معلمي قد جُنّ [ 105 ]
ما إن أنهى توروي حديثه حتى توترت ملامح ليفيرو قليلًا، لكنه سرعان ما تدارك نفسه وأعاد ضبط تعابير وجهه. ثم ابتسم بفتور وتابع قائلاً:
“ آه، بالطبع. في كنيستنا بعض الأشياء المميزة، حتى وإن لم تكن آثارًا مقدسة بالمعنى الحرفي.”
راح ليفيرو يتحدث بينما يواصل السير في الممر، موجهًا خطاه نحو مييل ومرافقيها:
“ هل أنتم مهتمون بالأشياء الخاصة التي تحتفظ بها كنيستنا يا صاحب السمو ولي العهد؟“
أجاب توروي بابتسامة خفيفة:
“ أي شيء يحمل صفة ’ خاص‘ لا بد أن يثير الفضول.”
أومأ ليفيرو برأسه موافقًا:
“ صحيح، من الطبيعي أن يكون كذلك. في هذه الحالة، اسمحوا لي أن أُريكم شيئًا… مميزًا.”
ابتسم ابتسامة خفيفة ثم استدار ليتقدمهم.
لم يكن وجهه مرئيًا للوراء، لذا لم يرَ أحد ملامحه الحقيقية.
‘ مزعج للغاية…’
قالها في نفسه بضيق، وهو يواصل المشي.
في الحقيقة، لم يكن مرتاحًا منذ أن بلغه نبأ زيارة توروي إلى فيرهون.
‘ صحيح أن هناك حجة ظاهرية تبرر الزيارة… لكن واقعًا، لم يكن هناك ما يستدعيها فعلًا.’
ظل ليفيرو يتقدّم، بينما يدور في ذهنه سيل من الاحتمالات:
‘ ربما تلك الحجة مجرّد ستار لشيء آخر… أو ربما أنا فقط أبالغ في الشك.’
قرر أن يُبقي الشك قائمًا، لكن دون أن يتسرع في الحكم.
أما أولئك الذين ساروا خلفه، فغاص كلٌّ منهم في أفكاره.
مييل على وجه الخصوص بدت شديدة التركيز.
‘ ما احتمالية أن يكون أحد الكنوز موجودًا ضمن تلك الأشياء الخاصة؟‘
كانت تفكر بذلك طوال الطريق، فقد راودها الظنّ منذ البداية أن سرّ الكنز مرتبط بهذه الكنيسة.
لكنها لم تكن واثقة تمامًا من حدسها.
‘ وإن كان بالفعل هنا، كيف يمكننا الحصول عليه؟‘
كان هذا هو المصاعب الأكبر. فحتى لو كان الكنز موجودًا، فهل سنسمح لهم الكنيسة بأخذه ببساطة؟
‘ سأحتاج إلى التفكير مليًا في هذا أيضًا…’
وفيما هي مشغولة بتلك الهواجس، كان ليفيرو يقودهم إلى الطابق الثالث.
وما إن صعدوا الدرج حتى بدا الممر أمامهم أكثر ظلمة من الطابق الثاني، لكن الإضاءة كانت كافية للرؤية.
قال ليفيرو وهو يتوقف:
“ هذا المكان ممنوع على عامة المؤمنين. ليس بقرار رسمي، بل باحترامهم التام للقوانين وحدهم.”
ابتسم بخفة، غير أن مييل مالت برأسها قليلاً مستغربة.
‘ لا حواجز ولا حراس، ومع ذلك لا يقترب أحد؟ أهو الإيمان وحده من يردعهم؟ من هؤلاء الناس؟…’
تابعوا سيرهم، حتى وصلوا إلى نهاية الممر، حيث وقفوا أمام غرفة مغلقة بقفل ضخم.
“ هذه الغرفة لا يدخلها سوى الكهنة عادة.”
“ الكهنة؟”
سأل تروي.
أومأ ليفيرو مجددًا:
“ بما أن ما بداخلها أشياء نادرة وثمينة، فهي مخصصة لهم فقط.”
ثم مدّ يده برفق نحو القفل، فانبعث منها نور أبيض نقي.
في اللحظة التالية، انفتح القفل بهدوء.
‘ تلك الطاقة… إنها الطاقة المقدسة.’
تمتمت مييل في سرها بدهشة، فيما بدا وجه جايد متجهمًا قليلًا.
‘ إنها طاقة صافية بالفعل… ليس غريب، فهو البابا.’
كان تأثير الطاقة واضحًا، أشد مما شعروا به في قاعة الضيافة سابقًا.
“ تفضلوا بالدخول. لكن رجاءً، توخوا الحذر. لا يُسمح بلمس أي شيء هنا دون إذن.”
فتح ليفيرو الباب قليلًا، وهو ينظر إليهم بجدية خلت من أي مجاملة.
“ ليس لأنني لا أثق بكم، بل لأن بعض هذه الأشياء قد تكون ضارة لمن لا يمتلكون طاقة مقدسة.”
كان كلامه جادًا لدرجة جعلت مييل تتوتر قليلًا، لكنه ما لبث أن ابتسم مجددًا:
“ مع ذلك، لا أعتقد أنكم ستتسرعون في لمس شيء، أليس كذلك؟ تفضلوا بالدخول.”
دخل أولًا، وتبعه الجميع بقيادة توروي.
بدا المكان كمخزن أو متحف صغير.
أجواؤه خافتة الإضاءة، لكن داخله كان مليئًا بأشياء غريبة ملفتة للنظر موضوعة داخل صناديق زجاجية.
كان هناك قرابة عشرين قطعة، كلها تشع بهالة غير مألوفة.
وقف ليفيرو أمام أحد المعروضات وقال:
“ هذا مثلًا، هو قرن شيطان عُثر عليه على حدود فيرهون منذ زمن بعيد.”
كان قرنًا داكن اللون.
حدّقت فيه مييل بدهشة.
“ لقد ألحق ذاك الشيطان دمارًا هائلًا بالبلاد آنذاك.”
“ أهو الشيطان المسمى ’ غريتيسيا‘ ؟“
سأل توروي.
أجاب ليفيرو بإيجاب:
“ نعم. اسمه يعني ’ قرن الشيطان‘ بلغة الأسلاف. كان مخلوقًا مرعبًا، لكننا تمكّنا من هزيمته بفضل القوة التي منحها الحاكم غافيلون للبابا وفرسانه.”
ابتسم ليفيرو وهو يسرد الحكاية، لكن مييل بالكاد أصغت.
عيناها كانتا مشدودتين نحو شيء آخر.
لم تكن تنظر إلى القرن، بل إلى غرض صغير بدا باهتًا وسط كل تلك المعروضات البراقة.
‘ ما هذا؟…’
خطت خطوةً نحو الزجاج، لترى سوارًا صغيرًا، يبدو أنه مخصص لامرأة.
‘ ولم يبدو هكذا؟‘
كان السوار أشبه بقطعة حجرية، أو أشبه بتحفة متحجرة.
‘ هل هو سوار عادي تحجّر بفعل الزمن؟‘
نظرت إليه بتأمل، ثم عادت بنظرها لبقية المعروضات.
‘ كل شيء هنا لامع ومحفوظ بعناية، حتى قرن الشيطان نفسه… فكيف لهذا السوار وحده أن يبدو كحجر قديم؟‘
وبينما هي تتأمل فيه بفضول، لاحظ ليفيرو نظراتها واقترب منها.
نظر إلى السوار وتحدث بهدوء:
“ يبدو أنك مهتمة بهذا السوار.”
“… نعم .”
أجابت مييل أخيرًا.
لم تتح لها الفرصة للحديث معه من قبل، إذ كان منشغلًا مع توروي طوال الوقت.
ابتسم لها ليفيرو وقال:
“ في الحقيقة، هذا السوار ليس بشيء مميز. لقد كان محفوظًا هنا منذ وقت طويل.”
لكن كلمات ليفيرو جعلت مييل تعقد حاجبيها.
“… ليس مميزًا؟ ومع ذلك، وُضع في هذا المكان؟“
كان في حديثه تناقض واضح. وحين أشارت لذلك، ارتفع حاجب ليفيرو قليلًا قبل أن يعاود الابتسام.
“ لم أقصد أنه غير مميز تمامًا. كل ما هنا له خصوصيته، لكن هذا السوار ليس بمستوى تميز بقية المعروضات.”
“ فلماذا تحتفظون به هنا إذن؟“
سألته ببراءة خالية من النوايا، لكن ليفيرو صمت للحظة قبل أن يجيب:
“… لأنه في الواقع، غرض خطر بعض الشيء. لذا، ما ترينه من تحجّر هو في الحقيقة جزء من عملية ختمه.”
“ تحجّر؟ تقصد أن مظهره الحجري هذا… نتيجة ختمه؟“
“ بالضبط. والآن، دعينا ننتقل لرؤية شيء آخر.”
أسرع بتغيير الموضوع، فهزّت مييل رأسها موافقة، وتابعت السير معه. غير أن ذهنها ظلّ مشغولًا.
‘ ذلك السوار… فيه أمر غريب حقًا.’
——–
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 105"