مع كلّ همهمة إعجاب تتعالى من هنا و هناك ، علا أنف لورينا أكثر.
لكنّ مزاجها فتر في اللحظة التالية و كأنّ ماءً باردًا صُبّ على رأسها.
“هل تلك السيدة هي الفيكونت فيوليت التي كثر الحديث عنها مؤخرًا؟ تلك التي أقنعت جلالة الإمبراطورة بتعديل القانون؟”
“إنّها سيّدة جريئة حقًّا. لكن كيف يمكن أن تكون بهذا القدر من الجمال أيضًا؟”
“و ماذا عن فستانها؟ يا للعجب ، ما أروعه! إنّه يناسب تمامًا أجواء الفيكونت فيوليت”
“تصميم الفستان غريب بعض الشيء … أليس هذا عمل بالديني؟”
“يا إلهي. بالديني الذي يُقال إنّك لا تحصل على فستان من تصميمه و لو دفعتَ ملايين الذهب؟”
ما الذي يقولونه؟
فريجيا من المفترض أنّها محبوسة اليوم في برج السحر تعمل فحسب.
استدارت لورينا بسرعة ، و ما إن رأت ما خلفها حتّى فتحت فاها من الدهشة دون أن تشعر.
“……!”
كانت هناك امرأة بشعرٍ ذهبيّ لامع ، جميل كالعسل ، منسدلٍ برقّة خلف ظهرها.
في المرّة السابقة التي رأتها فيها ، كانت تحاول عبثًا أن تدفع نظّاراتٍ لم تعد تضعها ، و كأنّ مظهرها الجديد لا يزال غريبًا عليها ، أمّا الآن فكانت طبيعية و أنيقة بثقة.
أما فستانها الذي يفيض ضياءً قمريًّا فكان غايةً في الجمال.
و مع أنّها بدت هادئةَ الطبع إلى درجةٍ يصعب معها إدراك التفاصيل فورًا ، إلّا أنّ الفستان بدا فخمًا بصورةٍ مذهلة عند التدقيق.
مئات ، بل آلاف الأحجار الكريمة التي تتلألأ تحت أضواء الشمعدانات كالمجرّة.
هل يُعقل أنّ كلّ ذلك … ألماس؟
شحبت ملامح لورينا و ابيضّ وجهها تمامًا.
***
طررق-! ، طررق-!
ما هذا الصوت؟ إنّه صوت تصادم الأحجار الكريمة المعلّقة على الفستان كلّما خطوتُ خطوة.
‘يا للهيبة ، هذا يجعل قلبي يخفق بعنف’
لو تعلّق الحجر في شيءٍ و تمزّق جزء من الفستان ، فكم ستكون الخسارة فادحة؟
الفستان جميل فعلًا ، لكن لا يمكن ارتداؤه كثيرًا. يجب حفظه بعناية في الخزانة بعد هذا اليوم المميّز.
‘لكن أين الآنسة لونا؟’
اتّفقنا أن نلتقي هنا.
بينما كنتُ أبحث بعينيّ في المكان ، سمعتُ صوتًا مألوفًا.
“فريجيا”
“آه ، سييلا!”
كانت ذات الشعر الأحمر المتموّج ترتدي فستانًا أحمر قاتمًا ، بدت كزهرة وردٍ فاخرة.
سييلا كانت قد حذفت اسمها من سجلّ عائلة بيرسيفال قبل انهيار عمّها بقليل.
ظننتُ أنّ عودتها إلى المجتمع المخمليّ ستكون صعبة ، لكن بالنظر إلى عدد الشبّان الذين يلاحقونها بنظراتٍ مغرمة ، يبدو أنّ الأمر لم يكن كذلك.
“اليوم … تبدين حقًّا رائعة”
قالت سييلا بتلعثمٍ خفيف و وجهٍ مأخوذ.
ابتسمتُ لها بلطف. كان الأمر يستحقّ عناء التزيين منذ الفجر بمساعدة ماري و سالي و ويليام.
“شكرًا لك”
“من أين حصلتِ على هذا الفستان؟”
“أرسله إليّ أحدهم دون أن يُفصح عن اسمه”
“إن كنتِ لا تريدين قول الحقيقة فقولي فحسب … همم ، على أيّ حال ، هل رأيتِ لورينا اليوم؟”
لم أكن أتهرّب من الإجابة ، كانت هذه الحقيقة فعلاً.
هززتُ رأسي نفيًا.
“لا. أهي هنا؟”
“نعم. يبدو أنّها جاءت بصحبة نجل الكونت فيتسروي”
“كونت فيتسروي …”
يبدو أنّها وجدت علاقةً جديدةً لتملأ فراغ فيليكس بسرعة.
‘ماذا عن الطفل في أحشائها؟’
هل تنوي التظاهر بأنّها عشيقة ابن فيتسروي؟
حتّى أشهر الحمل لا تتوافق إطلاقًا.
“يُقال إنّهما لم يتعارفا منذ فترة طويلة ، لكنّ نجل فيتسروي مغرمٌ بها تمامًا ، و قد يُعلنان خطوبتهما قريبًا”
“حقًا؟”
كانت سييلا تهمس لي بحماسة بأحدث الشائعات.
كنتُ قد طلبتُ منها من قبل أن تجمع لي كلّ ما يدور في المجتمع الأرستقراطي من أخبار ، على أن أستثنيها من خطط انتقامي.
و كما توقّعتُ من سييلا الواسعة الصلات ، فقد أدّت المهمّة على أكمل وجه.
“لكن لورينا من العامة. كيف يقبل الكونت و زوجته أن يجعلوها كنّة لهما؟ سمعتُ أنّهما ثارا غضبًا ، لكنّ الابن متمسّك بها بعناد”
“أوه”
حتى فيليكس لم يُعاملها ملكة كما يفعل هذا الشاب.
لورينا كانت بارعة حقًّا.
“لكنّ هناك شيئًا غريبًا”
“ماذا تعنين؟”
“نجل فيتسروي هذا … عيناه تبدوان كأنّه مخمور. نظراته ضبابية بعض الشيء ، لا تبدو طبيعية”
“حقًا؟”
هززتُ كتفيّ.
“لعلّه سكران بالحب”
“أوه ، تبًا!”
تظاهرت سييلا بالتقيؤ ، ثمّ همست بخفوتٍ أكبر.
“على كلّ حال ، سأراقبها لأتأكّد أنّها لا ترتكب حماقات”
“جيّد”
كانتا سييلا و لورينا في عداوةٍ منذ زمن.
و لمّا تخيّلت وجه لورينا و هي ترى سييلا تلاحقها في كلّ مكان ، لم أتمالك نفسي من الابتسام.
***
اجتمع عددٌ هائل من النبلاء في القاعة الكبرى. حتى بدت و كأنّها سوقٌ مزدحم لا قصرٌ إمبراطوري.
“واو ، لم أتوقّع أن يكون الحشد بهذا الكم …”
“و أنا كذلك”
تمسّكتُ بلونا خوفًا من أن تبتلعنا الزحمة كفأرتين قرويتين.
“جلالة الإمبراطورة تدخل!”
فخفتت الأصوات التي كانت تملأ المكان بالضحك و الأحاديث.
و بعد قليل ظهرت الإمبراطورة على المنصّة.
لم يظهر الإمبراطور ، و يبدو أنّه ما زال طريح الفراش.
لكنّ جلالتها لم تكن بحاجة إلى أحد لتفرض حضورها المهيب و هي تبدأ كلمتها الافتتاحية.
“يسرّني أن أرى وجوهكم مجتمعةً اليوم للاحتفال بيوم تأسيس إمبراطورية أستيريون. آمل أن تزدهر إمبراطوريتنا إلى الأبد”
ألقت نظرةً على القاعة و هي تبتسم بهدوء.
“أرى وجوهًا جديدةً كثيرة بين السيدات الشابات. إنّني أبارك لهنّ انطلاقتهنّ الجديدة”
ابتسمت الفتيات اللواتي يظهرن للمرة الأولى هذا العام بخجلٍ لطيف.
“و من بينهنّ سيّدة أودّ أن أقدّمها شخصيًّا. سيّدة سلبت إعجابي بنبلها و ذكائها و شجاعتها”
ساد الصمت في القاعة.
تعمّدت الإمبراطورة أن تصمت بضع ثوانٍ ، بخبرة من اعتادت السيطرة على المجتمع لعقود.
التعليقات لهذا الفصل " 83"