‘تلك الفتاة الطيبة ، التي كانت تزحف على الأرض إن طلبتُ منها ذلك … تخلّيتُ عنها بسبب لورينا’
لورينا بيلمونت.
ما إن خطر ذلك الاسم ببال فيليكس ، حتى عضّ على أسنانه بغضب.
‘اللعينة … تجرؤ على الكذب و تدّعي أنّها تحمل طفلي؟’
تذكّر وجه لورينا الشاحب حين طلب منها إجراء فحص الأبوة.
لو كانت بريئة حقًّا ، لكانت فعلت المستحيل لإثبات براءتها بنفسها.
‘بسبب كذبها اللعين ، تحطّم كلّ شيء بيني و بين فريجيا!’
فريجيا. خطيبته المخلصة النقيّة.
على عكس لورينا التي كانت لا تكفّ عن التذمّر مطالبةً بتاريخ الزفاف و هدايا باهظة كرمزٍ للحب ، كانت فريجيا تحبّه بصدق.
كانت تحضّر له طعام الغداء كلّ يوم ، و تظهر فجأة و معها مظلّة حين يهطل المطر ، و تسهر الليل لتعدّ له دفاتر ملاحظات خاصّة لمراجعة اختباراته.
لكن فريجيا تلك …
“تلقيتُ ما أُخذ مني”
“ما أخذته …؟”
“نعم. لقد سرقتَ قُوى السحر خاصّتي طيلة عشر سنوات”
خانته ببرودٍ قاتل.
و مع ذلك ، الغريب أنّ فيليكس لم يستطع أن يكرهها. بل على العكس ، ندم على أنّه جرح فتاة طيّبة كفريجيا إلى درجة جعلتها قاسية بهذا الشكل.
نعم.
لقد أعمته الألفة ، فالتفتَ لوهلة إلى غيرها ، لكنّ من أحبّها دائمًا كانت فريجيا وحدها.
كان مقتنعًا أنّه لو اعترف لها بمشاعره الآن ، فستغفر له في النهاية. فهي الفتاة التي أحبّته بإخلاصٍ طوال تلك السنين.
“فريجيا … هق”
ترنّح فيليكس بعينين زائغتين و خرج مترنّحًا من الحانة.
***
“سيّدتي! لقد أشرق الصباح!”
“أوغ … اليوم عندي إجازة …”
تمتمتُ و أنا أشدّ الغطاء عليّ ، فسمعت صوت سالي الحازم يقول: “لا يمكن! يجب أن تنهضي! أليست لديكِ موعد غداء؟ سيستغرق التحضير له على الأقل ثلاث ساعات!”
“ثـ ، ثلاث ساعات؟!”
تلاشى النعاس تمامًا عند سماعي ذلك الرقم ، فنهضتُ نصف جالسة.
“و لِمَ كلّ هذا الوقت؟”
“يا سيّدتي ، تسريحة الشعر ، و المكياج ، و الملابس! كلّ ذلك يحتاج إلى وقت!”
‘صحيح … حتى في حفلة التخرّج بدأتُ التحضير من الفجر ، أليس كذلك؟’
لوّحتُ بيدي قائلة: “لا داعي لكلّ هذا التكلّف. الأمر مجرّد غداء بسيط ، لا أكثر”
“لا! إنّه اللقاء الأوّل مع من قد يكون زوجكِ المستقبلي!”
اشتعلت الحماسة في صوت سالي و هي تشدّ قبضتها بعزم.
“سأحرص على أن تظهري بأجمل هيئة ممكنة!”
من المؤكّد أنّ سالي كانت قلقة أيضًا من أن تعيق شائعة علاقتي بالدوق كايين طريق زواجي ، تمامًا مثل لونا.
أتذكّر أنني سمعتُها تتحدّث همسًا مع ماري في إحدى الليالي حين نزلتُ لأجلب الماء.
“أجمل هيئة ، ها …؟ أظنّ أن الأوان فات لذلك. ما زالت عيناي منتفختين ، أليس كذلك؟”
أشرتُ إلى جفنيّ اللذين شعرتُ بثقلهما ، فتردّدت سالي قليلًا ثمّ هزّت رأسها بثقة.
“لا تقلقي! لن تغطي محنة بسيطة كهذه جمالكِ ، سيّدتي! لا تستهيني بمهارتي في التجميل!”
“حسنًا ، حسنًا. أعتمد عليكِ إذًا”
“اتركي الأمر لي!”
***
بعد أن انتهيت من الحمّام جلستُ أمام المرآة.
و بينما كنتُ أترك وجهي المنتفخ بين يدي سالي الماهرة ، سمعنا فجأة صوتًا متوتّرًا: “سيـ ، سيّدتي!”
كان كبير الخدم ويليام يهرول نحونا لاهثًا.
“الضيف … وصل”
“هاه؟”
أملتُ رأسي باستغراب. لم أكن أنتظر أحدًا.
“آه ، هل وصلت العربة؟”
ما زال وضعي المادّي لا يسمح بشراء عربةٍ خاصة ، فكنت أستأجر عربةً بالأجرة عند الحاجة.
“لماذا جاء بهذه السرعة؟ لابدّ أنّ هناك التباسًا. أخبره أن يعود بعد ساعة ، رجاءً”
“لـ ، ليست عربة ، سيّدتي”
“هـم؟”
نظرتُ إليه متحيّرة ، و عندها فقط لاحظتُ وجهه الشاحب كالثلج.
“الـ ، الدوق كرويتز بنفسه … جاء لزيارتكِ!”
“ماذااا؟!”
اتّسعت عيناي حتى كادتا تبرزان.
“لماذا جاء الدوق إلى هنا؟”
أيمكن أنّه جاء ليوبّخني لأنّي أخذتُ إجازة دون إذن منه؟!
لكنّ السيّد آرون أكّد لي أنّه طالما أنّ الوقت ليس وقت ضغط عمل فلا حاجة لاستئذان الدوق!
“سا ، سالي! أزيلي هذا بسرعة!”
“نـ ، نعم!”
أسرعت سالي تفكّ اللفائف الضخمة الملتفّة حول شعري.
و بعد لحظات كنتُ أهرول إلى غرفة الاستقبال.
“سيّدي الدوق!”
كان كايين جالسًا هناك فعلًا ، يشرب الشاي بهدوء ، جميلًا كلوحةٍ فنيّة.
و كانت ماري المسكينة ترتجف و هي تقدّم له الضيافة.
“ماري ، يمكنكِ المغادرة الآن”
“نعم ، سيّدتي!”
غادرت ماري المكان بارتياحٍ واضح.
جلستُ بتوتّرٍ أمام كايين و سألته بخجل: “سيّدي ، ما الذي جاء بك إلى هنا …؟”
“منتفخة”
قالها و هو يرمق وجهي بثبات.
أدركتُ ما يقصده فاحمرّ وجهي. لا بدّ أنّ مظهري الآن سيّء بسبب انتفاخ عينيّ.
“نعم ، أعاني قليلًا من الحساسيّة منذ البارحة ، هاها”
“حساسيّة ، فهمت. فلنقل ذلك إذًا”
كان في ملامحه شيء غريب … مزيج من الشفقة و الرقة ، كأنّه ينظر إلى هرّة صغيرة مبتلّة.
‘ما الذي به …؟’
نظر إليّ كايين مباشرة و قال بجدّ: “سأدخل في الموضوع مباشرة”
خفق قلبي بعنف.
ما الأمر المهمّ إلى درجة أن يأتي بنفسه؟ لا بدّ أنّه أمر خطير.
‘هل سيوبّخني لأنّي أخذتُ إجازة دون إذن؟’
قبضتُ على طرف المفرش بتوتّر ، و في تلك اللحظة …
“لنتزوّج”
“……؟”
عبستُ و أنا أربّت على أذني.
“ما بكِ؟”
“آه ، المعذرة ، يبدو أنّني سمعتُ كلمة غريبة لتوّي”
“إن كانت الكلمة التي سمعتِها هي الزواج ، فقد سمعتِ جيّدًا”
رمشتُ بعينين متّسعتين ببطء.
“ماذا … قلتَ الآن؟”
“قلتُ لنتزوّج. أنتِ و أنا”
“ماذااااااا؟!”
تراك-!
ارتطمتُ بالمائدة و أنا أنهض بعنف.
ابتسم كايين بخفة.
“هل أسعدكِ الخبر إلى هذا الحدّ؟”
“مـ ، ماذا … ما الذي تتحدّث عنه؟!”
صرختُ غير مصدّقة ، و قد نسيت أنّه رئيسي في العمل.
عقد كايين حاجبَيه قليلًا.
“هل ضعف نظري؟ لأنّكِ تبدين كمن أصيب بالرعب”
بل كنتُ مصدومة حتى العظم!
“لا يعقل ، فأنتِ … معجبة بي”
قالها و هو يصرف نظره بخفوت ، و قد احمرّت عنقه قليلًا.
‘مـ ، ماذا؟’
هل أرى جيدًا؟
أهو حقًّا يتورّد خجلًا؟ الدوق كايين ، الكلب المسعور نفسه؟!
“صحيح أنّني أحترمكَ ، لكن لم تراودني مشاعر غير لائقة تجاهكَ قط!”
“حقًّا؟”
حدّق بي بعينين فاحصتين.
“كنتِ تحدّقين بي طوال الوقت ، تراقبين كلّ تحرّكاتي دون أن تغضي الطرف لحظة”
“……!”
“كنتِ تدونين كلّ ما أقول ، كلمةً كلمة”
ذُهلت.
‘ذلك فقط لأنّني في بداياتي في برج السحر كنتُ أكره ضعف شخصيّتي و كنتُ أريد أن أصبح قويّة مثلك!’
كنتُ أراقبه بشغفٍ علميّ ، لا أكثر!
‘و في الآونة الأخيرة كنتُ أتابعك بدقّة لأنّني أردت أن أصبح سكرتيرة مثاليّة!’
“لم تغادري جانبي قطّ قبل أن أغادر أنا العمل”
“ذلك لأنّ!”
اقترب كايين خطوةً حتى كاد وجهه يلامس وجهي.
رائحة عطره المميّزة غمرت أنفي ، و خفق قلبي بعنف.
سارعتُ أستجمع نفسي.
“لأنّ هذا واجبي كسكرتيرة!”
“لا. لم تكن أيّ سكرتيرة من قبلكِ بهذا الحماس. لا بدّ أنّ السبب هو مشاعركِ تجاهي”
كانت على وجهه قناعة تامّة. فتحتُ فمي دون أن أجد ما أقوله.
يا للجنون … لقد أساء فهم إخلاصي و عزيمتي إلى هذا الحدّ؟!
‘منذ متى بدأ هذا الالتباس …؟ آه ، لحظة’
تذكّرت فجأة ما قلته له على شاطئ مهرجان حاكمة البحر.
«سيّدي الدوق ، أريد أن أخدمك طوال حياتي»
‘لاااا!’
الآن فقط أدركت كم قد تبدو تلك العبارة … ذات مغزى عاطفيّ خطير!
احمرّ وجهي كالجمر.
و عندما رأى كايين ذلك ، ابتسم ابتسامة خلابة و كأنّه فهم شيئًا آخر تمامًا.
“إذًا ، مقعد الزوجة بجانبي … أسمح لكِ أن تشغليه”
التعليقات لهذا الفصل " 72"