الفصل 12

[هل تُعدّين للمغادرة دون حتّى لحظة لالتقاط الأنفاس؟]  

‘نعم، فكلّما غادرنا هذا المكان بسرعة، كان ذلك أفضل لكاليونا.’  

في المكان الذي تركته ليريوفي، كانت لا تزال علامة سحريّة ضخمة تطفو في الجو.  

في ظلّ احتمال قدوم ضيوف غير مرغوب فيهم بسبب تلك العلامة، لم يكن التأخّر خيارًا جيّدًا.  

[وماذا عن ذلك الفتى؟]  

توقّفت ليريوفي لحظةً عند هذا السؤال.  

انزلقت نظرتها نحو الفتى المُمدد بجانب كاليونا.  

دينو، الفتى ذو الشعر البنيّ الذي حاول الفتى ذو الشعر الأحمر حمايته بصفته الزعيم حتّى النهاية.  

‘في الوقت الحالي… لا خيار سوى تركه.’  

أظلمت ملامح ليريوفي قليلًا، لكنّها سرعان ما تماسكت.  

على الرغم من الوعد الضمنيّ مع الفتى ذي الشعر الأحمر، لم تشعر بأيّ التزامٍ بتحقيقه.  

الأهمّ من ذلك، كانت بالكاد قادرةً على حماية نفسها وكاليونا. 

في ظلّ حدودها الواضحة، لم يكن عليها أن تُربك أولوياتها.  

محاولة إنقاذ شخصٍ آخر في هذه الظروف ليست سوى غرورٍ وتهوّر.  

[تبدين، على عكس مظهركِ البريء و النقي، قاسيةً بعض الشيء. ألم ترمي ذلك الفتى ذا الشعر الأحمر للدودة دون ذرة تردّد؟]  

تحدّث الصوت في رأسها بنبرةٍ بين السخرية والإعجاب. لكن ليريوفي تجاهلته وعلّقت حقيبة الأغراض على كتفها.  

مع ذلك، قبل المغادرة، تردّدت للحظة، ثم وضعت بعض الطعام الجاف والماء من الحقيبة بجانب الفتى ذي الشعر البنيّ.  

بهذا، شعرت أنّها أوفت بالحدّ الأدنى من الواجب تجاه تضحية الفتى ذي الشعر الأحمر.  

‘وعلى أيّ حال، إذا حالف الحظ ذلك الفتى ذا الشعر الأحمر، قد نلتقي به حيًّا لاحقًا.’  

الأوم كائنٌ يحفظ فريسته حيّةً لفترةٍ طويلة بعد انتهاء فترة السبات.  

إذا استخدم الفتى ذو الشعر الأحمر ذكاءه، قد يجد طريقةً للهروب قبل أن يصبح طعامًا للدودة.  

[إذن، إلى أين ستتّجهين الآن؟]  

‘الجنوب.’  

[وما الذي يوجد هناك؟]  

‘الطريق الأقصر إلى المنطقة الداخليّة.’  

معرفة الماضي والمستقبل ميزةٌ لا تُضاهى.  

ما لم تحدث متغيّرات كبيرة، كانت ليريوفي تعرف أفضل الخيارات كفاءةً.  

في الأصل، قال الساحر المسؤول عن حفل الاستقبال إنّ الأطفال الذين “يثبتون أهليّتهم” فقط يمكنهم دخول المنطقة الداخليّة.  

على الرغم من غموض هذا القول، كانت ليريوفي تعرف من تجربتها السابقة ما يجب فعله.  

هذه المرّة، ستتمكّن من إخراج كاليونا من المنطقة الخارجيّة بأمانٍ وسرعة دون أخطاء الماضي.  

حملت ليريوفي كاليونا على ظهرها، وأغلقت مدخل الكهف مجدّدًا، ثم رفعت رأسها لترى علامة الطريق التي رصدتها سابقًا.  

في الأفق، كانت شجرةٌ غريبة الشكل، طويلةٌ كأنّها تمتدّ إلى السقف، تشير إلى الاتّجاه.  

وفقًا لذكرياتها، يجب أن تتحرّك نحو تلك النقطة.  

خطت ليريوفي للأمام بحماسٍ وثقة.  

شعرت أنّها قادرةٌ على فعل أيّ شيء، وأنّ كلّ شيء سيسير على ما يرام.  

لكن هذا الشعور الإيجابيّ لم يدم طويلًا.  

“هاف، هاف… آه، هاف هاف.”  

[يا إلهي، هل أنتِ بخير؟]  

“هاف… هاف، هاف. هف…”  

[يبدو أنّ أنفاسكِ على وشك التوقّف.]  

كانت قوّتها البدنيّة في سنّ الثالثة عشرة أسوأ ممّا تخيّلت. 

توقّعت ألّا تستطيع السير طويلًا وهي تحمل كاليونا، لكن أن تصل إلى هذا الحدّ من الإرهاق بهذه السرعة؟  

‘لا، يمكنني تحمّل هذا…’  

“هاف هاف!”  

‘لكن بالإرادة يمكنني التغلّب عليه.’  

“هف، هاف، هاف…”  

‘يجب أن أتغلّب عليه…’  

“آخ!”  

في النهاية، استسلمت ليريوفي للإحباط مبكرًا وانهارت جالسةً.  

[أنتِ… حسنًا، لا بأس. خذي قسطًا من الراحة. هناك، حيث تتجمّع ثلاث شجرات، يبدو مكانًا جيّدًا للراحة.]  

شعرت ليريوفي بالخجل والإحباط من النبرة الفاترة التي تحثّها.  

كانت تعتقد أنّها لا تُضاهى في الصبر والمثابرة، لكن هل كان من المستحيل التغلّب على هذا بالجهد وحده؟  

مع ذلك، إدراك حدود جسدها مبكرًا سيكون مفيدًا لاحقًا.  

حاولت ليريوفي التفكير بإيجابيّة، وسارت بأرجلٍ ترتجف كالفَرَس المولود حديثًا نحو المكان الذي أشار إليه الصوت.  

‘سأرتاح لدقيقةٍ واحدة فقط.’  

كان المكان هادئًا، لا يُسمع سوى أنفاسها المتقطّعة وأصوات الحشرات المتقطّعة.  

حين نظرت حولها، رأت أشجارًا متعفّنة، وأعشابًا جافة، وكهوفًا طينيّة، وصخورًا متناثرة.  

غمرها شعورٌ غريب وهي تتأمّل هذا المشهد القاحل، مدركةً حقيقة وجودها في المنطقة الخارجيّة.  

‘أنا حقًا في المنطقة الخارجيّة.’  

بينما كانت غارقةً في هذا التأمّل، استمرّت يداها في العمل بنشاط.  

فتّشت الحقيبة التي جمعتها، فخرجت منها أشياء متنوّعة.

ماءٌ وطعامٌ قليل، حبلٌ متّسخ لكنّه متين، وبطانيّة كريهة الرائحة.  

ورأت أيضًا ملابس ممزّقة، وسكّينًا صغيرًا تالفًا، وأعشابًا ذابلة، وزجاجة صغيرة تحتوي على عصارة نباتات، وأغصان جافة لإشعال النار، وأشياء أخرى متفرّقة.  

[هؤلاء الأوغاد، على الرغم من مظهرهم الرثّ، كانوا يملكون الكثير؟]  

‘واضحٌ جدًّا. إمّا أنّهم استولوا على الإمدادات التي يوزّعها برج السحر دوريًّا، أو سرقوها من أطفالٍ آخرين كما فعلوا سابقًا.’  

بدت نبرة الصوت متفاجئة، لكن ليريوفي شعرت بخيبة أمل.

 لم يكن هناك الكثير من الأغراض المفيدة مقارنة بحجم الحقيبة.  

يبدو أنّ الأغراض عالية الجودة، التي تظهر نادرًا في صناديق الإمدادات، لا تُوجد إلّا في المناطق الخطرة بقلب المنطقة الخارجيّة.  

أمسكت ليريوفي بعلبة ماءٍ صغيرة وسكبت بعض الماء في فم كاليونا.  

تذكّرت العلامة السحريّة الضخمة التي رأتها فوق رؤوس المطاردين.  

كان برج السحر الشماليّ يزوّد هذا الفضاء الجوفيّ، المدعو “المنطقة الخارجيّة”، بإمداداتٍ محدودة، ممّا يُشعل صراعاتٍ شرسة بين الأطفال.  

لم تتوقّع أن يُعامل الأطفال الجدد كجزء من الإمدادات أيضًا.  

[لا أفهم أهل بيليغوت. لِمَ يزوّدونهم بالإمدادات ويتركونهم في هذا المكان؟ أليس من الأفضل ربطهم على كراسي وإجبارهم على حفظ المزيد من التعاويذ لتدريب التلاميذ بكفاءة؟]  

رُسِمَت ابتسامةٌ مريرةٌ ممزوجة بالسخرية على شفتي ليريوفي.  

هل هناك حاجة لتكرار كيف يعامل برج السحر الشماليّ حياة الأيتام كالذباب؟  

بيليغوت صمّمت هذا المكان الخطير عمدًا ليشبه الأرض المقدّسة الملوّثة، لاختبار حظّ الأطفال وذكائهم.  

بما أنّ السحرة في هذا العصر يجب أن يكونوا مستعدّين للقتال والموت في الأرض الملوّثة، ربما أرادوا تدريبهم مبكرًا.  

لكن، حتّى مع ذلك، كانت عمليّة الفرز في بيليغوت قاسيةً ووحشيّة بشكلٍ مفرط.  

كانت معاييرهم للأطفال مرتفعةً بشكلٍ غير منطقيّ.  

ربما كان هذا نابعًا من البيئة القاسية في بيليغوت.  

‘في هذه الفترة، ربما كانت سبعون بالمئة من الأراضي الغربيّة قد ابتلعتها الأرض المقدّسة الملوّثة؟’  

يقع برج السحر الشماليّ على الحدود الشماليّة الغربيّة.  

لذا، كان على سحرة بيليغوت أن يكونوا في الخطّ الأوّل للدفاع عن البرج.  

حتّى دون الحديث عن المستقبل، كان البرج الشماليّ يقاتل منذ زمنٍ طويل لاستعادة الأرض الملوّثة.  

‘في طفولتي الساذجة، كنت أعتقد أنّ برج السحر الشماليّ هو الأقوى بين الأبراج الثلاثة، فأعجبتُ به.’  

لولا تلك الأوهام الطفوليّة، لما وضعت قدميها في هذا الجحيم.

على أيّ حال، لم يكن أحد يعلم أنّ برج السحر الشماليّ، الذي بدا وكأنّه يحارب كارثة الأرض الملوّثة، كان في الحقيقة يطمع في قوّتها.  

هل كان سحرة بيليغوت يخطّطون منذ ذلك الحين للاستيلاء على قوّة الكارثة؟  

ومنذ متى علمت كاليونا بهذا؟  

فجأة، خطرت لها فكرة، فنادَت صاحب الصوت.

‘اسمع.’