واجه الفتى هذا الغضب مباشرة، وومضت في عينيه لمعة غريبة مماثلة لتلك التي رأتها من قبل.
“لم أفعل سوى ما يجب القيام به، فلِمَ الغضب؟”
“ما يجب القيام به؟”
“تصفية من لا يستحقّ الوجود هنا.”
“من لا يستحقّ؟”
“نعم، تلك التي ناديتِها للتو بـ‘أختي’.”
نظرت عيناه الباردتان، الخاليتان من أيّ حرارة، إلى الفتاة في أحضان ليريوفي بنظرة جافّة.
“سيكون من الأفضل لكِ لو تركتِها الآن.”
على الرغم من النبرة الاستفزازيّة الخفيفة، كان كلامه واثقًا بغطرسة، كأنّه ينطق بالحقيقة المطلقة.
“بيليغوت ليست مكانًا سهلاً يمكن للمرء أن يعيش فيه بسهولة وهو يحمل عبئًا لا يجيد سوى امتصاص قوى الآخرين.”
“…عبئًا عديم النفع؟”
“من وجهة نظر العلقة، أليس من الأفضل أن تغمض عينيها بهدوء الآن بدلاً من المعاناة والموت بشقاء؟”
كلّ كلمة خرجت من شفتي فيلكياس الأنيقتين كانت كأنّها تستهدف ليريوفي عمدًا، تخترق قلبها بلا رحمة.
ابتلعت ليريوفي المشاعر المؤلمة التي كادت تنفجر من صدرها، وعضّت شفتيها بقوّة.
‘أختي…’
أخت ليريوفي اضطرت لتحمّل معاناة نصف حياتها بسبب أختها الصغرى العلقة التي تستحقّ الموت.
“…لا تتفوّه بأيّ كلامٍ مجنونٍ يخطر ببالك.”
كيف يمكن للجميع أن يعاملوا أختها كعبء عديم الفائدة فقط لأنّها مريضة مؤقتًا؟
لا أحد يملك الحقّ في ذلك.
كان عنقها مشدودًا من محاولة كبح العواطف الجيّاشة، وأظافرها تخترق راحة يدها المعصورة بقوّة.
تنفّست ليريوفي بعمق، وهي لم تستطع بعد تهدئة غضبها المتأجّج.
“ما الذي تعرفه عن أختي لتتكلّم هكذا؟”
“أنا لا أفهم سبب غضبكِ.”
على الأقل، لم يبدُ كلامه كأنّه يحاول استفزازها عمدًا للتسلية.
بل كانت عيناه الثاقبتان، كخيوط العنكبوت، تتفحّصان وجهها المتجمّد بعناية.
“هل تُعتبر تسمية الإنسان إنسانًا، والكلب كلبًا، والحشرة حشرةً إهانة؟”
لكن ذلك لم يزد سوى في إثارة غضب ليريوفي.
“هل لديكَ عائلة؟”
مالَ رأسه قليلاً إلى الجانب عند سماع صوتها الرقيق، الذي بدا باردًا من شدّة توهّجه.
“إذا كنتِ تقصدين العلاقات البيولوجيّة، فلديّ شخص يمكن تسميته أمّي.”
“حسنًا، يبدو أنّكَ، بما أنّكَ تتفوّه بمثل هذه الكلمات البذيئة و الحقيرة للغرباء، لم تتلقَ تربيةً لائقة من أمّكَ.”
“ماذا؟”
“أظنّ أنّ أمّكَ كانت من النوع المتسيّب الذي لا يهتمّ إذا ما أصبح ابنها شخصًا وقحًا وجاهلاً.”
“ماذا قلتِ؟”
“لِمَ أنتَ مصدوم؟ كلامكَ بذيء، وتصرّفاتكَ تدلّ على جهلك بأبسط قواعد التربية. وأمّكَ التي ربّتكَ هكذا تتحمّل مسؤوليّة إهمالها في تربيتكَ. لقد قلتُ الحقيقة، فلا داعي للغضب، أليس كذلك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 33"