“اوه”
تسرّب أنينٌ مرتبك من فم إيفينا. لم تكن تتوقع أن يُفتح هذا المكان.
تفحّصت عيناها الدائريتان الداخل بنظرة سريعة.
لا أثر لأحد. كل ما هنالك هو درج يهبط إلى الأسفل فقط…
“هل أنزل مرة واحدة فقط لأرى؟”
هكذا فكّرت، لكن قدميها كانتا قد بدأتا بالفعل في الهبوط على الدرج.
رؤية مظلمة. لا شيء يُعتمد عليه سوى الجدار الذي تلمسه أطراف أصابعها، بينما تتأرجح شمعة خافتة بالكاد في الظلام.
اختلطت رائحة العفن برذاذ خفيف من رائحة الدم.
وبينما كانت تسدّ أنفها وتتحسّس الجدار، لامست يدها فجأة شيئًا.
“همم؟”
ورقة؟
بين الطوب والطوب، كانت ورقة واحدة مدسوسة، كأنها تتوسّل لتُقرأ.
لم تجد بدًّا من سحبها. حقًا لم يكن لديها خيار، فقد كانت الورقة هي من جذبتها أولاً.
على الورقة، كان هناك نقش مرسوم باللون الأحمر.
“هذا…”
تجعّد حاجباها المشدودان في لحظة.
“إنه رمز المعبد!”
لا، إنه رمز المعبد بالفعل، لكنه يبدو مختلفًا بعض الشيء. كأن شيئًا غريبًا أُضيف إليه…
نعم، دائرة سحرية معقدة مرسومة فوق رمز المعبد.
“لماذا رمز المعبد موجود في مكان لبيع العبيد؟ هذه الدائرة السحرية تبدو مقلقة جدًا أيضًا.”
على أي حال، فكرة واحدة سيطرت على ذهنِها بقوة: يجب أن تحتفظ بالورقة.
دسّت الورقة بسرعة في كمّها وواصلت السير.
وعندما وصلت إلى أعمق نقطة، تجمّد وجه إيفينا من الصدمة.
“ما هذا…!”
صريرٌ حاد. أصوات غريبةٌ تصدر من قضبان حديدية تبدو وكأنها اقتُلعت بالقوة.
طعنت رائحةُ الدم الممزوجة بالغبار أنفها بقسوة.
تناثرت على الأرض الخشنة أطواق نصف مستعملة، وامتدت أدوات تعذيب متنوعة على طول الممرات كسجادة حمراء.
“أوغ!”
كان المشهد مروّعًا، يثير الغثيان. سدّت فمها وانحنت للأمام.
فجأة، سمعت من أعمق نقطة أمامها صوت خطوات أحذية أنيقة تقترب.
“يا إلهي!”
لا وقت للهروب.
أقتربتَ الخطوات.
طق، طق.
بانتظام تام، كأن هذا الرعب مألوف لصاحبها.
رفعت إيفينا رأسها بسرعة. حاولت الاختباء لكنها لم تتمكن سوى من تحريك أطراف قدميها.
من الظلام، بدأت شخصية غامضة تظهر تدريجيًا مع الضوء.
بدلة سوداء كأنها خليط من كل الظلمات، وربطة عنق لا لون فيها سوى السواد.
“…مُتعب.”
رموشه الطويلة ترمش ببطء كأن كل شيء يضجره.
بين أصابعه الأنيقة، كان يمسك بما يشبه غليون التبغ.
اقترب دون أن يلاحظ وجود إيفينا، ثم رفع رأسه أخيرًا.
“…”
“…”
تقابلت عيناهما في تلك المساحة المرعبة.
شحب وجه إيفينا كضوء قمر بلا لون. خرج صوتها الجاف من فمها:
“أنتَ…”
ارتجفت شفتاها المتيبّستان.
“يوهان دايسات…”
اتّسعت حدقتاه الزرقاوان قليلاً، كأنه لاحظ وجودها للتو.
“معلمة!”
أخفى السجارة التي كان يمسكها خلف ظهره بغريزة.
لم تكن سجارة عادية، بل مهدئ عصبي، لكن رائحته القوية ودخانه كانا أشد ضررًا من التبغ.
أعاد تهيئة نظرته المرتبكة بسرعة، وخرج صوته اللطيف كالمعتاد:
“مرحبًا، معلمة. لم أتوقع رؤيتكِ هنا.”
“آه، سيد ولي الأمر.”
‘أنا أيضًا تفاجأت.’
تراجعت إيفينا خطوة دون وعي، كقطة تحذر خصمها.
“مرحبًا بكَ.”
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟ هذا المكان لا يعمل حاليًا.”
ظلّت نظرته رقيقة ونقية كما هي.
“أم، حسنًا….”
أغمضت عينيها. تردّدت شفتاها في الكلام.
“تجارة العبيد…”
“ماذا؟ آسف، لم أسمع جيدًا، معلمة”
كيف تقول إنها جاءت لترى إن كان مكان تجارة العبيد قد دُمر بالكامل؟
ولمن تلتقيه في مثل هذا المكان، كيف تكشف ذلك بسهولة؟ غيّرت الموضوع بحذر:
“وماذا عنكَ؟، أيها الأخ الأكبر ، يا سيد ولي الأمر “
لحسن الحظ، ابتسم لها بلطف رغم سؤالها المتلعثم:
“كنت أشتري شيئًا لميرين، فمررتُ من هنا.”
آه، هكذا إذن. هه.”
سؤاله عن سبب توقفه هنا سيكون مريبًا جدًا، أليس كذلك؟
ارتجفت يد إيفينا قليلاً. كانت تشعر بالخوف غريزيًا من الشخص أمامها.
“مظهره المعتاد تمامًا على هذا الرعب…”
نعم، لم يعد يبدو كـ يوهان دايسات، ولي أمر ميرين الذي تعرفه. لهذا خافت.
ابتسمت إيفينا بتصنّع وأضافت:
“هل ستُهدي ميرين شيئًا؟”
“نعم، نوعًا ما. لكن معلمة، المنطقة الخلفية خطرة، فتعاني إلى جانبي…”
طق!
دون قصد، ضربت إيفينا يد يوهان التي حاولت مساعدتها.
صدى احتكاك الجلد ارتفع حادًا في الفضاء الرطب تحت الأرض.
“آه، هذا…”
ارتبكت بعد أن ضربتها. اختفت ابتسامتها المصطنعة وتجمّد وجهها.
‘هل أعلنتُ بصراحةٍ للتو أنني أحذر منه؟’
“آه، لقد تجوّلت في محلات الملابس كثيرًا اليوم، فأنا متسخة بالغبار. ههه. خفتُ أن تتسخ يدك…”
“…”
“آسفةٌ ، هـ-هل هل تألمتَ كثيرًا؟”
وقعتَ في ورطةٍ.
كانت تفتح يدها وتغلقها مرارًا من الارتباك.
لم تلحظ، من شدة انشغال ذهنها، أن يوهان يحدّق في يده المرفوضة.
“…”
رمش يوهان ببطء. اختفت ابتسامته المعتادة تمامًا.
خرج صوته أعمق من المعتاد:
“هل أُخيفكِ؟”
“ماذا؟”
“مهما فكّرت، لا أذكر أنني هدّدتكِ يومًا. هل أظهرتُ لكِ وجهًا مخيفًا دون أن أدركَ؟”
تراقصت عيناه كأنه يتحمّل شيئًا.
“مستحيل! لم تهددني أبدًا، بل ساعدتني فقط.”
“إذن ،لماذا…”
‘تتجنبينني؟’
لم يكمل جملتهُ. لم يكن المَوقف مناسبًا لمثل هذا الحديث.
بدلاً من ذلك، أعاد يده المرفوضة للخلف وأمسك سجارةَ المهدئ بقوةٍ.
ثم ابتسم كأن شيئًا لم يكن..
“هناكَ أشياءٌ خطرةٌ هنا، معلمة . هذا مكان كانوا يبيعون فيه العبيد. نظّفناه مؤخرًا، لكنه ليس مكانًا لطيفًا لكِ.”
“تنظيف؟ يا لها من مهمة طيبة، أم، نعم، عمل جيد.”
‘إذا كان هذا هو التنظيف، فكم كان المكان قذرًا؟’
تخيّلت المكان وهو مغطى بالأوساخ، ثم مدحت ميرين تلقائيًا:
‘لهذا السبب كانت ميرين تنظف الفصل بحماس. تساءلتُ من أين أتت هذه النظافة، والآن عرفت السبب.’
تخلّص يوهان من المهدئ بضربة من إصبعه دون أن تراه إيفينا. خرج صوته هادئًا ومنخفضًا:
“لكن ما نظّفته كان البشر.”
لكنها سمعته. سمعها كان حادًا بشكل غير ضروري.
“هل يمكن تنظيف البشر أيضًا؟”
“ليس صعبًا جدًا.”
“إعادة تأهيل البشر صعبة جدًا، لكن تنظيفهم سهل إذن”
أعجبت إيفينا بذلكَ.
“إذن بتنظيف البشر، تقصد أنكَ أمسكتَ بتجار العبيد الأشرار هنا؟”
“شيء من هذا القبيل. جئتُ اليوم لإنهاء بعض الأمور.”
“بمعنى آخر، أنتَ من جعل هذا المكان خرابًا…”
“…..”
ابتسم دون كلام. لم تفهم تمامًا، لكن يوهان كان يبتسم بهدوء عندما يصعبُ عليه الرد.
كانت عيناه تنطويان بلطف بطريقة ساحرة.
صمتٌ يعني التأكيد بلا شك.
“كانت هناك دماء متناثرة وبقع مسحوبة على الأرض، هل أنتَ من…”
ابتسم بجمالٍ أكبر.
أصبح الرجل مخيفًا بمعنى آخر.
‘يجب ألا أتعامل معه باستهتار.’
على أي حال، يبدو أنه عاقب المتورطين هنا.
أساءت فهمهُ. شعرت بالأسف. بدأت إيفينا تلعب بيديها بخجل:
“في الحقيقة، مررتُ من هنا من قبل وسمعتُ شيئًا عن العبيد.”
مررتُ من هنا (ووقفتُ) وسمعتُ (بوضوح) عن العبيد. لم تكن كذبةً تمامًا.
“ربما كنتُ حساسة بعض الشيء. آسفة على تصرّفي الوقح.”
لا، معلمة. يجب أن تحذري من أي شخص مشبوه. لقد فعلتِ الصواب.”
“قولكَ هذا يجعلني أشعر بمزيد من الأسف.”
خدشت رأسها بخفة.
“ما كان يجب أن أدخل هكذا، كنتُ متهورة حقًا، أليس كذلك؟ ههه.”
“نعم، قليلاً.”
توقّعت أن ينفي بأدب، لكن يوهان كان أكثر صراحة مما ظنّت.
حوّلت إيفينا الموضوع بسرعة من الإحراج:
بالمناسبة، قلتَ إنك اشتريتَ شيئًا لميرين، صحيح؟”
“ليس هدية بالضبط، لكنني اشتريتُ ما قد يكون ‘أكثر شيء تحبه’. هل يُعتبر هذا هدية أيضًا؟”
أخرج من جيب بنطاله شيئًا صغيرًا.
علبة موسيقية صغيرة مزخرفة بنقوش دقيقة.
شيء مألوف جدًا. رأته في متجر التحف، أكثر القطع تميزًا وتكلفةً وجودةً.
التعليقات لهذا الفصل " 24"