وكان الظلام يلفّ المكان حتى إنني لم أكن أرى ما أمامي، فهاجمني الخوف فجأة.
‘أنا خائفة… لا أريد هذا… أين أنا؟‘
وبينما كنت غارقة في هذا الرعب، بدأ نور ساطع ينتشر من حولي. كان ذلك الضوء دافئًا ومتألقًا أكثر من أشعة الشمس، حتى إنه بدّد خوفي تمامًا.
وفي قلب ذلك النور، كان هناك رجل واقف. بشعر فضي يتدلى حتى خصره، وعينين ذهبيتين تفيض حنانًا كالعسل. شاب جميل الطلعة… كان أبي.
‘أبي!’
أردت أن أركض إليه وأعانقه، لكن جسدي ظل عاجزًا عن الحركة.
غير أن والدي لياد، هو من اقترب مني وضمّني بين ذراعيه بحنان. عندها فقط أدركت أين أنا.
‘آه… هذاحلم.’
في الماضي، كنت قد مررت بلحظات من الذعر والضياع، بعد موت مفاجئ ثم إعادة ولادة. شعرت برعب لا تفسير له.
وبعد أن عشت تلك التجارب غير الواقعية، بدأ الخوف يلتهم قلبي.
لكن أول مرة التقيت فيها بأبي، كان هو من احتواني تمامًا.
لقد منحني حبًّا عميقًا وشاسعًا لا يضاهيه أحد، وكان دائمًا ما يرسم البسمة على وجهي.
وبفضله، استطعت أن أقبل حياتي الجديدة بعد أن وُهِبت فرصة أخرى للعيش.
كنت أملك ذكريات من حياتي السابقة، لذا كانت مرحلة الطفولة المبكرة خانقة بعض الشيء. لكن ما إن أصبحت قادرة على الركض، بدأت رحلتي مع والدي.
ومنذ ذلك الحين، سافرنا معًا في أرجاء العالم.
وكنت أظن أن هذا العالم ليس سوى قصة خيالية لا تستحق الكثير من الاهتمام، لكنه فاق كل توقّعاتي بجماله وعظمته.
رأيت مناظر طبيعية لا تُنسى، وصادفت وحوشًا، والتقيت بأشخاص يضيئون أكثر من أي نور.
ومن خلال تلك الرحلات، عرفت أن لياد والدي، هو ذاته الحكيم العظيم الذي يمدحه الجميع.
في البداية صُدمت. لكن حقيقة كونه الحكيم العظيم لم تُغيّر شيئًا في نظرتي له.
بل ساعدتني فقط على فهم حياته بشكل أعمق.
الحكيم العظيم، لياد كاريلادين.
كان أبي دومًا يتمنى أن يعمّ السلام هذا العالم.
لم يكن يستقر في مكان واحد، بل كان يتنقل باستمرار، يمد يد العون لكل من يعاني. وأنا كنت أرافقه في تلك المهام، وأساعد الناس إلى جانبه.
لم أكن مثله ‘إن أحلم بتحقيق السلام الشامل‘. كنت أعلم أن سعادة الجميع أمر شبه مستحيل.
وحين انتهت رحلتنا وبلغنا برج السحر، سألته بينما كان يستعد للمغادرة بمفرده:
“أبي… لماذا تساعد الناس؟ ألا ترى أن من المستحيل أن يصبح الجميع سعداء؟“
أجابني بابتسامة دافئة لم أنسَها أبدًا، كانت أكثر دفئًا وسطوعًا من الشمس:
“حتى لو رحلتُ عن هذا العالم ذات يوم، سيظهر شخص آخر، من بين أولئك الذين ساعدتهم، ليسير على خطاي. ومن يساعده، سيساعد غيره… وهكذا، قد يستمر هذا العطاء جيلاً بعد جيل. ألا تظنين أن هذا كفيل بأن يجعل العالم أكثر سعادة؟“
في تلك اللحظة، انفتحت عينا مييل على اتساعهما. لقد رأت حلمًا من أحلام الطفولة بعد غياب طويل.
بدأ الحلم من لحظة ميلادها في هذا العالم، حتى اليوم الأخير الذي التقت فيه بوالدها.
كان الحلم يمر سريعًا أمام عينيها، وكأنه شريط حياة.
‘أبي…’
لا يزال أثر الحلم عالقًا بها. نهضت مييل ببطء.
كان وجه والدها، الذي رأته في الحلم، واضحًا في ذاكرتها. وجه ساكن كأنه سيفارق الحياة في أي لحظة.
لقد كان دائمًا كذلك. ينظر إلى العالم بنظرة المتأمل الذي عاش طويلًا وفهم كل شيء.
‘أبي… أشتاق إليك.’
رغم أنها رأت حلمًا سعيدًا، فقد اجتاحها الحنين. لكنها لم تكن تعرف مكانه الآن.
لو كان مستقرًا في موضع معين، لأرسلت إليه رسالة، لكن ذلك كان مستحيلاً. لم يكن بوسعها إلا انتظار خطاب يصلها منه بين الحين والآخر.
‘آه… لنذهب إلى الينابيع الحارة.’
تثاءبت مييل ومدّت جسدها قبل أن تهمّ بالخروج.
لقد مرّ ثلاثة أيام منذ عادت إلى برج السحر. قضت ذلك الوقت في الأكل والنوم والتكاسل. فزاد وزنها قليلًا، وعادت النضارة إلى وجهها.
وحين رأت انعكاسها في المرآة، بدت بصحة جيدة، فخرجت من غرفتها.
“مييل!”
ما إن خرجت حتى ناداها صوت مألوف.
أشرق وجهها فرحًا. التفتت فورًا. كانت هناك امرأة جميلة تقف مبتسمة في وجهها. ركضت مييل نحوها.
“سيلا!”
وارتمت في حضنها.
سيلا، التي كانت أطول منها، ضمّتها من تلقاء نفسها ورفعتها عن الأرض بسهولة.
“مر وقت طويل!”
دارت بها مرتين في الهواء قبل أن تُنزلها. شعرت مييل بدوار من شدة الحماس، لكنها كانت في غاية السعادة.
سيلا كانت إحدى الساحرات اللواتي تقرّبت منهن كثيرًا.
لكن بسبب انشغال كلتيهما بالمهام المختلفة، نادرًا ما التقيتا. وها هما الآن تلتقيان بعد نحو ثلاثة أشهر.
“سيلا، كيف حالك؟! تبدين أكثر جمالًا من آخر مرة!”
“وأنتِ أيضًا! يبدو أنكِ بخير الحمد لله. بالمناسبة، إلى أين كنتِ ذاهبة؟“
“كنت ذاهبة إلى الينابيع الساخنة. لم يمضِ وقت طويل منذ عدت إلى برج السحر، وقد زال التعب إلى حد ما، لكنني ما زلت أرغب في نقع جسدي في المياه الدافئة.”
“آه! إذًا دعيني أرافقك. لنذهب معًا!”
“ممتاز!”
كان من حسن الحظ أن مِييل لم تكن ترغب في الذهاب وحدها، فوجود رفيقة كان خيرًا مرحبًا به. وهكذا، غادرت مِييل وسِيلا البرج معًا.
ذهبتا إلى ساحة العربات التابعة للبرج واستأجرتا عربة. وبما أن استخدامها سيكون لأغراض شخصية، فقد اختارتا عربة لا تحمل ختم البرج.
أثناء تجهيز العربة، جلست الاثنتان على أريكة في ردهة الطابق الأول من البرج وتبادلتا الأحاديث، برفقة كعكة الجبن والشاي التي أعدها فوك.
قالت سِيلا وهي تضحك:
“تصادف أن ميكس كان قد خرج ليشتري بعض الأغراض التي نحتاجها للمهمة، وفي تلك الأثناء التصق بي بعض المتطفلين المزعجين. تعرفين ذلك النوع من الرجال الذين يفقدون صوابهم لمجرد أن تكوني امرأة؟ كانوا تمامًا من هذا الصنف. شعرت بغضبٍ شديد وكدت أستخدم السحر للتخلص منهم، لكن في تلك اللحظة ظهر ميكس.”
“أوه! وماذا فعل؟“
“كما تعرفين، ميكس عادةً هادئ ولطيف، فظننت أنه سيحاول التفاهم معهم بالكلام. لكن الأمر لم يكن كذلك. كان غاضبًا جدًا حتى احمرّ وجهه، ثم فجأة بدأ في استخدام السحر!”
“حقًا؟!!”
تلألأت عينا مِييل من الحماس. كانت قصص سِيلا دائمًا ممتعة.
“هاجمهم وكأنه تجسيد للغضب نفسه. كاد يقضي عليهم تمامًا، فاضطررت لإيقافه حتى لا يُعتقل.”
“صحيح، لا يمكنه أن يُعتقل. أعتقد أنه لو حدث ذلك، فسيبكي في زنزانته كل يوم شوقًا إليك.”
“بالضبط. لكن بعد أن طردهم، بدأ في البكاء. في البداية ظننت أنه بكى خوفًا عليّ.”
“همم؟ ثم ماذا؟“
“كان قلقًا نعم، لكن ليس لأني قد أُصاب. بل كان خائفًا من أن أُفقد أعصابي وأؤذي أحدهم بشدة. ارتاح عندما تأكد أنني لم أؤذِ أحدًا، فبكى لذلك.”
“هاهها! ميكس غريب فعلًا.”
“قال إنه يفضل أن يُعتقل هو على أن أُؤذى أنا شخص ما. لا أدري كيف ينظر إليّ حقًا!”
لم تستطع مِييل التوقف عن الضحك. كانا سِيلا وميكس ثنائيًا مختلفًا تمامًا في الشخصية.
سِيلا كانت نارية المزاج، وميكس كان هادئًا بطبعه.
لكن إن تعلق الأمر بسِيلا، فإن ميكس يتحوّل إلى شخص مختلف تمامًا، لا يتردد لحظة في القتال من أجلها. وقصص حبهما كانت دومًا ممتعة ومليئة بالحياة.
وفجأة، اقترب منهما مدير الردهة، “دوور“، وقال:
“مِييل، سِيلا، العربة جاهزة.”
نهضت الفتاتان بعد أن رتبتا جلستهما، وتوجّهتا نحو بوابة البرج التي انفتحت تلقائيًا عند اقترابهما.
وكالعادة، اندفعت إليهما حرارة الصحراء فورًا.
“يا إلهي، الجو حار جدًا. لنصعد بسرعة يا مِييل.”
“نعم، لكن انتظري لحظة يا سِيلا…”
توقفت مِييل قبل أن تصعد إلى العربة، إذ لاحظت غبارًا كثيفًا يتصاعد من بعيد. بدا وكأن شيئًا ما يقترب من البرج بسرعة.
“هل هو زائر؟“
وضعت يدها فوق عينيها لتحجب الشمس ونظرت نحو الغبار المتصاعد. شيئًا فشيئًا، بدأت تظهر ملامح ما خلف الغبار. كانت عربة فاخرة.
عربة مطلية باللونين الأبيض والذهبي، تحمل في وسطها ختمًا على شكل أسدٍ يفتح فمه. كان ذلك ختمًا ملكيًا معروفًا.
“هم؟ إنها عربة إمبراطورية، أليست كذلك؟“
سألت سِيلا وهي تقترب منها بعدما لاحظت تردد مِييل في الصعود.
“نعم، لم أكن أتخيل الأمر. كنت محقة.”
توقفت العربة الإمبراطورية مباشرة أمام عربتهما.
ترجّل منها السائق، وتبعه الخدم الذين فتحوا الباب بعناية.
ومن العربة الفاخرة نزل وليّ العهد. كان شعره الذهبي يلمع تحت شمس الصحراء، وعيناه الزرقاوان توجهتا مباشرة نحو مِييل الواقفة.
“آنسة مِييل!”
لقد كان وليّ العهد.
* * *
في مكانٍ آخر…
“هذا كافٍ.”
تأمل جايد الورقة أمامه وقد ارتسمت على وجهه علامات الرضا. كانت ورقة تحمل خطة دروسه.
فخلال اليومين الماضيين، كان حبيس مكتبته، يضع موضوعًا للحصة الأولى ويُحضّر المواد التي سيُدرّسها.
واليوم، كان قد انتهى من إعداد جدول مفصل للحصة المسائية.
“لا بد أنها ستُسعدها.”
لم يكن قد رأى مِييل تبتسم من قبل، لكنه كان واثقًا من أنها ستفرح. تخيّل وجهها السعيد وهو ينهض من مقعده.
لكن عندها، دوّى صوت من الممر.
“سيد البرج!”
فُتح الباب فجأة مع صوت طرقٍ سريع. كان القادم شولاين.
كان من النادر أن يتصرّف أحد شيوخ البرج بهذه الفظاظة، لا في هذه الحياة ولا في حياته السابقة، إلا حين يتعلق الأمر بوليّ العهد.
“ما الذي يجعلك تدخل بهذه الجلبة؟“
“إنه وليّ العهد، يا سيدي! لقد أتى بنفسه!”
كما توقّع. ما الذي يجعل الجميع في حالة استنفار كلما ذُكر اسم وليّ العهد؟
أجاب جايد بنبرة هادئة:
“وماذا في ذلك؟“
“نعم؟“
“أليس دوور هو من يتولى استقبال الزوار؟“
“الأمر فقط أن العلاقة بين سموّ ولي العهد ومِييل بدت لي غير عادية… فخطر في بالي أن تكون مِييل أول من تُصبح أميرة ولي عهد من داخل برج السحر، فأردتُ إبلاغك بذلك.”
تجمّد وجه جايد. وأدرك شولاين متأخرًا أنه قال ما لا ينبغي.
لقد فرح كثيرًا باحتمالية أن تُصبح مِييل ولية عهد، ففلتت منه الكلمات من دون تفكير.
‘يا ويلي… لساني دائمًا يسبقني. سواء كانت مِييل أو ولي العهد، فهما من الأشخاص الذين لا يروقون لسيد البرج… ربما يغضب الآن ويطردها من البرج!’
لكن، خلافًا لتوقعاته، لم يغضب جايد. فقط تفاجأ قليلًا.
زيارة ولي العهد لم تكن أمرًا مهمًا في نظره. لكن وجود علاقة خاصة بينه وبين مِييل؟ هذا كان مفاجئًا.
لابد أن شيئًا حدث في لقائهما الأخير.
ومع ذلك، لم يكن هذا يعني له شيئًا على الإطلاق.
“شولاين.”
“نعم، سيدي؟“
“لا يمكن لمِييل أن تصبح ولية العهد.”
“ماذا؟!”
لأنها تحبّني أنا.
ابتسم جايد ابتسامة خفيفة. فولي العهد؟ لا يُشكّل له أي تهديد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"