4
تك— تك— صعدت إفريلين درجتين بلا أن تُزيح نظرها عن الخادمة ، ثمّ لوت شفتيها ببرود و هي تنظر إليها.
ثمّ همست بصوتٍ منخفض: “لقد رأيتُ شقيقي يُنقذُ امرأةً مُدانة ليستخدمها في صيدِ المجرمين”
لم يكن ذلك حدثًا علنيًّا ، لكنّ الخادمة التي سمعت من هنا و هناك عن ذلك الصيد الوحشيّ شهقت بخفوت.
“ماذا تعنين؟”
“حاكمة الحرب التي نجت خمس مرّات ماتت البارحة في السّجن”
ارتعشت الخادمة لا إراديًّا حين التقت بعيني إفريلين البنفسجيّتين و قد غاصتا في العمق.
هي ليست سوى ابنةٍ غير شرعيّة ضعيفةٍ و مُهمَلة و «أميرةٍ» مُهانة ، لكنّ الخادمة شعرت بقشعريرة على عمودها الفقريّ كأنّ وحشًا مفترسًا يومض بعينيه أمامها.
“كان يفضّل النساء اللواتي يصرخن بصوتٍ عالٍ … و يبدو أنّ صوتكِ سيناسب كثيرًا”
و ما إن لوت إفريلين شفتيها بابتسامةٍ ثقيلة حتّى تجمّدت ملامح الخادمة.
“… ما الّذي تقولينه يا صاحبة السّموّ! لم أفعل شيئًا ، لماذا تقولين كلامًا لا معنى له …!”
“قبل يومين سرقتِ سوارًا لي. قبل أسبوع سرقتِ أقراطًا من هدايا الخطوبة القادمة من دوقيّة بلايز. و قبل شهر ، ماذا كان …”
كان في ذاكرة إفريلين الكثير من الأشياء التي شاهدتها و تغاضت عنها.
“ها! لا تُلفّقي التّهم للناس!”
“سنرى إن كنتِ بريئة أم لا عندما يُفتَّشُ سموّ الأمير غرفتكِ و ما حولها تفتيشًا دقيقًا”
حدّقت إفريلين في الخادمة بعينين تلمعان بمتعةٍ حقيقيّة.
و كأنّها على وشك أن تُرشِّحها لتكون ضحيّة في ذلك الصيد المروّع. ارتجفت الخادمة من تلك الابتسامة.
تراجعت خطوة ، خطوتين ، ثمّ تعثّرت بحافّة الدرج و وقعت على مؤخرتها.
و وضعت خادمةٌ أخرى كانت تُراقب المشهد يدها على فمها بيدٍ ترتعش.
“أ ، أ ، أ … أنا …”
هي نفسها التي كانت ترفع ذقنها بكبرياء قبل قليل ، أصبحت الآن تحدّق بإفريلين و وجهها شاحب ، كأنّ روحها خرجت منها.
لقد نسيت هي و الأخريات شيئًا مهمًّا.
هذه الأميرة غير الشرعية قد تكون منبوذة و هزيلة ، لكنّها على الأقل قادرة على الحديث مع الأمير الّذي لا يجرؤنَ هنّ على مخاطبته بكلمة.
انحنت إفريلين قليلًا و واجهت الخادمة التي كانت تحاول تجنّبها.
و ما إن رأت الخادمة أنّها لم تعد قادرة على مواجهتها بالنّظر حتى ارتسمت على شفتي إفريلين ابتسامة مُرّة.
تداخل لديها شعوران: السّخريّة من إفريلين القديمة الّتي كانت تُعذَّب من هكذا حشرات ضعيفة ، و الشفقة عليها في الوقت نفسه.
“هَا …”
عندما أمسكت إفريلين بياقة الخادمة بإحكام ، اتّسعت عينا الأخيرة بصدمة و ارتعشت مجددًا.
غرست إفريلين صوتها كأنّه شوكة في أذنها: “جرّبي فقط أن تُحرّكي لسانك ثلاث بوصات بعد اليوم”
‘ستموتين حتمًا—’
ثمّ أفلتت ياقة الخادمة ببطء ، وحدّقت فيها بعينين باردتين تمتلئان بالاحتقار ، قبل أن تستدير صاعدةً الدرج.
و بقيت الخادمة جالسة تلهث طويلًا و هي غير قادرة على استعادة وعيها.
و في أثناء ذلك ، كانت إفريلين قد صعدت الدرج نحو غرفتها ، و الساقان المرتجفتان للخادمة ما تزالان عالقَتين في ذهنها.
أمّا هي ، فقد بدأت تشعر بضيق تنفّس شديد من جديد.
أمست فكرة الخادمة تافهة في نظرها ، بينما كان عقلها مزدحمًا بخططٍ لما سيأتي.
خصوصًا أنّ هذا الجسد الهزيل الخاصّ بـ <بيلاتوكزين> إن لم تُعالجه فستلقى حتفها قريبًا.
‘أوّلًا أُدوّر الأورا و أوسّع نواة الأسترا. بعد توسيعها أُحاول كبح السّم’
النجاة من السم لا تُتاح إلّا لمن يصل إلى مرتبة الـ«ماستر».
و للوصول إليها يلزم وجود نواة أسترا قويّة قرب القلب.
لكنّ هذا الجسد لم يُشكّل نواة من قبل ، و لم يُدر أورا قط.
و لذلك يجب أوّلًا تقوية الجسد ثمّ تشكيل النواة.
و إن نجحت في تشكيلها ، تكون قد تجاوزت أول بوابة.
“كـح”
و لمّا بلغت قمّة الطابق السابع—و هو ما كان سهلًا على جسدها الأصليّ—انفجرت بسعالٍ حاد.
و شعرت بألمٍ صدريّ كأنّ هراوة تضرب قلبها.
ترنّحت قليلًا و اتّجهت نحو غرفتها كما تحفظها في الذاكرة.
لم تجرؤ أيّ من الخادمات المرتجفات على اللحاق بها.
“هه … هه …”
كان الباب المتهالك في نهاية الممرّ يبدو كأنّه سيتحطّم مع ركلة واحدة.
فتحته بصوتٍ صرير و دخلت غرفتها التي لا تختلف كثيرًا عن غرف الخادمات ، ثمّ جلست على السرير العتيق.
و رغم الألم الضاغط على صدرها ، جلست باعتدال و اتّخذت وضعية التدريب.
و بدأت تتنفّس على طريقة الفرسان ، تُهدّئ الألم.
و أخذت تشعر بالطاقة التي تملأ الأجواء و تُدوّرها ببطء داخل جسدها.
و لِمَن لم يُدرِّب من قبل ، فإنّ تنفّس الأورا وحده يحتاج أكثر من عام.
لكنّ إفريلين التي بلغت مرتبة سيد السيف من قبل تجد الأمر في غاية السهولة.
‘لنعثُر على موقع النواة’
بحثت بدقّة عن الموضع القريب من القلب حيث تتجمّع الطاقة الداخلة عبر التنفّس.
و كما يكتشف طبيبٌ ماهرٌ موضع العلّة ، وجدت المكان المثاليّ لتشكيل النواة الجديدة في هذا الجسد.
مكانٌ مناسب تمامًا أسفل القلب.
و ما عليها إلّا متابعة تنفّس الأورا و مراكمة الطاقة لتشكيل النواة.
صحيح أنّ الجسد ليس موهوبًا مثل جسد دافني ، و لكنّه ليس سيّئًا للتطوير.
و كان هناك احتمال بقدر الثلث أن يكون الجسد عاجزًا عن تشكيل نواة ، لكنّها نجت من ذلك.
‘إذا وسّعتُ النواة فسيمكنني كبح السّم خلال شهر’
الشفاء الكامل بعيد ، لكنّها على الأقل ستمنع الجسد من الذوبان بسبب السمّ و الموت السريع.
و لو كانت الأميرة قد لجأت إليها متأخرة قليلًا ، لما استطاعت منع الموت رغم خبرتها.
لحسن الحظّ، ما يزال هناك أمل.
‘و بقي شيءٌ آخر يجب عليّ الانتباه له …’
أنهت دورة من تنفّس الأورا ، و نهضت تمسح العرق عن جبينها و هي تنظر إلى مكتبها البالي.
فوقه تقويمٌ موسوم فيه تاريخ زفاف إفريلين في الشهر القادم.
‘… الزَّواج’
السبب الّذي جعل الأمير سيدريك يزجّ بها في السجن—
زواجها من دوق بلايز الذي بقي عليه شهر.
الرّجل الذي يريد الإمبراطور و الأمير قتله.
إدوين كرويل بلايز.
حاكم الشمال المُثلج ، و المعروف بأنّه «سيف الإمبراطور».
أحد أعمدة نبلاء الإمبراطورية. و قد رأته في الحرب.
ذلك الرجل الطويل ذو الخوذة التي تغطي وجهه ، يقود جيش الشمال الحديديّ مُكتسحًا الأعداء.
كان أحد «سادة السيف» في الإمبراطورية و صاحب قوّةٍ هائلة.
و ما زالت في ذاكرتها عيناه الزرقاوان اللامعتان كأنّهما تُجمّدان العالم.
“…….”
ارتجفت عينا إفريلين حين تداخلت تلك النظرة مع نظرةٍ رأتها في صيد البشر.
عينان باللون نفسه ، خلف قناع «النايت» الذي وجّه إليها فوهة البندقية.
دوّى صوتٌ يمزّق السّماء—و سقط والدها ينزف من صدره.
ارتجفت قبضتها و هي تستعيد المشهد.
‘لا يمكنني الجزم’
عينان زرقاوان ، مقربٌ من الإمبراطور ، و يستعمل السلاح الناريّ.
ثلاث صفات يصعب اجتماعها ، لكنّها لن تحسم بشيء.
‘لكنّ الاحتمال كبير’
«النايت» … قاتل أبيها. الّذي أقسمت مرارًا أن تطعن قلبه بسيفها.
و إن كان هو إدوين كرويل بلايز الّذي ستتزوّجه …
ارتجفت شفتها السفلى.
و امتلأت عيناها البنفسجيّتان ببريقٍ من النشوة المرعبة.
‘إن كان هو «النايت» فسأُفجّر قلبه بيدي’
طبعًا ، يجب أن يكون كلّ شيء مُتقَنًا.
فهي تنوي قتل الصيادين الأربعة كلّهم.
**
في غرفة الأمير سيدريك ، كانت امرأتان نائمتين.
وقف سيدريك عند الشرفة مرتديًا رداءً أبيض مفتوح الصدر ، مستندًا إلى الدرابزين و بيده كأس خمر.
و خطر بباله وجهٌ لامرأة ذات نظرات حادّة و نبرات متوتّرة.
خفض نظره إلى حذائه.
ذلك الإحساس بعظام أصابع امرأة كانت أقوى مما يبدو على امرأة.
“…….”
أفاد الطبيب الشرعي أنّها ماتت من توقّف القلب بلا إصابات خارجيّة أو داخليّة.
امرأة نجت خمس مرّات من الصيد ، تموت بلا أيّ علامة؟
شكّه لم يهدأ حتى شاهد جثّتها و هي تُحرق أمامه و ترتفع حتى تتحوّل إلى رمادٍ أسود.
النتيجة: دافني أغريف ماتت فعلًا.
و مع ذلك ظلّت تتعلّق في ذهنه ، لعلّه بسبب الأسف.
كان يريد رؤية وجهها المرتعب و سماع صرخة موتها.
أو ربّما … كان يريد رؤية شيءٍ آخر فيها.
نظر بطرف عينه إلى المرأتين المرهقتين على السرير ، ثمّ شرب الخمر بلون الدّم دفعة واحدة.
و ارتفع و انخفض جرسوم حنجرته مع ابتلاع السائل.
التعليقات لهذا الفصل " 4"