“أُوه … لا”
فكّرتُ لبرهة قصيرة ، ثمّ هززتُ رأسي نافية.
“سأرفض”
“هاه؟! لِماذا؟”
“لأنّ شخصًا مثل سموّ وليّ العهد ، يفوقني شأنًا بكثير”
ابتسمتُ بخجل و أنا أقول ذلك ، لكنّ الحقيقة لم تكن تلك على الإطلاق.
‘هناك شيء لا يُريحني في الأمر …’
فالماركيز كينيون ينتمي إلى فصيل وليّ العهد.
و حقيقة أنّ مثل هذا الماركيز يشيع علنًا كلامًا يسيء إلى كايين ، قد يُفهم منه أنّ وليّ العهد يتغاضى عن ذلك إلى حدٍّ ما.
أي أنّه ، بخلاف ما يُشاع ، قد لا يكنّ لكايين مودّة أخويّة خالصة كما يُقال.
‘هل ما كان عليّ أن أقبل هذا أيضًا؟’
نظرتُ إلى كيس التسوّق الذي يحوي الفستان بعينٍ متردّدة.
‘صحيح أنّه ليس لديّ فستان أرتديه لتلك المناسبة ، و لكن …’
فستان حفلة التخرّج كان مُستعارًا من هيستيا ، و ما تبقّى في خزانتي من فساتين كلّها قديمة الطراز.
“إذًا ، آنسة فريجيا ، كنتِ قبل قليل … حقًا رائعة”
قالت لونا بصوتٍ خافتٍ خجول و هي تنظر إليّ.
“أريد أن أصبح يومًا مثل الآنسة فريجيا ، أستطيع أن أواجه الظلم و أعترض عليه بشجاعة!”
بشجاعة …؟
‘بل كنتُ أشبهَ بمصابةٍ بداء الكلب ، أليس كذلك؟’
تذكّرتُ نفسي قبل قليل ، بعيدةً كلّ البعد عن الرّزانة و الاتّزان ، فشعرتُ ببعض الإحراج.
ليتني أستطيع يومًا أن أكون مثل كايين ، صارمةً و مفعمةً بالكاريزما بحيث أدهس الآخرين بوقار.
‘لكن ، مقارنةً بتلك الفتاة المتردّدة التي كنتُها قبل أن ألتقي ببيبي ، فقد تقدّمتُ كثيرًا!’
“و أيضًا … شكرًا لأنّكِ دافعتِ عنّي. لم يسبق أن غضب أحدٌ لأجلي بتلك الطريقة من قبل …”
قالت لونا بصوتٍ يكاد لا يُسمع ، و قد احمرّت وجنتاها.
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة و قلتُ: “طبعًا سأدافع! كيف يجرؤون على إهانة صديقتي؟!”
“هيهي ، شكرًا لكِ. لكن ، أممم ، بالمناسبة …”
سألتني لونا بحذر: “هل يبدو ثوبي حقًا قرويًّا و مضحكًا …؟”
“في الحقيقة … في نظري هو جميل فحسب. لكن ، بصراحة ، ذوقي في هذه الأمور ليس الأفضل …”
“و أنا كذلك …!”
سادتنا لحظة صمتٍ جادّة.
ثمّ قبضتُ قبضتي بحماس و هتفتُ: “لكنّي قرأتُ الكثير من مجلّات الموضة استعدادًا لهذا اليوم! سأختار لكِ الفستان الذي يُناسبكِ تمامًا!”
“واو ، أشعر بالاطمئنان!”
***
“لقد عُدتِ؟”
“مرحبًا بعودتكِ ، سيّدتي!”
[سيّدتيي!!]
بمجرّد أن دخلتُ إلى المنزل ، استقبلني الخدم بحفاوة ، و حلّق بيبي نحوي بسرعة.
“نعم ، عدتُ. أرني ، هل كنتَ بخير يا بيبي؟”
[نعم! لقد أنجزتُ 78٪ من تعديل المعادلة السحرية التي طلبتِها ، سيّدتي!]
“هاهاها ، كما توقّعتُ من بيبي! أنتِ الأفضل!”
ربّتُّ بخفّة على رأس بيبي.
لقد أتعبتُه ، لذا غدًا سأصطحبه في نزهة هادئة في ضواحي المدينة ، و أقدّم له كأسًا من الإكسير الفاخر.
قالت سالي مبتسمة برضا: “يا للعجب. سيّدتي حتّى مع حيوانها الأليف لطيفةٌ إلى هذا الحدّ”
“شـ … شكرًا”
لكن عليّ أن أكون أكثر حذرًا ، إذ قد يظنّني الناس أتحدّث إلى عصفورٍ بلا وعي.
تقدّم الخادم ويليام بانحناءةٍ أنيقة ، يضع يدًا خلف ظهره و أخرى أمام بطنه.
“سيّدتي”
يبدو أنّ المنصب يصنع الشخص فعلًا. فويليام باتَ كلّ يومٍ أكثر شبهًا بخادمٍ أرستقراطيٍّ رفيع المقام.
“قبل ساعة تقريبًا ، وصل إلى سيّدتي طردٌ ضخم”
أضافت سالي مؤيّدة: “صحيح! طردٌ كبيرٌ جدًّا!”
“طردٌ ضخم؟ و من أرسله؟”
“لا نعلم. فلم يُكتب اسم المُرسل!”
“ماذا؟ إذًا ربما أُرسل بالخطأ؟”
“لا ، لأنّ عنوان قصرنا مذكورٌ بوضوح في خانة المستلم”
تمتمتُ بارتباك: “حقًّا؟ ما الذي يمكن أن يكون …؟”
“لقد ناقشنا الأمر طويلًا ، و لم نستطع تخمين أيّ شيء. هل نفتح الطرد الآن؟”
سألتني سالي بلهفةٍ تكاد تنفجر من شدّة الفضول.
أومأتُ بسرعة.
“نعم ، هيا بنا نفتحه”
“حاضر!”
بعد لحظات ، أحضرت سالي الطرد.
كان بطول إنسانٍ تقريبًا ، لكنّه لم يكن ثقيلًا جدًا.
‘ما هذا بحقّ السماء؟’
تجمّع الجميع بنظراتٍ فضوليّة حوله.
تناولت سالي سكين الورق بعينين متحمّستين.
“حسنًا ، نبدأ الفتح!”
حبست سالي و ويليام و ماري ، و حتى بيبي الجالس على كتفي ، أنفاسهم بترقّب.
ششش —! …
شقّت السكين الورقيّة الغلاف ببطء.
ثمّ بعد لحظة …
“يا إلهي”
“واااه …”
تنهّدتا ماري و سالي باندهاش.
داخل الغلاف ظهر فستان.
توسّعت عيناي و أنا أحدّق به بذهول.
حريرٌ فضّيّ ينساب بنعومةٍ كضوء القمر ، تزدان به ألماساتٌ متلألئةٌ تلمع كأنّ درب التبانة انسكب عليها.
قَصّةٌ ساحرة تشبه ذيل حوريّة البحر.
و دانتيل يلتفّ بخفّةٍ حول الكتفين كضبابٍ سماويّ.
كان جماله حالِمًا إلى حدٍّ يصعب تصديقه ، كأنّه فستانٌ لا ينتمي إلى هذا العالم.
***
طق—! ، طق—!
نقرتُ بقلم الحبر على الورق و أنا شاردةُ الفكر.
‘من يا ترى أرسل هذا؟’
الليلة الماضية ، بعد أن فتحنا الطرد، عمّت الفوضى في قصر فيوليت.
“آنستي ، هذا حريرٌ فاخر من دوقيّة ألدين!”
“و انظري إلى الدانتيل! دقّته لا تُصدّق!”
“يا إلهي. هذه ليست كريستالات … إنّها جميعها ألماس!”
كان الفستان يزداد فخامةً كلّما تأمّلناه أكثر.
فقط الألماس المثبّت عليه يُمكن أن يُباع بثمنٍ يكفي لشراء عدّة منازل.
‘مَن بحقّ السماء يُرسل فستانًا كهذا؟’
كنتُ أموت فضولًا لأعرف ، لكنّنا لم نعثر على أيّ بطاقةٍ مرفقةٍ به.
هديّةٌ باهظةٌ أُرسلت دون اسمٍ أو توقيع.
شخصٌ يُرسل هديّةً كهذه دون الكشف عن هويّته ، لا بدّ أنّه يملك من المال ما يفيض عن حاجته.
لكن لا يوجد كثيرون من هذا النوع حولي.
لعلّها صاحبة الجلالة الإمبراطورة؟
بعد إعلانها تعديل قانون وراثة الألقاب ، أرسلت لي دعوةً لشايٍ مشترك.
يبدو أنّها تحمل لي بعض الودّ ، لكن لا سبب لديها لتُرسل مثل هذا الفستان خفيةً.
‘أو ربما …’
خطر ببالي وجهُ شخصٍ ثريٍّ آخر أعرفه.
… لا ، مستحيل.
هززتُ رأسي نافيةً تلك الفكرة.
“ما الذي تفعلينه؟”
‘آه!’
كدتُ أعضّ لساني من الفزع.
كما يُقال ، اذكر الذئب تجده أمامك!
كان كايين يُلقي بظلّه الطويل عليّ ، لا أدري منذ متى كان يقف هناك.
“آه ، أعتذر”
تلعثمتُ و أنا أُخفي الورق بسرعة.
كان مكتوبًا عليه بعض الملاحظات الخاصة ، لا علاقة لها بالعمل.
كنتُ أبحث في معادلةٍ سحرية لأحدثَ “إصلاحًا بسيطًا” في متجر القطع الأثرية الخاصّ بالماركيز روهايم.
“انتظري”
تجمّدتُ في مكاني عند سماع صوته البارد.
نظر كايين إلى الورقة بعينين حادّتين و قال: “لماذا فعلتِ هذا؟”
“آه … أعتذر. سأُركّز على العمل في وقت العمل من الآن فصاعدًا”
“لا ، ليس هذا ما أعنيه”
قطّب حاجبيه قليلًا و كأنّه في حيرة ، ثمّ انحنى فجأةً نحوي.
‘آه’
شهقتُ دون قصد ، فتسلّل عِطره المميّز إلى صدري بعمق.
رائحةُ غابةٍ بعد المطر ، عذبةٌ و منعشة.
لا يضع عطرًا ، فكيف تفوح منه رائحةٌ كهذه؟ حقًّا إنّه إنسانٌ أنانيّ الجمال.
‘تماسك ، يا قلبي ، لا تخذلني الآن’
و بينما كنتُ أوبّخ نفسي على هذا الشرود ، أدركتُ متأخّرةً أنّ كايين انتزع قلمي من يدي.
‘هاه؟’
بدأ يكتب بخطٍّ سريعٍ و واثق فوق معادلتي السحرية.
“كنتُ أعني هذا. لماذا وضعتِه بهذه الطريقة؟”
لقد غيّر فقط بعض المتغيّرات الصغيرة ، و مع ذلك …
‘يا إلهي ، هذا هو الحلّ!’
انقشعت الغيوم عن ذهني فجأة.
كيف لم يخطر لي هذا من قبل؟ لقد انحلّت العقدة التي حيّرتني أيّامًا!
‘سيسعد بيبي كثيرًا!’
تذكّرتُ بيبي المسكين الذي كان مكتئبًا في الأيام الماضية و يقول إنّه ذكاءٌ اصطناعيٌّ عديم الفائدة ، فابتسمتُ بفرحٍ غامر.
“شكرًا جزيلًا لك ، يا دوق!”
خرج صوتي صافيًا و مفعمًا بالحماسة.
“…”.
نظر إليّ كايين بعينين متّسعتين دهشة.
التعليقات لهذا الفصل " 78"