“أعلم أنّها قوّةٌ حلوة وشهيّة لدرجة تجعلكِ تفقدين صوابكِ وتتوقين إليها، لكن يجب أن تتحلّي بالإرادة للتوقف. إن لم تكوني ترغبين في قتل أختكِ العزيزة.”
بدأت الأسئلة تتسلّل تدريجيًا إلى عيني كاليونا الغارقتين في الضباب الحالم.
لكن في اللحظة التالية، كأنّ دلو ماء بارد سُكب على رأسها، استيقظت تمامًا.
فجأة، فقدت ذراعا أختها، التي كانت تحيطان بها، قوّتهما، وسقط جسدها الصغير ثقيلًا فوقها.
“ليري…؟”
في الوقت نفسه، ازدادت قوّة قبضة الفتى على ذراع كاليونا إلى درجة تسبّبت بالألم.
لكن قبل أن تتمكّن من الشكوى من الألم، لمست يدها الأخرى شيئًا صلبًا بشكل لا إراديّ.
“آه، ماذا؟”
في البداية، لم تدرك ما هذا الشيء.
كان ذلك متوقّعًا.
لأنّ شيئًا كهذا لا ينبغي أبدًا أن يكون مدفونًا في جسد أختها.
رمحٌ اخترق عظمةً قريبة من عظمة كتف ليريوفي اليمنى، وبحركة يد كاليونا غير الواعية أزالت الرمح، فسقط دمٌ أحمر بغزارة.
الآن فقط أدركت أنّ ما كان يبلّل خدّيها منذ قليل لم يكن سوى دمٍ يتدفّق من كتف ليريوفي.
ما… هذا…؟
لماذا يحدث هذا؟ كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا…؟
خرجت من شفتي كاليونا المفتوحتين ببطء أنفاس متسارعة تشبه الصراخ.
الآن فقط لاحظت أنّ ليريوفي كانت ممدّدة فوقها، كأنّها حاولت أن تحميها بجسدها.
فهل يعني ذلك أنّ أختها، أثناء فقدان كاليونا لوعيها، حاولت حمايتها فتعرّضت لهذا المصير؟
‘لا يمكن… كيف يمكن أن يحدث هذا…؟’
لم تستطع تصديق هذا الوضع.
كيف يمكن لها، وهي المفترض أن تحمي أختها، أن تتلقّى المساعدة بدلًا من ذلك، بل وتتسبّب في إيذاء أختها بهذا الشكل؟
لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا.
حقًا، لا ينبغي أن يكون هكذا.
‘أنا هي الأخت الكبرى.’
كان يجب أن أكون متيقّظة منذ البداية.
كان يجب أن أحمي أختي هذه المرّة مهما كلّف الأمر…!
“آه، آه، ليري…”
عانقت كاليونا، بيدين مرتجفتين، جسد أختها الذي لا يتحرّك.
“ليري، ليري… ليري؟”
ثمّ تدفّق دم أختها الساخن مرّة أخرى فوق جسدها.
آه، لا. لا يمكن أن تفقد دمًا بهذا القدر… إذا استمرّت هكذا، قد تموت.
لا، بل ستَموت بالتأكيد.
كما حدث لوالديهما في ذلك الكابوس.
شعرت كاليونا بأنّ عينيها أصبحتا بيضاوين، ثمّ احمرتا، وأخيرًا تحولتا إلى سواد كالرماد المتبقّي من النار.
لم يستطع عقلها البطيء أن يدرك بوضوح ما يحدث أمام عينيها.
عندما أضاءت رؤيتها الضبابيّة قليلًا، وجدت نفسها قد خرجت من تحت جسد أختها، وبعد أن أغمضت عينيها وفتحتهما مرّة أخرى، رأت فتى مجهولًا يمدّ يده نحو ليريوفي الممدّدة على الأرض.
سقط الرمح المقتلع تلقائيًا على الأرض، مصدرًا صوت طقطقة، دون أن يلمسه أحد.
وأوقف سحر أسود الدم المتدفّق بغزارة.
“أغ، كٌح، كُح…! ما هذا؟ لا أرى شيئًا!”
في تلك الأثناء، طعن صوتٌ مزعج طبلة أذن كاليونا مرّة أخرى.
“يجب أن أقتلها… أوه، يجب أن أقتلها قبل أن أموت…! لا تمنعني!”
انزلقت عيناها البنفسجيّتان الضبابيّتان نحو مصدر الصوت الذي لا يمكن تجاهله.
كارم، الذي ابتلع غبار الزهرة الأزرق مباشرة، كان يتلوّى كدمية ورقيّة، يهزّ ذراعيه بعشوائيّة بسبب دخول جسم غريب إلى عينيه.
لحسن الحظ، كان سحر ليريوفي، الذي فعّلته في اللحظة الحرجة، كافيًا ليحيط بالأختين، فلم تستنشقا غبار الزهرة الذي اجتاحهما كعاصفة ثلجيّة.
نظر فيلكياس إلى ليريوفي المصابة بجروح خطيرة، والتي ظلّت متمسّكة بحماية أختها حتّى النهاية، بنظرة باردة.
لم يكن تدخّله مباشرةً خيارًا اتّخذه فيلكياس بنفسه، لكن عندما رأى ليريوفي بهذا الحال، شعر بشيء يغلي داخل نفسه ببطء.
حمل فيلكياس ليريوفي المتراخية بين ذراعيه.
“آه، أختي…”
خرج لقبٌ غير مرحّب بها من فم الفتاة التي كانت تتصبّب عرقًا باردًا من الألم.
حتّى في مثل هذا الموقف، كانت ليريوفي تبحث عن شخص واحد فقط، ممّا جعل فيلكياس يبتسم بسخرية.
لم يستطع أن يفهم لماذا كانت ليريوفي متمسّكة بأختها الكبرى التي بدت عديمة الفائدة.
لو كانت بمفردها، لكانت قد هربت من الغابة بسهولة.
في الحقيقة، كان فيلكياس يعتبر هذه الفتاة في حضنه تقريبًا الكائن الوحيد الذي يمكن أن يساويه في القيمة.
خصمٌ اختاره برج السحر بنفسه.
لكن بعد مراقبتها لبعض الوقت، لم تُظهر ليريوفي سوى طرق تفكير وسلوكيات لم يستطع فيلكياس فهمها.
كان يعجبه الجانب غير المتوقّع في ليريوفي، لكن الآن، لسبب ما…
شعر بانزعاج شديد.
كما لو أنّه يريد أن يمحو من أمامه الشخص الذي نادته ليريوفي، بنفس القدر الذي يريد فيه التخلّص من الشخص الذي تسبّب في جعلها بهذا الحال.
لكنه لم يمسّ كاليونا، التي كانت جالسة بوجه شاحب.
وبصبر لم يحرّك إصبعًا واحدًا، راقب ببرود كاليونا وهي تتعثّر وتتّجه إلى مكان ما.
من نظراتها المرتجفة وخطواتها، لم يكن من الصعب تخمين ما كانت تنوي فعله.
لذلك، بدلًا من توجيه الطاقة السحريّة القاتلة التي كانت تحيط به بهدوء نحو كاليونا، أرسلها إلى ذلك القمامة الذي لا يزال يغرس رأسه في الأرض بعيدًا.
***
“أنقذوني، أرجوكم.”
في هذه الأثناء، كانت كاليونا، وهي لا ترى شيئًا، تنظر ببلاهة إلى كارم الذي كان يتخبّط كأنّه يبحث عن شيء، ثمّ نهضت واتّجهت نحوه.
هل أصيبت أختها بسبب هذا الوغد؟
“أرجوكم، أنقذوني…”
كان هناك صوت فتاة صغيرة تبكي وتتوسّل يأتي من مكان ما.
بدا وكأنّه صوتها من الحلم الذي رأته للتو، أو ربما كان من ليريوفي المصابة أثناء غيابها.
عندما فكّرت أنّ أختها ربما كانت خائفة وتتوسّل مثلها في الماضي، بدأ رأسها يغلي كما لو أنّ حديدًا محمّى سُكب بداخله.
“أنقذوني…”
كأنّ سرابًا يتصاعد، تشوّهت رؤيتها بشكل غريب.
كما لو أنّ شمعة تتأرجح أمام الريح، تضعف وتضيء بالتناوب، كان الضوء الخافت يومض أمام عيني كاليونا.
“أوه… آه، آه، هذا يؤلم…”
في لحظة ما، أدركت كاليونا أنّ الصوت المزعج كان قريبًا جدًا، كأنّه على مرمى يد.
عندما وجّهت عينيها المشوّشتين إلى الأمام مرّة أخرى.
“أنقذوني…”
رأت كارم، مخترقًا برمح في بطنه، يتأوّه و يتلوّى.
“…ماذا؟”
هذا الرمح، الذي كان حتّى وقت قريب مغروسًا بالقرب من كتف ليريوفي، ملقى على الأرض يلمع بضوء مخيف.
فلماذا هو الآن في يدها؟
ولماذا هو الآن مغروس في بطن هذا الفتى؟
خلال العام الماضي، بينما كانت تتسكّع في الأزقّة، ضربت أشخاصًا وخدعتهم، لكنها لم تطعن أحدًا بسلاح حادّ من قبل.
فقدت يد كاليونا القوة في يدها ببطء، غير قادرة على فهم الوضع.
التعليقات لهذا الفصل " 44"