الفصل 21
لم يمضِ وقتٌ طويل حتّى شعرت بالاهتزاز المألوف في الأرض.
-كوكوونغ!
أخيرًا، ظهر الدودة الضخمة التي كانت تنتظرها ليريوفي، اخترقت الأرض الجافّة أمامها.
“ما هذا مرّة أخرى!”
تفاجأ الجميع من ظهور الكائن الغريب.
في هذه اللحظة، كانت ليريوفي الوحيدة التي ترحّب بالأوم العملاق.
مع ذلك، كان جايد سريع البديهة فعلاً. أطلق كرة نارٍ عاجلة على جسم الأوم الذي فتح فمه الأسود واندفع نحوه.
زأر الأوم بشراسة بعد الإصابة. كان الصوت قويًّا لدرجة أنّ الاهتزاز في الهواء هزّ شعر ليريوفي.
“ابتعدوا بسرعة!”
“لا مكان للهرب!”
“اللعنة، ما هذا الوضع الجنونيّ…!”
للأسف، لم تنفع أسلحة الأطفال الآخرين ضدّ الأوم.
انزلقت الرماح الخشبيّة على الجلد الصلب، وطارت شفرات الفؤوس بعيدًا.
حاولوا الهروب في أيّ اتّجاه، لكن الأوم الضخم وحقل الثمار المحترق سدّا الطريق أمامهم وخلفهم.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الأرض التي خرج منها الأوم تنهار تدريجيًّا، فغرقت أجسادهم نحو الأسفل.
في هذا الوضع الطارئ غير المتوقّع، أطلق جايد تعاويذه دون تردّد. قرّر أنّ قتل الأوم أمامه أوّلًا أفضل.
النور الأحمر المتواصل، والحرارة الساخنة المختلطة بعاصفة الرمل التي تهبّ على الوجه أعمت بصر ليريوفي.
لحسن الحظ، أصيب الأوم بجرحٍ قاتل من سحر جايد وسقط.
‘بهذا، تسع مرّات.’
حتّى عندما تنهد الجميع براحة، لم تتوقّف ليريوفي عن العدّ.
[يا متعاقدتي، يبدو أنّ حسابكِ خاطئ؟ لا أعرف خطّتكِ بالضبط، لكن ألم تكوني تنوين إيذاء هذا الفتى؟ لقد قتل النحل والأوم، وهو لا يزال بخير. ماذا الآن؟]
كما قالت، سقط الأوم، وبدا جايد متعبًا قليلاً لكنّه سليم دون إصابات.
“اركضوا! من الآن، لا تتوقّفوا واركضوا بأقصى سرعة إلى المخبأ المؤقّت!”
لكن في هذه اللحظة، كانت ليريوفي متأكّدة من نجاح خطّتها.
-ددددوك!
“لحظة، لِمَ تهتزّ الأرض مرّة أخرى؟”
تجمّد أفراد مجموعة جايد عند الاهتزاز المشؤوم الجديد.
-كووونغ!
أخيرًا، تحقّقت مخاوفهم، وظهرت دودةٌ بيضاء عملاقة آخرى أمامهم.
“هل هناك واحد آخر؟!”
من المنطقيّ التفكير في ذلك.
كان موسم تكاثر الأوم، ولا يمكن لكائن غير ذاتيّ التلقيح قضاء الموسم وحده.
-كوكوكونغ!
لا، ليس اثنان فقط.
سرعان ما بدأ الأوم الثالث والرابع يظهرون من الأرض عند سماع الضجيج.
“جايد! افعل شيئًا بسرعة!”
“آه، أنقذونا…!”
ظهر اليأس على وجه جايد.
كان يتجوّل في مناطق آمنة نسبيًّا، يحكم الأطفال وحده.
كلّ شيء سار بسلاسة، فأدّت غفلته إلى خطأٍ فادح.
عضّ أسنانه، وتخلّص من تردّده، وأخرج جوهرةً صغيرة من جيبه ورماها بقوّة.
-كواكوانغ!
كانت حجر مانا انفجاريّ، سلاحه السريّ. لكن حتّى ذلك لم يقتل كلّ الأوم.
أطلق جايد كرات نارٍ أخرى، لكن المانا خاصته نفدت قبل سقوط الباقين.
اختفت الكرة الناريّة الثانية عشرة في الهواء كشمعة.
“اللعنة، ما هذا الهراء.”
مع آخر شتيمة ككلمة أخيرة، ابتلع الأوم مجموعة جايد بأكملها بلقمة واحدة.
* * *
“آه!”
“أنقذونا!”
كان جسم الأوم الزلق ككيس ماءٍ عملاق.
“يا، لا تدفعني!”
“إنّنا ننزلق للأسفل، ماذا تفعل أيّها المجنون؟!”
لم يكن للأوم معدة أو مريء منفصل. لذا، انزلقت ليريوفي ومجموعة جايد مع كومة التراب التي ابتلعها، إلى أعماق أحشائه.
[يا إلهي، في حياتي كلّها، لم أتوقّع أن أدخل بطن دودة! شكرًا لكِ، أنا أعيش تجارب بائسة بفضلكِ!]
بدا الصوت في رأسها مصدومًا جدًا من الوضع.
كما قالت، كانت تجربة الدخول إلى بطن كائن حيٍّ وهو على قيد الحياة غريبة جدًا.
بالإضافة إلى ذلك، بمجرّد وصول ليريوفي ومجموعة جايد إلى أعماق البطن، بدأت أحشاء الأوم في إفراز مخاط.
تجاهلت ليريوفي الفوضى من الأطفال، وراقبت المحيط، فرأت عدّة كراتٍ كالشرنقة.
بالتدقيق، لم تكن شرنقة، بل غشاء أبيض شبه شفّاف من المخاط، وداخلها فرائس سابقة للأوم، متكوّرة بعيونٍ مغلقة.
كانت فقاعاتٌ تظهر من أنوف وأفواه الفرائس، دليلاً على أنّها حيّة.
كان هذا طريقة الأوم الفريدة لحفظ الطعام للخروج من السبات.
لكن مجموعة جايد، عند رؤية الحيوانات المحفوظة حيّة، صاحت برعب.
في تلك الأثناء، رأت ليريوفي شخصًا مألوفًا داخل كرة مخاط نصف ممتلئة.
لاحظ الفتى ذو الشعر الأحمر ليريوفي أيضًا، فحرّك فمه وطرق الغشاء بقبضته.
فتحت ليريوفي عينيها البنفسجيّتين واسعًا.
بالنظر إلى وجود عدّدٍ من الأوم، كان لقاؤها بالفتى ذي الشعر الأحمر هنا مصادفةً هائلة.
“اصمتوا، أنتم مزعجون!”
أخرج جايد سكّينًا قابلًا للطيّ من جيبه وطعن جدار الأحشاء بقوّة.
لكن الشفرة الضعيفة انزلقت على اللحم المرن، دون خدش الأنسجة الداخليّة.
“اللعنة!”
“أخرجوني. أريد الخروج! أمّي!”
بدأ فينيس يصرخ مذعورًا، ممسكًا رأسه، بينما حاول رفاق جايد الآخرون الصعود إلى حلق الأوم، لكنهم انزلقوا مرارًا.
ليزيد الطين بلّة، بدأت شعيراتٌ ورديّة ناعمة من الجدار الداخليّ تغسل أجسادهم كالمكوّنات.
شعرت ليريوفي بقشعريرة من الملمس الناعم على جلدها، لكنّها كانت تعلم أنّ هذا لن يدوم، فتحمّلت.
كان تخمين ليريوفي صحيحًا.
عندما بدأت شعيرات الأوم تفرز سائل هضميّ وتمتصّ الرطوبة من الفريسة، تصلّب الجدار الداخليّ خلفها فجأة كأنّه لُسع.
-وووو!
ثم بدأ اهتزازٌ عنيف لا يُقارن بالسابق.
“آه!”
“ماذا الآن؟!”
كأنّ الأوم يتلوّى بعنف، انقلبت الأرض والسقف الداخليّان عشوائيًّا.
لم تستقرّ الفرائس في مكانها، بل تصادموا وتدحرجوا.
ذُعرت مجموعة جايد أكثر من الكرات المخاطيّة المتدحرجة.
عضّت ليريوفي لسانها لتجنّب عضّه، وغطّت رأسها بيديها.
فجأة، ضاق الفضاء الداخليّ، وضُغطت الجدران المتشنّجة من كلّ جانب.
ثم جذبتهم قوّةٌ قويّة نحو الأعلى كأنّها تستخرجهم.
* * *
-كوكوكوكونغ!
“أوك!”
“كح، كح!”
عندما استيقظت ليريوفي، كانت تتدحرج على الأرض الجافّة.
كانت الفرائس الأخرى التي قذفها الأوم تتلوّى في المخاط اللزج.
قامت ليريوفي بالتقيّؤ عند قصد عدّة مرّات خوفًا من ابتلاع شيءٍ سامّ، فبصقت اللعاب اللزج.
-كرووو!
في تلك اللحظة، رنّ زئيرٌ يصمّ الآذان بجانبها.
انهار جسم الأوم الأبيض الضخم مع زئيرٍ أخير.
أدارت ليريوفي رأسها وأغلقت عينيها مسبقًا، فهبّت عاصفةٌ هوجاء.
غطّى غبارٌ أبيض بصرها فورًا.
“ماذا؟ هل ماتت هذه الدودة الآن؟”
“لا أرى أمامي!”
لم يتمكّن أفراد جايد من فتح عيونهم بسبب عاصفة الرمل المفاجئة.
لم يلاحظوا تحرّك ليريوفي المتعثّر خلفهم.
“اللعنة، يا للسوء! يا أيّها الأوغاد! تعالوا هنا…”
-ضربة!
“آخ؟!”
انحنى رأس جايد جانبًا بعد ضربةٍ قويّة بشيءٍ صلب.
رفع ذراعيه دفاعًا غريزيًّا، لكن بعد ضربةٍ أخرى هزّت رأسه، سقط على الأرض.
“أنتَ، من…”
-ضربة!
“أيّ وغد… أخ!”
-ضربة! ركلة…!
دون سحره، كان جايد مجرّد فتىً عاديّ في المراهقة.
لم يكن لديه فرصة ضدّ هجومٍ مفاجئ صامت في حالة عدم الاستعداد، خاصةً أنّ المهاجم كان شخصًا مليئًا بالشرّ، اختار تلطيخ يديه بالدم.
في النهاية، تلقّى جايد ضرباتٍ متتالية على رأسه دون رؤية وجه المهاجم، فسقط وهو يرتجف.
التعليقات