عندما التقيتُ بالقديسة آريا لأول مرة، أذهلني جمالها مقدس. كانت أول شخص أردتُ رسمه بكل قلبي، مفتونة بأناقتها الرائعة وجوها الغامض. لم أستطع إبعاد عينيَّ عنها.
كانت هي الشخص الذي أحبه من أحببته بكل قلبي. في اللحظة التي واجهتها وهي تقف بثقة إلى جانبه، أدركتُ مدى سخافتي وجهلي عندما تمنيتُ يومًا أن أكون مكانها.
كان ذلك مؤلمًا للغاية. فكرتُ أنه لو كنتُ مكانه، لاخترتُ شخصًا بهذا الجمال بدلاً مني، وشعرتُ بقلبي ينهار.
كانت تبدو بعيدة جدًا، كأنها في مكان مرتفع لا يمكنني الوصول إليه أبدًا، وكأنني لن أكون مرتبطة بها بأي شكل. لكنها الآن هنا، أمامي مباشرة. تمسك بيدي وتمشي معي.
ضربني المطر البارد في وجهي.
عندما استعدتُ وعيي، كانت القديسة تقودني خارج المبنى، وليس داخله. غادرنا المكان المزدحم بالناس وتوجهنا إلى مكان أكثر هدوءًا.
كان المطر يهطل بغزارة أكثر من قبل. كنتُ قلقة عليها أكثر من نفسي. ظهرها النحيل والهش، الذي بدا أضعف مني بكثير، كان يتبلل أكثر فأكثر، مما أثار قلقي. ماذا لو أصيبت بالبرد؟ مثلما قلقت سيون عليَّ، كنتُ قلقة عليها.
إلى أين نذهب؟
مشينا طويلاً تحت المطر حتى توقفت أخيرًا خلف المبنى حيث كنتُ أرسم الجدارية. لحسن الحظ، كانت سيون قد غطتها بقماش سميك، فلم تظهر الرسومات. نظرتُ حولي بقلق، متسائلة لمَ أتينا إلى هنا بالذات.
“ماذا تريدين معرفة؟”
استدارت القديسة ببطء وابتسمت لي. ابتسامتها جعلتني أشعر بالحيرة، لأنها لم تبدُ غاضبة أو ساخرة.
“أنني قلتُ لكِ أن تموتي؟ هل أزعجكِ ذلك؟ هل لهذا جئتِ لمواجهتي بعناد؟”
كانت كلماتها، التي ألقتها بنبرة حادة وهي تميل رأسها، كالأشواك.
مصدومة ومرتبكة، لم أستطع الرد للحظة، ثم فتحتُ فمي أخيرًا.
“ليس هذا-“
“نعم، لم أكن أمزح.”
استمر المطر بالهطول، وكنتُ أقف دون حماية، فارتجف جسدي من البرد. لكنني لم أكن متأكدة إن كان ارتجافي بسبب المطر البارد أم بسبب كلمات القديسة التي نطقت بها بابتسامة رحيمة.
“يجب أن تموتي حتى يعود كل شيء إلى مكانه.”
أفلتت القديسة معصمي كأنها ترميه. أدركتُ حينها فقط أنها كانت لا تزال تمسك به.
حدقت عيناها الفارغتان بي مباشرة. شفتاها، التي بدت وكأنها تحاول الابتسام، انطبقت بقوة على أسنانها البيضاء.
“الآن، يفترض أن يكون البطل الثانوي والبطل مفتونين بي، لكنهما ينظران إليكِ فقط. إليكِ، وليس إليَّ.”
تسرّب صوت مخيف من بين أسنانها، لا يتناسب معها أبدًا.
“بهذه الطريقة، لن تنتهي القصة. لقد أصبحت قصتها فوضى. لا يمكن أن تستمر. هل تعرفين لماذا؟”
أشارت إليَّ ببطء وهي تتفوه بكلمات غامضة.
“لأنكِ، مجرد شخصية ثانوية كأداة لتطوير القصة، أفسدتِ كل شيء.”
اشتعلت شرارة زرقاء في عينيها الزرقاوتين. كيف يمكن لأحد أن ينظر إلى شخص آخر بمثل هذا الكره؟
أصابتني قشعريرة من نظرتها.
كانت عيناها تقولان إنها تريد تمزيقي إربًا وقتلي على الفور.
“كلير هيذر المسكينة، التي لا تعرف أن وجودها مجرد أداة لإنهاء هذه القصة.”
وخز إصبعها النحيل الأبيض كتفي.
“كلير هيذر الجديرة بالشفقة، التي لا تعرف أنها تُستغل من تلك الأميرة.”
مرة، مرتين. دفعتني يدها إلى الخلف بلا مقاومة.
“ستندمين أنتِ وتلك الأميرة اللعينة حتى الموت. القصة أصبحت فوضى، وستُبتلعين أنتِ وهي وكل شيء في مصير مشوه.”
لم أفهم كلمات القديسة الغريبة التي كانت تتفوه بها بابتسامة مخيفة.
“لو متِ أنتِ فقط، لانتهت القصة، لكنها الآن ستجعل الجميع يعانون.”
ما هو البطل والبطل الثانوي؟ ماذا تعني أداة لإنهاء القصة؟ ولمَ تقول إن الأميرة يوري تستغلني؟ كلها كلمات غامضة.
حدقتُ بها ببلاهة، فضحكت القديسة. كان صوتها أقرب إلى صرخة مزقتني. غطيتُ أذنيَّ دون وعي.
بعد أن ضحكت كالمجنونة لفترة، توقفت أخيرًا وأنزلت رأسها لتنظر إليَّ مجددًا.
“من سيموت أولاً؟”
نظرت إليَّ عيناها الخاليتان من التعبير، كأنها لم تضحك أبدًا.
*طنين.*
اهتز السوار المعدني على معصمي الأيسر بصوت غريب. كان السوار الذي أصر الأمير ريموند على ألا أنزعه مهما حدث.
لمَ يتصرف هكذا فجأة؟ نظرتُ إلى السوار بعيون حائرة. شعرتُ وكأنه يضغط على معصمي أكثر، كأنه يحذرني من خطر ما.
“أنتِ؟ أم أنا؟ أم تلك يوري كريستين كاجيس اللعينة؟”
عندما رفعتُ عينيَّ إليها عند سماع نبرتها الساخرة، رأيتُ ضوءًا يتصاعد من السوار على ذراعي، وتغيرت رؤيتي فجأة. كأن شخصًا يبطئ الزمن عمدًا، كل شيء أمامي… تباطأ.
لا توجد كلمة أخرى لوصف ذلك.
المطر المتساقط، القديسة التي تنظر إليَّ، وغريب اقترب دون أن ألاحظ، كلهم يتحركون ببطء شديد. كان الغريب يرتدي قناعًا أسود، ممسكًا بخنجر صغير يستهدف القديسة بدقة.
قبل لحظة، لم أرَ شيئًا ولم أسمع شيئًا. ابتلعتُ شهقة رعب عند رؤية المهاجم المجهول. قبل أن أفهم الموقف، امتدت ذراعي نحو القديسة واندفعتُ نحوها.
بفضل قفزتي عليها، تدحرجنا معًا على الأرض بصوت عالٍ. صرخت القديسة، وأغلقتُ عينيَّ بقوة عندما شعرت بحركة المهاجم خلف ظهري. فكرتُ أننا قد نُطعن ونموت معًا.
*كلانغ!*
صدى صوت معدن يصطدم بجدار صلب في الفضاء. في الوقت نفسه، سمع صوت إحباط من المهاجم المفاجأ.
“ما الذي يحدث، سيدة آريا؟”
ثم، لحسن الحظ، سمع صوت أقدام فرسان الإمبراطورية يقتربون.
تسرّب صوت تذمر آخر من المهاجم.
تردد المهاجم للحظة، ثم اختار الاختباء بدلاً من مواصلة الهجوم.
بحلول الوقت الذي اقترب فيه صوت أقدام الفرسان، اختفى حضور المهاجم تمامًا.
كنتُ لا أزال أعانق القديسة بقوة، مغلقة عينيَّ بشدة. كنتُ مرعوبة من فكرة أنني كدتُ أُطعن دون سبب، مرتجفة دون أن أستطيع فتح عينيَّ.
*دوم دوم دوم.* دوى صوت قلب، لا أعرف إن كان قلبي أم قلبها، في جسدي.
“إلى متى ستبقين هكذا؟”
استعدتُ وعيي بضربة خفيفة على ظهري وصوت القديسة الناقم.
فتحتُ عينيَّ بحذر، وكان أول ما رأيته غشاءً شفافًا ذهبيًا.
ما هذا؟ أدرتُ عينيَّ بدهشة، فجلست القديسة، ممسكة بي.
حينها فقط أدركتُ حالتي وفهمتُ مصدر الغشاء الذهبي. كان الضوء الذهبي من السوار يغطي جسدي ويشكل درعًا دائريًا حولي وأنا أعانق القديسة.
هل هذا الضوء من السوار؟ هل هذا الغشاء الشفاف هو ما حمينا؟
نظرتُ إلى السوار بدهشة، وفجأة اختفى الغشاء الذهبي. بينما كنتُ أفكر إن كان له حد زمني، تحطم الياقوت المرصع في السوار، فقد لونه كأنه أكمل مهمته.
“سيدة آريا!”
هرع الفرسان الذين سمعوا صراخ القديسة وحاصروا المنطقة.
التعليقات لهذا الفصل " 86"