كانت ليريوفي تردّ دون تفكير، لكنّها توقّفت فجأة، متفاجئةً بصوت أودر الحادّ الذي اخترق ذهنها.
[يا لل…! هل تعرفين مع من تتحدّثين الآن؟!]
بالتفكير في الأمر، كان هناك شيء غريب.
عادةً، الأشخاص الذين يتحدّثون إلى ليريوفي من المجموعة هم ميلينا أو كارم أو جايد، لكن الصوت الذي سمعته الآن لم يكن يخصّ أيًّا منهم.
ومع ذلك، لم يكن صوتًا غريبًا تمامًا، بل كان يحمل شعورًا غريبًا وكأنّها سمعته مؤخرًا في مكان ما…
تحت وطأة شعور غريب بالتنافر، حرّكت عينيها ببطء إلى الجانب، لترى فتىً ذا شعر فضّيّ يظهر في نطاق رؤيتها.
“حتّى لو كان الأمر كذلك، فإنّ أكل الأعشاب مباشرةً هو ذوق غريب.”
أغمضت عينيها ثمّ فتحتهما مرّة أخرى، غير قادرة على تصديق ما تراه، لكنّ الشخص الذي أمامها لم يختفِ.
كان ذلك الفتى ذو الشعر الفضّيّ والعينين الحمراوين، الذي ظهر فجأةً بالأمس وحاول قتلها، والذي تُرجّح أنّه الحبيب السابق لأختها.
كان يجلس على ركبتيه بجانب ليريوفي، بوجه بارد كما كان بالأمس.
في اللحظة التي أدركت وجوده، شعرت بقلبها يهوي.
لكن، كما يُقال، أحيانًا عندما يكون الخوف شديدًا، قد لا تستطيع إظهار أيّ ردّ فعل. وهذا بالضبط ما حدث لليريوفي.
تجمّدت، منتصبة الظهر كالخروف أمام فم الذئب، حتّى أنّها توقّفت عن التنفّس.
سواء أكان يعرف حالتها أم لا، مدّ الفتى يده نحوها بوجه لا يُمكن قراءة أفكاره.
لكن في اللحظة التالية، لم تهاجم يده الناعمة كالجليد ليريوفي، بل أخذت عشبةً كانت تمسكها.
“الرقم 28! سننطلق الآن، فانهضي بسرعة! والفتى بجانبكِ أيضًا… مهلاً؟ لِمَ أشعر وكأنّني أراه للمرّة الأولى اليوم؟ ربّما هذا خيالي… على أيّ حال، أسرعا!”
هل أصيب كارم بالعمى؟
مالت ليريوفي برأسها، ناظرةً إلى كارم الذي استدار بعيدًا بوجه مندهش.
الفتى الجالس بجانب ليريوفي لم يكن، مهما نظرت، جزءًا من مجموعة جايد.
أولاً، على عكس الأطفال ذوي المظهر القذر نوعًا ما، كان هذا الفتى يرتدي ملابس نظيفة بشكل لافت، وأكثر من ذلك، كان يرتدي عباءة زرقاء داكنة ترمز إلى البرج السحريّ الشماليّ.
بل إنّ العباءة مزيّنة بأربعة أزواج من الأجنحة.
عند التفكير في أنّ معظم السحرة يصلون إلى حدّهم عند زوجين من الأجنحة طوال حياتهم، يمكن تخيّل مدى الإنجاز العظيم الذي حقّقه هذا الفتى في مثل سنه.
ومع ذلك، كيف لا يرى كارم أنّ هذا الشخص لا ينتمي إلى هنا، رغم أنّ عينيه مفتوحتان؟
هذا لا يُعقل.
“ليريوفي! آه، لا تزالين هنا! أليس من الصعب عليكِ عدم تناول شيء؟ خذي، سأشارككِ بعض الماء.”
نهضت ليريوفي بسرعة وهرعت نحو ميلينا التي كانت تقترب.
ثمّ أمسكت بذراعها وهمست بصوت منخفض قدر الإمكان:
“ميلينا، هل يمكنكِ معرفة من هو الفتى خلفي الآن؟”
نظرت ميلينا بتساؤل إلى ظهر ليريوفي. تبعتها ليريوفي بنظرها.
في تلك الأثناء، نهض الفتى وأخذ ينظر إلى العشبة التي أخذها من ليريوفي.
ثمّ مال برأسه قليلاً، وحرّك يده.
رأت ليريوفي أوراق النبتة الخضراء تلامس شفتيه الحمراوين، الملوّن الوحيد البارز فيه، فأدارت رأسها فجأة، وكأنّها رأت شيئًا لا ينبغي رؤيته.
“همم؟ ليريوفي، ما الذي تقصدينه؟ يبدو وكأنّني أراه للمرّة الأولى، لكنّه على أيّ حال من رفاقنا، أليس كذلك؟”
لم تدرِ ليريوفي كيف تردّ على إجابة ميلينا المتناقضة.
هل هي حقًّا لا تدرك مدى تناقض كلامها؟
[إنّها تعويذة إرباك الإدراك! وهي من مستوى عالٍ جدًّا. لا أعلم إن كان ذلك مقصودًا منه، لكن يبدو أنّ التعويذة لا تؤثّر عليكِ.]
عند كلام أودر، شعرت ليريوفي بالدوار.
‘إذًا، ماذا أفعل؟ هل أتظاهر بأنّني لا أعرفه أيضًا؟’
[اهدئي أولاً. على الأقل، لا أشعر بأيّ نيةِ قتل منه الآن.]
بينما كانت ليريوفي لا تزال تحاول تحديد كيفيّة التصرّف، عبس الفتى فجأة ولفظ العشبة التي كان يمضغها على الأرض.
ثمّ اقترب منها وقال بنبرة متذمّرة:
“هذه، طعمها سيّء.”
“…”
“لِمَ تأكلين مثل هذا؟ هل تعتقدين حقًّا أنّ طعمه جيّد؟”
عندما لم تجب ليريوفي بنعم أو لا، نظر إليها الفتى بعينين تعكسان استياءً خفيفًا، ثمّ أومأ برأسه كأنّه فهم شيئًا.
“حسنًا. ذوقكِ غريب إذًا.”
ثمّ أعاد النبتة التي قضم منها ورقة إلى يد ليريوفي بلطف.
“خذي الباقي، كليها.”
“…”
لم تدرِ ليريوفي كيف تتعامل مع هذا الموقف…
[هذا الفتى… يظهر فجأة ويتحدّث بكلّ أريحيّة! هل حقًّا لا يعلم أنّ تعويذة إرباك الإدراك لم تؤثّر عليكِ؟]
تمتم أودر بدهشة، معبّرًا عن مشاعر ليريوفي.
لكن، ما الذي حدث هذه المرّة؟
“بالمناسبة، أنتِ…”
بدأت عينا الفتى الحمراوان تتفحّصان ليريوفي من الأعلى إلى الأسفل ببطء.
تراجعت ليريوفي بحذر، وتشنّج جسدها.
لكنّ ما قاله الفتى بعد ذلك بصوت منخفض من شفتيه المثاليّتين كان مختلفًا تمامًا عمّا توقّعته.
“ما السبب؟ انتِ تبدين قذرة في كلّ مرّة أراكِ.”
“ماذا؟”
“وكأنّ هناك رائحةً أيضًا.”
كان صوت الفتى جافًّا وباردًا بشكل لاذع، لكنّه بفضل أناقته الفطريّة بدا كنغمة موسيقيّة رائعة.
التعليقات لهذا الفصل " 32"