الفصل 6

لكن حالة كاليونا بدت، حتى في عيني ليريوفي، خطيرة للغاية.  

في الأصل، فقدت ليريوفي وعيها فور خضوعها لنقل القوة السحرية تقريبًا، لذا لم تعرف كيف مرّت كاليونا بحفل الاستقبال.  

كل ما عرفته، عندما استيقظت، هو أنّ كلتيهما اجتازتا المرحلة الأولى ودخلتا الجزء الخارجي من برج السحر الشمالي.

 وبعد فترةٍ وجيزة، بدأت كاليونا تُعرف باسم العبقرية.  

لذلك، افترضت ليريوفي أنّ كاليونا، على عكسها، اجتازت الحفل بسهولة.  

في تلك اللحظة، تقيّأت كاليونا دمًا وانهارت بلا قوة إلى جانبها.  

“أختي!”  

مدّت ليريوفي ذراعيها بغريزة، فسقط جسد كاليونا المائل في حضنها.  

تفحّصت ليريوفي حالتها بسرعة وقلق.  

في هذه الأثناء، كان الساحر، الذي كان يتفحّص الأطفال الناجين بعيونٍ ناقدة، يبتسم فجأةً بابتسامةٍ زاهية بدت غريبة ومخيفة في هذا الموقف، وفتح ذراعيه.  

“تهانينا للجميع! من اليوم، أنتم أبناء بيليغوت الفخورون. يرحّب بكم برج السحر الشمالي بحرارة.”  

لكن لم يفرح أحد بهذا الترحيب.  

بل، عمّ صمتٌ ثقيل كالجليد المتجمّد في قاعة الحفل.  

“من الآن فصاعدًا، ستكونون جزءًا من الجزء الخارجي لبرج السحر الشمالي، حيث ستُقيَّم مواهبكم كسحرة باستمرار. إذا بذلتم قصارى جهدكم لإثبات جدارتكم، ستتمكّنون قريبًا من دخول الجزء الداخلي والعيش برفاهية.”  

واصل الساحر حديثه بنبرةٍ ودودة دون اكتراث.  

“أنتم أطفالٌ مختارون، فلا بأس بأن تفرحوا أكثر. انظروا، قبل نصف يوم فقط، كنتم جياعًا في الشوارع مثل هؤلاء الأيتام، لكن غير المؤهّلين انتهوا كقمامةٍ قذرة، أليس كذلك؟”  

أغلق الفتى ذو الشعر الأحمر فمه بسرعة، متظاهرًا بالتقيؤ.  

“لذا، كونوا فخورين بأنفسكم. مرحبًا بكم مجدّدًا كسحرةٍ في برج السحر الشمالي!”  

تردّد صوته المجنون كموسيقى جنازة فوق جثث الأطفال.  

“الآن، سننقلكم إلى الفضاء الخارجي للبرج حيث ستقيمون.” 

ما إن انتهى كلامه، حتى ظهرت دائرة سحرية على الأرض.  

غُمر الأطفال، سواء الموتى أو الناجون، مجدّدًا بقوةٍ سحرية سوداء مشؤومة.  

“القاعدة الوحيدة في البرج هي..”  

عندما اختفت القوة السحرية، التي غطّت الرؤية كرذاذ الماء، وجد الجميع أنفسهم في نفقٍ أرضيّ رطب ومظلم.  

“البقاء على قيد الحياة.”  

تردّد صوت الساحر الملعون كصدىً مخيف.  

كان ذلك إشارةً تؤكّد أنّ ليريوفي عبرت بوابة هذا الجحيم مجدّدًا.  

* * *  

في تلك اللحظة، في الجزء الداخلي من برج السحر الشمالي.  

استدار فجأةً فتى وسيم ذو شعرٍ أسود جالسٍ عند النافذة.  

كانت عيناه الذهبيّتان الباردتان تتجهان نحو الجدران العالية، حيث يقع الجزء الخارجي.  

“فيلكياس؟ ما الذي حدث فجأة؟”  

عندما فقد حجر السحر الخاص بالفتى ذي الشعر الأسود بريقه وسقط من الهواء، رفع الأطفال الآخرون، الذين كانوا منشغلين بأعمالهم، رؤوسهم بدهشة.  

في تلك اللحظة، تحرّكت قوة سحرية هائلة خارج النافذة.  

أومأ الأطفال برؤوسهم كأنّهم فهموا.  

“يبدو أنّ حفل الاستقبال انتهى. هل هناك أطفال جيّدون هذه المرّة؟”  

“كل عام، الدروع البشرية التي تدخل هنا متشابهة.”  

ردّ فتى ذو شعرٍ فضيّ يرتدي نظارات، بنبرةٍ منزعجة، على سؤال فتى ذي شعرٍ أزرق مليء بالفضول.  

“إنّه تقليدٌ قديم لبيليغوت، لكن لا يزال إدخال أيتامٍ قذرين مجهولي الأصل إلى البرج كل عام أمرًا غير مقبول بالنسبة لي.”

“لماذا؟ إنّه يوفّر عبيدًا مريحين، أليس كذلك؟”  

“إذن، لم لا نتركهم في الجزء الخارجي إلى الأبد؟ لماذا نعطيهم فرصة لدخول الجزء الداخلي وتلويث المكان؟”  

“يا إلهي، تلويث؟ نحن أيضًا أيتام بلا آباء، أليس هذا قاسيًا بعض الشيء؟”  

“ماذا؟ متساوون؟ نحن، الذين اختارهم سيد برج السحر الشمالي منذ الطفولة، وتلقّينا نقل القوة السحرية مباشرة وتبنّانا، مع هؤلاء الرعاع؟ هل تتحدّث بجديّة؟”  

سخر الفتى ذو الشعر الفضيّ، وابتسم بسخريةٍ للفتى ذي الشعر الأزرق.  

“لم أكن أعلم أنّ لديك هواية التقليل من شأن نفسك، ليونيل. لكن، إن كنتَ تريد التقليل من شأنك، افعل ذلك بمفردك، ولا تشركني في هذه العقلية الهزيلة.”  

“هاهاها، أنتَ يا إيفان من يتظاهر بعدم الاكتراث، لكنّك دائمًا حساس لهذه المواضيع. ألا تعلم أنّ ردّة فعلك الغاضبة تُظهر أنّك تعتبر أصلك نقطة ضعف؟”  

“ماذا؟ ما هذا الهراء…”  

“أليس كذلك؟ بغض النظر عن مدى جهدنا، فإنّ الأبناء المتبنّين لن يتغلّبوا على الأبناء الحقيقيين.”  

لم يستطع الفتى ذو الشعر الفضيّ نفي ذلك، فتجمّد وجهه. 

أدار الفتى ذو الشعر الأزرق عينيه المبتسمتين جانبًا.  

كان الفتى ذو الشعر الأسود، الذي لاحظ تحرّك القوة السحرية في الجزء الخارجي أوّلًا، لا يزال محدّقًا خارج النافذة.  

اسمه فيلكياس بيليغوت.  

كان المكان الذي يتواجدون فيه هو الطابق الثاني والخمسين، وهو جزءٌ علويّ من الجزء الداخلي، حيث يُسمح فقط لعشرة أطفال مختارين بالدخول للتدريب.  

لكن، من بين الأطفال الذين تبنّاهم سيد البرج، كان الفتى ذو الشعر الأسود الوحيد الذي وُلد بملعقةٍ ذهبيّة حقيقيّة.  

في سنٍّ صغيرة، كان قد حصل بالفعل على أربعة أزواج من الأجنحة مطرّزة على ردائه، وهو إنجازٌ غير مسبوق.  

شعره الأسود كالليل وعيناه الذهبيّتان، اللتين تشبهان سيد البرج الحاليّ، جعلتاه محطّ إجلال الجميع، وأثبت تفوّقه بقدراته الاستثنائية، حتى أصبح مرشّحًا لخلافة سيد البرج.  

فكّر الفتى ذو الشعر الأزرق أنّ الفتى ذو الشعر الفضيّ، القادر على الشعور بالغيرة من مثل هذا الوجود، كان رائعًا بطريقةٍ ما.  

“حسنًا، كفى. لم أطرح الموضوع لأتجادل معك، يا إيفان. دعنا نترك الحديث غير المجدي ونراهن.”  

“توقّف عن هذه الأمور التافهة وارسم دائرتك السحرية. لم يبقَ سوى عشر دقائق!”  

لم يتراجع الفتى ذو الشعر الأزرق رغم الانتقاد البارد.  

“لا تكن كذلك. بدءًا من هذا الخريف، سنذهب إلى مركز الأرض المقدّسة الملوّثة، أليس كذلك؟ سيكون هناك اختبار قتالٍ وهميّ قبل ذلك. الخاسر سيخوض الاختبار دون تجديد جسدي. ما رأيك؟”  

“ها؟ يبدو أنّك واثق جدًا.”  

بدا الفتى ذو الشعر الفضيّ مذهولًا من اقتراح الرهان المفاجئ، لكنّه حسب شيئًا في ذهنه وابتسم.  

“حسنًا، لا بأس. يبدو كأمرٍ مبتذل، لكن كتسليةٍ لمرّة واحدة، ليس سيئًا. على ماذا سنراهن؟”  

“دعني أفكّر. ماذا عن تخمين عدد المقبولين في الجزء الداخلي هذا العام؟”  

“من الدفعات السابقة والحالية معًا؟”  

“صحيح. سأراهن على عشرة. سمعت أنّهم سيولون اهتمامًا أكبر باختيار الأطفال الجدد هذا العام لأنّ أداء العام الماضي كان سيئًا.”  

“هاها، سأراهن على ثلاثة، كما في العام الماضي. توقّع شيئًا من الحشرات أمرٌ مثير للشفقة.”  

“هاهاهاه، إذن اتّفقنا؟”  

صفّر الفتى ذو الشعر الأزرق بمرح، ثم سأل الفتى ذو الشعر الأسود عند النافذة:  

“فيلكياس، ماذا عنك؟”  

تألّق حجر السحر، الذي عاد ليطفو في الهواء، بضوءٍ ساطع، ملقيًا ظلًا باردًا على الفتى ذي الشعر الأسود.