يبدو أنه جاء من عمل شاق. كان ثوبه مرفوعًا حتى كتفيه. ذراعاه المكشوفتان ناعمتان وقويتان.
كان الرجل هو المعلم المساعد فيلوريكس، الذي كان أكثر من غيره حريصًا على مغادرة العمل في الآونة الأخيرة.
“ما الذي تنظرين إليه؟ أنتِ مجددًا.”
بدأ مشاكسته لإيفينا كجزء من روتينه اليومي.
ابتسمت إيفينا بود وردت:
“مساء الخيرِ، يا أستاذ.”
“هم.”
رد عليها، وهذا تقدم كبير.
لوّحت المديرة له بوجه بشوش.
“أستاذ فيلوريكس، جئتَ في الوقتِ المناسب.”
“أنا مشغول، فما الأمر؟”
يتظاهر بالانشغال… لكنه سيغادر العمل على أي حال.
‘آه، مشغول لأنه يجب أن يغادر. حسنًا، هذا أكثر شيء يشغله بالفعل.’
فهمت إيفينا موقفه كزميلة موظفة.
استمع فيلوريكس للمديرة وهو يقف بساق مائلة ويميل رأسه بتكاسل.
“هل هناكَ راتب خارجي إضافي؟”
“بالطبع. إذا أصلحتَ أسلوبكَ فقط، يا ابن أخي، سيكون لكَ ما تريد.”
يأخذ حقه بمهارة، يا لها من شخصيةٍ دقيقة.
تجاهل كلام عمته ببساطة وأدار رأسه نحو إيفينا، يفرك رقبته المتيبسة.
“يا.”
“هم…؟”
“إذا أزعجتني، سأترككِ وأرحل.”
ابتسمت إيفينا بهدوء رغم تحذيره القاسي.
يا مديرة، ربما كان من الأفضل أن أذهب وحدي.
لكن المديرة ابتسمت بلطف وأصدرت أمر الخروج.
“إذن، كلاكما، اذهبا بحذر.”
مع وداعها الحنون، تُركا خارج غرفة المديرة. مع فيلوريكس.
“نذهب الآن؟”
سأل وهو لا يزال يحمل المجرفة الـصغيرة اللطيفة على كتفه.
“لا. أخطط للذهاب في يوم عطلتي. لم أرسل طلب زيارة بعد، وزيارتهم في هذا الوقت قد تكون وقاحة.”
“ماذا؟ يوم عطلة؟”
عبس وجهه قليلاً، كأنه سمع شيئًا غير متوقع.
“إذن، تقولين أن أتخلى عن عطلتي؟ الآن؟”
آه، نعم. شخص يحافظ على توازن الحياة والعمل.
ابتسمت إيفينا بخفة.
“نعم، يا أستاذ. ما فكرتَ به صحيح. لا يمكنني تفويت دروس الأطفال.”
“سأعطيكِ فرصة. قولي إنه ليس كذلك الآن.”
“والمكافآت الخاصة موجودة أصلاً كـتعويض عن العمل بينما يرتاح الآخرون.”
ليست راتب العمل الإضافي أو التمديد موجودة عبثًا.
عض فيلوريكس على أسنانه عند كلام إيفينا.
“هذه العجوز المخادعة.”
كان وجهه المشوه بالغضب مخيفًا.
‘من بعض النواحي، هو ساذج حقًا.’
ضحكت إيفينا بخفة وانحنت بإيجاز.
“إذن سأذهب أولاً. لديّ عمل متبقٍ كثير. غادر العمل بسلام.”
“ماذا؟ يا، إلى أين؟”
“للعمل. لكتابة طلب الزيارة وترتيب الأوراق المتبقية.”
ثم استدارت دون تردد.
بعد أيام، التقى الرجل والمرأة اللذان لم يستطيعا الراحة في “يوم العطلة” على جانب الطريق.
تثاءب فيلوريكس بقوة وسأل:
“لا يمكنكِ ركوب العربة طويلاً؟”
“نعم. لديّ ظروف شخصية.”
كانت ذكرى موتها في حادث عربة تطاردها لوقت طويل. ارتفع حاجب فيلوريكس بميل.
“وماذا بعد؟”
“هل يمكننا المشي قليلاً؟ حتى محطة العربات هناك فقط.”
عادةً، عندما تقول هذا، لا يتمالك الناس فضولهم
ويسألون: ما هي ظروفكِ الشخصية؟
في كل مرة، كانت إيفينا تتجاوز الأمر بكذبة صغيرة.
خططت لنفس الشيء هذه المرة، لكن فيلوريكس كان أسرع.
“حسنًا. هذا جيد.”
“نعم؟”
“أنتِ ضعيفة جدًا، تحتاجين للتمرن. هيا.”
لم تتوقع أن يعاملها بلامبالاة كهذه.
“لن تذهبي؟”
أشار فيلوريكس بذقنه وهو يتقدم. وجهه مليء بالضجر.
“…أذهب! شكرًا على مراعاتكَ.”
“إذا فهمتِ، تمرني. يوم للجزء العلوي، يوم للجزء السفلي. بالتناوب. والكتفين يوميًا.”
إذا أمسكتِ سيفًا وتفاخرتِ دون أساس ثم سقطتِ، سينكسر أنفكِ.
إذا بكيتِ، ستخسرين. ابدئي بالتمارين الأساسية أولاً… وهكذا. أستمر كلامهُ المتواصل.
لا نهاية لتدخله. كأن قطًا ثرثارًا يزمجر.
“يا أستاذ، ستدمى أذني.”
“ماذا؟ دم؟ دعيني أرى.”
“…”
تعلق بسمة مستسلمة على شفتي إيفينا.
“لا شيء. انظر أمامكَ. إذا تعثرتَ، ستكون مشكلة. ستنكسر أنفكَ أولاً.”
“هراء. أتظنينني طفلاً؟”
بل الأطفال أكثر ثباتًا.
كبحت إيفينا الحقيقة التي كادت تخرج وتبعت الرجل. استمر في خطبته طوال الطريق إلى المحطة.
عندما بدأت قدميها تشعران بالألم حقًا، ظهرت محطة العربات أمامهما.
“من هنا يمكنني الركوب بأمان.”
“هم. سأحجز عربة.”
“نعم.”
عند رد إيفينا، توقف فيلوريكس في طريقه إلى المحطة واستدار فجأة.
نظرة ليست ودية تمامًا. خرج صوته بلامبالاة:
“إذا تفاقمت ظروفكِ الشخصية، قولي. سأجعلكِ تنزلين.”
ثم عاد يمشي بخطوات واسعة نحو المحطة.
“أم…”
ترك تأمل كلماته لمن بقي. رمش عينا إيفينا ببطء وهي تنظر إلى فيلوريكس.
“ألغي قولي أن الأطفال أكثر ثباتًا…”
كانت متسرعة. يبدو أنه يهتم رغم مظهره.
تقدم هذا الرجل الموثوق نحو أفضل عربة.
وبثقة أكبر من أي شخص…
“ماذا؟ 29 بير؟”
“نعمم. أقل سعر. لا مجال للتفاوض. لا مجال.”
“خفضه.”
“…؟”
“قلل السعر لأنني وسيم.”
بدأ يتذمر بثقة.
يا إلهي، لو كان الوجه ثروة، لكان مفيدًا هكذا. موثوق جدًا لدرجة أن عليّ إيقافه.
أنهت إيفينا انطباعها القصير وخطت خطوة.
تعلقت بسمة خفيفة على شفتيها كمن ترى طفلاً ثمينًا.
فجأة، سحب شيء طرف فستانها بقوة.
“هم؟”
“واو، إنها حقًا المعلمة إيفينا!”
“ميرين؟”
“مرحبًا، يا معلمة!”
لماذا ميرين هنا؟ ترتدي فستانًا لطيفًا كهذا؟
أشارت ميرين بسرعة خلف إيفينا المتوقفة بدهشة.
“هناك الأستاذ فيروليك!”
عند صوتها العالي، التفت فيلوريكس قليلاً. عاد إليها حاملاً ثروته (وجهه) بثقة.
“يا صغيرة، ستثقبين أذني. لماذا أنتِ هنا؟”
“خرجتُ للعب مع عمي الكاهن!”
“يا لها من مصادفة. أنهيتِ دراستكِ؟”
“…”
نظرت ميرين إلى فيلوريكس ببلاهة ثم ابتسمت لإيفينا بمرح.
“معلمة! إلى أين تذهبين؟”
تجاهلت سؤاله المزعج ببراعة.
“أنتِ أيضًا خرجتِ للعب؟”
“أم، لا…”
ماذا أقول؟ بينما تفكر إيفينا، تدخل فيلوريكس فجأة.
“سنذهب إلى منزل صديقتكِ. لماذا، تريدين القدوم؟”
“صديقة؟”
“نعم.”
“من؟ ماكسيون، أم، لا يهمني… قالت باركتين إننا ستذهب للعب في مكان عمل أخيها!”
هل مقر قيادة الهندسة السحرية مكان يمكن زيارته للعب؟ صُدمت إيفينا للحظة.
عبث فيلوريكس بشعر ميرين بعنف.
“كلاهما خطأ. آري، ما كان اسمها.”
أرسل نظرة وقحة إلى إيفينا كأنه يطلب منها أن تخبره.
“أريستيا. أريستيا هيسبان.”
خرج الاسم من فمها بسلاسة، فأومأ فيلوريكس بفتور.
“نعم، تلك. سنذهب إلى أريستينا هيسبان.”
“ليست أريستينا، بل أريستيا.”
“ألا تجاهلين التفاصيل؟ سـ تعيشين بتعب.”
نصف تعبي هذه الأيام بسببكَ.
كبحت إيفينا ما أرادت قوله مجددًا. بجانبها، قفزت ميرين بحماس.
“أستيا! معلمة إيفينا، أعرفها. أريد الذهاب! أريد اللعب أيضًا!”
“يا إلهي… كيف تعرفين أريستيا، يا ميرين؟”
“جاءت أستيا إلى معبدنا من قبلٍ . تحدثنا كثيرًا!”
صحيح. أطفال الدوائر الاجتماعية غالبًا يعرفون بعضهم قبل الروضة. ليس مفاجئًا.
“أرى. هل تريدين الذهاب إلى منزل أريستيا، يا ميرين؟”
“نعم! لقد درستُ… أمم، بجد!”
لكنها تجنبت الإجابة قبل قليل.
على أي حال، لا يمكنني أخذها دون إذن، ماذا أفعل؟
فكرت إيفينا للحظة.
بينما هي مشغولة بالتفكير، وخز فيلوريكس كتفها من الخلف.
“…يا أستاذ، هل لديكَ شيء تقوله؟”
وقف بشكلٍ مائلٍ ووخزها.
“تلك الصغيرة قالت أستيا أيضًا.”
ما الذي يقوله الآن؟
“قلتَ إنها أخطأت أيضًا.”
“آه، نعم. صحيح.”
يتشبث بخطأ طفلة في الخامسة. هل كان الانتقاد مؤلمًا له لهذه الدرجة؟
ردت إيفينا بوجه خالٍ من الحياة وابتسمت لميرين بحرارة. تمتم فيلوريكس بشيء من الخلف.
“ميرين، قلتِ إنكِ خرجتِ مع عمكِ الكاهن، أين هو؟”
“نعم! العم، هناك!”
كان الرجل الذي أشارت إليه مشغولاً بمغازلة امرأة عابرة.
“العم مشغول!”
“أرى… يبدو مشغولاً جدًا.”
ابتعدت السيدة التي تحمل باقة زهور بابتسامة محرجة من مغازلته.
“أوه؟ لقد رُفض العم.”
كما قالت ميرين، عاد الكاهن الآن خالي الوفاض بوجه محرجٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 39"