في رؤيةٍ لا تزال غير واضحة تمامًا، تمايل كارم متعثرًا.
تراجعت كاليونا خطوة إلى الخلف دون وعي.
كان كارم يمسك الرمح بيد مرتعشة، وعجز عن التوازن وهو يقترب منها.
شعرت كاليونا وكأن قدميها ملتصقتان بالأرض، عاجزة عن الحركة…
“…أيّتها الحمقاء، ماذا تفعلين الآن؟ استيقظي!”
فجأةً، ركلةٌ من شخص ما أتت من حيث لا تعلم، أصابت كارم بعنف ودفعته بعيدًا و وقع الرمح أيضًا.
“هل أنتِ غبية؟ لماذا تقفين هكذا ببلاهة؟”
تبع ذلك صوت توبيخ عنيف و تمّ صفع خدّي كاليونا بقوة.
الشخص الذي ظهر فجأة دون سياق أمام عينيها كان الفتى ذو الشعر الأحمر الذي رأته في قاعة الطقوس.
“اللعنة، ألا تسمعينني؟ إذا لم ترغبي في الموت مع أختكِ الآن، فتماسكي!”
لم يكن لديها وقت لتتساءل لماذا ظهر هذا الفتى هنا فجأة.
تحرّكت عينا كاليونا المفتوحتان على مصراعيها بسرعة نحو المكان الذي كانت فيه أختها.
“ليري، ليري ليست هنا. ما الذي حدث؟ كانت هناك بالتأكيد…”
“إذا كنتِ تقصدين أختكِ، فقد رأيتُ شخصًا يأخذها إلى هناك! لذا علينا مغادرة هذا المكان بسرعة! اللعنة، أرى أشياء غريبة باستمرار… كلما بقينا هنا أكثر، سيكون الخروج أصعب. لذا، استيقظي واركضي!”
كان وجه كاسيل مشوّهًا بشدة.
الآن فقط لاحظت أن وجهه ملطّخ بالجنون والقلق والتوتر.
حتى الآن، كان يغمض عينيه بقوة كما لو كان يحاول التخلّص من شيء ما، و يتناوب بين الشتائم والاعتذارات غير الموجّهة لأحد، ثم بدأ يركض في المقدّمة.
تبعته كاليونا على عجل.
لحسن الحظ، لم تَعُد الهلوسات السمعيّة التي كانت تطاردها موجودةً بعد الآن.
***
-سويش، سويش.
بعد فترة، سُمع صوت جرّ أقدام مصحوبٍ بأنين خافت.
-سويش، سويش.
توقّف الصوت عند مكان سقوط الفتى ذو الشعر الرمادي، كارم، المخترق برمح.
“كُححح، كُح… أغغ، آخ…”
كارم، الذي أُصيب بجرحٍ عميق، لم ينتبه فورًا لوجود شخص اقترب منه، مستمرًا في تقيؤ سعال ممزوج بالدم.
كان الألم الذي لايوصف يغلي في بطنه حيث اخترقته شفرة باردة.
لكن ذلك لم يكن الشيء الوحيد الذي عذّبه.
منذ لحظات، بدأ شيء مجهول يتلوّى داخل أوردته العميقة.
لم يعرف لماذا شعر هكذا، لكن…
كان الإحساس كأن برعمًا ناعمًا ينبت من بذرة صغيرة، يتسلّل عبر جلده ويثير حكة…
بينما كان يسعل بعنف ويتشنّج كأنّه في نوبة، لاحظ كارم متأخرًا شخصًا ينظر إليه بهدوء منذ فترة.
“جايد…”
توسّل وهو يبكي.
“أنقذني…”
كارم، الذي كان يحاول النجاة في هذا المكان الملعون في ضواحي برج السحر الشمالي، كان يعتبر جايد الفتى الأقوى بينهم.
مع أمل ضعيف بأنّه قد يساعده، عادت لمعة خافتة إلى عينيه الضبابيّتين.
بعد أن نطق بتوسّل لإنقاذ حياته، تدفّقت مشاعر الظلم التي كان يكبتها طوال الوقت كأنّها انفجرت دفعة واحدة.
“كيف يمكن أن يحدث هذا… لماذا، لماذا يجب أن أكون في هذا الحال…؟ لماذا أنا…؟”
لم يكن لديه سوى ذنب أنّه حاول العيش بجدّ، فلماذا كان العالم قاسيًا معه إلى هذا الحد؟
كان الظلم والحسرة يفيضان بحيث لم يستطع كبح دموعه.
“هوو، هووه…”
“جايد؟”
لكن، لسبب ما، لم يُسمع فوق رأس كارم سوى أنفاس غريبة تنبعث منها رائحة كريهة.
“لقد… أفسدتَ كلّ شيء…”
ثمّ اخترق صوت خافت، كأنّه يخدش الحبال الصوتيّة، طبلة أذنه.
“هذا، هوو… لن أصل إلى النهاية… هوو…”
كانت الكلمات متقطّعة مع أنفاس خشنة، مما جعل من الصعب فهم ما يقوله على الفور…
لكن، لسبب ما، عند سماع ذلك الصوت، شعر كارم بقشعريرة كأن حشرات تزحف على جسده.
“إذًا، هووه… سأكتفي الآن…”
قبل أن يتمكّن من فهم معنى كلمات جايد المنمّقة كحديث ذاتي، أمسكت يد قويّة فجأة الرمح المغروس في بطن كارم.
“ما، ماذا؟ ماذا ستفعل…؟ آه، يؤلم!”
-سويش، سويش.
سحب جايد الرمح دون تردّد، ثم أمسك بساقي كارم وبدأ يجره إلى مكان ما.
صرخ كارم بألم ممزوج بالدم المتدفّق، لكن سرعة الحركة لم تبطئ أبدًا.
توقّف جايد عند الحفرة التي حفرها سابقًا.
“آه، آه؟”
هذه المرّة، أُمسك كارم من ياقته وسقط إلى الأمام، فرأى في الحفرة حشرات سوداء تتكدّس وتتحرّك.
وقبل أن يتمكّن من المقاومة، دُفع رأسه بقوّة إلى داخل الحفرة.
“آه، آآآخخ!”
صرخ كارم بصوتٍ مزعج.
لكن ذلك لم يكن خيارًا جيدًا. فقد تدفّقت الحشرات المرعبة إلى فمه المفتوح.
لم يكن الفم فقط، بل كل فتحة في جسده، امتلأت بأشياء سوداء لا نهائيّة، كما لو كانت تُحشى في دمية قماشيّة.
منذ لحظة ما، لم يعد كارم قادرًا على الصراخ، فقط يتشنّج ويرتجف بجسده كلّه.
التعليقات لهذا الفصل " 45"