كانت يوري منغمسة في تغيير أحداث القصة وكأنها تحمل مهمة عظيمة. أو ربما تصرفت وتحدثت وكأنها حقًا يوري كريستين كاجيس، متوهمة بذلك. خلال تلك اللحظات، كانت قادرة على نسيان شوقها لعالمها الأصلي واستيائها ممن جعلوها هكذا.
في مركز ذلك كانت كلير هيذر. من أجل نهاية سعيدة لكلير هيذر. بدأ الأمر بشفقة وتعاطف بسيطين تجاهها. ربما رأت في كلير انعكاسًا لنفسها—شخصة سُرقت من عائلتها وأصدقائها وعالمها منذ ولادتها، وأُجبرت على العيش كشخص آخر في مكان غريب.
شخص مسكين. شخص يُرثى له. ضحية هذا العالم.
مثل يوري نفسها.
أرادت يوري إنقاذها. وربما، من خلال إنقاذ كلير، أرادت إنقاذ نفسها. كان ذلك انتقامًا من العالم الذي سلب حياتها دون إذن. أرادت تدمير هذا العالم بالكامل. هكذا، أرادت إنقاذ كلير ونفسها.
لكن عندما التقت كلير حقًا، تحدثتا، أمسكتا بأيدي بعضهما، تعانقتا، نادتا بعضهما بالأسماء، تناولتا الطعام اللذيذ معًا، ضحكتا وبكيتا معًا، أصبحت يوري تحبها بصدق.
لم ترغب في خسارة شخص لطيف بشكل سخيف، لم يتلق حبًا حقيقيًا طوال حياته، لكنه مع ذلك دافئ ومحبب للغاية. أرادت أن تجعلها سعيدة. ليس بدافع الفضول، أو لإرضاء ذاتها، أو للانتقام من العالم، بل لمجرد أنها أرادت ذلك.
أرادت فقط أن تكون كلير هيذر سعيدة. وأرادت أن تكون إلى جانبها. أرادت أن تكون سعيدة إلى جانب كلير وهي تبتسم بسعادة.
حتى الآن، كانت تشتاق إليها بشدة.
تشتاق إليها جدًا. أرادت أن تناديها “أختي” وتسمع صوتها يرد “انسة يوري”.
لكن الخوف من أن إبقاءها قريبة قد يعجل بموت من تحب قيد يديها وقدميها.
صورة كلير هيذر، التي كانت متكورة في بركة دم تحمي آلين، يدها الحنونة التي ربتت عليها وهي تبكي، صوتها الحذر الذي ناداها “انسة يوري”، ابتسامتها الجميلة التي أظهرتها أحيانًا لها ولآلين فقط—كل ذلك كان ثمينًا جدًا ومحببًا، ولم ترغب في خسارته. لكن معرفة أنها ستفقد كل ذلك يومًا ما كانت تؤلمها بشدة.
كانت تشتاق إليها لكنها خائفة، خائفة لكنها تشتاق إليها. أرادت أن تكون بجانبها، لكنها لم ترغب في ذلك.
كانت يوري تندم منذ اليوم الذي اختفت فيه كلير دون كلام. ندمت بشدة على أن آخر محادثة بينهما كانت تحية “تصبحين على خير”
بالكاد دون النظر في عينيها.
أرادت أن تعاتبها على تركها، لكنها لم تجد الشجاعة للوقوف بجانبها مجددًا. كان خوفها من أن تتسبب في موت من تحب أكبر وأثقل مما توقعت، مما جعلها عاجزة عن الحركة.
مدت يوري ذراعيها وعانقت آلين بقوة. شعرت بجسده الصغير يندس في حضنها، مثل يدها التي ربتت على ظهرها. أخرجت يوري مشاعرها المخفية وهي تعانق آلين.
“أشتاق إلى أختي…”
رن صوتها الممزوج بالبكاء بحزن في الغرفة.
“أشتاق إليها جدًا.”
―”ما هذا؟ إذا كنتِ تشتاقين إليها لهذه الدرجة، كان يجب أن تقولي.”
ارتجف ظهر يوري وهي تعانق آلين.
فتحت عينيها المغلقتين بسرعة والتفتت. رفع آلين، الذي كان يربت عليها بذراعيه القصيرتين، رأسه مفاجأة.
―”ظننت أنك تنتظرين بهدوء.”
تدفق صوت مألوف من كرة مانا سوداء. تقدمت رئيسه الخادمات، التي بدت نادمة، حاملة كرة المانا.
يبدو أن يوري كانت منشغلة بالبكاء لدرجة أنها لم تلاحظ من فتح الباب.
―”لو كنتِ تشتاقين إليها لدرجة البكاء، كان يجب أن تقولي. ليس من عادتك كبح نفسك.”
لم تظهر الوجوه عبر كرة المانا، فقط الأصوات. سمع صوت أخيها الثاني، ريموند، مع تنهيدة قصيرة.
أصيبت يوري وآلين بالذهول، غير قادرين على استيعاب الموقف.
نظرت يوري إلى وجه كبيرة الخادمات المنحني، ثم إلى كرة المانا التي تصدر صوت أخيها، ثم إلى وجه أخيها الصغير المغطى بالدموع.
―”آسف على التأخير.”
لم ترَ تعبير أخيها، لكن صوته بدا متعبًا بعض الشيء.
―”الحاجز أصبح شبه مستقر، لذا يمكنني مغادرة المكان لبضعة أيام. سأعود إلى العاصمة قريبًا مع الآنسة هيذر، فانتظرا قليلاً.”
كان صوته، كعادته، دافئًا رغم نبرته الجادة، يعتني بها وبآلين. شعرت بدفء يشبه مداعبة رأسها من بعيد عبر كرة المانا.
“ياااه!”
بدلاً من يوري، التي تجمدت دون كلام، صرخ آلين بسعادة وهو يتدحرج على السرير. قفز وهو يصرخ، ثم ركض نحو كرة المانا وصاح:
“أخي الثاني، أخي! هل أخبرت اختي الكبيره أن آلين يشتاق إليها كثيرًا!”
ضحك ريموند عبر كرة المانا على صوت أخيه الصغير اللطيف.
توقف آلين، الذي كان يقفز فرحًا، عندما خفض ريموند صوته. كانت يوري لا تزال تحدق في كرة المانا بعيون غائبة.
―”سأعود قريبًا.”
على الرغم من سماع الكلمات التي تمنتها، لم تستطع يوري الرد.
سمعت تنهيدة خفيفة أخرى من جانب ريموند.
أصغت يوري إلى صوت أخيها. هل كان مرهقًا بسبب الحاجز؟ بدا صوته متعبًا ومجهدًا.
―”لا تبكي.”
عندما تحدث إليها، عاد صوته مليئًا بالدفء. نسيت يوري للحظة أنه لا يرى وجهها، وأومأت بدلاً من الرد.
انقطع اتصال كرة المانا، واختفى ضوءها الأزرق الداكن.
“أختي، اختيالكبيره ستأتي! الأخ الثاني سيحضرها!”
اقترب آلين من يوري، التي كانت جالسة بلا حول على السرير، وعيناه تلمعان.
“أختي…؟”
نظر إليها بعيون متسائلة، كأنه يتساءل لمَ لا تفرح. لكن يوري ظلت صامتة، غير قادرة على الفرح أو البكاء، تحدق في كفيها على ركبتيها.
“أنا آسفة، سمو الأميرة، سمو الأمير.”
قالت رئيسه الخادمات، التي كانت تراقب يوري بقلق، وهي تنحني بعمق.
“مهما ناديت، لم يكن هناك رد، وكنت قلقة جدًا، ففتحت الباب دون إذن. وأتصلت بسمو الأمير الثاني دون موافقتكما. سأتقبل أي عقاب.”
نظرت يوري إلى رئيسه الخادمات، التي كانت أكبر بكثير من والدتها، تنحني لها بعمق، وأطلقت زفرة طويلة كانت تكبحها.
كانت تعلم مدى ولاء رئيسة الخادمات للعائلة الإمبراطورية وحبها لها ولآلين، لذا لم يعجبها موقفها هذا. كما أنها كانت مدينة لها بأشياء كثيرة.
“لا، أعلم أنك فعلتِ ذلك لأنك قلقة علينا.”
ردت يوري بسرعة، مبتسمة بوهن لتطمئنها أنها ليست غاضبة ولن تعاقبها.
“لا بأس، يمكنك المغادرة.”
“شكرًا جزيلًا على تفهمك.”
بدت رئيسه الخادمات مرتاحة أخيرًا. كررت الشكر عدة مرات، ثم استدارت مترددة.
حتى قبل إغلاق الباب، سألت يوري عما إذا كانت بحاجة إلى شيء، متى يجب إحضار الطعام، وإذا كان هناك أي إزعاج، تطلب منها قوله. لوحت يوري بيدها، مؤكدة أنها لا تحتاج شيئًا.
في تلك اللحظة.
سقطت كرة المانا من يد رئيسة الخادمات، التي كانت تلتفت بقلق.
تحطمت على الأرض بصوت مخيف، وتناثرت شظاياها في كل مكان. أصيبت رئيسة الخادمات، التي أسقطتها، بالجروح على وجهها وجسمها في لحظة.
“السيدة يوري، السيد آلين، هل أنتما بخير؟”
نظرت رئيسة الخادمات، التي كانت دائمًا تناديهما بـ”سمو الأميرة” و”سمو الأمير”، إليهما بوجه شاحب. بدت غير مدركة لجروحها، تتفقد إذا أصيبا بشظايا.
على الرغم من المسافة بينها وبين السرير، كانت قلقة جدًا، لا تعرف ماذا تفعل.
“هل أصبتما…؟”
“نحن بخير. تفاجأنا قليلاً فقط.”
“بالتأكيد تفاجأتما. أنا آسفة جدًا. من فضلكما، لا تنزلا من السرير. سأطلب تنظيفه فورًا.”
بأمر من رئبسة الخادمات، بدأت الخادمات المنتظرات خارج الباب بالتحرك، محاولات إخفاء دهشتهن.
جلبن أدوات التنظيف وبدأن بجمع شظايا كرة المانا عند الباب. راقبت يوري بهدوء.
كانت رئيسة الخادمات، التي وُلدت في عائلة نبيلة وخدمت العائلة الإمبراطورية لسنوات طويلة، تفتخر بعملها، بارعة في كل شيء، هادئة وباردة دائمًا. رؤيتها مرتبكة لهذه الدرجة كانت صادمة ليوري.
“أختي…”
عانقت يوري آلين، الذي اندس في حضنها خائفًا من صوت تحطم كرة المانا. وهي تعانق أخاها الصغير جدًا، كبحت القلق الذي بدأ يتصاعد في صدرها.
رئيسة الخادمات، التي لا ترتكب أخطاء، أسقطت كرة المانا في ارتباكها—لا بد أن يكون مجرد حادث.
كرة المانا المحطمة ليست نذير شؤم.
ليس بعد. ليس الوقت لاختفاء أختها، كلير هيذر، من هذه القصة.
‘لم أطلب منها المجيء.’
شددت يوري على ذراعيها حول آلين. جسده الصغير الدافئ كان كأنه حبل نجاة.
‘الأخ الثاني…الشخصية بطل الثانوي هو من قال إنه سيحضرها.’
ارتجف جسد يوري من القلق والخوف الذي بدأ يتصاعد من أطرافها.
‘لم أقل كلمة واحدة عن إحضارها. لذا.’
وبجبن، ألقت باللوم على شخص آخر.
‘لم أحاول تغيير القصة بنفسي.’
أرادت أن تؤمن، بأي طريقة، أن من تحب سيعود إليها بسلام…
التعليقات لهذا الفصل " 83"