“أنا… يجب أن أعودَ إلى المنزلِ.”
“آه، بالطبع. هيا نعد بسرعةٍ. سأعد لكِ في البيت الكثير من الأطباق الشهية يا صغيرتي، وسأزين غرفتكِ في لمح البصر. أي لون تحبين؟ ابنتي الجميلة كالأميرات، فلا بد أن تكون غرفتها كغرفة أميرة، أليس كذلك؟”
“لا، ليس هذا ما أعنيه.”
“أنا يجب أن أذهبُ إلى هنا.”
ثم مدت يديها بقوةٍ، ممسكةً بورقة مكتوب عليها عنوان.
[شارع كيسنير الأول، الرقم 98.]
هـم، يبدو أنه يجب أن أذهب أبعد قليلًا.
“إذن، يمكننا أن نمر من هناك ثم نعود إلى البيت.”
“ذلكَ المكان هو بيتي…”
“أها، إنه بيتنا الجديد! أليس كذلك؟”
“…….”
“ما الخطب؟ هل هناك شيء على وجهي؟”
‘لا، ليس هذا. بيتكَ يا سيدي هو بيتكَ، وهذا البيت هو بيتي…’
كدتُ أقول ذلك، لكنني خشيت أن يبكي مجددًا، فأغلقت فمي.
يبدو أن هذا الرجل، الذي يعتبر نفسه أبي، يرى أن من الطبيعي تمامًا أن نعيش معًا.
كل حديث ينتهي إلى “بعد أن ننهي الأمر، نعود إلى البيت”، كأنها نهايةٌ حتميةٌ.
“هل نركب العربة؟ أم أحملكِ على ظهري؟
بل ربما أحملك بين ذراعيّ، سيكون ذلك أفضل، أليس كذلك؟”
“… أستطيع المشي.”
“حسنًا، لنذهب أولًا.”
كلما نطق السيد وايت بكونهِ أبي، شعرت بغثيان يعتصر معدتي.
كنت أتمنى أن أتلقى الإهتمام والمعاملة اللطيفة، لكن هذا اللطف المفرط جعلني أشعر بالدوار.
لذا، مددت يديّ مجددًا وقلت:
“أعطني الورقة، من فضلك.”
لم يسبق لي أن كان لي أب من قبل.
“ها هي.”
هذه المرة، وضعتُ آلة السحب في جيبي العجيب بعنايةٍ، وربطته على خصري، ثم بدأتُ أمشي نحو شارع كيسنير الأول، الرقم 98.
كالعادة، شعرت بخطواته تتبعني من الخلف.
أردت أن أقول “لا حاجة لأن تتبعني”، لكنني خشيت أن يبكي مرةً أخرى فتخليت عن الفكرة.
– كررر…!
بعد أن مشيت طويلًا، بدأت معدتي تصدر أصواتًا كالرعد.
في السابق، كنت أتحمل الجوع ثلاثة أيام دون أن أبالي، لكن يبدو أنني أصبحت أضعف، وفقدت مناعتي ضد الجوع.
“أووه…”
أمسكت بطني، أحاول كبح الجوع، وواصلت المشي بثبات.
لم أرد أن أظهر ضعفًا.
‘لا يجب أن أنهار بسبب شيءٍ صغيرٍ كهذا!’
هكذا عاهدتُ نفسي في تلك اللحظة.
“يا صغيرتي.”
استقام ظهري فجأةً، كأنني لم أكن جائعةً أبدًا، واستدرت بنظرة هادئةٍ.
“ما الأمرُ؟”
كان السيد وايت يفرك بطنه، بوجه يبدو عليه الحرج.
“أنا جائعٌ جدًا لدرجة أنني لم أعد أستطيع المشي. هل نتناول شيئًا في مكان قريب؟”
‘لو لم تتبعني لكان ذلك أفضل…’
كدتُ أقولُ ذلك لكن توقفتُ.
نظرت إليه خلسةً وسألت:
“هل أنت جائع جدًا أيها العم؟”
“نعم، كثيرًا.”
حتى أنه تمايل كما لو كان على وشك السقوط.
نظرت حولي بسرعة.
شارع كيسنير هو أشبه بمنطقة تجارية كبيرة، فلم يكن بعيدًا أن أرى مطعمًا.
“ذاك يبدو باهظ الثمن…”
نظرت يمينًا ويسارًا.
“آه، ذاك سيفي بالغرض.”
رأيت متجرًا متواضعًا بعض الشيء.
مكان كهذا لن يطردني على الأقل.
كنت أنوي الصبر أكثر، لكن ما دام العم جائعًا أيضًا، فلا مفر.
أومأت برأسي نحو السيد وايت ومددت يدي.
ولم تمرَ حتى لحظةٌ ثم لامست يدٌ كبيرةٌ ودافئةٌ يدي.
شعورٌ غريب.
“حـ- حسنًا، لنذهب لتناولِ الطعام معًا.”
* * *
في لمح البصر، وجدت نفسي أمام طاولةٍ ممتلئة بالطعام، أبتلع ريقي مرة بعد أخرى.
كنت أنوي دخول متجر متواضع رخيص، لكن السيد وايت أخذني إلى مكان يشغل مبنى بأكمله كمطعمٍ.
لا عجب أنه المبنى الأكثر لفتًا للانتباه من الخارج.
سلطة طازجة كأنها قطفت للتو من الحقل، وأطباق لحم لامعة بالزيت تملأ المكان.
أشياء لم أرها في حياتي السابقة.
والأغرب أن النادل لم يطردني، بل رحب بي وانحنى ليلقي التحية.
‘هذه حياةٌ مختلفةٌ حقًا..’
مجرد النظر إليها يملأ قلبي بالسعادة.
هل يحق لي أن آكل شيئًا ثمينًا كهذا؟
لم ندفع بعد، أليس كذلك؟
السيد وايت، الذي كان يقول إنه يموت جوعًا، ابتسم بهدوء ومد لي شوكة وملعقة.
“هاكِ، هذا سيكون أسهل لكِ، أليس كذلك؟”
“…. ..”
أمسكت الشوكة والملعقة بيدين مرتعشتين.
“انتظري لحظة.”
ثم بدأ يقطع اللحم بالسكين بمهارة، وفي لحظة وضع أمامي قطع اللحم الصغيرة بحجم اللقمة.
“هاكِ، تناولي أولًا يا صغيرتي.”
“أ- أنا أستطيع فعل ذلك بنفسي.”
“صحيح، ابنتي ربما تفعلها أفضل مني.”
نظرت إلى طبق اللحم الموضوع أمامي بنظرةِ شك.
بحسب ما قاله مافيوس، أنا الآن أعيش حياةً جديدة، لن أتعرض فيها للظلم.
بل على العكس، كتعويض، سأعيش حياة أسعد مما كان يجب أن أحظى به.
لذا، لا بأس على الأرجح.
أفهم ذلك بعقلي، لكن التأقلم فورًا يبدو صعبًا.
كان شكوكي تسبقني دائمًا.
لكن جسدي كان صادقًا.
ما إن فتحت فمي قليلًا حتى بدأ اللعاب يتجمع كأنه سيسيل.
تحت نظراته الثابتة كأنه ينتظرني أن آكل، اضطررت إلى غرس الشوكة في قطعة لحم ووضعتها في فمي.
أشرق وجه السيد وايت أكثر.
“لذيذٌ، أليس كذلك؟”
أومأت برأسي، ولم أكد أنتهي من المضغ حتى أدخلت قطعة أخرى إلى فمي.
لم أذق في حياتي السابقة شيئًا بهذه اللذةِ.
أردت أن أتناول الكثير حتى أشبع تمامًا.
الرجل الذي كنت أظنه مجنونًا بدا الآن أفضل قليلًا…
ربما لأنني أصبحت في السابعة، أشعر أن غرائزي تتقدم على تفكيري أحيانًا.
ربما مجرد شعور عابر.
بينما أتناول الطعام بشراهةٍ، شعرت بنظراتهِ مجددًا.
ابتلعت ما في فمي ورفعت رأسي، فوجدت السيد وايت يسند ذقنه بيده ويبتسم بنظرةٍ راضية.
لم يمس اللحم أمامه بعد.
“ألم تعد جائعًا؟”
“ماذا؟”
“لم تأكل شيئًا.”
عندما يكون هناك طعام لذيذٌ، يجب أن نأكل بسرعةٍ.
“آه، سأتناوله الآن.”
“… حسنًا.”
لكنه بدلًا من أن يمسك بالشوكة والسكين، رفع منديلًا نحو فمي.
“آه…”
احمر وجهي.
يبدو أنني لطخت فمي بالطعامِ.
حقاً كأنني طفلةٌ صغيرة.
فركت فمي بالمنديل بقوةٍ.
ثم خطرت لي فكرةٌ.
إذا كان يعرف اسمي، فربما يعرف أشياء أخرى؟
“هل تعرف كم عمري؟”
“سبع سنوات، أليس كذلك؟”
“وماذا عن يومِ ميلادي؟”
“الثالث من فبراير.”
ذهلت مرةً أخرى.
حتى أنا لم أكن أعرف! لم يخبرني مافيوس بذلك.
“كيف… تعرف كل شيء؟”
“لأنني أبوكِ بالطبع.”
هل عرف ذلك بطريقة طبيعية كما عرفت أنا بعض الأمور هنا؟
أنا فقط من تشعر بالغرابة.
كل شيء عجيب ومدهش بطريقة ما.
“حـ- حسنًا، وكم عمركَ أيها العم؟”
“أنا ثلاثة آلاف ومئة… لا، أقصدُ ستة وعشرون عامًا.”
“قلت للتو ثلاثة آلاف و…”
“أبوكِ في الثامنة والعشرين.”
“ماذا؟ لكنك قلت للتو ستة وعشرين؟”
“هـم، نعم. أنتِ محقة.”
أومأت برأسي بنظرةٍ متشككة.
انحنيت لأغرس الشوكة في اللحم مجددًا، لكنني توقفت.
ما زلت أريد المزيد، لكن معدتي امتلأتْ.
نظرت إلى الطعام المتبقي على الطاولة وفكرت:
“يا للأسف…”
حتى السيد وايت لم يأكل سوى قطعتين.
هل يمكن أن نطلب تغليفهُ؟ أليس ذلك مضيعةً؟
بينما أنظر إلى الطعام بأسى، سألني السيد وايت:
“هل تريدين آيس كريم؟”
“لا، لا بأس.”
“ماذا عن بعض الفاكهةِ؟”
هززت رأسي مجددًا.
‘لا يجب أن أطمع أكثر. قد تحصلُ مشاكل.’
“يبدو أن علينا الآن البحث عن المنزل.”
* * *
“صغيرتي، شارع كيسنير الأول، الرقم 98. صحيح؟”
نظرت إلى الفراغ أمامي ببلاهةٍ.
“نعم… صحيح.”
“لكن أبوكِ لا يرى شيئًا.”
“آه، لقد قال إن هناك منزلًا بالتأكيد.”
فركت عينيّ ونظرت مجددًا.
لكن لماذا أرى أرضًا خالية بدلًا من المنزل؟
أرض واسعة جدًا، جدًا!
بين الرقم 97 والرقم 99، هنا يفترض أن يكون الرقم 98.
الورقة التي تركها مافيوس تقول ذلكَ بوضوح!
حتى الرقم 97 والرقم 99 يبدوان كمنزلين مهجورين على وشك الانهيارِ.
“صغيرتي، مهما نظرت، لا يبدو أن المنزل موجودٌ هنا… ماذا لو ذهبنا إلى المنزل الذي أعددته أنا؟ ستحبينه كثيرًا.”
“مـ- مهلًا لحظة!”
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا.
أسرعت إلى جيبي العجيب، وأخرجت الساعة التي أعطاني إياها مافيوس.
ثم استدرت خفية، وفتحت الغطاء دون تردد، وضغطت على الجوهرة في المنتصف.
“…….”
– ضغط.
“…….”
– ضغط، ضغط، ضغط.
ما هذا؟
لماذا لا يستجيب!
– ضغط، ضغط، ضغط، ضغط، ضغط، ضغط، ضغط، ضغط، ضغط…!
– تك!
أضاءت الجوهرة باللون الأحمر.
آه، نجحتُ!
– تك.
انطفأت مجددًا.
“…….”
لم أصدق ما حدث للتو، وقفت أحمل الساعة بيديّ وأرمش بعينيّ فقط.
أنا، هل احتيلَ عليَ؟
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات