.
ومع ذلك، كان يُعامل مييل باحترام واضح.
ذلك السلوك غير المألوف أثار شكوك جايد.
“على أي حال، دعني أنا أتولى تنفيذ طلب سموك.”
“أظنني قلتُ إنني لست بحاجة إليك.”
“لكنك ستحتاجني. فالطلب الذي كلفتَ به مييل لا يزال معقّدًا وصعبًا بالنسبة لها وحدها. ولهذا، سأقوم أنا أقوى ساحر في البرج، بتنفيذه بنفسي.”
تروي تردد للحظة.
فحتى مييل بنفسها أقرت بأن الطلب صعب.
وإن كان أقوى ساحر في البرج يعرض مساعدته، فلا يوجد مبرر عقلاني لرفض ذلك.
بل إنه، بفضل قوّته سيكون الناتج مثاليًّا بلا شك.
لكن رغم كل شيء، لم يكن راغبًا في تسليمه إليه.
فحقيقة الأمر أنه لم يطلب من مييل تنفيذ ذلك إلا لسبب واحد:
لكي يتمكن من التقرّب منها، مهما كلّف الأمر.
على الأقل، ما دام العمل جارياً على المهمة، سيكون لديه عذر دائم لزيارة البرج والتواصل معها.
ثم جاء جايد ليفسد عليه كل شيء.
لم يتخيل قط أن جايد، الذي يكنّ له كراهية ظاهرة، سيكلف نفسه عناء الحضور إلى صالة الضيوف لمجرد التدخّل.
حتى في المرات السابقة، لم يُظهر جايد أي رغبة في لقائه وجهًا لوجه.
“حسنًا.”
قال توروي أخيرًا بعد تفكير طويل.
“في هذه الحالة، بوسعك مساعدة مييل يا سيد البرج ولكن في حدود المعقول. فهي من ستتولى تنفيذ الطلب، وأنت فقط تدعمها عند الحاجة. أنا أرغب بأن يكون العمل من إنجازها، وأنت تريد المساعدة. أليس كذلك؟“
كان من الواضح أن توروي أراد التشبث أكثر برأيه، لكنه قاوم رغبته، وطرح حلًا وسطًا.
فهو لم يكن يريد أن يُفضَح أمام جايد وتُكشف نواياه.
وأخيرًا، بدا أن جايد اقتنع، فاكتفى بإيماءة موافقة.
‘يا للأسف… مييل، الفتاة التي أحب التقرّب منها، هي تلميذة هذا السيد البغيض؟!’
لم يخطر بباله أبدًا أن يكون لدى هذا السيد المتغطرس تلميذة، بل وأن تكون هي مييل!
من الواضح أنه جاء فقط لإفساد خطته ومنع العلاقة من أن تتطور بينه وبينها.
لكن توروي لم يكن ليستسلم بسهولة.
فجايد مشغول دائمًا، ومعظم العمل سيقع على عاتق مييل على أية حال.
أو ربما سيُسند لغيره من السحرة أيضًا.
صحيح أن الظروف تغيّرت قليلًا، لكن جوهر الخطة لم يتبدّل.
سيتقرّب من مييل عبر هذه المهمة.
راح توروي يتخيل ما ينتظره من أيام ممتعة قادمة.
“ثم يا مييل، سنقوم أنا وأنتِ بتنفيذ طلب سموه معًا.”
قال جايد ذلك والتفت نحوها.
لكن الكرسي الذي كانت تجلس عليه قبل لحظات، كان قد أصبح خاليًا.
لقد خرجت من الغرفة بينما كان الاثنان يتشاجران.
ساد صمت محرج بين الرجلين.
وكان توروي هو من كسره أولًا:
“… أظنني سأرحل الآن.”
“كما تشاء.”
وهكذا، غادر الاثنان غرفة الضيوف أيضًا.
في هذه الأثناء، كانت مييل قد خرجت بالفعل من غرفة الضيوف، وتوجّهت نحو العربة التي كانت فيها سيلا بانتظارها.
لقد سئمت من المشهد كله.
وليّ العهد وسيد البرج يتشاجران كالطفلين، وهي عالقة بينهما.
وما زاد الطين بلّة أن معلمها المجنون نعتها بـ مييل خاصتنا، وعرّفها أمام وليّ العهد بأنها تلميذته التي يعتز بها!
صحيح أنها لم تكن تفضّل التعامل مع وليّ العهد، لكنها لم تكن تتخيل أن يصل الأمر إلى هذا الحدّ من التظاهر والمبالغة.
وما كان أغرب من ذلك كله… أن ولي العهد لم يتراجع بدوره، وكأنه ينافس جايد في العناد.
لو رآهم شخص لا يعرفهم، لكان ظنّ أنهم مجرد مراهقين يتشاجرون على فتاة.
“مييل! هل وصلتِ؟“
________
ترجمة : سنو
فتحت جروب روايات في التيليجرام يمديكم هنيك تقرأو الروايات بدون نت🌟!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"