الفصل 11
‘أعلمُ.’
[هناك شيءٌ ما، فابقي هادئةً قدر الإمكان ولا تُحدثي ضجيجًا.]
يا ليت الأمر كان بهذه السهولة.
فوق ذلك، اقترب المطاردون أكثر من ذي قبل، وتسلّلت همهماتهم المريبة إلى أذنيها.
“هناك شيءٌ غريبٌ بعض الشيء… ألا تذكر تلك الصخرة الكبيرة هناك؟ اذهب وتفقّد المنطقة حولها مرةً أخرى.”
“حسنًا!”
تجمّد وجه ليريوفي.
نظرت جانبًا، فرأت الفتى ذو الشعر الأحمر يعضّ شفتيه بقلق، كأنّه سمع ما سمعته.
تحرّك حلقه صعودًا وهبوطًا ببطء، كأنّه يبتلع لعابه.
في تلك اللحظة، شعرت أنّ إحدى خطوات الأقدام القادمة بدأت تبتعد مسرعةً في الاتجاه المعاكس.
هذا لن يفيد.
‘ربما تكون إثارة الفوضى أفضل.’
[ماذا؟ انتظري لحظة.]
أمسكت ليريوفي بأفعى تتحرّك بجانبها بيديها العاريتين دون تردّد، ورمتها نحو الفتى ذي الشعر الأحمر.
“آه…! ما هذا؟!”
تفاعل الفتى غريزيًّا مع الهجوم المفاجئ.
عندما رأى الأفعى تسقط على كتفه، ارتجف دون وعي وقفز بعيدًا عن جذع الشجرة.
“ها هو! وجدتُ أحد الهاربين هنا! آه…! اللعنة، أفعى!”
الأفعى المُلقاة فجأة أصدرت صوتَ هسهسةٍ وتحرّكت بعنف، ثم هاجمت المطاردين الذين هرعوا نحو الضجيج.
“أليست هذه أفعى سامة؟ دُس عليها! بسرعة!”
“ماذا، وجدتَه؟”
“أنت، أمسك هذا الوغد!”
عاد حتى ذلك الفتى الذي كان يتّجه نحو الصخرة لينضمّ إلى الفوضى.
“يا أحمر الشعر! هل أنت وحدك؟ أين رفاقك الآخرون؟ لا أحد؟”
“أتركوني!”
“آه! هل عضّني هذا الوغد؟!”
“أتركوني، أيّها الأوغاد!”
كما توقّعت، قاوم الفتى ذو الشعر الأحمر بشراسة.
كافح المطاردون كثيرًا للسيطرة عليه.
“ماذا تفعلون؟ سأربطه، فأمسكوه جيدًا!”
في تلك اللحظة، ركل الفتى ذو الشعر الأحمر عضوًا حسّاسًا لأحد المطاردين بلا رحمة.
“آآآخ!”
تردّد صراخٌ مروّع في المنطقة.
انهار الفتى المطارد على الأرض وهو يتلوّى وينتحب.
فتح رفيقه فمه مذهولًا، بينما بدا الفتى ذو الشعر الأحمر مرتبكًا للحظة، كأنّه لم يقصد ذلك.
“أيّها الوغد القذر، ستموت! مجرّد ذبابة لا تُساوي حتى درجة واحدة من قوّة السحر، وتجرؤ…!”
أمسك الفتى المصاب بفخذيه وهو يبكي بغضب، و وجهه أحمر كالدم، وصرّ على أسنانه.
ارتجفت عينا الفتى ذي الشعر الأحمر عند سماع كلمات غامضة تدلّ على شيءٍ أكبر.
“اهدأ! ألم يقل جايد إنّ علينا إحضار من نجدهم أحياء قدر الإمكان؟”
لكن الفتى المصاب، رغم منع رفيقه، لم يتمكّن من فعل شيء، واكتفى بالتحديق بالفتى ذي الشعر الأحمر بنظرة مليئة بالكراهية واللعنات.
“أيّها الوغد، سترى! سأجعلك تبكي وتتوسّل راكعًا أمامي، متمنّيًا الموت!”
لكن ذلك لم يحدث.
-كوووم!
في اللحظة التالية، اخترقت الأرض دودةٌ بيضاء ضخمة بحجم منزل، وابتلعتهم جميعًا.
نشرت الدودة غبارًا كالإعصار، ثم عادت إلى الأرض بجسمها الأبيض الناعم.
“آه، آه، آآآخ…! ساعدوني!”
بقي فتى واحد من المطاردين، لم تبتلعه الدودة، واقفًا وحيدًا في المكان.
هرب مذعورًا وهو يتعثّر بينما تبعته ظلالٌ بيضاء على الأرض.
تحرّكت ليريوفي بهدوء خلفه فوق التربة الناصعة.
“اهربوا جميعًا! إنّه وحش…!”
كما توقّعت، اتّجه الفتى نحو رفاقه.
“ماذا؟ وحش؟ أيّ نوع؟”
“لا أعلم! شيءٌ أبيض لم أره من قبل خرج من الأرض…!”
-كووونغ!
اهتزّت الأرض مرةً أخرى.
“آآآخ!”
“ما هذا؟ أمّي…!”
خرجت دودةٌ ضخمة فاغرة فاهها، وابتلعت المجموعة بأكملها في لقمة واحدة، ثم عادت إلى الأرض كما فعلت من قبل.
هدأت الأرض بعد اهتزازها، وخيّم صمتٌ ثقيل كالظلام.
تحرّكت ليريوفي بعد أن هدأت عاصفة الغبار قليلًا.
[ما هذا الشيء الشبيه باليرقة؟]
‘ألا تعرف الـ”أوم”؟’
[أوم؟]
غطّت ليريوفي فمها وأنفها من الغبار الكثيف، لكن دون جدوى.
عبست وهي تقترب من المكان الذي ظهرت فيه الدودة واختفت.
‘إنّه كائنٌ يعيش غالبًا في أطراف الأرض المقدّسة الملوّثة. ألم تره من قبل؟’
الأوم يمرّ بموسم تكاثرٍ لمدّة شهر بعد أن يصبح بالغًا، ثم يدخل في سباتٍ لثلاث سنوات، وهكذا.
‘من حديث هؤلاء الأطفال، يبدو أنّه كان في فترة سبات، لذا لم يواجهوه من قبل.’
تساءلت ليريوفي إن كان من حسن حظها أو سوئه أن ترى الأوم في موسم تكاثره.
لاحظت أنّ المنطقة خالية من النباتات ذات الجذور العميقة، والتربة جافةٌ جدًّا.
ربما تكون هناك ممرّات تحت الأرض كأنفاق النمل تسمح للأوم بالتحرّك.
لهذا استطاع هذا الكائن الضخم أن يتحرّك دون إحداث ضجيج ويبتلع فريسته.
‘لم أمرّ من هذا الاتّجاه من قبل، فلم أعلم أنّها منطقة الأوم. هل سبق وواجهتِه يا أختي؟’
ربما، من يدري.
كما قالت، في هذه الوقت قبل عودتها بالزمن، كانت ليريوفي فاقدةُ للوعي بسبب حفل الأستقبال.
لم تعرف ما حدث لكاليونا خلال تلك الفترة، لأنّها لم تشرح بالتفصيل.
الآن، لم يعد بإمكانها سؤال أختها، فلا خيار سوى التساؤل بمفردها.
‘على أيّ حال، من الغريب أنّكَ لا تعرف الأوم. حتى طفلٌ في الثالثة سمع باسمه.’
[في قلب الغابة السوداء، مركز الأرض المقدّسة الملوّثة، لا توجد مثل هذه الكائنات.]
بدت نبرته متوتّرة، كأنّ كبرياءه جُرح.
كائنٌ يمتلك معرفة سحريّة تفوق الخيال، بل ويستطيع عكس الزمن، يجهل مثل هذه التفاصيل البسيطة؟
شعرت ليريوفي بغرابة هذا التناقض.
من يكون هذا الكائن على أيّ حال؟
أقرب تخمين هو أنّه شيطانٌ يتغذّى على رغبات البشر وآمالهم.
بالطبع، غضب عندما وصفته ليريوفي بالشيطان.
لكنّه بالتأكيد ليس كائنًا يعرف كلّ شيء، وإلا لما احتاج إلى “عقدٍ” معها.
لا شيء في هذا العالم يُقدَّم مجانًا، فلا بدّ أنّ هذا الكائن يريد شيئًا منها.
لم يكن لديها وقتٌ حتى الآن للتفكير في هذا.
منذ سماعها للصوت الغامض في الغابة السوداء، حدث كلّ شيء بسرعة خارجة عن إرادتها.
هناك الكثير لتكتشفه وتفكّر فيه، لكن الآن ليس وقت التأمّل.
[لِمَ أتيتِذ إلى هنا؟ ماذا لو عادت تلك اليرقة؟]
‘إذا تحرّكتُ بهدوءٍ وحدي، لن تظهر.’
اقتربت ليريوفي بحذر من حفرةٍ في الأرض، وبدأت تجمع أغراض المطاردين.
كانت تحتوي على أشياء تخصّ أطفالًا آخرين شاركوا في حفل الاستقبال وانتهى بهم المطاف هنا.
لو كانوا موجودين، لتردّدت في أخذ أغراضهم، لكنّها الآن مجرّد أشياء مفقودة.
لو لم تظهر الدودة، لكانت هذه الأغراض في أيدي المطاردين، فلم تشعر بالذنب.
‘حان وقت العودة.’
جمعت ليريوفي حتى قطعة طعامٍ سقطت في طريقها إلى الصخرة ووضعتها في جيبها.
[لحظة. ما هذا؟ لمَ تأخذين الأفعى الميتة؟]
‘إنّها طعامٌ ثمين، بالطبع سآخذها.’
[يا إلهي! هل أنتِ جادّة؟]
لم تكن هذه مسألة محرجة، فتجاهلت ليريوفي الصيحة المذهولة في رأسها.
في بيئةٍ قاسية كهذه، حتى نبتةٌ أو حشرةٌ هي موردٌ ثمين.
خفّفت ليريوفي من وقع خطواتها وركضت بسرعة إلى وجهتها.
رفعت حجرًا ثقيلًا ونظرت إلى حفرةٍ صغيرة، فرأت كاليونا نائمةً بهدوء كما تركتها.
فقط عندما رأت أختها، شعرت ليريوفي بالراحة وأطلقت تنهيدةً هادئة.
التعليقات