أمسكت ليريوفي بيد كارم التي كانت تعتصر عنقها، و حاولت نزعها وهي تخدشها بقوة، ثم استفاقت فجأة على كلامه، فاجتذبت الطاقة السحريّة التي كان أودر قد بدأ بتحريكها مسبقًا، ورفعتها دفعة واحدة.
“آه!”
تكوّن حاجز طاقة سحريّ أزرق داكن، غير مكتمل، لا يُرى بالعين المجرّدة، فارتدّ كارم إلى الخلف مرتطمًا.
“كُح، كُح! أوغ، كُح…!”
و بينما كان ليريوفي تسعل وتتقيّأ بعنف، ملأت رئتيها الفارغتين بالهواء بسرعة.
“إلى أين تهربين…!”
لكن الحاجز تلاشى بعد أن أحدث تأثيرًا مؤقتًا، وفي تلك الأثناء، نهض كارم أولاً وضرب وجه ليريوفي بلكمة قويّة.
-هدير
“آه…”
تهاوت ليريوفي على الأرض ممسكةً بفكّها السفليّ و هي تئن.
سال الدم من أنفها، مبلّلاً شفتيها، ثمّ سقط على الأرض تاركًا أثرًا أحمر. لحسن الحظ، لم يبدُ أنّ عظمة أنفها قد كُسرت.
“موتي بسرعة…! موتي الآن بيديّ مرّة أخرى!”
“أيّها الوغد…”
يقال إنّ هناك قانونًا لأبقاء القمامة في هذا العالم.
لماذا، بعد أن هدأ جايد قليلاً، بدأ هذا الرجل يتصرّف بجنون هكذا؟
على الرغم من أنّه أمر محرج بعض الشيء، إلا أنّ ليريوفي، في مثل هذه اللحظات العصيبة التي تفتقر إلى التركيز، وجدت أنّ حلّ الأمور باللكمات كان أسهل وأكثر راحة من استخدام السحر.
-بوم!
“آخ!”
-بوم!
“أغغغ…”
أثناء هذا الشجار الشرس، تحطّم أنف كارم تمامًا، فسال الدم بغزارة، بينما أصدرت ليريوفي أنينًا وهي تشعر بدوار من ارتطام رأسها بالأرض.
-طقطقة!
فجأة، اصطدم شيء ما بساق كارم.
التقت أعينهما معًا على شيء كان سلاحًا يشبه الرمح، ربما أسقطه أحد رفاق جايد، مدفونًا نصفه بين الأعشاب.
في تلك اللحظة، برقت شرارة في عينيهما.
دون تردّد، مدّا أيديهما بسرعة نحو السلاح.
ولسوء الحظ، كان كارم هو من استولى عليه.
-هوى!
“…!”
لكن، قبل أن يتمكّن كارم من إمساك السلاح جيدًا وطعن ليريوفي، أضاء المكان فجأة.
للوهلة الأولى، بدا وكأنّ ثلجًا خفيفًا يتساقط في الهواء، أو كأنّ سربًا من اليراعات الصغيرة يتدفّق نحوهما.
لكنّه كان غبار زهرة ضخمة، متجذّرة في الأرض التي كان جايد يغرس رأسه فيها، كان رذاذها ينبعث منها.
لونها أزرق رماديّ داكن، يشبه لون الغابة…
‘لا…!’
كان هذا شيئًا لا يجب استنشاقه بأيّ حال.
تركت ليريوفي كارم يترنّح وهو يحمل الرمح، وركضت نحو كاليونا الملقاة على الأرض هناك.
في اللحظة التي أحاطت فيها سحرها بكاليونا مرّة أخرى، رفع كارم الرمح موجّهًا إياه نحو جسد ليريوفي.
وفجأة، اجتاحهما غبار الزهرة الأزرق.
***
“أنقذوني، أرجوكم.”
آه، ها هو ذلك الكابوس مجدّدًا.
في حلمٍ بلا ألوان، كان هناك منزلٌ يحترق بنيران قرمزيّة.
و ظلٌّ أسود ينظر إليها من الأعلى.
“أنقذوني. أنقذوني. أنقذوني. أنقذوني…”
هذه ذكرى منذ عام، اليوم الذي تُركت فيه كاليونا مع أختها الصغرى وحدهما.
كان كابوسًا لليوم الأخير الذي كانت فيه عائلتها الدافئة المحبوبة موجودة.
في تلك الذكرى، التي بدت كأنّها مختومة في صندوق، لا تتذكّرها بوضوح، كانت كاليونا ترتجف من الخوف في كلّ مرّة.
خلفها، كان هناك خزانة أخفت فيها أختها، وأمام النافذة المكسورة، كانت جثتا والديها ممزّقتان كخرقة.
على شظايا الزجاج المتناثرة، انعكس وجه وحش أسود، بعشرات، بل مئات العيون المزروعة فيه، وكأنّها تحدّق بكاليونا.
في ذلك اليوم من الماضي، عندما انهارت حماية السحرة بسبب الأرض الرماديّة التي انتشرت فجأةً مع التلوث، و دمرَ ظلٌّ أسود من الأراضي المقدّسة الملوّثة حياتها.
“هل تريدين العيش؟”
تحدّث الوحش إلى كاليونا الباكية.
لكن أن يعرف ظلٌّ من الأراضي المقدّسة الملوّثة لغة البشر كان أمرًا مستحيلاً، لذا كان هذا المشهد بلا شك مجرّد مشهدٍ بلا معنى، مشتقٍّ من ذكرى مشوّهة ومتغيّرة.
“إذًا، هل أعطيكِ فرصة؟”
ابتسم حينها شيطانٌ أكثر رعبًا من الظلّ الأسود، موجّهًا ابتسامته إلى كاليونا.
هزّت كاليونا رأسها بعنف رافضة الردّ.
كانت تعرف جيدًا ما سيحدث بعد ذلك.
لكن، حتّى لو أعماها الخوف، لم تكن ترغب في رؤية ذلك المشهد مجدّدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 43"