َ:
الفصل 123
“يبدو أنّ سموّ الدوق الكبير سيستغرق وقتًا طويلًا ليستيقظ. ربّما…”
“لا…!”
قاطعتْهُ دون وعي منها. يداها ترتجفان بشدّةٍ لا تُطاق.
تسرّب العرق البارد إلى ظهرها.
“فهمتُ ما تقصد، دكتور. شكرًا لإخباري بالخبر.”
‘لا أريد أن أسمع. لا أريد تأكيدًا نهائيًا.’
هزّ جسدها النحيل، الذي أنهكه ثلاثة أيام، فتعثّرت.
“الآنسة إيفينا!”
تجاهلتْ خدّام قصر الدوق الذين هرعوا نحوها، وانهارت إيفينا على الأرض.
“مرحبًا، نصفي الآخر.”
‘هل هذا حلم؟ مَن هذه…؟’
الصوت غريب ولكنّه مألوف.
‘أين سمعتُه من قبل؟’
حينها، لاحظتْ ظلّ شخص يقف أمامها. تحدّثت إليها مرّة أخرى.
“لمَ يبدو وجهكِ شاحبًا هكذا، هاه؟”
“أنتِ…”
آه.
تذكّرت. اليوم الذي قابلت فيه الوحش، وانبثقت موهبتها فجأة.
‘إيفينا، نصفي الآخر.’
‘اسحبي السيف. حينها ستساعدكِ موهبتكِ وحدكِ.’
الصوت الذي كان يحثّها على سحب السيف. الصوت نفسه الذي صدح في رأسها.
“لقد كان الأمر صعبًا عليكِ، أليس كذلك؟”
الصوت، لا، بل هي تقترب الآن.
كانت تسحب خصلات شعرها البنيّة الفاتحة خلف أذنها.
“آسفة. لقد جررتُكِ إلى هنا دون إرادتكِ.”
عندما ظهرت صورتها أخيرًا، التقت إيفينا بعينين خضراوين فاتحتين.
نعم.
كانت هي نفسها. إيفينا. هي ذاتها بالضبط.
“لكنّني متّ بالفعل، وكنتُ بحاجة إليكِ لتغيّري المستقبل وتمنعي تكراره.”
لا، بالأحرى، ينبغي القول إنّها “إيفينا” الرواية الأصليّة.
نظرت إيفينا إلى “إيفينا” بعينين مرتجفتين.
“هل أنتِ حقًا أنتِ؟ هل أنتِ إيفينا بالفعل؟”
“نعم، أنا هي، نصفي الآخر. بالضبط، أنا أنتِ، وأنتِ أنا. كنّا واحدة، ثمّ انقسمنا إلى توأمين.”
“توأم…؟”
توأم؟ أنا فقط انتقلتُ إلى جسدكِ، أليس كذلك؟
“نعم، توأم. كنّا واحدة. ثمّ وُلدتُ أنا هنا، وأنتِ في كوريا، أمم…”
“كوريا الجنوبيّة؟”
“نعم، هناك. ثمّ في لحظة إعدامي، تذكّرتُكِ فجأة. لذا استدعيتُكِ إلى هنا. أنتِ، التي كنتِ تموتين في حادث سير.”
الأمر محيّر.
إذن، كنّا واحدة في الأصل، لكنّنا وُلدنا كتوأم في عوالم مختلفة؟
هل هذا ممكن؟ هل يمكن أن يحدث؟
“هذا لا يُعقل…”
“أعلم أنّه صعب التصديق. لكنّه الحقيقة.”
أمسكت “إيفينا” بيدها.
“شكرًا. كنتُ أشعرُ بالظلم حتّى لحظة موتي، كأنّني سأجنّ. لقد غيّرتِ أنتِ ذلك المستقبل.”
“أنا…”
شعرت إيفينا بحلقها يجف، فتنحنحت مرّة.
“هل ساعدتُ حقًا؟”
“بشكلٍ كبيرٍ جدًا.”
رأت إيفينا تجعّد جبينها ، ففكّرت.
‘توأم حقًا. لا يمكن أن تكون تعابيرنا متشابهة إلى هذا الحدّ إلّا إذا كنّا توأمًا.’
“خصوصًا طريقتكِ في معاملة هاردنيس كأنّه ليس إنسانًا، كانت رائعة.”
“هاردنيس؟ سمعتُ أنّه أفلس وأصبح عشيقًا لسيّدة عجوز.”
“حقًا؟ هه، ذلك الوغد. يستحقُ ذلكَ!”
…ما هذا؟ هل سمعتُ خطأ؟
“كنتُ أعلم أنّه سينتهي به المطاف هكذا.”
لا، سمعتُ جيّدًا.
‘التوأم هو التوأم حقًا.’
كيف يمكن أن نفكّر بالطريقة نفسها؟
ضحكت “إيفينا” بمرح، ثمّ فجأة عادت شفتاها إلى الاستقامة.
“حان وقت الرحيل الآن.”
“بهذه السرعةِ؟”
“نعم، يجب أن أذهب. أنا ميتةٌ بالفعل.”
تبدّدت الأجواء المرحة في لحظة.
نعم، لقد جئتُ إلى هنا لأنّ “إيفينا” ماتت.
شعرت “إيفينا” بالجوّ الكئيب، فابتسمت عمدًا ببهجة.
“كان لقاؤنا ممتعًا.”
“هل سنلتقي مجدّدًا؟”
“بالطبع. إذا وُلدتُ من جديد يومًا ما، سنلتقي بالتأكيد.”
“انتظري…!”
نصفي الآخر.
وداعًا.
مع تلك الكلمات، فتحت إيفينا عينيها.
ارتجفت أهدابها المبلّلة ببطء.
‘حلم…’
لكنّ لقاء “إيفينا” لم يكن حلمًا، أليس كذلك؟
ظننتُ أنّني استوليتُ على جسد شخص آخر، لكنّنا كنا توأمًا.
“مرّةً أخرى…”
أتمنّى أن نلتقي مجدّدًا. بالتأكيد.
رفعت إيفينا رأسها، ونظرت إلى سماء الليل المرصّعة بالنجوم.
* * *
حصلت على إجازة خاصّة، لكنّني ذهبتُ إلى العمل. السبب بسيط.
1. أنا موظّفة.
2. لديّ مهام متبقّية.
3. التفكير في سموّ الدوق الكبير يرهقني إذا بقيتُ ساكنة.
بالطبع، زملائي المدرّسون عبّروا عن استيائهم بوجوه صلبة.
“معلمة، إجازة في منتصف الفصل الدراسي ثمينة، فلمَ تأتين إلى العملِ؟”
“صحيح! يجب أن تكوني ملتصقةً بسريركِ!”
“هل تناولتِ طعامًا؟ هل تريدين شطيرة؟”
موظّفون يتعاملون مع إجازة الآخرين وكأنّها إجازتهم الخاصّة…
أفرغوا قلقهم عليّ، ثمّ غادروا إلى منازلهم.
“ربّما أنهي هذا وأعود إلى البيت.”
آه. بينما كنتُ أتمطّى، طرق أحدهم باب غرفة المدرّسين.
“معلمة.”
“السير دايسات؟”
نهضتُ من مكاني مندهشة. كان يوهان يقف باستقامة عند باب الغرفة.
“مرحبًا، ولي الأمر . كيف حالكَ؟”
“نعم، لا بأس.”
“ما الذي أتى بك… آه! هل جئتَ بسبب سجلّ التطوّر؟ للأسف، ليس لديّ، لأنّ دروس الأطفال يتولّاها مدرّس آخر الآن-”
“لا، جئتُ لأراكِ.”
أنا؟
لاحظ نظرتي المحيّرة، فأضاف.
“سمعتُ الأخبار، معلمة. حدث أمر سيّئ في غيابي.”
“آه…”
إذن، سمعتَ.
تحرّكت حنجرته صعودًا وهبوطًا، وبعد تنفّس ضحل لفترة، تمكّن أخيرًا من النطق.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه…! نعم، أنا بخير. لم أُصب بأذى.”
حينها، ابتسم براحة خفيفة.
“هذا مطمئن جدًا، معلمة.”
“لقد حُلّ الأمر… أعتذر لتسبّبي بالقلقِ.”
غربت الشمس، وتسلّلت أشعّتها عبر النافذة.
في صمت هادئ، أغمض يوهان عينيه ثمّ فتحهما.
‘قلق.’
نعم، كنتُ قلقًا.
كنتُ قلقًا لدرجة أنّ حلقي كاد ينقبض.
إيفينا، هل تعلمين؟
في اللحظة التي جلسنا فيها متقابلين في العربة، شعرتُ لأوّل مرّة أنّني شخص عادي.
“سيعمل مقابل 47 بير.”
ابتسامتكِ المتوهّجة وأنتِ تنظرين إليّ.
في تلك اللحظة بالذات، سكنت كلّ الضوضاء التي أزعجتني طوال حياتي.
الضجيج الحادّ، والحواس المرهفة، ونوبات الغضب غير المبرّرة، كلّها هدأت دفعة واحدة.
“يبدو أنّه غاضب لأنّني خفّضتُ أجرة العربة بـ10 بير.”
في العربة، كان الأمر أكثر.
في اللحظة التي اتّكأتِ عليّ وأنتِ تتصبّبين عرقًا، تحوّلت كلّ حواسي نحوكِ.
نحوكِ أنتِ وحدكِ.
“…”
ربّما منذ تلك اللحظة.
عندما أكون معكِ، لم أعد بحاجة إلى مهدّئات، وفي مرحلة ما، توقّفتُ عن تناولها تمامًا.
“هذا ما يسمّونه الحبّ من النظرة الأولى.”
هذا ما قالتهُ ميرين عن أخيها الأحمقِ
“ماذا قلتِ، ميرين؟”
“الحبّ من النظرة الأولى! أخي الأحمق، إنّه مكتوب حتّى في كتب القصص!”
الحبّ الأوّل.
حينها أدركتُ. آه، هذا هو الحبّ الأوّل.
“السير دايسات؟”
“…آه، نعم، معلمة.”
بما أنّني لم أجب، اقتربت منّي فجأة وأمالت رأسها.
حينها، ابتسمتُ. الابتسامة نفسها التي أظهرها دائمًا لأكون محبوبًا.
“أعتذر، كنتُ أفكّر في شيء.”
“لا بأس. هل ننتقل إلى مكان آخر؟ النافذة الواسعة تجعل الغروب مؤذيًا للعينين.”
جمعت سجلّاتها واستدارت.
في تلك اللحظة،
“…هم؟”
طق.
مددتُ يدي دون وعي وأمسكت بمعصم إيفينا.
“…”
“هل الانتقال إلى مكان آخر يزعجك؟”
“لا، هذا…”
لم أجد كلامًا.
لمَ فعلتُ هذا؟
رؤيتها تستدير جعلت فمي يجفّ فجأة، فتصرّفتُ دون تفكير…
“هذا، أعني-”
“نعم؟”
عندما التقيتُ بنظرتها المحيّرة، شعرتُ بدافع مفاجئ.
أريد أن أعانق إيفينا وأصرخ أنّني أوّل من أحبّها.
الآن.
في هذه اللحظة.
“أعني، أنا بالنسبة لكِ…”
“هل أنتَ بخير؟ هل تشعر بألم ما؟”
“لا، ليس هذا، أنا-”
أحبّكِ، معلمة.
في اللحظة التي كاد فمي يتحرّك فيها لوحده، رأيتُ.
للأسف، رأيتُ.
وجهها المليء بالقلق تجاه شخص آخر، حتّى ونحن نتحدّث وجهًا لوجه.
“…”
في تلك اللحظة، فقدتُ قوّتي.
انزلقت يدي، وتركتُ معصم إيفينا دون وعي.
“كنتُ قلقًا،”
(ميري: تعال يا حبيبي أنا أخذكَ ولا يهمكَ ❤️)
كادت الحقيقة أن تخنقني حين حاولت ابتلاعها.
“فقط، كنت قلقً… فمررتُ لوهلة.”
أحبكِ.
“لذا، لا داعي لأن تتكبّدي عناء تغيير مكانكِ.”
أحبكِ، أيتها المعلّمة.
تسرّبت مشاعره الصادقة، إلى مكانٍ ما.
لا يدري إلى أين، لكنه يعلم أنها لن تصل إليها.
حرّك شفتيه المتيبّستين بالكاد.
“بما أنني رأيت وجهكِ، سأغادر الآن.”
“آه… هل سترحل بالفعل؟”
“نعم، لدي بعض الأعمال.”
“آه…! إذًا، هل نخرج معًا حتى البوابة الرئيسية؟”
“لا.”
رفض بابتسامةٍ لطيفةٍ، تنضح بالاحترام، لكنها حازمة.
“لا، أيتها المعلّمة.”
كان ذلك وجهًا يريها إياه للمرة الأولى بلا شك.
“لا تخرجي.”
أدار جسده أخيرًا بصعوبةٍ، متثاقلاً بخطوات لا ترغب بالرحيل.
وفي تلك اللحظة –
“اللورد دايسات!”
عندما نادته، استدار رأسه إليها من تلقاء نفسه، وكأن عزيمته السخيفة انهارت أمام كلمةٍ واحدة.
كلمةٍ واحدة فقط، جعلته ينهار كليًا.
ربما، سيظل على هذا الحال طويلًا جدًا.
“نعم، أيتها المعلّمة.”
“شكرًا لك دائمًا على مساعدتكَ. حتى أثناء المهرجان الرياضي… شعرت أنني لم أشكركَ كما ينبغي.”
“…”
“حقًا، شكرًا لك. لو لم تكن إلى جانبي، لكنت قد مررت بوقتٍ عصيبٍ جدًا.”
انحنت له بكل احترام.
ظل يحدّق بها للحظات، قبل أن يرسم على وجهه ابتسامةً لطيفةً، وهو يبتلع إحساسًا عميقًا بالعجز.
“نعم، أيتها المعلّمة. وأنا كذلكَ.”
“نعم؟”
“سأذهب الآن.”
وما إن خرج من مبنى الروضة، حتى اقترب منه أحد أفراد فرقة الظلال.
“قائد الفريق، عليك معالجة جراحكَ مجددًا.”
عند تلك الكلمات، اتجهت عيناه الزرقاوان إلى أسفل.
فالدم الذي انساب من عضلات بطنه، بلّل ثيابه البيضاء تمامًا.
“لقد لفيتَ جراحك على عجل، وركضتَ إلى الروضةِ فورًا، أليس كذلك؟”
صحيح… لقد طُعن أثناء محاولته القبض على نبلاء متورطين في البناء غير القانوني داخل المعبد.
نسي ذلك تمامًا.
“قائد الفريق، إنك تنزف… عليك تلقّي العلاجـ”
“دعك من ذلك، أعطني المهدّئ أولًا.”
“لكن حتى القوة المقدّسة لا تستطيع معالجة حالتكَ!”
“لا تجعلني أكرر كلامي مرتين.”
“هاه… نعم، مفهوم.”
تناول يوحنا المهدّئ بمهارة معتادة.
ذلك السمّ الذي لم يعد بحاجة إليه بعد أن عرف إيفينا.
لكن، هكذا كانت حياته دومًا. لا بأس بالعودة إلى ما كان عليه سابقًا.
* * *
بعد أن أنهت عملها في الروضة، توجهت إيفينا كعادتها إلى القصر الكبير.
“ذهبتُ إلى العمل اليوم، لكن المعلمين بدوا قلقين جدًا. يبدو أنه كان يجب أن أرتاح أكثر.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة، وهي تنظر إلى كايدن الذي لا يزال مستلقيًا.
“وأخي الأوسط بدأ فجأة يدرس إدارة الأعمال بعد أن استعاد وعيه… لا أعلم ما الذي طرأ عليه.”
اهتز صوتها قليلاً.
“لا أعلم… ما الذي حدث له.”
لم تعد قادرة على الاحتمال، فدفنت رأسها في سرير كايدن.
خصلات شعرها بلون الكاكاو الفاتح انزلقت بلطفٍ فوق ذراعه القوية.
وبينما كانت على ذلك الحال لفترة، خرجت منها ضحكةٌ ناعمة.
“حتى أثناء النوم، لا تزال عضلاتك كما هي.”
كانت تظن أنها تضحك، لكن عينيها بدأت تحمرّان، وألمٌ خفيف لفّ أنفها.
“متى ستستيقظ؟”
فجأة، انفجرت الدموع قبل أن تتمكن حتى من حبسها، وانهمرت بغزارة.
“استيقظ بسرعة… أنا لا أصدق ما قاله الدكتور هيلبيل. ستستيقظ، أليس كذلكَ؟”
يدها الشاحبة كالثلج غطّت صدره.
“استيقظ، لقد حصلتُ أخيرًا، أخيرًا على الشجاعة لأقول… هـه… لأقول ما في قلبي.”
“…”
“أحبكَ، يا صاحب السمو.”
لذا، من فضلكَ… استيقظ. أرجوكَ.
ارتفعت يدها التي كانت تدور على صدره، وعانقت عنقه بقوة، غير قادرة على كبح حزنها.
من نبضه، شعرت بخفقانٍ منتظم.
“أحبكَ كثيرًا. أنا آسفة لأنني أسأت الفهمَ وهربت منك. لو استيقظت، سأعتذر مئةَ مرة، بل أكثرُ. لذلكَ، فقط… استيقظ.”
“…”
“أحبكَ… أحبكَ…”
وبينما كانت إيفينا تدفن خدّها في عنقه –
شدّتها ذراعهُ بقوةٍ من خصرها، وضمّتها إليهِ.
“…!”
“ما هذا ، هل لا أزال احلمُ؟”
استقرّ صدرها على جسدهِ القوي.
“إيفينا تعانقني فجأةً هكذا.”
التعليقات لهذا الفصل " 123"
كنت جالسة اصيح بس قاممم
قاممم استيقظ اخيرًااا😭💕💕💕💕
حزني يوهان. استوعب حتى بدون مايقول انها تحب شخص ثاني وخايفه عليه. 😞😞😞
ميرين خبيرة الحب هههههههه
تقوله ايها الاحمق انه الحب من النظرة الاولى😭😭😭
بس يوهان وش وصله لمرحلة يفضفض لاخته الي عمرها خمس سنوات عن الي صاير معه هههههههههههههه يستشيرهاا
الدوق ماصحى حتى😞😞😞
والمعلمين مقهورين ان ايفينا ماتستغل اجازتها ههههههههه اجازتها ولا اجازتكم
اوهه تؤامها.. ايفينا وايفينا. بس حزنت اخ موتتها كانت تقهر.