تنفستُ الصعداء بعد أن عرفتُ أن القديسة لم يصبها مكروه، وأرخيتُ جسدي. مع زوال التوتر، شعرتُ فجأة بالعطش والصداع يهاجمانني. وضعتُ يدي على جبهتي وبحثتُ عن الماء بعينيَّ.
شكرتها بهدوء، وأخذتُ الكوب وشربتُ. تدفق الماء الفاتر في حلقي، مما ساعد في استعادة وعيي قليلاً.
“هل تريدين المزيد؟”
شعرتُ بقلقها في سؤالها اللطيف. نظرتُ إليها بامتنان وأجبتُ أنني بخير.
“يا إلهي، ما هذه الفوضى؟ كنتُ أعلم أن الوضع داخل الأمة المقدسة متوتر جدًا، لكن لم أتوقع أن يكون بهذا السوء. لا بد أنكِ تفاجأتِ كثيرًا لأنكِ كنتِ مع القديسة. ليس مرة واحدة، بل مرتين متتاليتين.”
تنهدت سيون بعصبية، ثم صفقت فجأة كأنها تذكرت شيئًا.
“بالمناسبة، هل ستبقين هنا؟”
لم أفهم سؤالها على الفور، فنظرتُ إليها بحيرة. بدت سيون مستاءة وهي تقبض يدها اليمنى وتفردها مرارًا.
“الجو هنا يبدو أكثر خطورة مما توقعتُ. لديَّ بعض الظروف أيضًا، لذا سأعود إلى بلدي مبكرًا. سأرتب الأمور هناك، ثم أعود إلى الإمبراطورية أو أفعل شيئًا آخر. ماذا عنكِ؟”
ماذا عني…؟
بينما كنتُ أفكر أن حركة يدها اليمنى تبدو مألوفة بطريقة غريبة، ارتبكتُ قليلاً من سؤالها. لم أكن أعرف خياراتي، فترددتُ، فأمسكت سيون يدي فجأة بعينين لامعتين.
“إذا كنتِ تفكرين، لمَ لا تأتين معي؟ هناك شيء أريد أن أريكِ إياه.”
“شيء تريدين مني رؤيته…؟”
“نعم، هيا معي. هيا؟ هيا؟”
نظرتُ إلى يدي الممسكة بها بعيون قلقة.
كان اقتراحها المفاجئ محيرًا، لكن بعد قراري بترك الأميرة يوري والأمير ريموند ، بدا اتباعها الخيار الأفضل لي.
لكن، هل يمكنني الذهاب معها حقًا؟
ماذا لو لم تكن الأميرة يوري والأمير ريموند والقديسة فقط؟ ماذا لو تأذى آخرون، بما فيهم سيون، بسببي؟ كنتُ قلقة. وأكثر من ذلك، لم أكن أرغب في المغادرة دون سماع ما أرادت القديسة قوله في النهاية.
“لن أدع موهبتكِ تضيع أبدًا. إذا أردتِ شيئًا، يمكنني دعمكِ بكل شيء. المال، الوقت، الأشخاص. أي شيء.”
“آه! ألستِ مهتمة بأكاديمية ريجينا الملكية للفنون؟ سمعتِ عنها من ذلك الأمير، أليس كذلك؟ أنا أستاذة هناك. بسلطتي، لا حاجة لرسائل توصية أو امتحانات قبول. إدخالكِ أمر تافه.”
“ثقي بي. أنا الشخص الذي يمكنه أن يمنح موهبتكِ أجنحة.”
كانت العروض التي لا يمكن لأي رسام مقاومتها تتدفق. ومع ذلك، عندما بدوتُ مترددة، أفلتت سيون يدي وخدشت مؤخرة رأسها.
“همم، ربما كنتُ متسرعة جدًا. تحتاجين إلى وقت للتفكير، أليس كذلك؟”
شعرتُ بالذنب لترددي أمام عرضها، وعندما تراجعت مراعيةً لي، شعرتُ بمزيد من الحرج.
“فكري جيدًا. ويفضل أن تكون معي! هيا؟ سأجعلكِ لا تندمين أبدًا! هل تعتقدين أنني سأخدعكِ بينما ذلك الأمير موجود؟ أنا جديرة بالثقة حقًا! مفهوم؟ سأعاملكِ جيدًا! أليس كذلك؟”
بينما كنتُ أتخبط تحت ضغطها المتجدد بعد تراجعها اللحظي، رن صوت طرق حذر.
*طق طق.*
قبل أن أرد، فُتح الباب دون انتظار. عبستُ متسائلة من يمكن أن يكون وقحًا لهذه الدرجة، لكن شخصًا غير متوقع ظهر.
“آه.”
تجمد الشخص، كما لو كان متفاجئًا، في وضعية فتح الباب.
“أوه؟ سمو الأمير عاد مرة أخرى.”
بينما كنتُ أنا والأمير ريموند متجمدين بالدهشة، رحبت به سيون أولاً.
يبدو أن الأمير ريموند ظن أنني لم أستعد وعيي بعد. ربما لهذا طرق بهدوء ودخل، ليتفاجأ برؤيتي مستيقظة.
أما أنا، فتخبطتُ بظهوره المفاجئ. لستُ متأكدة من غيّر ملابسي، لكنني شعرتُ بالحرج من ثياب النوم، فسحبتُ الغطاء بسرعة.
“أعتذر. ظننتُ أنكِ لا تزالين فاقدة للوعي. أزعجتكِ. سأعود لاحقًا.”
لحسن الحظ، أشاح الأمير ريموند بنظره عني فورًا، وفتح الباب وغادر. وأنا أنظر إلى ظهره المتجمد وهو يغادر، شعرتُ بانزعاج خفيف في صدري.
“ما هذا؟ لقد دخل ورآك بالفعل، فلمَ يفعل هذا؟ هل بسبب ثياب نومكِ؟”
ضحكت سيون بدهشة وهي تنظر إلى الباب الذي خرج منه الأمير.
“حتى هذه التفاصيل تجعل هذا الأمير بلا عيوب. يمكننا القول إنه الأمير المثالي تمامًا.”
ثم نظرت إليَّ بنبرة غامضة، لا أعرف إن كانت تسخر أم تمدح.
“بالمناسبة، أنتِ لا تواعدينه بعد، أليس كذلك؟ لمَ لا؟ هل هناك معارضة قوية من العائلة الإمبراطورية؟ أم أنكِ رفضتيه لأنه ثقيل جدًا؟”
ما الذي سمعته للتو؟ رمشتُ بدهشة ونفيت كلامها فورًا.
“ليس هناك شيء بيني وبين سمو الأمير الثاني.”
“كيف لا؟ إنه يظهر بوضوح أنه معجب بكِ، ويبدو أنكِ لستِ غير مبالية تمامًا.”
“لا، ليس كذلك!”
صرختُ بصوت عالٍ محرج. ربما كانت سيون تمزح فقط، لكنني شعرتُ كطفلة أُمسكت بفعل شيء خاطئ، فرفعتُ صوتي مرتبكة.
شعرتُ بالخجل لاعتقادي أنني كنتُ واضحة للجميع كالحمقاء. حتى في هذا الموقف، كنتُ أتصرف بحماقة.
“آه، حسنًا، حسنًا؟”
نظرتُ إلى الباب بقلق، خشية أن يسمع أحد حديثنا، ثم لاحظتُ ردة فعل سيون متأخرة.
بدت مصدومة من رفع صوتي المفاجئ. أدركتُ خطأي، وشعرتُ بالأسف تجاهها، فخفضتُ رأسي بحزن.
“أعتذر لصراخي فجأة. لكن هذا… مستحيل. مستحيل تمامًا. كيف يمكنني أن أحب شخصًا مثله؟”
نظرت سيون إليَّ بهدوء وخدشت مؤخرة رأسها.
“همم، آسفة. يبدو أنني أخطأتُ. لن أقول شيئًا كهذا مجددًا. أعتذر حقًا.”
غطتني سيون بالغطاء مجددًا وربتت عليَّ بلطف، كما لو كانت تهدئ طفلة لا تنام.
لم أستطع النظر في عينيها مباشرة، فأومأتُ برأسي بخفة.
“نعم، شكرًا.”
غادرت سيون وهي تراقبني بحذر، وبقيتُ وحدي. حاولتُ الاستلقاء كما قالت، لكنني رفعتُ الغطاء ونهضتُ. كنتُ قلقة لأن الأمير ريموند قال إنه سيعود لاحقًا. ربما لا يعود اليوم لأنه مشغول، لكنني فعلتُ ذلك تحسبًا.
بصراحة، الآن… لم أكن أرغب في لقاء الأمير ريموند . بعد رؤية القديسة آريا في حالة مروعة، ومعرفة أن الأمير ريموند قد يواجه مصيرًا مشابهًا، لم أكن واثقة من قدرتي على مواجهته بلا مبالاة.
لكن سواء اخترتُ الذهاب مع سيون أم لا، شعرتُ أنني يجب أن ألتقيه مرة واحدة على الأقل.
لا يمكنني المغادرة دون قول شيء مجددًا. إخباره مسبقًا سيساعده على التعامل مع الأمر.
فتحتُ خزانة الملابس في الغرفة. لم أجد ملابسي السابقة، فبحثتُ عن أخرى. كانت الخزانة مليئة بالفساتين، لا أعرف متى وُضعت.
اخترتُ الأبسط وارتديته.
غسلتُ وجهي بالماء، ومشطتُ شعري المشعث بعناية، ثم عدتُ لأجلس على السرير.
حدقتُ في الفراغ، أفكر. ماذا يجب أن أفعل من الآن فصاعدًا؟
كان عرض سيون مثاليًا بلا نقص. كنتُ أرسم في غرفة مظلمة بالكاد يدخلها الضوء، لإبراز الآخرين.
عرض سيون كان فرصة لن تتكرر في حياتي.
القبول في أكاديمية ريجينا الملكية للفنون، وجود داعم قوي، والقدرة على رسم لوحاتي بفخر. كلها أحلام طالما راودتني. لم يكن لدي خيار سوى اتباع سيون.
لكن، هل ستكون آمنة إذا ذهبتُ معها؟ هذا ما كان يقلقني.
الأشخاص الذين ذكرتهم القديسة آريا كجزء من “القدر” كانوا الأميرة يوري، الأمير آلين ، الأمير ريموند ، ريتشارد أديل، وهي نفسها. هل سيكون كل شيء على ما يرام إذا تجنبتُ الارتباط بهؤلاء؟
عالم خيالي صنعه شخص واحد، مع مسار وقصة ونهاية محددة مسبقًا، حيث يجب أن نتحرك كقطع شطرنج وفقًا لما هو مقرر.
كانت هذه الكلمات أصعب تصديقًا من الحديث عن حاكم والقدر. أن يكون العالم الذي أعيش فيه مجرد خيال صنعه شخص واحد، وليس حاكما، وأن يكون كل شيء في القصة، من مسارها إلى نهايتها، محددًا كما لو كان قدرًا منذ ولادتي.
كان من الصعب تصديق كل ما قالته القديسة، لكنني لم أستطع تجاهله تمامًا.
إذا كانت كلماتها صحيحة، فهل ذلك “الشخص” الذي تحدثت عنه يراقبنا جميعًا الآن؟ يراقبني كما لو كان يحرسني؟ وإذا حاول أحدهم إفساد القصة التي صنعها، هل يقوم بإزالتهم فورًا؟ كما حدث لي وللقديسة؟
التعليقات لهذا الفصل " 90"