في لحظة تشتّت تركيز ليريوفي، ظهر فجأة أمام عينيها فتى ذو شعر أحمر كأوراق القيقب.
أمسك بدلو ماء كان موضوعًا بجانب أحد الأطفال، ثم اختفى بصمت بين أوراق الشجر الخضراء.
شكّت ليريوفي في عينيها للحظة.
‘ما هذا؟ هل رأيتُ خطأً؟’
للحظة، بدا وكأنّ فتى تعرفه قد لوح في رؤيتها…
لكن، كما لو كان يؤكّد أنّه لم يكن وهمًا، ظهر هذه المرّة فتى ذو شعر بنيّ كحبّة البندق، يتسلّل بجرأة بين الأطفال، يحتضن كيسين صغيرين من الطعام، ثم يختفي دون أثر.
“…”
لم تستطع ليريوفي إغلاق فمها المفتوح.
[يا إلهي، هؤلاء الأوغاد… كيف يظهرون فجأة ويتصرّفون بكلّ هذا السلاسة؟ هل رأيتِ ذلك؟ بنظرة واحدة، سرقوا الطعام، ويبدو أنّهم لم يفعلوا ذلك مرّة أو اثنتين!]
حتّى أودر، بدلاً من توبيخ ليريوفي على تشتّتها أثناء التدريب، بدا مصدومًا بقدرها.
والأكثر إثارة للإعجاب أنّ كليهما تحرّكا بمهارة فائقة من زوايا ميتة، بحيث اخترقا المجموعة بجرأة دون أن يراهما أحد.
والأكيد أنّ موقع اختباؤهما كان…
‘فوق الأشجار؟’
هل كانا يتحرّكان طوال الوقت عبر الأشجار؟ شعرت ليريوفي بالريبة وهي ترمش بعينيها بدهشة.
-خشخشة.
لكن، كما لو شعرا بنظرتها، برزت يد فجأة من بين أوراق الشجر الخضراء فوق رأسها، تلوّح لها.
لو لم تكن قد رأتهما يتسلّقان الأشجار للتوّ، لكانت قد صرخت ظنًّا أنّه شبح.
‘…هل يطلب منّي الاقتراب؟’
[ماذا؟ كيف يجرؤ هؤلاء الأوغاد الشبيهون بالسناجب على استدعاء تلميذتي بإشارة يدهم؟]
غضب أودر من نقطة غريبة، لكن ليريوفي، بعد أن نظرت حولها، نهضت بهدوء من مكانها.
لكن قبل أن تخطو بضع خطوات، أمسك أحدهم بكتفها فجأة.
“ليريوفي!”
“آه!”
“ها! لِمَ فزعتِ هكذا؟”
كانت ميلينا، التي بدت مصدومة بقدر ليريوفي.
شعرت ليريوفي بالارتياح والانزعاج في آنٍ واحد.
“ما الأمر؟ لقد فاجأتِني بظهوركِ المفاجئ وإمساككِ بي.”
“آه، آسفة، آسفة! لم أقصد إخافتكِ أبدًا…”
“لا بأس، لا بأس. لكن ما الأمر؟ هل لديكِ شيء تريدين قوله؟”
نظرت ليريوفي حولها، فكانت اليد بين أوراق الشجر قد اختفت تمامًا.
حثّت ميلينا على الردّ بسرعة لتتمكّن من إنهاء المحادثة.
“أمم، ليس شيئًا كبيرًا، لكنّني أردتُ مشاركتكِ بالماء والخبز بعيدًا عن أنظار كارم!”
كما توقّعت، جاءت ميلينا لتعطيها طعامًا مرّة أخرى.
لكن ليريوفي كانت لا تزال حذرة من مجموعة جايد، حتّى لو كانت ميلينا هي المعنيّة.
“لا حاجة. إنّه نصيبكِ، فكليه أنتِ.”
“لا، لا ترفضي!”
رفضت ليريوفي مرّة أخرى، لكن ميلينا لم تستسلم.
كانت نبرتها الحازمة نادرًا، بل بدت يائسة بشكل غريب.
كان من الطبيعيّ أن تشعر ليريوفي بالريبة.
نظرت إليها بعيون متفحّصة.
“الآن وقد ذكرتِ ذلك، بدأتِ تتصرفين بشكل غريب مؤخرًا. لِمَ تحاولين دائمًا مشاركتي طعامكِ؟”
“فـ-فقط لأنّكِ لا تحصلين على طعام، فخشيتُ أن تكوني جائعة.”
“لا، بالتأكيد ليس هذا السبب الوحيد. هل تخفين عنّي شيئًا؟”
“ذ-ذلك…!”
لو تصرّفت بشكل طبيعيّ، لربّما لم تجد ليريوفي مبرّرًا للضغط عليها، لكن ميلينا كانت سيّئة جدًّا في الكذب.
ارتجفت كما لو كانت مذنبة، ولم تستطع مواجهة عيني ليريوفي، وبدأت تتصرّف بعصبيّة.
[ما هذا؟ هل وضعت سمًّا في الطعام؟]
ردُّ فعلها جعل أودر يصبح أكثر توترًا.
نظرت ليريوفي إلى ميلينا بوجه أكثر برودة من قبل واقتربت منها بخطوة مهدّدة.
“ما الأمر؟ إذًا كنتِ تخطّطين لشيء ما؟”
[اسحبيها إلى زاوية واستجوبيها الآن!]
“ما الذي تخفينه عنّي؟ إذا لم ترغبي في التورّط، فتحدّثي بصراحة الآن.”
[لا تكتفي بالكلام، أظهري ذلك بالفعل!]
زاد صراخ أودر من حدّة التوتر في الموقف.
“أ- أنا- أنا… ليس ذلك، ليس بسبب سببٍ آخر…!”
لكن اضطرّت ليريوفي إلى تأجيل سماع ردّ ميلينا قليلاً.
“ميلينا! أيتها الحقيرة، لقد قبضتُ عليكِ!”
“آه، آه!”
فجأة، اندفع كارم من بعيد، ممسكًا بشعر ميلينا بعنف.
“يا أنتِ، هل تعتقدينني أحمق؟ ألم أقل لكِ ألّا تتصرّفي دون إذني؟ ومع ذلك، تتجولين بالطعام؟ من أين تأتي كلّ هذه الجرأة؟!”
“ما الذي تفعله؟ ألا تستطيع إفلات يدك لدقيقة.”
“ماذا، ماذا؟ رقم 28، ابقي بعيدة! هذا أمر بيني وبين ميلينا!”
على الرغم من أنّه بدا واضحًا أنّ كارم يضايق ميلينا بسبب ليريوفي، إلّا أنّه أصرّ على موقفه.
على الرغم من أنّ ليريوفي كانت مصدر استيائه، إلّا أنّه لم يجرؤ على لمسها مباشرة، واكتفى بإفراغ غضبه على ميلينا الضعيفة، وهو تصرّف ينمّ عن جُبنٍ.
“كا- كارم! لا تغضب هكذا! ألم يقل جايد بالأمس… إنّه لن يسمح بتخلّف أحد وسيأخذ الجميع إلى الوجهة. لذا، إذا كان هناك من يعاني، يجب أن نساعد بعضنا…”
“ها! أيتها الحمقاء. منذ متى وأنتِ لا تفهمين مكانكِ؟”
حاولت ميلينا تهدئة كارم بأيّ طريقة، لكن كارم، الذي كان نموذجًا للضعف أمام الأقوياء والقوّة أمام الضعفاء، لم يكن ليقتنع بسهولة.
بل سخر منها باستهزاء.
“هل تعتقدين أنّكما من رفاقه؟ الرفاق الذين يتحدّث عنهم جايد للوصول إلى الأراضي الداخليّة ليسوا أمثالكِ أو تلك الفتيات الطعم، بل الأشخاص المساوون لي وللأطفال هناك!”
[تسك. يبدو أنّ هذا الفتى هو من لا يفهم مكانه.]
كان رأي ليريوفي مماثلاً.
منذ القدم، كان مصير من يسيئون فهم مكانتهم يأتي بسرعة.
“تبًّا، ماذا تفعلون الآن؟ لِمَ لا تستعدّون للانطلاق وتقفون هنا تثرثرون دون فائدة؟”
“آه، جايد! جئتَ في الوقت المناسب! هؤلاء لا يستمعون، لذا كنتُ أعلّمهم درسًا نيابةً عنك.”
تصرّف كارم كما لو أنّه حصل على دعم قويّ، محدّقًا بليريوفي بنظرة خبيثة، ثم بدأ يتملّق جايد الذي عاد حاملاً صندوق الإمدادات.
“الطريق أمامنا طويل، ولا يمكن أن يعيقنا هؤلاء الحمقى! لذا، ألا تعتقد أنّه من الأفضل التخلّص من العبء في القسم التالي…؟”
-صفع!
“أيّها الحقير، كم مرّة أخبرتك؟”
-صفع! صفع!
“آه!”
“قلتُ إنّني سآخذ الجميع هنا إلى الوجهة، ألم أخبرك بذلك بوضوح؟”
-صفع…!
“أغ!”
“هل تعتقد أنّ كلامي هراء؟ ها؟”
تردّد صدى الصفعات القاسية من يد جايد السميكة ممزوجًا بأنفاسه الثقيلة.
-فش!
كما لو أنّه لا يستطيع التحكّم بغضبه، ظهرت كرة نارية تهدّد بجانب جايد، تنبعث منها حرارة شديدة.
‘هذا…’
في تلك اللحظة، أظلمت ملامح ليريوفي.
‘كنتُ أشكّ قليلاً منذ فترة، لكن لم يكن وهمًا. قوّته أصبحت أقوى بكثير من قبل.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"