معلمي قد جُنّ [ 112 ]
وقفت مييل للحظة تراقب ما يحيط بها بصمت.
كان المكان مظلمًا، إلا أن ضوءًا خافتًا يتسلل من مصدر ما جعل الرؤية ممكنة.
“إذًا، هذا المكان هو…”
بدأت تدرك أخيرًا أين سقطت.
رغم أنها استفاقت على كومة من القش، إلا أن ما حولها كان واضحًا، قضبان حديدية عديدة تحيط بها من كل جهة.
لم يكن ذلك فقط، فالجدران كانت من الحجر، والجو رطب، وأصوات تنقُّط الماء كانت تُسمع من كل صوب.
‘هل هذا… سجن تحت الأرض؟’
نظرت حولها مجددًا، ولاحظت أن المكان يبدو مهجورًا منذ وقت طويل.
الغبار يغطي كل شيء، والقضبان يعلوها الصدأ.
‘وفوق ذلك، لا يوجد أحد هنا…’
بدا كسجن قديم أُغلق منذ زمن.
رفعت رأسها نحو الأعلى وقالت:
“إذًا، الآخرون لا يزالون هناك فوق، أليس كذلك؟”
أجابها كوسيليكو من على كتفها:
“أجل، على الأرجح. المهم أنك بخير ولم تصابي بشيء.”
ابتسمت له بخفة:
“نعم، الحمد لله… لكن…”
توقفت لبرهة، تنظر حولها باستغراب.
لم تكن تتصور أنها ستنتهي في مكان كهذا.
“كيف سقطت إلى هذا العمق؟ وأين المخرج؟”
بدأت تسير ببطء تتفقد المكان. قال كوسيليكو محذرًا:
“كوني حذرة. لا ندري ما قد يظهر هنا.”
“سأكون حذرة. لكن… لم يوجد سجن كهذا أسفل كنيسة مقدسة؟”
سألت وهي تميل برأسها فردّ كوسيليكو:
“من يدري؟ ربما استُخدم لاحتجاز المهرطقين أو لشيء آخر…”
تجهم وجه مييل دون أن تشعر.
قالت بنبرة مشوشة:
“لكن، حتى لو كان مهرطقًا، لا مبرر لحبسه في مكان كهذا.”
“لا أحد يعلم ما الذي حدث في هذه الكنيسة على مرّ السنين.”
“وحتى لو لم يكن الأمر متعلقًا بمهرطقين، ففكرة وجود سجن كهذا في مؤسسة دينية أمر غير مريح.”
ساد الصمت بينهما لحظة، قبل أن يجيبها كوسيليكو بهدوء:
“نعم، إنها مؤسسة دينية. لكن في النهاية من يملك الكلمة العليا هنا هو البابا نفسه.”
تغيرت ملامح مييل قليلًا عند سماع ذلك.
البابا… ربما يكون قادرًا على ذلك فعلًا.
“ومع هذا، لا أفهم. ما الذي يجعلهم يخفون كهفًا كهذا تحت الكنيسة؟”
تمتمت وهي تتابع سيرها، حتى لمحَت في العمق سجنًا مختلفًا قليلًا.
كانت الزنزانات السابقة تصلح لاحتجاز مجموعات، أما هذه، فكانت صغيرة، أشبه بمكان يُحتجز فيه شخص أو اثنان فقط.
“هممم… ما هذا؟”
في الداخل، تحت سرير ضيق، رأت شيئًا مغطى بالغبار.
في العادة، ما كانت لتعيره انتباهًا، لكنها لم تستطع تجاهله هذه المرة.
اقتربت من الزنزانة، فوجدت بابها مفتوحًا.
دخلت دون تفكير.
“مييل؟ ماذا هناك؟”
سألها كوسيليكو، فأجابت دون أن تلتفت:
“هناك شيء ما…”
“شيء؟ ما هو؟”
لم ترد.
جلست القرفصاء أمام السرير ومدّت رأسها لتنظر أسفله.
كان هناك شيء مألوف… وغريب في آن واحد.
“لا يمكن… ما الذي يفعله هذا هنا؟”
“ما الأمر؟ ماذا وجدت؟”
مدّت يدها نحو الشيء وسحبته ببطء.
كان مغطى بالغبار، وثقيلًا بعض الشيء.
إنه تمثال للحاكم غافيلون.
“آه، ثقيل جدًا…”
رغم أن حجمه لم يكن كبيرًا، إلا أن وزنه كان مرهقًا.
بالكاد تمكنت من إخراجه بكلتا يديها.
“هكذا إذن… تمثال كهذا في مكان كهذا؟”
قالها كوسيليكو بدهشة.
نهضت مييل ونفضت الغبار عن يديها.
“نعم، لكن لماذا يوجد هنا بالضبط؟ و… ما هذا الذي بين ذراعي التمثال؟”
لاحظت أن التمثال كان يحتضن شيئًا طويلًا، بدا شبيهًا بالحفريات أو الأحافير، مثل السوار الذي رأته سابقًا.
“ما هذا؟”
اقتربت منه ومدّت يدها نحوه دون أن تشعر.
وفجأة، اتسعت عينا كوسيليكو:
“مييل، انتبهي، هذا الشيء…”
لكن قبل أن يُكمل، كانت مييل قد لمست الشيء بيدها، وفي تلك اللحظة:
فلاش—!
انبعث ضوء قوي، وتفكّكت القشرة الحجرية التي تغلفه، ليظهر تحته جسم أبيض ناصع.
“آه… هذا…”
بمجرد أن لمسته، عرفت ما هو.
المعلومة تدفقت إلى عقلها من تلقاء نفسها.
“نعم… إنه الكنز.”
“صحيح، أدركت ذلك فورًا عندما لامستهِ.”
قالها كوسيليكو.
أما مييل، فابتسمت بخفة وقالت:
“إنه عصا القديس.”
كان يبدو كعصًا صغيرة بيضاء بحجم الساعد، لكن قيمته كانت تفوق ذلك بكثير.
“…وهذا؟”
نظرت إلى كفّها، حيث ظهرت لوحه جديدة.
لم تكن جديدة بالكامل، بل كانت جزءًا من نفس الصورة التي رأتها من قبل، وهذه المرة كانت تظهر الجزء السفلي منها.
“إنها صورة…”
تمتمت وهي تتأملها.
كانت تظهر امرأة تحمل طفلًا نائمًا بين ذراعيها.
“يبدو أنها امتداد للصورة التي رأيتها من قبل. المرأة والرضيع…”
حدّقت في الطفل أكثر.
شعره كان فضيًّا.
“غريب…”
أعادت الصورة إلى جيبها.
الوقت الآن ليس مناسبًا للتفكير فيها.
“قبل أي شيء آخر…”
نظرت إلى العصا، ثم قرّبتها من التمثال.
فور ملامستها له، تدفقت المعلومات مجددًا إلى عقلها.
كانت تلك المعلومات ذكريات… الذكريات المحفوظة داخل التمثال.
بدأ المشهد يتشكّل أمامها.
في البداية، ظهر لها مشهد داخل غرفة صغيرة من الكنيسة.
كان التمثال موجودًا هناك، بجانب مهد ينام فيه طفل صغير.
‘هل هذه هي القدّيسة الجديدة؟’
تجمّع حول المهد عدد من الرجال يرتدون أردية بيضاء، ومن بينهم رجل مسنّ بثياب فاخرة.
“نعم يا قداسة البابا. إنها هي.”
أجاب شاب بدا مألوفًا جدًّا لمييل.
‘ذلك الشخص… أليس هو البابا الحالي؟’
كان ليفيرو دون شك.
شعرت مييل بالدهشة، لكنها تابعت المشهد.
“اعتنوا بها جيدًا. إنها أول قدّيسة وُلدت مختارة من الحاكم منذ ولادتها.”
ومرت الأيام… ورأت مييل تفاصيل كثيرة خلال تسلسل الذكريات.
واكتشفت الحقيقة.
خُطفت تلك الطفلة من أهلها بحجّة أنها إرادة الحاكم.
كان رجال الدين يعتقدون أن غافيلون أمر بذلك، فانتزعوا الرضيعة من عائلتها.
لكن المشكلة لم تتوقف هنا.
فكلما كبرت، تلاشى الاهتمام بها، وبدل أن تُكرَّم، تم تجاهلها.
ثم قبل أن تبلغ العاشرة، زُجّ بها في هذا السجن السفلي المظلم.
—–
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 112"