مسحت العرق البارد الذي انساب أسفل جبهتها بشكل غير ملحوظ، ثم ابتسمت.

“هاهاها. يا لها من مزحة! الأطفال لديهم حس فكاهي حقًا، أليس كذلك؟”

“ومؤثر أيضًا.”

‘لكنّك لم تقرء سوى “إلى باك تنت” حتى الآن.’

“سيدي، أقصد الأخ الكبير. في الحقيقة، سنذهب قريبًا في رحلة ميدانية خلال فصل الربيع. إنها أول نشاط جماعي لنا وأول تجربة ميدانية. ستكون بالتأكيد تجربة ممتعة ل‍بانتايد أيضًا.”

“إنه ليس بانتايد، بل باك تينت.”

“أرجوكَ ، لا تقلَ هذا.”

لا تعبث معي بهذا الوجه المتبلد والمستهتر.

نظر إليها بابتسامة صغيرة بينما كان يرتب الرسائل بعناية، متجاهلًا نظرتها الحادة كسمكة مفلطحة.

“سأوصل الرسالة إلى بانتايد جيدًا، ولكن القبول في الحضانة سيكون صعبًا.”

ما هذا الهراء الذي يقوله؟

“ألا تفكر في إدخاله الحضانة بعد؟ ستأخذ فقط الرسائل المليئة بمشاعر أطفال صفي واهتمامهم؟”

صحيح أن الأطفال قاموا بتحويل اسمه إلى باك تنت، لكنه لا يزال تعبيرًا عن محبتهم له.

حقًا، لم أكن أرغب في استخدام هذه الطريقة.

“صاحب السمو الدوق هيلديبون.”

نادته إيفينا بصوت هادئ ورسمي، وكأنها على وشك إعلان أمر في غاية الأهمية.

رفع كايدن رأسه عن ترتيب الرسائل ونظر إلى إيفينا.

“أعتذر، ولكنني قمت ببعض البحث. سمعت أنك تكرّس جهودك مؤخرًا لتعليم سكان الدوقية.”

“…نعم، هذا صحيح.”

كان يبتسم، لكنها كانت ابتسامة مخيفة.

لم يكن يبتسم إلا بفمه، وكأنه يتحداها لتتحدث أكثر عن الدوقية.

“قد يبدو هذا وكأنه تفاخر، لكن لوينديل هي أول مؤسسة تعليمية رسمية لمرحلة الطفولة المبكرة في الإمبراطورية. بمعنى آخر، نحن أول من أنشأ مؤسسة تعليمية للأطفال.”

ثم بدأت إيفينا بالحديث دون توقف.

“هل تعلم؟ الإمبراطورية تؤكد حاليًا على أهمية تعليم الطفولة المبكرة بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية. الدعم المالي للمؤسسات التعليمية للأطفال دليل على ذلك.”

“ما الذي تحاولين قوله، أيتها المعلمة؟”

“عليك أن تواكب الموضة.”

رجل طويل القامة جلس متقاطع الساقين، وكرر كلماتها وهو يعقد ذراعيه.

“الموضة؟”

“نعم، الموضة. كيف يمكنك إنشاء مؤسسة تعليمية جيدة في الدوقية إن لم تكن على دراية بالحضانات؟ سيكون ذلك لصالح تعليم سكان منطقتك أيضًا.”

تابعت كلامها بابتسامة لطيفة.

“يبدو أنك بحاجة إلى التقرّب من عالم الحضانات.”

“هل تلقيتِ من قبل عرضًا للعمل في التسويق المباشر؟ لديك موهبة في إقناع الناس.”

“أنا بالفعل شخص موهوب في هذا المجال.”

بالطبع، كانت تتحدث عن موهبتها في الإقناع.

“إذن، هل لديكَ رغبة في إعادة النظر في الموضوع؟”

عند سماع كلمات إيفينا، رفع رأسه قليلًا وكأنه يفكر، وتحرك تفاحة آدم البارزة لديه ببطء.

كان الجو جديًا، لكن لا يمكنني تجاهل مدى جاذبية قميصه المشدود بإحكام حول صدره.

لقد كان واضحًا جدًا، لذا لم أستطع إلا أن أنتبه له.

“….”

“….”

التقت نظرات كايدن وإيفينا مرة أخرى.

بإصبعه، نقر بخفة على كتيب قبول لوينديل، ثم رفعه بيده.

خرج صوته عميقًا وسلسًا.

“لنواصل الحديث. قبول الطالب.”

* * *

بعد ثلاثة أيام، دخل زوج جديد من الأحذية الصغيرة إلى فصل “أشعة الشمس”.

انحنى الطفل، الذي كان يرتدي زي الحضانة الأنيق، بلطف.

“مرحبًا… اسمي بانتايد هيلديبون…”

“إنه باك تنت! باك تنت، أنا ميرين!”

لوّحت ميرين بذراعيها الممتلئتين بحماس.

“ليس باك تنت، إنه باناتايد.”

صحح ماكسيون خطأ ميرين بوجه جاد ومهيب، نطق الاسم بوضوح.

عند سماع ذلك، تمتم بانتايد بوجه محبط.

“لكن اسمي بانتايد…”

لم يكن هناك طفل واحد يناديه باسمه الصحيح، حتى بانتايد نفسه.

كانت إيفينا مندهشة من عدد الطرق التي يمكن بها تحريف اسمه.

ثم أدهشتها الفوضى العارمة التي اجتاحت الفصل بسرعة.

“بانتيت، اجلس بجانبي!”

“لا! بجانبي أنا. لقد تركت لك المكان فارغًا!”

لقد كان الفصل هادئًا لبضعة أيام، لكن كما هو متوقع، يثبت فصلنا “أشعة الشمس” أنه الأكثر شغبًا هذا العام.

“لكنك لديك شريك بالفعل!”

“أرسلته بعيدًا قبل قليل.”

“لا!”

في إحدى الزوايا، كانت تدور حرب مواقع لا تقل عن الحروب الصليبية.

وفي الجانب الآخر، كان الأطفال يهرعون نحو بانتايد وكأنهم سيلتهمونه.

“بانتايد! هل صحيح أن هناك تمثالًا ضخمًا لوحش سحري في منطقتكم؟”

“أريد رؤيته! هل يمكنني زيارته؟”

لقد كان فوضى حقيقية.

“بانتايدو، اختر مكان جلوسك. هذا المقعد أم ذاك؟”

“اتخذ قرارك بحكمة. إن كنت تريد حياة مدرسية سهلة.”

ما الذي تمضغه سيريل بهذه الجدية؟ لا يوجد علكة في هذا العالم أصلًا.

ومن الذي ورث منه بانتايد هذه الشعبية؟

تمنت إيفينا لو استطاعت عرض هذا المشهد على الدوق هيلديبون.

فالأمر يبدو بعيدًا تمامًا عن مخاوفه بشأن احتمالية تعرض بانتايد للتنمر.

طقطق.

نقرت برفق على منصة المعلمة.

“يا أطفال، اجلسوا جميعًا. لقد حددت بالفعل مكان جلوس بانتايد. بانتايد، اجلس بجانب ماكسيون هناك. هل ترى المكان الذي أشير إليه؟”

“نعم…”

أومأ بانتايد برأسه بتعبير فارغ.

عاد طلاب فصل “أشعة الشمس”، الذين كانوا صاخبين، إلى مقاعدهم على مضض، لكن عيونهم كانت تلمع، مترقبة أي فرصة أخرى للفوضى، مثل الضباع المتربصة.

“حسنًا، سنبدأ الآن وقت القراءة. هل تذكرون حديثنا أمس؟”

“نعم!”

“اختاروا الكتب التي ترغبون في قراءتها وتبادلوا الحديث مع أصدقائكم بحرية.”

“نعم!”

أجاب الأطفال بحماس، ثم ركضوا جميعًا نحو رفوف الكتب دون استثناء.

أمسكت إيفينا بالأطفال الذين كادوا يسقطون، ثم خرجت من الفصل للحظات.

“لنرَ، أين كتاب تدريس السحر…”

هل تركته في غرفة المعلمين؟

بعد لحظة من التردد، توجهت خطواتها نحو غرفة المعلمين.

كان هناك بعض المعلمين الذين لم يكن لديهم حصة يجلسون معًا في مجموعة صغيرة.

“همم؟”

‘ما الذي يحدث؟’

بينما كانت إيفبنا تأخذ كتاب تدريس السحر في حضنها، أدخلت رأسها بين المعلمين الفضوليين.

“أيها المعلمون، ماذا تفعلون؟”

“آه، معلمة إيفنا! انظري إلى هذا، لقد وصلنا شيء من القصر الإمبراطوري. 

إنه يتعلق بموقع نزهة فصل الخمس سنوات هذا الربيع.

سيتيحون لنا استخدام أحد القصور داخل القصر الإمبراطوري مع الدفيئة!”

“ماذا؟ القصر الإمبراطوري؟”

ما هذا الحديث الغريب؟ لماذا القصر الإمبراطوري فجأة؟

هل أصبح الجميع يتخيلون الأشياء بسبب السهر المتكرر أثناء التخطيط لرحلة الربيع؟

أخذت الورقة التي قدمها لها أحد المعلمين.

وفي أسفل الوثيقة، كان هناك ختم العائلة الإمبراطورية حقًا.

“يعلن القصر الإمبراطوري عن توفير موقع لرحلة لوينديل الميدانية.”

وسط الكلمات الكثيرة المكتوبة، برزت هذه الجملة بوضوح تام.

“هل هذا حقيقي؟ لقد فوجئنا كثيرًا عندما رأيناه! بل إنه أُرسل باسم رئيس الإدارة التعليمية، البارون شوفين. تعرفينه، أليس كذلك؟”

إذًا، لم تكن وثيقة مزورة؟

ولكن لماذا يرسل القصر الإمبراطوري هذا فجأة؟

قرأت إيفينا تصريح الدخول إلى القصر مرة أخرى.

“لكن موقع الرحلة الميدانية قد تم تحديده بالفعل، أليس كذلك؟”

“نعم، لهذا السبب ستُعقد اليوم بعد الدوام جلسة اجتماع للمعلمين. هكذا قال المدير.”

يا إلهي، هذا يعني المزيد من العمل الإضافي.

شعرت إيفينا وكأن الدنيا أظلمت أمامها، رغم أن الشمس كانت لا تزال مشرقة في الصباح.

“لماذا قرر القصر الإمبراطوري فجأة تقديم هذا الموقع؟”

“من يعلم؟

ربما لم يعجب جلالة الإمبراطور كتيب الرحلة الميدانية؟

لكن، أليس هذا أمرًا رائعًا بالنسبة لنا؟ 

سنكون أول روضة أطفال تقوم برحلة ربيعية إلى القصر الإمبراطوري!”

يا للفرح…

المعلمون الجدد حماسهم كبير، لأنهم لا يعرفون بعد مدى إرهاق العمل الإضافي.

فركت إيفينا جبهتها التي بدأت تؤلمها، ثم ألقت الورقة على الطاولة باستسلام.

“حسنًا، فهمت. على أي حال، أنا في منتصف الدرس، سأعود الآن. أراكم لاحقًا.”

“نعم، إلى اللقاء!”

رافقها ضوء الشمس الصباحي الدافئ حتى غادرت غرفة المعلمين.

لكنها لم تكن تعلم آنذاك أن المدير سيقرر بالفعل تغيير الموقع.

“سنذهب إلى القصر الإمبراطوري.”

بعد عشر دقائق من بدء اجتماع المعلمين، قال المدير ذلك بحسم.

“لا يمكننا تجاهل هذه اللفتة الكريمة من القصر الإمبراطوري.”

وبهذه اللفتة الكريمة، أصبحت هي، وجميع معلمي فصل الخمس سنوات، على وشك الغرق في دوامة من العمل الإضافي المجنون.

كان عليهم إلغاء كل التخطيطات والتحضيرات التي عملوا عليها منذ بداية الفصل الدراسي حتى الآن.

بعض المعلمين، الذين يعرفون جحيم العمل الإضافي، كادوا يذرفون الدموع.

“علينا إعادة كتابة خطتنا بالكامل، أليس كذلك؟”

“وكذلك ترتيب جولة استطلاعية…”

“من سيتولى إلغاء الحجز في حديقة بحيرة أكيلين؟ أنا، كح كح كك، أعتقد أنني أصبت بالبرد.”

من الطبيعي أن يصاب أحدهم بالبرد فجأة أثناء الاجتماع، أليس كذلك؟

ضغطت إيفينا على جبهتها التي بدأت تؤلمها.

“كح، آه، يبدو أنني أصبت بالإنفلونزا… 

معلم ريل، أعد كتابة الكتيب من فضلك. 

بعد الجولة الاستطلاعية، سنعيد توزيعه إذا وجدنا أن القصر مناسب للرحلة الميدانية.

لا بد أن بعض أولياء الأمور سينزعجون من تغيير الموقع المفاجئ، لذا أرجو منك أن تنتبه لكل التفاصيل، قدر الإمكان.”

المعلمون على نفس الشاكلة، لا فرق بينهم.

بما أن البرد قد سُرق، فمن الأفضل أن تدّعي الإصابة بالإنفلونزا.

ضحك معلم ريل بسعادة عند سماعه كلمات إيفينا.

“نعم، معلمة!”

يا له من صوت مبتهج. هل هو سعيد إلى هذه الدرجة؟

بينما كان المعلمون الجدد يتبادلون الأحاديث بحماس، أمسكت إيفينا بهدوء استمارة  العمل الإضافي..