‘آه ، هل أظهرتُ الأمر أكثر من اللازم؟’
في الآونة الأخيرة ، كنتُ أتعامل مع كايين بحذرٍ شديد ، و أحاول دومًا الإبقاء على مسافةٍ بيننا.
لم يكن لقائي به بسهولةٍ كما كنتُ أتظاهر.
ربّما لهذا بدا عليه الارتباك حين تغيّرَ موقفي فجأة.
ظلّ كايين متجمّدًا لبرهة ، ثمّ رفع يده ليمسح وجهه بحركةٍ متعبة.
و بدون أن ينظر إليّ ، قال: “عمومًا ، همم … صياغة المعادلة و أسلوب التفكير كانا جيدَين. هل تنوين تدمير شيءٍ ما؟”
“… كلا”
كان محقًّا تمامًا.
فقط من نظرةٍ واحدة أدرك الهدف من المعادلة السحرية. كما هو متوقّع من كايين.
و لأنّه أصاب كبد الحقيقة ، أجبتُه بصوتٍ جافٍّ و مهنيٍّ قدر الإمكان.
“……”
“……”
ساد صمتٌ ثقيلٌ و محرج بيننا.
و رغم ذلك ، لم يُغادر كايين مكاني.
‘هل لديه ما يقوله بعد؟’
رفعتُ نظري نحوه بخجل ، و فوجئتُ.
كان كايين يعضّ شفته السفلى ، و كأنّه في صراعٍ داخليٍّ مرير.
‘حتى وجهُه أثناء القلق … وسيم … لا ، هذا ليس المهمّ الآن’
و حين التقت عينانا ، عقد حاجبيه قليلًا ثمّ قال فجأة: “يوم حفل التأسيس”
“حفل التأسيس؟”
رمشتُ بدهشة أمام هذا الموضوع المفاجئ.
“رأيتُ اسمكِ في قائمة المناوبين ذلك اليوم”
“… آه!”
اتّسعت عيناي.
لقد كتبتُ اسمي في قائمة المناوبة لأنّي ظننتُ أنّي لن أجد فستانًا للحفل ، ففكّرتُ أن أعمل بدلًا من الحضور.
لكن الآن ، تغيّر الوضع ؛ صار لديّ فستانان فجأة.
“كنتُ سأنسحب ، لكنّي نسيتُ أن أمسح اسمي. تغيّرَت الظروف”
تألّق بريقٌ غريب في عيني كايين.
“إذًا ، ستتمكّنين من الحضور؟”
“نعم. كنتُ قد وضعتُ اسمي لأنّي لم أكن أنوي المشاركة ، لكن … هناك شخصٌ سأذهب معه”
“ماذا؟!”
طاك—!
ضربَ كايين مكتبي بكلتا يديه.
شهقتُ من شدّة المفاجأة ، و انحبس نفسي.
كان يحدّق بي بعينين واسعتين كأنّه رأى وحشًا.
“د … دوق؟”
نظرتُ إلى المكتب المصدوع.
“الـ … المكتب!”
كان الخشب قد غاص تحت أصابعه من شدّة قبضته.
يا إلهي ، أيّ قوّةٍ هذه؟!
ثمّ ما الذي يجعله يتفاجأ إلى هذا الحدّ لأنّ لديّ من يذهب معي؟!
“آه”
سحبَ يديه بسرعة ، لكنّ أثر قبضته بقي غائرًا في المكتب.
و قبل أن أستوعب المشهد ، دقّ الجرس.
دينغ—!
إشارةُ انتهاء الدوام.
‘لقد وعدتُ بيبي أن نقضي هذا المساء سويًّا في راحةٍ و هدوء’
من المؤكّد أنّ المسكين الآن يحني رأسه الصغير فوق المعادلة في غرفتي ، غير مدرك أنّ كايين حلّ المشكلة قبل قليل.
نظرتُ إليه بتردّد و قلتُ بحذر: “إن لم يكن لديك أمرٌ آخر ، هل يمكنني الانصراف الآن؟”
أغمض كايين عينيه.
بدت عضلات فكّه مشدودة و هو يتمتم بنبرةٍ حادّةٍ منخفضة: “… اذهبي”
***
تاك—!
فتح كايين باب مكتبه بعنفٍ كاد يُحطّمه ، و مرّر يده عبر شعره في غضبٍ مكبوت.
‘كنتُ سأنسحب ، لكن أصبح هناك شخصٌ سأذهب معه’
أصبح هناك شخصٌ ستذهب معه.
شخصٌ ستذهب معه.
ستذهب … معه.
‘من هو؟’
أيّ وغدٍ هذا؟
اشتعل صدره بنيرانٍ حارقة كأنّه ابتلع جرعةً من الخمر المشتعل. لم يفهم سبب هذا الغضب الكاسح الذي اجتاحه.
لكنّه أحسّ كأنّه فقد شيئًا عزيزًا عليه ، شيئًا اعتقدَ أنّه سيبقى إلى جواره دائمًا.
شعورٌ كريه ، خانق ، و مليءٌ بالفوضى.
“سيّدي! سيّدي!”
“اصمت”
تجمّدَ آرون حين دخل المكتب و رأى كايين ممسكًا رأسه بيده.
‘يا إلهي ، المزاج اليوم في الحضيض!’
لو كان الأمر عاديًّا ، لهرب مسافة مئة متر على الأقل ، لكنّ الوضع طارئ.
اقترب بخطواتٍ حذرة و همسَ بخوف: “الـ … الآن عند مدخل برج السحر ، ظهر سموّ وليّ العهد ، و الناس في فوضى!”
ارتسم الضيق على وجه كايين عند سماع الاسم الذي لا يهمّه.
“إن جاء يسأل عنّي ، فقل إنّي غير موجود”
“لـ … لكن يا سيّدي ، ليس هذا هو الأمر …”
“و ماذا أيضًا؟”
قالها كايين بضجرٍ و اتّكأ على مقعده و أغلق عينيه بإرهاق.
لكنّ عينيه انفتحتا فجأة عندما أضاف آرون بسرعة: “سموّ وليّ العهد بنفسه اصطحب الآنسة فريجيا في عربته!”
“ماذا؟!”
“لقد رآهما الجميع! إنّ مدخل البرج يعجّ بالناس الآن!”
***
كنتُ أستند بذهولٍ إلى مقعد العربة ، كأنّ نصف روحي قد غادر جسدي.
‘يا للراحة … هذه العربة مدهشة’
حقًا عربات القصر مختلفة تمامًا.
و لو أنّني لم أركبها بإرادتي.
“إذن …”
قال الرجل الجالس أمامي مبتسمًا.
كان هو وليّ العهد ذاته — الجاني الذي ظهر فجأة أثناء مغادرتي العمل و “اختطفني”.
حسنًا ، لم يكن اختطافًا رسميًّا ؛ بل “عرضًا كريمًا” لإيصالي إلى المنزل.
لكن من ذا الذي يجرؤ على رفض عرض وليّ العهد بينما الجميع يشاهد؟
الإمبراطورية مجتمعٌ طبقي ، و أنا مجرّد ابنة فيكونت.
أمّا هو ، فوليّ العهد نفسه.
“هل فكّرتِ في عرضي بشأن أن تكوني شريكتي في حفل التأسيس؟”
سألني بابتسامةٍ لطيفة ، فعضضتُ باطن شفتَي و انحنيتُ قليلًا.
“أعتذر حقًّا يا سموّك. أنت شخصٌ يفوقني شأنًا بكثير. أشكرك على عرضك، لكن لا أجرؤ على أن أكون شريكتك”
فضلًا عن أنّني وعدتُ لونا أن نقضي اليوم سويًّا.
“حقًا؟ همم ، إذًا هو رفضٌ في النهاية. مؤسف”
قالها دون انزعاجٍ يُذكر ، و كأنّه توقّع جوابي.
ثمّ غيّر الموضوع ، و كأنّه كان ينتظر تلك اللحظة.
“حسنًا ، فلننتقل إلى عرضٍ آخر”
ابتسم ابتسامةً آخذةً ، و قال: “اعملي سكرتيرةً لي”
“… سموّك”
“آه ، طبعًا ، أعلم أنّكِ من أشدّ المعجبات بأخي الصغير”
“……”
“و أنا أحترم حماسكِ ذاك ، لكنّ العالم لا يسير بالعواطف وحدها ، أليس كذلك؟”
ابتسم وليّ العهد ابتسامةً هادئةً مائلةً للسخرية.
“كنتُ أتصفّح سجلّات النبلاء مؤخرًا ، و لفتَ نظري أمرٌ مثير للاهتمام”
“……”
“عائلة فيوليت كانت تحمل لقبَ كونتٍ قبل جيلَين فقط”
اتّسعت عيناي.
صحيح ، قبل ولادتي ، خسرَ جدّي اللقب بعد أن تعرّض لعملية احتيال ضخمة ، و اضطرّ لبيع المقاطعة و اللقب معًا.
يبدو أنّ موهبتي في التعرّض للنصب وراثيّة.
‘لكن كيف علم وليّ العهد بذلك؟’
و لم يكن هذا كلّ شيء.
فما قاله بعد ذلك جعلني أكاد أفقد وعيي من الصدمة.
“إن قبلتِ أن تكوني سكرتيرتي ، فسأعيدُ لقب الكونت إلى عائلتِك”
“……!”
حدّقتُ فيه بعينين متّسعتين.
“ما رأيكِ؟ أليس عرضًا مغريًا؟”
لكن بدل الفرح ، سادني شعورٌ بالريبة.
‘لماذا يفعل كلّ هذا؟’
هل لأنّ كفاءتي في العمل أعجبته إلى هذا الحدّ؟
سيكون أمرًا رائعًا لو كان كذلك ، لكنّ الأمر غير منطقيٍّ إطلاقًا.
فأنا لا أزال مبتدئة ، لم أمضِ في عملي هذا حتّى عامًا واحدًا بعد.
أن يعرض عليّ الآن ضعف الراتب مرّة ، و لقبًا نبيلًا مرّة أخرى … لا بدّ أنّ هناك نيّةً خفيّة.
لم تكن المشكلة في قلّة ثقتي بنفسي ، بل في إحساسي الداخليّ بأنّ وراء هذا شيئًا آخر.
“يبدو من نظرتكِ أنّكِ تشكّين بي”
“……!”
ازدردتُ ريقي في توتّرٍ بعدما قرأ أفكاري.
ضحك وليّ العهد بخفّةٍ مريحة.
“صحيح ، في الواقع ، هناك نيّةٌ أخرى”
مال جسده قليلًا نحوي.
تدلّت خصلةٌ ذهبية فوق عينيه الزرقاوين اللامعتين.
عينا كايين كانتا طويلتين قليلاً و تعكسان برودةً و هيبة ، أمّا عينا وليّ العهد فتميلان إلى الأسفل قليلًا ، ما يمنحه مظهرًا ودودًا … و خطرًا في الوقت ذاته.
“في الحقيقة ، أنا مهتمٌّ بكِ شخصيًّا”
“……”
حدّقتُ فيه بعينين متّسعتين مصدومة.
التعليقات لهذا الفصل " 79"