1. مكائد المشاغبين (17)
عندما رأيت الاثنين راكعين أمام الأميرة يوري، يرتجفان من الخوف، شعرت بشيء مشابه.
لم يكن شعورًا بالارتياح أو السعادة، بل كان الأمر أشبه بشعور مرير ومؤلم يثقل صدري.
رؤية هؤلاء الأشخاص ينحنون بسهولة، يعتذرون ويطلبون المغفرة، جعلتني أدرك مدى صغر وجودي في أعينهم، ومدى بؤسي وإهانتي.
“هل أنتِ بخير، اختي؟”
قطع الأمير الرابع ألين أفكاري العابرة، متحدثًا إليّ بنبرة مليئة بالقلق.
كان يمشي بجانبي ممسكًا بيد الأميرة يوري، بينما ينظر إليّ بعينين قلقين.
“نعم، أنا بخير.”
أجبت بابتسامة خفيفة وأومأت برأسي.
عندها فقط ابتسم الطفل بلطف، وكانت وجنتاه المشرقتان تبدوان وكأنهما تخفيان كل براءة العالم، مما جعله يبدو لطيفًا للغاية.
“أشعر بالغضب حتى الموت! كيف لم أفكر بهذا من قبل؟! كان يجب أن أخرجها من هذا المنزل البائس منذ البداية!”
بينما كنت أنا وألين نتبادل النظرات، كانت الأميرة يوري لا تزال تغلي من الغضب، تسير بخطوات غاضبة بينما تعطي أوامرها لحارسها.
“فينسنت!”
“نعم، جلالة الأميرة.”
“جهز العربة فورًا، واتصل باستخدام الكرة السحرية لاستدعاء كاهن رفيع المستوى!”
“على الفور.”
“آه، يا إلهي، هذا حقًا يُغضبني!”
عندما غادرنا القصر، كانت العربة الملكية جاهزة بالفعل.
دفعت الأميرة يوري بي وبالأمير الرابع ألين داخل العربة الملكية التي تحمل شعار العائلة الامبراطورية، ثم دخلت وأغلقت الباب بعنف.
لم يكن لدي حتى الوقت لأبدي رأيًا، سواءً بالرفض أو القبول.
كنت أرتدي فقط ثياب النوم مع معطف خفيف فوقها، وبداخل العربة أطلقت تنهيدة عميقة وبدأت بالكلام.
“جلالة الأميرة.”
“ماذا؟!”
أجابتني الأميرة يوري دون أن تنظر إليّ، بصوت يحمل نبرة غاضبة.
“ماذا الآن؟ ماذا؟ لن أقول أنني أخطأت، ولن أعتذر أبدًا، لذا-“
“شكرًا لكِ.”
لسبب ما، بدت الأميرة يوري وكأنها توقعت أن أوبخها على أفعالها.
لكن عندما قلت كلماتي، توقفت فجأة عن التظاهر بأنها تغلق أذنيها، ونظرت إليّ بدهشة.
“في الحقيقة، شعرت بالراحة قليلًا.”
ابتسمت لها ابتسامة خفيفة، وأكملت شكرها.
“هذه أول مرة يُغضب فيها أحد لأجلي.”
رغم أن شعوري لم يكن محض سعادة وامتنان، إلا أنني لم أرغب في إظهار ظلامي الداخلي لها.
“كان الأمر مخيفًا بعض الشيء، لكنني كنت سعيدة حقًا. شكرًا لكِ.”
وقبل أن أنحني لأعبر عن شكري، اقتربت مني الأميرة يوري فجأة واحتضنتني بقوة.
“سأغضب بدلاً عنكِ من الآن فصاعدًا. بدلًا منكِ، أيتها الأخت الطيبة للغاية.”
في حضنها الصغير الذي يحيطني بقوة، بقيت جامدة من المفاجأة قبل أن أعانق ظهرها برفق.
“لكنني لست طيبة لهذه الدرجة…”
“وأنا أيضًا! وأنا أيضًا!”
ربما شعر الأمير الرابع ألين بالإقصاء، فجاء يجري بسرعة ليضمنا معًا بذراعيه الصغيرتين.
ولكن بما أنه طفل صغير، كان يبدو وكأنه منضَمٌّ إلينا بدلًا من أن يضمنا.
قمت بتحريك ذراعيّ وضممت الاثنين معًا بإحكام، وأنا أفكر كيف وصلتني هذه السعادة الكبيرة.
نعم، حقًا كيف وصلتني؟
“جلالة الأميرة.”
“نعم؟ ماذا هناك؟”
ابتعدت ببطء عن الأميرة يوري والأمير ألين.
فوجئ الاثنان بهذا التصرف، ونظرا إليّ بعيون حائرة.
نظرت إليهما بنظرة تحمل الأسف والشعور بالذنب، ثم تحدثت.
“مع ذلك، لا أعتقد أنه من الصواب أن أرحل هكذا. اسمحوا لي بالعودة للتحدث معهم قليلًا.”
تغيرت تعابير وجه الأميرة يوري على الفور، وأصبحت صارمة.
تجعد وجهها الجميل وهي تدير رأسها بغضب.
“لتتحدثي معهم؟ هل تعتقدين أن الحديث معهم سيجدي نفعًا؟”
ثم أظهرت استياءً واضحًا وهي تعود إلى مكانها وتجلس متصالبة الذراعين، واضعة يديها على أذنيها كما لو أنها لا تريد سماع شيء.
“ستعيشين معنا من الآن فصاعدًا.”
“ماذا؟ لا، هذا…”
“لا يهم! لا يهم. ستبقين معنا في قصر الإمبراطوري. انتهى الحديث!”
لم تمنحني الأميرة يوري فرصة للرد، وأصرت بشدة على قرارها.
“هل ستعيشين معنا الآن، اختي؟”
كان الأمير الرابع ألين يمسك يدي بإحكام ويسألني، مما جعل من الصعب عليّ قول “لا”.
وقفت هناك، مترددة وصامتة، بينما ارتسمت على وجهي تعابير الحيرة.
تكتكت.
تحركت العربة التي كانت تسير بسلاسة دون صوت، فجأة بشكل ملحوظ.
اصطدم الأمير ألين بالنافذة وبدأ يبكي متألمًا، بينما كنت أواسيه وأتنهد بعمق.
كان هذا هو ما أفعله دائمًا عندما أحتاج إلى شجاعة كبيرة.
“جلالة الأميرة، لماذا تفعلين كل هذا من أجلي؟”
عندما طرحت السؤال الذي طالما حيرني، شعرت بارتجاف طفيف في كتفي الأميرة يوري التي كانت تتظاهر بالتحديق خارج النافذة.
“كيف تعرفتِ عليّ، جلالة الأميرة؟”
كانت ملامح وجه الأميرة يوري تتصلب بشكل واضح، وكأنني طرحت سؤالًا لا ينبغي طرحه.
لكنني لم أكن أعرف متى سأحصل على فرصة أخرى للسؤال، لذا قررت أن أواصل.
“لم نلتقِ من قبل، ومع ذلك، أشعر وكأنكِ كنتِ تعرفينني منذ البداية.”
حتى الأمير ألين، الذي كان يطلب مني تدليك رأسه، صمت ونظر إلى الأميرة يوري.
“أنا آسفة إذا كنت قد نسيت شيئًا. لكن… هل التقينا في مكان ما من قبل؟”
ربما الأمير الثاني ريموند يتساءل عن الأمر نفسه.
عندما استعدتُ المحادثات السابقة التي أجريناها، بدا واضحًا أن الأمير الثاني ريموند أيضًا لم يكن يعرف السبب الدقيق.
لطالما تساءلت عن السبب الذي جعل الأميرة يوري تُظهر هذا القدر من الاهتمام بي، وتقترب مني بإصرار.
لكنني لم أسألها لأنني افترضت أن هذا مجرد أمر مؤقت، وأننا لن نلتقي مرة أخرى.
ثم إنني لم أكن في موقع يتيح لي الجرأة على سؤالها.
لم يكن الأمر أنني لم أشعر بالفضول، بل بالعكس، ظللت أصمت طوال هذا الوقت بسبب ترددي.
ولكن الآن، بعدما طرحت السؤال، لم أعد أستطيع مقاومة فضولي المتزايد.
لماذا تُحبني بهذا القدر؟ وكيف تعرفت عليّ؟
كيف يمكن للأميرة الوحيدة في الإمبراطورية وفتاة بلا قوة من عائلة بارون أن يلتقيا؟
هل هو فقط لأنني نسيت لقاءً سابقًا بيننا؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟
تساؤلات كثيرة حول وجودها المفاجئ الذي قلب حياتي رأسًا على عقب، لم أعد أستطيع تحمل فضولي حيالها.
“أوه… أمم… الأمر هو…”
لكن لسبب ما، لم أحصل على إجابة سهلة من الأميرة يوري.
كانت تتجنب النظر إلي بشكل ملحوظ وبدا عليها التردد.
هل كان سؤالي صعبًا جدًا؟
هل كان سؤال “كيف تعرفتِ عليّ؟” محرجًا إلى هذا الحد؟
في مواجهة رد فعلها غير المتوقع، شعرت أنا بالارتباك.
ورغم فضولي، عندما رأيتها في هذا الموقف المحرج، بدأت أراعي مشاعرها.
شعرت بالأسف لأنني ربما أحرجتها بسؤالي.
“إذا كان ذلك محرجًا، لا بأس بعدم الإجابة…”
“لا، الأمر هو أن…”
تكلمنا أنا والأميرة يوري في نفس اللحظة، ثم توقفنا في وقت واحد.
نظر كلانا إلى الآخر بحيرة، غير متأكدين مما قاله الطرف الآخر.
“تفضلي، جلالتكِ، تحدثي أولاً.”
“نعم؟ آه…”
شجعتها على الحديث وانتظرت بهدوء، لكنها عادت للصمت مجددًا.
ولأن الجو أصبح محرجًا أكثر، فتحت فمي لأطمئنها مرة أخرى.
“ألين يعرف!”
رفع الأمير الرابع ألين يده عالياً فجأة وهو يجلس بالقرب مني، ثم قال بحماس.
“ألين يعرف لماذا تُحبكِ الأخت الكبرى!”
“هاها! ألين الصغير، لا يعرف ما الذي يتحدث عنه، هاها!”
لكن الأميرة يوري قاطعته بسرعة، وضغطت على شفتيه لتمنعه من الكلام.
حاول ألين الصغير التحرر لبعض الوقت، لكنه استسلم في النهاية وألقى رأسه في حضنها وهو ينظر إليها بنظرات تحمل القليل من العتاب.
رؤية ارتباك الأميرة يوري الواضح جعلني أتحدث إليها بسرعة لتهدئتها.
“إذا كان الحديث صعبًا عليكِ، فلا بأس. لن أسأل مرة أخرى. أعتذر على سؤالي غير المناسب.”
قلت ذلك بوجه خالٍ من التعبير، وكأنني لم أعد أكترث للأمر.
كانت الأميرة يوري تعانق الأمير الرابع ألين بابتسامة محرجة، لكنها سرعان ما أزالت الابتسامة عن وجهها.
“أختي.”
رغم أن هذا اللقب لا يزال غير مألوف لي، إلا أنني نظرت في عينيها الجادتين بهدوء.
“من السهل أن أختلق كذبة وأنهي هذا الموقف. لكنني لا أريد أن أفعل ذلك معكِ. قد لا أستطيع إخبارك بكل شيء الآن، لكنني أعدكِ بأنني سأخبركِ السبب الحقيقي يومًا ما.”
على عكس ما أظهرته سابقًا من ثقة، بدت ملامحها ونبرة صوتها مترددة بشكل غريب.
ورغم ذلك، عكست عيناها الصادقتان نيتها الحقيقية، إذ لم تهربا من نظرتي.
“حتى ذلك الوقت، هل يمكنك الانتظار قليلاً؟”
“أنا…”
فتحت فمي لأجيب على سؤالها المتردد، ونظرت إليها بعينين تحملان مزيجًا من الامتنان والأسف.
ثم قلت بهدوء، موضحًا مشاعري:
“ليس عليكِ أن تخبريني. وحتى لو اخترتِ أن تخدعيني بكذبة، فلا بأس. يكفي أن الأميرة قد غضبت من أجلي اليوم. لقد أصبح دَينًا أحمله في قلبي مدى الحياة. لذا، أنا حقًا بخير.”
بينما كنت أبتسم لها بلطف، لاحظت أنها بدت مرتاحة أخيرًا، وعيناها الذهبية استعادت دفئهما.
“لن أسألكِ عن شيء مرة أخرى، ولن أسمح لنفسي بالشعور بالفضول حتى تخبريني بنفسك.”
نظرت إلي بعينين تملؤهما مشاعر مختلطة واحمرار طفيف، ثم فجأة احتضنتني مجددًا بنفس الطريقة التي فعلتها من قبل.
“أوه، حقًا! أنتِ طيبة القلب بشكل لا يُصدق!”
“أنا لست طيبة إلى هذا الحد.”
بدأت أعتاد على هذا النمط من تعاملها، لذا بادلتها العناق برفق.
وفي اللحظة ذاتها، اندفع الأمير ألين بخطوات صغيرة وفتح ذراعيه طالبًا الانضمام.
ابتسمت وضمت الاثنين معًا بين ذراعيّ.
═════ ★ ═════
التعليقات لهذا الفصل " 17"