رفع خدمُ قصر فيوليت كؤوسهم المليئة بعصير العنب بعد أن أنهوا أعمالهم اليومية.
“لقد تعبتم جميعًا اليوم أيضًا!”
“أحسنتم عملًا!”
شربت سالي العصير دفعة واحدة ، ثمّ تلألأت عيناها.
“لكن لماذا يزورنا الضيوف الكبار بهذه الكثرة مؤخرًا؟ عملي صار ممتعًا جدًا هذه الأيام”
رغم أنّ لديهم سيّدة واحدة فقط يخدمونها ، فإنّ الأحداث لا تتوقف ، فلا مجال للملل أبدًا.
حتى اليوم ، جاء شخصٌ يُقال إنّه أستاذٌ مشهور من الأكاديمية.
و فوق ذلك ، قبل عشرة أيام فقط ، ألم يشاهدوا بأعينهم وجهَ دوق كرويتز الشهير؟
لم ترَ سالي في حياتها رجلاً بتلك الوسامة.
‘و ما شأن الحادثة التي وقعت أمس حين وصل فستانٌ بغاية الجمال إلى القصر دون اسم مرسِل؟’
ما إن تذكّرت الفستان حتى خفق قلب سالي بعنف.
حقًّا ، كان فستانًا جميلاً كالحلم. يكفي أن تنظر إليه ليغمرها شعورٌ من السعادة و البهجة.
كانت تتوق إلى اليوم الذي سترى فيه فريجيا ترتديه.
“لكن من الذي أرسل الفستان حقًّا؟”
“طبعًا ، لا بدّ أنه الدوق كرويتز!”
قالت ماري بحماس ، فمالت سالي برأسها متسائلة.
“لكن لو كان الدوق ، فليس هناك سبب ليُرسلَه دون أن يذكر اسمه ، أليس كذلك؟”
قبل عشرة أيام ، يومَ زار دوق كرويتز القصر ، بدا و كأنه يتبادل حديثًا خاصًّا مع فريجيا ، فانسحب الخدم بلباقة من المكان.
حينها تساءلوا هل حقًّا ستتطوّر العلاقة بينهما كما يشاع بين الناس؟
لكن بعد برهة ، غادر الدوق القصر و وجهه جامد كالصخر ، متجهّمًا كأنه يكاد يقتل أحدًا.
“ربّما أرسل الفستان اعتذارًا عن الجدال الذي وقع بينه و بين سيّدتنا أثناء زيارته الأخيرة”
“لكن لو كان كذلك ، ألن يكون من المنطقيّ أن يذكر اسمه؟”
“هممم ، ربما. أو لعلّ من أرسله هو وليّ العهد! ألم تقولي إنّكِ رأيتِه يُوصل سيّدتنا إلى القصر اليوم؟”
“صحيح ، قالت سالي إنّ سموّه بنفسه رافقها حتى الباب”
انضمّ ويليام إلى الحديث بعد أن ظلّ صامتًا طوال الوقت.
فكّرت سالي قليلًا ثمّ قالت و هي تحسم الأمر: “ربما. لكنّي مع ذلك أراهن بعشر عملات ذهبية على أنّ الدوق هو من أرسل الفستان. كانت نظرته نحو سيّدتنا في المرّة السابقة غير عادية أبدًا”
“إذن ، أنا أيضًا أراهن على الدوق!”
“و أنا كذلك!”
“بهذا لا يعود هناك رهان أصلًا!”
***
في صباح اليوم التالي—
حين دخلتُ أوّلًا إلى غرفة الأرشيف لأخذ بعض المستندات اللازمة ، رأيتُ آرون يختار الأوراق وحده.
“صباح الخير يا زميلي!”
“آه ، الآنسة فريجيا! هل عدتِ إلى المنزل بسلام أمس؟”
“نعم ، بكل تأكيد”
“و لم يحدث شيء في طريق العودة؟ لم تتلقّي عرضًا غير متوقَّع أو شيئًا مفاجئًا مثلًا؟”
سألني آرون بنبرة ذات مغزى ، كأنه يختبرني.
“آه”
حككتُ رأسي بخجل. كان سبب حذره واضحًا تمامًا.
‘صحيح ، فبعد أن جاء وليّ العهد بعربةٍ إمبراطوريّة إلى بوّابة برج السحر بنفسه ، لا بدّ أنّ الخبر انتشر في كلّ مكان’
“نعم ، فوجئت حين جاء سموّ وليّ العهد للقائي”
“هـ ، هكذا إذن؟”
بلع آرون ريقه بوجه متوتّر ثمّ سأل: “و ماذا قال سموّه؟ هل دعاكِ مثلًا لتكوني شريكته في مهرجان التأسيس …؟”
يا للدهشة ، لقد أصاب تمامًا. نظرتُ إليه بعينين متفاجئتين.
‘هو ليس من النوع الذي ينشر الأحاديث ، و ليس هناك ما يدعوني لإخفاء الأمر’
أومأتُ ببساطة.
“صحيح. قال إنه سيتكرّم بمرافقتي ، ففوجئتُ حقًّا”
تغيّر لون وجه آرون إلى الشحوب.
“إذًا … حقًّا ستذهبين إلى مهرجان التأسيس مع سموّ وليّ العهد-“
دووم—
في تلك اللحظة ، فُتح الباب فجأة.
و من خلفه ، ظهر رئيسي في العمل.
تجمّدتُ في مكاني ، و حدّق كايين بي بنظرةٍ قاسية.
“أريد التحدث معكِ للحظة”
***
طق—
ما إن أُغلق باب المكتب حتى استدار كايين نحوي.
“وليّ العهد ، لا”
“عفوًا؟”
“لا تذهبي إلى مهرجان التأسيس معه”
نطق كلَّ كلمةٍ و كأنه يعضّ عليها غيظًا.
“قلتُ إنّي لا أسمح بذلك”
‘لكنني لم أنوِ الذهاب معه أصلًا …؟’
رمشتُ بعينَيّ بدهشة.
حقًّا ، من يُؤخذ على حين غرّة إلى المكتب ليسمع مثل هذا القول المفاجئ ، ألن يُصاب بالارتباك؟
“لماذا لا تجيبين؟”
زمجر كايين بصوتٍ غاضب.
هيه ، على الأقل امنحني بضع ثوانٍ لأفهم ما يجري!
“سيدي الدوق”
“لا. أبدًا”
قاطعني بحزمٍ شديد قبل أن أبدأ بالكلام.
رغم حدّة صوته ، لم أشعر بالخوف لسببٍ ما.
بل إنّ نظرته التي كانت تلحّ عليّ كانت تحمل شيئًا من العجلة و الاضطراب.
“أجيبي”
“…….”
مرّر كايين أصابعه بعصبيّةٍ في شعره.
“قولي إنّك فهمتِ. بسرعة”
كانت في نبرته مسحة من القلق ، كأنّ ذهابي مع وليّ العهد إلى المهرجان كارثةٌ وشيكة.
رفعتُ عينيّ إليه بامتعاض.
‘لهذا السبب بالذات سألته حينها إن كان يُحبّني’
آه ، مجرّد تذكّر تلك اللحظة يجعلني أركل الغطاء و أنا نائمة. سيستمرّ هذا الإحراج لعشر سنوات على الأقل.
“ألن تخبرني بسبب المنع؟”
“ماذا؟”
اتّسعت عيناه بدهشة ، لم يكن يتوقّع هذا السؤال.
صحيح أنّني سكرتيرته ، لكن هذا لا يعني أنّه يمكنه أن يقول فجأة: “اذهبي وحدكِ إلى الحفل!” ، فأجيبه مطأطئة الرأس: “نعم ، حاضر”
ارتبك قليلًا ، ثمّ قطّب حاجبيه بعمق.
“و لمَ تسألين عن أمرٍ بديهي؟ أنتِ سكرتيرتي”
“…….”
“لذا عليكِ أن تبقي إلى جانبي دائمًا. في أيّ وقت. و أينما كنتِ”
حدّق بي بنظرة حادّة ، كأنه لا يريد أن يُنتزع منه شيء يخصّه.
تأمّلتُه لحظة ثمّ قلتُ بفتور: “صحيح أنّ كلامك ليس خاطئًا تمامًا”
و لوهلة ، بدا الارتياح في عينيه.
“لكن مهرجان التأسيس ليس يوم عمل”
“… ماذا؟”
“هل يُفترض بي أن أعمل في العطلات أيضًا؟”
“…….”
“هل وظيفة سكرتيرتك لا تعرف الإجازات أبدًا؟”
“……!”
اتّسعت عيناه من الذهول ، ثمّ عبس بشدّة.
“ها ، إذًا حقًّا تنوين الذهاب مع ذلك الرجل؟”
يا إلهي ، كيف يمكنه أن يدعو أخاه غير الشقيق ، وليّ العهد نفسه ، “ذلك الرجل”؟!
نظرتُ إليه مصدومة.
كانت نظرته حادّة كالمفترس ، لكنني رأيت في عينيه ارتجافًا خافتًا.
كأنّ فيه شيئًا من القلق و الخوف.
بدا كمخلوقٍ مفترسٍ غاضبٍ يخشى مع ذلك أن يُتخلّى عنه.
‘ما هذا الذي أفكّر فيه؟’
يا لي من وقحة! لكن اللوم ليس عليّ ، بل على كايين الذي يرمقني بتلك العينين.
لا شكّ عندي: كايين هو الجاني ، و أنا الضحية المسكينة.
تنفّستُ بعمق ثمّ قلت: “لا ، سأذهب وحدي”
“… ماذا؟”
اتّسعت عيناه بدهشة حقيقية.
“صحيح أن لديّ صديقة سأذهب معها ، لكن لا أنوي أن أُرافق أيّ رجل. لا يوجد شخص محدّد أصلًا … على أيّ حال ، أظنّ أنّ ذهابي وحدي سيكون ذا رمزية خاصة”
“ر … رمزية؟”
تمتم كايين بالكلمة و كأنها غريبة عليه.
“لقد عدّلت صاحبة الجلالة الإمبراطورة مؤخرًا قانونَ وراثة الألقاب ، أليس كذلك؟ و يُقال إنّ قصّتي كانت السبب وراء ذلك التعديل”
فمن الآن فصاعدًا ، يمكن للنساء غير المتزوجات أن يرثن ألقاب النبلاء بأنفسهنّ.
و لأنني كنتُ سبب هذا التغيير ، رأيتُ أن ظهوري في الحفل دون مرافقة رجل سيكون ذا معنى رمزيّ ما.
ليس عليّ أن أكرّر ذلك دائمًا ، لكن لمرةٍ واحدة فقط ، فحفل هذا العام هو الأول بعد تعديل القانون.
التعليقات لهذا الفصل " 81"