1
المقدّمة
عندما تمتزج الألوان تصبح داكنة ، و عندما تتجمّع الأضواء تصبح أكثر إشراقًا.
لكن ، رموش الرجل أمامي ظلّت سوداء حتى بعد أن تساقطت عليها أشعة الشمس. و كأنّ لا شيء في هذا العالم قادر على إنارته.
“أوغ …”
كانت ظهيرة مشمسة و دافئة.
الندى غير الجاف كليًّا على العشب المنبسط بثّ عطرًا عطِرًا ، فأشعر جسدي و كأنه يذوب.
و من ظلّ الأشجار القريبة ، كانت تفوح رائحة زهور خفيفة.
العشب الأخضر الفاتح تمازج مع زرقة السماء ، و جعلني أعتقد أن هذا المكان هو ربما آخر بقعة باقية من هذا العالم.
و لسببٍ ما ، كان الطقس المنعش يزيد من شعوري بالقلق.
“أوفف …”
كان تحريك شفتيّ أمرًا صعبًا.
شعرتُ و كأنّ جميع حواسي استيقظت دفعة واحدة ، و كأنّ كل أعصابي تركزت في وجهي.
كنت أشعر بسخونة في وجهي ، و حتى العطر العالق في صدري بدا حارًا.
و كأنّ أنفاسي المشتركة معه كانت توقد نارًا في داخلي كلما تنفّست.
ذلك الدفء الغريب جعل جسدي يبدو غير طبيعي.
ما كنت لأستطيع تنقية قوّته السحرية الجبّارة بمستواي F، لكن بدا و كأننا نتبادل السحر ، و كأنني أقوم بالفعل بتطهيره.
شعرت في لحظة و كأنّ جميع الأصوات من حولي اختفت.
بدأتُ أسمع طنينًا في أذني من شدة الخوف ، و مع ذلك ، ما كنتُ أشعر به بوضوح كان دفء اليد الكبيرة التي تمسك بذراعي.
كان الأمر كما لو أنني أصبحت فريسة تُؤكل حيّة.
يُقال إنّ الحيوانات العاشبة تفرز الإندورفين في لحظات افتراسها من قبل المفترسات ، كي لا تشعر بالألم عند الموت.
ربما هذا ما كنت أشعر به الآن.
و إلا ، لما كانت هذه الأفعال لتبدو لذيذة إلى هذا الحد.
لكنّ قلبي كان لا يزال يخفق بخوفٍ شديد.
“هافف …”
أصبح التنفس صعبًا.
حركاته التي تلامس شفتي أصبحت أكثر شدّة من المرة الأولى ، و كأنّه لن يغفر لي لو حاولتُ التهرّب.
و حين بدأتُ أستجيب لتلك الحركات الغامضة ، بدأ صوت رطب يهمس في أذني.
و لم أستطع تصديق أنّ هذا الصوت صادر عني فعلًا.
و حين صدر صوت فرقعة من فكي ، هدأت حركته.
ثم أبعد شفتيه عني ببطء ، و كأنه فهم ما أعنيه.
“سيّدتي ، لا ينبغي لكِ الخروج دون إذني”
“هاه؟ آه …”
“عليكِ أن تطهّريني”
الرجل أمامي لم يكن زوجي.
ليس بعد.
“كاد قلبي أن يتوقف ظنًّا أنكِ هربتِ”
و الحقيقة أنني كنتُ قد هربتُ فعلًا.
لأنني شعرتُ أنني لن أستطيع الهروب من هذا المكان إلى الأبد. لن أتمكّن أبدًا من الإفلات من هذا الكائن المرعب الذي يشبه الفزع الكوني.
“لا يُعقل ذلك. لا بد أن أساعدك في تطهير قواك السحرية”
ابتسم عند كلامي. لكنّ ابتسامته رغم بهجتها ، كانت تحمل شيئًا من الحزم.
“… زوجي؟”
ناديتُه دون وعي.
“سيّدتي ، أريد وعدًا منكِ”
“ما هو؟”
“أنّكِ لن تتركيني أبدًا. تحت أي ظرف”
“لكن … ماذا لو متُّ في حادث؟ أو بفعل كارثة طبيعية؟ أنا سأتقدّم في العمر ، و ربما أصاب بسكتة قلبية أو شيءٍ من هذا القبيل …”
عندما رأيتُ في عينيه وهجًا أحمر كأنّه الدم ، توقّف نفسي دون قصد.
كنتُ قد نطقتُ تلك الكلمات ، لكن الوقت قد فات لأندم عليها ، فابتسمتُ محاوِلة التظاهر بأنها مجرّد مزحة.
لكنه أيضًا ضحك كأنّها طرفة مسلّية.
“يمكنني إعادتك للحياة مجددًا”
“هاه؟”
“أمزح. لكنّكِ لن تموتي من أمرٍ كهذا ، سيّدتي. لأنكِ ستبقين بجانبي … إلى الأبد”
و مدّ خنصره نحوي.
“عِديني”
“آه … نعم”
لم أستطع رفض ذلك.
فوعدتُه كما لو كنتُ أعلّق خاتمًا في إصبعه.
ظننتُ أنّ وعدًا تافهًا كهذا لا يُشكّل أيّ فارق.
لكن …
لو عدتُ للوراء ، لقلتُ إنّه كان عهدًا أُبرم بروحي.
عهدًا لا يمكن الفكاك منه … إلى الأبد.
* * *
الفصل الأوّل
‘لو لم يكن هناك عهد بين أسلافنا ، لما خُطبتُ لكائنٍ مثلكِ’
خطيبي كان نكرةً من النفايات.
في البداية ، حاولتُ فهمه.
فهو ينتمي لعائلة عظيمة ، و كان الابن الأكبر لدوق ديانبيرت.
أما أنا ، فكنتُ ابنة عائلة بارون متواضعة.
و فوق ذلك ، هو من التصنيف S ، و أنا من التصنيف F.
لكن الغريب أنّ نسبة التوافق بيننا لم تكن سيئة.
‘ما الذي تنظرين إليه؟ افتحي فمكِ’
كان يمتلك قوى خارقة من المستوى S ، و كنتُ مرشدةً من المستوى F.
أي أنّه حين يستخدم قوّته ، فإنّني أُطهر السحر الملوّث المنبعث منه.
و كانت قوّته هائلة ، فتلوّث طاقته السحرية كان خطيرًا.
و رغم ذلك ، كانت نسبة توافق طاقته مع طاقتي جيدة بشكلٍ غريب.
[ نسبة التوافق: 98% ]
لكنّ قدرتي على التطهير لم تكن قوية.
و لهذا ، حتى أُفعّلها بشكلٍ فعّال ، كان لابدّ من التواصل الجسدي معه.
لأنّ لمسة جسدية أثناء “الإرشاد” تجعل عملية التطهير أكثر فاعلية.
‘من المؤسف أن أسلافي لم يحطّموا منزل لوتين و يجعلوه من العوام ، كنتِ ستصبحين خادمة في فراشي على الأقل’
كان إيركن يردّد كلامًا كهذا دومًا.
‘من سيتزوجكِ أساسًا؟’
‘مجرد F ، و ما يزعجني أكثر هو أنّ نسبة التوافق ممتازة. ولا أستطيع حتى إيجاد مرشدة غيرك!’
‘لقد أنفقتِ حظّكِ بالكامل بلقائي. لو كنتِ FF ، لكنتُ ألغيتُ الزواج فورًا’
‘لكن ألا ترين أن حظكِ جيّد؟ على الأقل جسدكِ مغرٍ’
‘و وجهكِ … يمكن تحمّله لو تزيّنتِ قليلًا. لكن تعرفين أنّ هناك نساء أجمل منكِ بكثير ، أليس كذلك؟’
‘أما الملابس … هل يمكنكِ ارتداء شيءٍ جميل؟ أنتِ ترتدين كأنّكِ راهبة من رأسكِ حتى قدميكِ!’
‘مملّة’
عندما أتذكّره ، لا يخطر في بالي سوى مثل هذا الكلام.
‘بما أنّكِ ستتزوّجينني على أيّ حال ، هل يمكننا قضاء أول ليلة مسبقًا؟’
‘لماذا تتصنّعين الغلاء هكذا؟’
‘فلنُبَسّط الأمور.’
‘من سيتحمّلكِ سواي؟!’
‘هيه! هل تحاولين إغضابي؟’
نعم …
كل تلك الكلمات كانت تؤذيني حقًّا.
و حين أفكّر في إيركن ، أشعر أنني حتى لو مات ، لن أذرف عليه دمعة واحدة.
فنحن خُطّبنا بسبب ارتباط بين العائلتين.
أسلافه و أسلافي أبرموا عقد زواج لا مفرّ منه.
و فوق ذلك ، كانت نسبة التوافق بيننا مرتفعة.
فلم يكن لديه حجة ليرفض ، ولا أنا.
و لم أكن أريد أن أرتبط بنفاية مثله أصلًا.
‘لا تتحدثي إليّ في الأكاديمية’
‘الخطبة بحدّ ذاتها كانت مزعجة ، فما بالك أن تفضحيني أمام الناس؟’
‘لم أكن أظن أن أمثالكِ من الحثالة يستطيع دخول الأكاديمية’
‘ما الذي تنظرين إليه؟ لديكِ مشكلة؟’
كم كانت كلماته مقزّزة ولا تُحصى.
ربما هذا سبب مروره السريع من الذاكرة بعد موته.
“آه …”
ارتعد قلبي.
كنت أعلم أنّني لن أبكي عليه لو مات.
بل كنت أدعو أن لا يعيش طويلًا كلما تفوّه بتلك الحماقات.
و مع ذلك …
“هذا سيّء …”
كنتُ في غرفة النوم.
قِيل لي إن إيركن صعد إلى هنا للحظة ، فجئتُ أناديه لينزل إلى القاعة.
حيث يُقام حفل عيد ميلاده في قاعة دوق ديانبيرت.
لكن ، حين رأيت سريره …
كان ملقىً عليه.
الصمت قاتل و الظلام حالك.
لم أكن أسمع سوى أنفاسي ، و لم يكن هناك أي صوت يدل على أنه يتنفّس.
رائحة دم كثيفة ملأت المكان حول السرير.
و صاحبها ، ملقىً هناك بلا حراك.
إيركن … مات.
و كان منظره مروّعًا.
كأنّ من قتله حمل حقدًا دفينًا تجاهه ، فقتله بتلك الوحشية.
و مع ذلك …
“سيّدتي، ما الذي تفعلينه هنا؟”
كان أحدهم يقترب مني.
“إيركن؟”
كان يبدو كإيركن.
لكنني عرفت للحظة أنه ليس هو.
بل شيءٌ اتّخذ هيئته.
نظرت إلى الأرض خوفًا.
رغم ضوء القمر الذي كان يسطع ، لم يكن لذلك الرجل أي ظل.
لكن حين ركّزت ، بدأت أرى ظلّ السرير ينتقل إليه ، و كأنه يصنع له ظلًا صناعيًّا.
ثمّ اختفى ظلّ السرير و غرق في سواد دامس.
“إيركن تركني ، لذا جئتُ لأجده”
“آه …”
أجاب و هو ينظر في عينيّ مباشرة.
“أنتِ جئتِ لتبحثي عني ، أليس كذلك ، سيّدتي؟”
كانت ملامحه مشرقة بشكل مزعج.
و كأنّه يجهل ما حدث خلفه من مذبحة.
“لكن ، لماذا أنتَ مصاب هكذا؟”
اقتربتُ منه و أنا أنظر إلى الدماء على وجهه و جسده ، متجاهلةً كل ما رأيت.
لأنّني حتى لو مُتّ ، فلن يكون ذلك بسبب نفاية مثل إيركن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"