ما الذي سمّاه إذن “أسمح لكِ”؟!
أحسستُ بأنّ مؤخرة رأسي تشدّ بشدّة من شدّة الغضب وسط هذا الموكب المجنون المستمرّ.
‘ماذا أفعل؟ هل أبوح الآن بأمر بيبي؟’
أنّني كنتُ أراقب تصرّفات كايين عن كثب فقط لأجل إدخال بياناته في بيبي؟
‘لأنّ سُمعة السيّد تقول إنّه شرّير و قاسٍ ، فأردتُ أن أتعلّم منه بعض الحيل الشرّيرة لا أكثر!’
… لو قلتُ ذلك بصوتٍ عالٍ ، فسيطردني فورًا من برج السّحر ، أليس كذلك؟
أغمضتُ عينيّ بإحكام ، و حاولتُ تهدئة نفسي ، ثمّ قلتُ بابتسامةٍ مصطنعة: “… كلّ هذا ، مجرّد سوء فهم. كيف لي أن أتجرّأ و أُكنّ مشاعر غير لائقة للسيّد؟”
“يمكنكِ أن تُكنّيها”
“لا ، لن أفعل”
“همم. ربّما لا تُدركين بعد ما في قلبكِ. لا بأس. لدينا متّسع من الوقت”
إنّه لا يُصغي إليّ أصلًا!
‘بيبي ، بيبي! ما بال هذا الرّجل؟ لماذا يتصرّف هكذا؟’
[تحليل غير ممكن! تحليل غير ممكن! نمط تصرّف الهدف غير منتظم على الإطلاق!]
تصرفات كايين المفاجئة جعلت حتّى بيبي يتعطّل!
‘اهدئي. فقط اهدئي’
بدأتُ أجهدُ ذهني في محاولةٍ لفهم آليّة تفكيره.
‘إن كان يظنّ منذ البداية أنّني أُحبّه ، فربّما فهِم كلامي على الشاطئ أيضًا على أنّه …’
اعترافٌ بالحبّ؟
بالفعل ، قد يُفهم كلامي حينها على ذلك النحو!
‘مهلًا ، مهلًا. لو نظر من خلال عدسة هذا الفهم الخاطئ ، فحتّى إجازتي اليوم لأجل موعد الزواج ستبدو له و كأنّها …’
محاولة يائسة للزواج من رجلٍ لا أُحبّه بعد أن لم أتلقَّ ردًّا على اعترافي؟!
‘إذًا شعر بالشفقة على سكرتيرته التي تحاول الهرب من حُبٍّ غير متبادل ، فقرّر الزواج بها بنفسه …؟’
لا ، لا ، هذا هراء! من الذي يُقرّر زواجه بهذه البساطة؟!
ثمّة قطعة مفقودة من هذا اللغز ، ولا أستطيع أن أُدرك ما هي.
لكن عليّ الآن أن أفكّك هذا التشابك من سوء الفهم بهدوءٍ ، خيطًا بخيط.
“أيّها السيّد كايين”
قلتُ بنبرةٍ هادئةٍ قدر المستطاع: “أظنّ أنّك واقع في سوء فهمٍ كبير ، كبيرٍ جدًا …”
و فجأة—
“فريجيا! أين أنتِ!”
“السيّد فيليكس! لا يجوز لك الدّخول هكذا! السيّدة لديها زائر الآن—”
“تنحّي جانبًا! فريجيا ، أين أنتِ! فريجيا!”
“آه!”
‘ماذا؟ فيليكس؟’
أيّ جنونٍ هذا؟ كيف تجرّأ على اقتحام المنزل بهذه الوقاحة؟
“سيّدي ، عذرًا لحظة واحدة”
رسمتُ ابتسامةً مصطنعة و خرجتُ من القاعة ، تاركةً كايين خلفي.
في البهو ، كان فيليكس يُثير الفوضى.
و يبدو من وجهه أنّه ثملٌ تمامًا.
‘آه ، رائحة الخمر!’
اقتربتُ منه بخطواتٍ غاضبة و نظرتُ إليه بحدّة.
“توقّف عن إزعاج خَدَمي و اخرج فورًا”
“فريجيا! لماذا لم تردّي على اتّصالي؟ ها ، خذي هذا!”
مدّ إليّ باقة ضخمة من الورود الحمراء.
تشنّج وجهي تلقائيًّا.
كانت الورود كثيرةً إلى حدّ خانق ، و رائحتها تملأ الأنف بقوّةٍ مزعجة.
هديةٌ كنتُ أحلم بها يومًا ، أمست الآن مُقرفة.
“ما هذا؟ هل ترمي القمامة هنا؟ أزلها حالًا”
“ماذا ، ماذا قلتِ؟”
حدّق فيليكس بي بدهشةٍ و ذهول.
“لكنّكِ … أنتِ قلتِ إنّ أكثر ما تحبّين تلقيه هو الورود!”
أوه ، يعرف ذلك ، و مع ذلك لم يُقدّم لي وردة واحدة خلال عشرة سنين؟ كم هو مستفزّ!
قهقهتُ بسخرية.
“فيليكس ، سأقولها للمرّة الأخيرة ، فافهمها جيدًا”
نطقتُ كلّ كلمةٍ بوضوحٍ حادّ: “لم أعُد أرغب بتلقّي شيءٍ منك ، لا باقة وردٍ ولا حتى باقة ألماس. لأنّ …”
“……!”
“كلّ ما تمسّه يداك صار يُثير اشمئزازي. حتّى النظر إلى وجهك الآن يجعلني أشعر بأنّ بصري يتعفّن. لهذا الحدّ أصبحتُ أكرهك”
اتّسعت عينا فيليكس من شدّة الصدمة.
و رؤيته و هو يرتجف جعل صدري أخفَّ قليلًا من ثِقلٍ قديم.
بعد أن تجمّد للحظة ، مرّر يده في شعره و تنهد بحدة.
“هاه … كفاكِ عنادًا. أنا أعترف ، أخطأت. قلتُ إنّي آسف ، أليس هذا كافيًا؟ الرجل حين يُنزل كبرياءه هكذا ، عليكِ أن تتوقّفي عن الدلع ، أليس كذلك؟”
حرّك ياقة قميصه بعصبيّة ، فظهر بوضوحٍ الخاتم الأحمر المُعلّق في عنقه—
ذلك “حلقة التقييد” التي تُشير إلى أنّ صاحبها مشتبهٌ في جريمةٍ خطيرة.
إن حاول الخروج من نطاق العاصمة بتلك الحلقة ، فـ بووم!
سينفصل رأسه عن جسده في لحظة.
رؤيتها ذكّرتني كم انحدر فيليكس إلى الحضيض.
ابتسمتُ بازدراء.
“خنتني مع صديقتي و أنجبتما طفلًا ، و تظنّ أنّ كلمة اعتذارٍ تُصلح الأمر؟ تفكيرك فعلاً حديقة من الزهور ، يا لِلسّخرية. أخرج من بيتي الآن”
“صحيح! تلك الثعلبة اللعينة ، لورينا ، لم تكن تحمل طفلي أصلًا! كانت تكذب عليّ!”
لم أكن مهتمّة بمعرفة تفاصيل فضيحتهما.
سواء أكانت لورينا حاملاً بطفله أم لا ، فلا شأن لي بذلك الآن.
ابتسمتُ ببرودٍ و قلت: “حقًا؟ يا للعجب”
“نعم! لذا دعينا ننسى الماضي و—”
“و ماذا بعد؟”
“… ماذا؟”
“سواء كان بطنها منتفخًا بسبب حملها منك أو بسبب الإمساك ، لا يهمّني. في النهاية ، أنتَ من لوّث صداقتي و خنتَني ، أليس كذلك؟”
“هيه! كيف تتكلّمين بهذه الطريقة!”
“ابتعد عنّي قليلًا ، رائحتك كريهة. هل لأنّنا في الصيف؟ رائحة القذارة لا تُطاق”
تظاهرتُ بسدّ أنفي ، فاحمرّ وجه فيليكس غضبًا.
“هل ستستمرّين بندائي بالقذارة؟ أيتها المجنونة! لقد دلّلتُكِ أكثر من اللازم!”
“إن لم تُحبّ كلمة ‘قذارة’ ، فماذا عن ‘طفيليّ’؟ ‘سارق السّحر’؟ ‘برغوث’؟ ماذا تختار؟”
“أيتها المجنونة اللعينة … تراجعي عن كلامكِ حالًا!”
كان يرتجف من شدّة الغيظ ، يتنفّس بصعوبة.
كم هو مريحٌ أن أراه يرتعش هكذا … لكنّي بدأتُ أرى الحديث معه مضيعةً للوقت.
خصوصًا بعد أن فجّر كايين قنبلةً في رأسي قبل قليل.
“أنتِ … أنتِ لم تعودي نفس فريجيا القديمة. ماذا جرى لكِ؟ هل حقًا إشاعة علاقتكِ بذلك الرجل صحيحة؟!”
“أتقصدني أنا بذلك الرجل؟”
التفتُّ ، و إذا بكايين يتقدّم نحونا بخطواتٍ ثابتة.
أمال رأسه قليلًا ، و نظر إلى فيليكس من رأسه حتّى قدميه بنظرةٍ باردة.
رغم أنّ فيليكس طويل القامة ، بدا بجانبه كفتاةٍ نحيلة.
“تشه ، فريجيا”
نقر كايين بلسانه ثمّ قال: “كيف لامرأةٍ ذات ذوقٍ راقٍ مثلك أن تُقيم علاقةً مع هذا الكائن التافه؟”
اصفرّ وجه فيليكس ثمّ احمرّ كطماطم ناضجة.
“ماذا! لماذا يظهر هذا الدوق هنا؟! ألم تقولي إن لا شيء بينكما؟!”
تملّكني شعورٌ خبيث بالرغبة في إغاظته أكثر.
“همم؟ هل قلتُ ذلك حقًّا؟”
أملتُ رأسي بابتسامةٍ ماكرة.
“ثمّ سواء كان بيني و بين السيّد كايين شيء أو لم يكن ، ما شأنك أنت؟”
شعرتُ بأنّ كايين إلى جانبي قد تجمّد للحظة.
“صحيح. سواء كانت بيننا علاقةٌ … حميمة أم لا ، فما شأنك أنت؟”
استدرتُ نحوه بسرعة.
هل أنا أتوهّم ، أم أنّ أطراف أذنيه احمرّت قليلًا و هو يقول كلمة حميمة؟
مهما يكن ، فقد كانت ضربةً قاضية.
وجه فيليكس احمرّ غضبًا ، و صاح: “أيتها الحقيرة المجنونة! إذًا كنتِ تخونينني أنتِ أولًا! كيف تُدخلين رجلاً إلى بيتك و أنتِ غير متزوّجة؟!”
“الذي فقد عقله هو فمك هذا”
تقدّم كايين نحوه بخطواتٍ بطيئة.
رغم أنّه لم يفعل شيئًا بعد ، إلا أنّ هيبته وحدها جعلت فيليكس يتجمّد في مكانه.
ابتسم كايين ابتسامةً قاتلة و همس بصوتٍ منخفضٍ خطير: “هل ترغب أن ترى كم يمكنك أن تثرثر بعد أن أُمزّقك إربًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 73"