أنا والدكِ < 1 >
“متى سيظهر عنوان شارع كيسنير الأول، الرقم 98، يا تُرى؟”
منذ برهة وأنا أسير دون توقف، لكنني لم أتجاوز الرقم 27 بعد.
ساقاي ترتجفان من شدة الإرهاق، وحذائي ذو الحافة المدورة، رغم جماله الأخاذ، يعذبني ألمًا مع كل خطوة إضافية.
“لا يمكنني الاستمرار هكذا، يجب أن أمنح نفسي قسطًا من الراحة.”
إن واصلت المسير هكذا، قد أنهار قبل أن أبلغ وجهتي، الرقم 98، ولأكون صادقة، بدأ الجوع يلتهمني خفية.
لم أجرؤ على دخول دكان ما وإبراز قطعة ذهبية، خشية أن أجذب أعين الطامعين، فمن يرى طفلة في السابعة تحمل ذهبًا قد يشك أو يحاول انتزاعه مني بقوة الأشرار!
كل ذلك حذرٌ نبت من تجارب مريرة.
تجاهلت قرقرة معدتي وقفزت بخفة لأستقر على مقعد خشبي قريب، بجوار آلة سحب غامضة وضعتها جانبًا.
“هاه…”
لو أنني خبأت تلك الآلة في جيبي السحري بدلًا من الإنشغال بمراقبتها، لما أنهكت نفسي هكذا.
مددت يدي إلى جيبي السحري، فتشت فيه، وأخرجت شيئًا آخر من هدايا مافيوس.
كان يشبه ساعة جيب، غطاؤها مزخرف بنقوش من نقاط وخطوط متقاطعة، وفي وسطها جوهرة زرقاء جليدية تتلألأ.
فتحته بحذر، فإذا بالساعة تدور، وفي مركزها زر صغير يشبه جوهرة ثانية.
[ هذه كونيت، أداة تواصل تربطني بكِ، آنسة إيون، فكري فيها كجهاز استدعاء. سنضيف إليها لاحقًا بعض الأدوات النافعة. ]
هكذا قال مافيوس، لكنه حذرني أن أستخدمه فقط في أشد الحالات ضرورة للاتصال به.
رفعته إلى أذني، هززته، قلبته، وأحدثت ضجة صغيرة في محاولة لفهمه.
“هل أضغط عليه؟”
ماذا لو ظهر مافيوس فجأة كالأشباح؟
“لا، لا، إن استدعيته بلا سبب قد يسحب مني كل ما أعطاني.”
كبحت رغبتي الطفولية وأعدت نظري إلى آلة السحب.
كانت ممتلئة بكبسولات ملونة تتراقص بداخلها، تصدر أصواتًا خفيفة كلما تحركت.
[ لا تحاولي تحطيمها أو رميها، فهي لن تنكسر، وإن لجأتِ إلى الحيل سأستردها فورًا. أثق بكِ، يا آنسة إيون. ]
حتى تهديده كان جادًا كالصخر!
“هل أجربها الآن؟”
قال إنها تستجيب لأمنياتي الداخلية، فربما تمنحني طعامًا.
شيء عظيم سيكون رائعًا، لكن الجوع يسيطر عليّ الآن.
لو خرجت لي قطعة خبز لكنت ممتنة من أعماق قلبي.
“خبز أبيض، أريد خبزًا أبيض نقيًا!”
طازجًا، كما يخرج من الفرن مباشرة! كم تمنيت أن أتذوقه.
في حياتي السابقة، كنت أكافح لأجد حتى خبزًا محروقًا، فالجميع كانوا ينفرون مني ويرفضون بيعي شيئًا مهما دفعت.
‘الأوغاد الأشرار!’
شعرتُ بالغضب، لكن مجرد تخيل الخبز الأبيض جعل لعابي يسيل.
“هه… سيكون لذيذًا جدًا.”
مسحت لعابي بظهر يدي وأدركت فجأة.
ما هذا؟ هل أصبحت مهووسة بالخبز كطفلة في السابعة حقًا؟
“لعله ليس مافيوس من جعلني هكذا… مستحيل!”
تفحصت محيطي بسرعة، وبينما لا أحد يراني، أدخلت عملة ذهبية مستديرة من مافيوس في الآلة.
“ثم أدر هذه الرافعة…؟”
دروك. دروك. دروك.
بعد ثلاث لفات، سمعت شيئًا يتدحرج في أعماقها.
رفعت الغطاء المعدني، فخرجت كبسولة بيضاء نقية كالثلج.
“أهذا كل شيء؟ كبسولة بحجم الكستناء، ما الذي قد تحمله؟”
تضائل حماسي قليلًا.
حتى هذه الكبسولة الصغيرة لم تفتح بسهولة.
“لا بأس، يكفيني أن أحصل على خبز.”
بهذا التعب، لا ضير في ذلك.
وضعتها بين أسناني وعضضت بقوة، فانشطرت إلى نصفين بمرونة غريبة.
– بوم!
“آه! كح كح!”
انفجر شيء ما، وغمرت المكان سحابة من الدخان الأبيض الكثيف، فأصابني السعال من رائحته الحادة.
لوحت بذراعي بعشوائية لأبدد الدخان.
“ما هذا بحق… مهلًا؟”
ما الذي رأيته؟
للحظة، خُيّل إليّ أنني رأيت جبلًا كبيرًا وأجنحة خفاش بيضاء ضخمة…
فركت عيني ونظرت مجددًا، فتبدد الدخان رويدًا رويدًا ليكشف عن ظل إنسان ضخم أمامي.
“…….”
تلاشى الجبل وأجنحة الخفاش كأنها سراب، ربما خدعني الدخان.
وبدلًا من ذلك، ظهر رجل طويل القامة كـ مافيوس، بشعر أبيض طويل كالحرير وعينين ذهبيتين تلمعان، ينظر إليّ من الأعلى.
‘واه، كم هو وسيم!’
أوسم من مافيوس بمراحل!
لكن، هل تخرج هذه الآلة أشخاصًا أيضًا تعبيره كان مقلقًا للغاية.
بدا وجهه مزيجًا من الابتهاج والانفعال العميق، لماذا ينظر إليّ هكذا؟
تسرب سؤال من فمي تلقائيًا.
“مَن أنت؟”
لا يبدو شخصًا سيمنحني طعامًا على الإطلاق.
ربما نبيل؟ قد يكون كذلك.
وجهه كأنه منحوتة فنية، بشرته شفافة كنقاء الزجاج، وعيناه النقيتان بجفنيهما المزدوجين تضفيان عليه سحرًا أخاذًا.
جميل.
كلمة واحدة تختصره، وربما لو طرأت على ذهني كلمات أرقى لأضفتها، لكنها لم تخطر لي.
بينما فكرت بـ أنه يبدو في العشرينات على أقصى تقدير، فتح فمه ببطء.
“I am your father.”
(“أنا والدكِ.”)
ماذا؟
“ماذا؟ أم يو فا؟ ما هذا؟”
شككت في أذني.
صوته كنغمة عذبة، لكنه…
“You’re my lovely daughter.”
(“أنتِ ابنتي الحبيبة.”)
“ماذا تقول؟”
ما هذا الهراء؟
“I am your father. You’re my daughter.”
(“.أنا والدكِ، وأنتِ ابنتي”)
“هاه؟”
ما الذي يهذي به؟ حاولت أن أفهم، لكن كلماته كانت كاللغز.
صوته ساحر، لكن لهجته غريبة.
حدقت فيه بوجه مذهول وهو ينطق بكلام غير مفهوم.
سعل الرجل بخفة كمن يتدارك موقفه.
“أنا والدكِ، يا صغيرتي.”
مدّ يديه نحوي كأنه وجد ابنته الضائعة، ووجهه يفيض بالعاطفة.
“ماذااااا؟”
تجمدت في مكاني واقفة.
إنه مجنون!
“لقد أخطأت الشخص!”
جمعت أغراضي بسرعة وانطلقت هاربةً.
* * *
“يا صغيرتي! هيا بنا لنذهب معًا!”
ما هذا؟ إنه مرعب حقًا!
“لا تتبعني!”
أنا مطاردةٌ.
من رجل وسيم بشعر أبيض طويل، بل مجنون مختل!
كان يجب أن أشك منذ رأيت شعره الأبيض الناعم!
“يا صغيرتي! لا تركضي هكذا، ستؤذين نفسكِ!”
“لو توقفت عن ملاحقتي لما حدث شيء! ابتعد!”
“ألا يمكنكِ أن تأتي مع أبيك؟ هاه؟”
“لماذا تكون أبي؟ ليس لدي أب!”
كنت أهرب من رجل ظهر فجأة ويدعي كونه أبي!
أب؟ أنا بلا أب منذ الأزل!
“ابتعدوا جميعًا! إن أصيبت ابنتي فلن أترك أحدًا سالمًا! يا صغيرتي!”
يا للخجل، صوته يدوي كالرعد!
“قلت لا تتبعني! ليس لدي أب!”
“أنا والدكِ!”
“لا أحتاج أبًا!”
“يا صغيرتي!”
“توقف عن مطاردتي!”
لم أفكر حتى في إخفاء آلة السحب في جيبي السحري، بل احتضنتها مع أغراضي واندفعت نحو الرقم 98.
خلفي، كان ذلك الرجل الغريب ذو الشعر الأبيض الطويل، الذي خرج من الكبسولة، يلاحقني كظلي.
ظننته أخًا وسيمًا، لكنه مجنون مختل!
“أعيدوا لي عملتي! لا أريد هذا!”
“يا صغيرتي! الجري السريع خطر، ألا ترافقين أباكِ؟”
“لماذا تكون أبي؟ لا أحتاج أبًا! توقف عن اللحاق بي!”
يبدو أنه فقد عقله حقًا.
ظل يطاردني مصرًا أنني ابنته بلا كلل.
مهما ركضت، لم تستطع ساقاي القصيرتان في السابعة أن تفوقا ساقيه الطويلتين.
“ابتعدوا جميعًا!”
“أرجوكم!”
“هذه ابنتي! تنحوا جانبًا! إن لامستموها ولو بشعرة سأطلق نفسًا جليديًا!”
“لستُ ابنتك!”
“يا صغيرتي! إن أصاب ابنتي أدنى ضرر، لن أرحم أحدًا!”
“آآآآآآآه! لست كذلك!”
ركضت بكل قوتي هاربةً.
“يا إلهي، تنادي أباها بالعم! يبدو أنها طفلة شقية لا تطيع والدها.”
“يا للمسكين، يبدو أن هذا الأب يعاني من عناد ابنته.”
“الأب والإبنة، يشبهان بعضهما في الجري! يصلحان للمشاركة في المسابقات.”
سمعت همهمات الناس وتعليقاتهم حولي.
بل إن الضجيج كان عاليًا لدرجة أن صياحه “يا صغيرتي” جعل كل المارة يلتفتون إليّ.
“هااه، يا إلهي!”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات