“سيدي الدوق …؟”
ظلّ كايين صامتًا لبرهة.
ثمّ أجاب بعد قليل بصوتٍ خافت: “لا. لا شيء”
كنتُ فضوليّة ، لكنّ ملامح كايين بدت حزينة على نحوٍ غريب ، فلم أجرؤ على السؤال أكثر.
في تلك اللحظة ، اقترب منّا أحد موظّفي الفعاليّة بابتسامة مشرقة ، و قد علّق حول عنقه قلادة من الزهور الملوّنة.
“نوزّع الفوانيس الآن. اكتبوا أمانيكم على الورقة و ضعوها داخل الفانوس ثمّ أطلقوه نحو البحر”
“آه ، شكرًا جزيلاً!”
كان الفانوس الذي ناولني إيّاه على شكل صدفةٍ جميلة.
‘ما الأمنية التي يجب أن أكتبها؟’
فكّرت قليلًا ، ثمّ كتبت إجابة بسيطة جدًا.
[رجاءً اجعلني سعيدة]
كنتُ أنوي أن أكتفي بذلك ، لكن بعدما كتبتها ، طمعتُ أكثر ، و واصلتُ الكتابة بالقلم.
[- و أرجو أن أستطيع توظيف خدمٍ طيّبين.
و أن أجني مالًا كافيًا لدفع رواتبهم جميعًا.
و أن أصبح الأفضل في مجال السكرتارية.
و أن ألتقي بزوجٍ طيّبٍ و صالح.
و أن أبني منزلًا جميلًا دافئًا يفتخر به والداي من السماء]
فالأماني مجانيّة بعد كلّ شيء.
ههه. نظر كايين إلى الورقة المليئة بالسطور و ضحك بسخرية خفيفة.
“ستنفجر من كثرتها. لماذا لا تذهبي و تطلبي فانوسًا آخر؟”
“آه ، لا ، لا حاجة!”
احمرّ وجهي خجلًا و أسرعتُ بإدخال الورقة داخل الفانوس.
“و ماذا كتبتَ أنتَ يا دوق؟”
“لم أكتب شيئًا”
همم ، كما توقّعت.
لم أستطع أبدًا تخيّل كايين و هو يكتب أمنية صغيرة بخطّ يده.
“إذن ، هل نُطلقها الآن؟”
“كما تشائين”
أُطلقت فوانيسنا معًا ، تسير على سطح الموج مبتعدةً شيئًا فشيئًا.
و بينما كنتُ أحدّق بها بانبهار ، شعرتُ فجأة بوجود كايين إلى جانبي.
‘لم أتوقّع أن يرافقني بكلّ هذا اللطف’
لقد تأثّرت اليوم بكايين أكثر ممّا كنتُ أتصوّر.
كيف يمكن لأحدٍ أن يصف هذا الرجل بـ”الكلب المجنون”؟
فهو بهذا الوجه ، و تلك القدرات و الثروة ، بل و حتى إنسانيّته التي تجعله يواسي تابعة تبكي أمامه!
ربّما تلك الشائعات الفظيعة التي أطلقها أشخاص مثل الماركيز كينيون هي التي شوّهت سمعته.
‘من الآن فصاعدًا ، سأحمي الدوق بنفسي’
عزمتُ على ذلك بجدّ ، ثمّ التفتُّ إليه.
“يا دوق”
اتّجهت نحوي عيناه الذهبيّتان الجميلتان ، فقلتُ بصدق: “أريد أن أبقى إلى جانبك مدى حياتي”
“… ماذا؟”
بوم—! بوم—!
دوّى صوت المدافع ، و تفجّرت الألعاب الناريّة فوق البحر.
“واو …!”
كانت الألعاب الناريّة على شاطئ البحر أجمل من أيّ مكان آخر.
و بينما كنتُ أحدّق بها مأخوذة ، شعرتُ بنظرةٍ تلامس خدّي.
التفتُّ بسرعة ، فالتقت عيناي بعيني كايين مباشرة.
أوه ، فاجأني ذلك.
كان ينظر إليّ بذهول ، كما كنتُ أنا أنظر إلى الألعاب الناريّة قبل قليل.
تبادلنا النظرات ، فشعرتُ بشيءٍ غريب يملأ صدري.
“يا دوق؟ هل هناك ما تودّ قوله؟”
“… لا. لا شيء”
غطّى نصف وجهه بيده الكبيرة.
و ظلّ على تلك الحال صامتًا لوقتٍ طويل.
بوم—! بوم—!
ملأت أصوات الألعاب الناريّة و هتافات الناس الصمت بيننا.
***
“أوهغ … أااه …”
بوّابة النقل في العاصمة—
أسندتُ نفسي إلى الجدار و أنا ألهث ، فالتفت إليّ كايين بعينيه الضيّقتين.
“لا تأتي غدًا. اعتبريها إجازة مرضيّة”
“ماذا؟! لا ، لا بأس بي. سأحضر إلى العمل!”
“الإجازة المرضيّة لا تُخصم من الراتب”
“حقًا؟! شكرًا جزيلًا! سأتعافى تمامًا و أعود بنشاط!”
نظر إليّ كايين بذهولٍ ثمّ ضحك بخفة.
و هكذا انتهت الرحلة ، أو بالأحرى “المهمّة” التي كانت في الحقيقة أجمل إجازةٍ لثلاثة أيّام.
***
“بيبييي!”
[سيّدتييي!]
احتضنتُ بيبي الذي بدا أنعم من قبل ، و أخذتُ أشمّه.
“همم؟ أين راحت رائحة بيبي المميزة؟ لماذا أشم هكذا رائحة طيّبة؟”
[تمّ غسلي على يد الآنسة سالي. كنتُ خائفًا فبقيتُ ساكنًا ، فقالت إنّني طائرٌ لطيف]
“هاها ، أحسنتَ التصرف”
[هل كانت رحلتكِ موفّقة يا سيّدتي؟]
“نعم ، في الحقيقة حدثت أمور كثيرة”
بدأتُ أحكي له كلّ ما جرى خلال الأيّام الثلاثة الماضية.
و بعد أن انتهيت ، أضاءت عيناه السوداوان مثل حبّتين من السمسم.
[سيّدتي كنتِ سعيدةً إذًا!]
أه؟ حقًا؟
‘… صحيح ، أظنّني كنتُ كذلك’
تناولتُ طعامًا لذيذًا ، شاهدتُ المهرجان ، و رأيتُ البحر لأوّل مرّة.
كانت تلك الأيّام أسعد ما مرّ بي منذ فقدتُ والديّ.
مختلفة تمامًا عن أيّامٍ كنتُ فيها أتشبّث بفيليكس و أفرح بفتات اهتمامه.
رحلة عملٍ مع مديري وحدي … و كانت ممتعة إلى هذا الحدّ.
لا بدّ أنّ هذا هو …
‘الإخلاص الحقيقي!’
رفرف بيبي بجناحيه الصغيرين كمن يصفّق.
[طالما أنّ سيّدتي سعيدة ، فبيبي أيضًا سعيد!]
ضحكتُ و مرّرتُ يدي على رأسه الصغير.
“شكرًا لك”
***
في اليوم التالي—
استيقظتُ فزِعة على ضوء الشمس الذي غمر غرفتي.
“آه! العمل …! آه ، صحيح”
لقد أخذتُ إجازة مرضيّة اليوم!
استلقيتُ مجددًا على السرير ، أستمتع بسعادة النوم المديد.
حدّقتُ في السقف و أنا أفكّر.
‘ترى إلى أين وصلت التحقيقات مع فيليكس؟’
سمعتُ أنّ المحقّقين اقتحموا قصر ماركيز روهايم.
قالوا إنّ النتائج ستصدر خلال أسبوع إلى شهر.
كنتُ متشوّقة لمعرفة النتيجة.
كيف اتّصل ذلك الوغد بالساحر الأسود أصلًا؟ و هل فعل شيئًا آخر خبيثًا غير سرقة طاقتي السحريّة؟
‘لكن الغريب أن عائلة روهايم لم تأتِ لتفتعل ضجّة بعد’
توقّعتُ أن تقتحم الماركيزة منزلي صارخة: “أنتِ السبب في تدمير حياة ابني!”
فهي من النوع الذي لا يتردّد في فعل ذلك.
لكنّهم ظلّوا هادئين على نحوٍ مريب. ربّما كانوا يخطّطون لضربةٍ أخيرة لاستعادة مجدهم.
‘لن أسمح لهم بذلك أبدًا’
سأدمّر أساس تجارتهم في القطع السحريّة.
وضعتُ الخطط ، و درستُ بعض السحر الذي سيساعدني في العمل ، و لمّا رفعتُ رأسي ، كان المساء قد حلّ.
“آنستي!”
طرقت سالي الباب بحذر.
“هناك من زارك من مكان العمل. تقول إنّ اسمها لونا أولين. هل أدخلها؟”
‘آه ، الآنسة لونا؟’
قفزتُ من مكاني.
“سأنزل حالًا!”
نزلتُ إلى غرفة الاستقبال بعد قليل ، فاستقبلتني لونا بابتسامة قلقة.
“السيدة فريجيا! سمعتُ أنّكِ أخذتِ إجازة مرضيّة ، هل أنتِ بخير؟”
إلى جانبها سلّة ضخمة من الزهور الزهرية.
لقد جاءت لزيارتي! رغم أنّها مجرّد يوم إجازة واحد …!
“آه ، في الواقع …”
قلتُ بخجلٍ و قد تأثّرتُ كثيرًا ، “لم يكن مرضًا خطيرًا. فقط دوار بسيط من بوّابة النقل”
“يا إلهي!”
اتّسعت عينا لونا.
“سمعتُ أنّها متعبة جدًّا لمن يعانون منها. هل أنتِ بخير؟ كان عليّ إحضار أعشابٍ سحريّة بدل الزهور!”
“لا ، لا ، الزهور جميلة جدًا!”
أسرعتُ لألوّح بيدي نافية.
في الحقيقة ، كانت تلك أوّل مرّة في حياتي أتلقّى فيها باقة زهور.
‘عشر سنوات من الخطوبة و لم يقدّم لي فيليكس زهرة واحدة ، و الآن أحصل على أول باقة من زميلة عمل’
شعرتُ بحرارةٍ في صدري ، و ازداد تعلّقي بلونا أكثر.
تبادلنا الحديث و تناولنا بعض الحلوى.
قالت لونا و هي تضحك: “بالمناسبة ، منذ أن سافرتِ أنتِ و الدوق معًا في رحلة العمل ، ضجّ برج السحرة بالثرثرة”
كانت لونا الوحيدة التي تصدّق أنّ علاقتي بكايين ليست كما يتخيّل الجميع.
“آه … كما توقّعت”
“حقًا إنّهم لا يخجلون. بدأوا يؤلّفون رواياتٍ رومانسيّة و كأنّهم كُتّاب”
“روا … روايات؟”
“أتعلمين تلك الكليشيهات المألوفة؟ مثل أن يكون في الفندق غرفة واحدة فقط فيضطرّان إلى المبيت معًا”
أوه ، لقد حدث ذلك فعلًا …
“أو أن تنجرف البطلة وسط الزحام فيمسك بها البطل في اللحظة المناسبة”
و هذا أيضًا حصل …
“و أخيرًا ، ختامًا بالألعاب الناريّة التي يشاهدانها سويًّا”
و المرحلة الأخيرة كانت فعلًا الألعاب الناريّة …
“ألا ترين كم هذا سخيف؟ ههه!”
“ها ، هاها … فعلًا … سخيف للغاية …!”
التعليقات لهذا الفصل " 69"